حفار ساق التفاح
أنا فراشة ليلية، أختبئ نهارًا، وأنشط ليلًا في فصلَي الربيع والصيف، بِدءًا من شهر أيار وحتى شهر حزيران. تجذبني مصابيح الإنارة الليلية في شُرفات منازلكم، أو على جدران مزارعكم، فترَوني أحط عليها أو قريبًا منها.
لوني أبيض جميل، تُزيِّنه عددٌ من البقع الزرقاء الغامقة المسودَّة تنتشر على أجنحتي، إضافةً إلى ست بقع متتابعة تنتشر على صدري المغطى بالوَبَر الأبيض. أمتاز عن الذَّكَر؛ فأنا أكبر حجمًا، يبلغ طولي ٢٫٥سم، والمسافة بين طرفَي جناحَي حوالي ٦سم، ولي قرون استشعار خيطية، بينما يكون الذَّكَر أصغر حجمًا، تبلغ المسافة بين طرفي جناحَيه حوالي ٤سم، وله قرون استشعار مشطية.
أُدعى حفارة ساق التفاح على الرغم من أنني أُصيب الساق في كثير من الأشجار المثمرة في مزارعكم؛ مثل أشجار الزيتون، والرُّمان، والسفرجل، والإجاص، والخوخ، والمشمش، والكمثرى، والكرز، وبعض الأشجار في الغابات.
فترة حياتي قصيرة، تمتد عدة أيام لا أتغذَّى خلالها، فما إن أخرج من طَور العذراء فراشةً كاملة، حتى أطير ليلًا مرسلةً مادةً كيميائية جاذبة للذكور تسمَّى الفيرومونات، يهتدي بها الذَّكَر إلى مكان تواجدي، وبعد التزاوج أبدأ في البحث عن الأماكن المناسبة لوضع البيوض التي قد يصل عددها من ٥ إلى أكثر من ألف بيضة، أضعها في الشقوق أو القلف على ساق الشجرة أو على أغصانها. تكون البيوض في بداية وضعها صفراء فاتحة اللون، بحجم ١مم، ثم يتحول لونها إلى اللون الوردي مع تقدُّم النمو الجنيني.
تفقس البيوض خلال أسبوعين عن يرقات صغيرة تُباشر الحفر تحت سطح القشرة في الخشب الخارجي للأفرع، ومع تقدُّمها في النمو، تتابع الحفر عميقًا في الخشب الداخلي، وتعمل أنفاقًا متجهةً إلى الأسفل، والأعلى، يتصل النفق بالمحيط الخارجي بواسطة ثقب مفتوح تدفع منه اليرقة ما تُفرزه من برازها ممزوجًا بنشارة الخشب.
في هذا النفق الذي يبلغ طوله عادةً ٣٠سم تقضي اليرقة صيفها، وخريفها، وشتاءها، حيث تستمر في الحفر شتاءً، أو تسكن لتعاود تغذيتها وحفرها في الربيع التالي.
تُتابع اليرقات حفرها في الساق، والأغصان، منتقلةً من فرع إلى آخر، مؤديةً إلى ضعف هذه الأفرع، وجفافها، وتعرُّضها للكسر بفعل الرياح، أو نتيجةً لثقل حملها من الثمار.
قد تعيش اليرقة في النفق لمدة عامين، وفي الربيع تتجه اليرقات الناضجة إلى فتحات قُرب سطح الساق، وهناك تتحوَّل إلى عذارى، لا تلبث بعد (٢-٣) أسابيع أن تتحرَّك قليلًا لتُخرج نصفها الأمامي من فتحة النفق، ثم تخرج الحشرة البالغة فراشةً بيضاء جميلة منقَّطة، تطير ليلًا لتتابع دورة حياتها القصيرة، حيث تتزاوج، وتضع البيوض.
تترك اليرقاتُ خلفها على ساق الشجرة التي أصابتها، أو على فروعها، ثقبًا واحدًا أو أكثر، تسيل منه عصارة نباتية، مع تجمُّع نشارة الخشب الممزوجة بإفرازات اليرقة حول الثقب، وتحته مباشرة، دالةً على وجودها أو إصابة الشجرة بها.
يعتبروني من الحشرات ذات الأهمية الاقتصادية الكبيرة التي يجب مكافحتها لكثرة أنواع الأشجار المثمرة التي أضع بيوضي على سوقها، وأغصانها؛ حيث تفقس هذه البيوض عن يرقات نهمة تثقب قشرة الساق، أو الفروع، والخشب، عاملةً أنفاقًا فيها مؤديةً إلى ضعف الشجرة، وجفاف أفرعها المصابة، وتكسُّرها بفعل الرياح، أو الحمل، أو عند القطاف، كما تجف القمم النامية في الشجرة، وفي نهاية المطاف، يلاحَظ وجود نُقط صمغية على الجذع، مع توقف سير العصارة النباتية بسبب وجود اليرقة وتآكل الخشب، فتموت الشجرة لذلك؛ ممَّا يسبِّب نقمة المزارع على اليرقات نتيجة وجودها داخل أشجاره، فيلجأ إلى استخدام المبيدات الكيمائية السامة التي يضعها في الثقوب التي أحدثتها اليرقات على السوق، والفروع، ويسدها بمعجونة، أو ببذور القطن المبللة بالمبيد من أجل حبس أبخرة المبيد مع اليرقات داخل النفق فتموت داخله.
وقد يلجأ إلى استخدام سلك معدني معكوف في نهايته، يُدخله في الثقب ويسحب اليرقة إلى خارجه، أو يقضي عليها داخله.
وتتعرَّض يرقاتي في أنفاقها داخل السوق والفروع والأغصان إلى خطر آخر يتمثَّل بعدو حيوي هو الطيور، وخاصةً نقار الخشب الذي يبحث عنها بمنقاره الطويل القوي.
أمَّا بيوضي، فتتعرَّض هي الأخرى قبل فقسها إلى متطفِّل حيوي آخر هو أحد أنواع نمل الحدائق، أو الحقول، حيث تتسلَّق سوق الأشجار والفروع باحثةً عن بيوضي، فتجد فيها طعامًا مغذيًا، عاملةً بذلك على تقديم خدمة مجانية للشجرة، وللمزارع، فتحمي أشجاره قبل فقس البيوض وخروج اليرقات الجائعة.
أنا حفار ساق التفاح، أنتشر في كثير من بلدان العالم، وأُصيب أنواعًا كثيرة من أشجار الفاكهة، وبعض الأشجار الحراجية. أتسبَّب بخسائر اقتصادية كبيرة تتعلَّق بتدنِّي الإنتاج، وموت كثير من الأشجار التي تسكنها يرقاتي.
اسمي العلمي زيوزيرو بيرينا، من شعبة مفصليات الأرجل، صف الحشرات، رتبة حرشفيات الأجنحة، عائلة حفارات ساق التفاح، جنس زيوزيرا، نوع بيرينا، وينتهي نسبي إلى المملكة الحيوانية.