اتفاقية ١٩ يناير سنة ١٨٩٩
وفاق
بين حكومة جلالة ملكة الإنجليز وحكومة الجناب العالي خديو مصر بشأن
إدارة السودان في المستقبل
حيث إن بعض أقاليم السودان التي خرجت عن طاعة الحضرة الفخيمة الخديوية قد صار افتتاحها بالوسائل الحربية والمالية، التي بذلتها بالاتحاد حكومتا جلالة ملكة الإنجليز والجناب العالي الخديوي.
وحيث قد أصبح من الضروري وضع نظام مخصوص لأجل إدارة الأقاليم المفتتحة المذكورة وسن القوانين اللازمة لها بمراعاة ما هو عليه الجانب العظيم من تلك الأقاليم من المتأخر وعدم الاستقرار على حالٍ إلى الآن، وما تستلزمه حالة كل جهة من الاحتياجات المتنوِّعة.
وحيث إنه من المقتضى التصريحُ بمطالب حكومة جلالة الملكة المترتِّبة على ما لها من حق الفتح، وذلك بأن تشترك في وضع النظام الإداري والقانوني الآنف ذكره، وفي إجراء تنفيذ مفعوله وتوسيع نطاقه في المستقبل.
وحيث إنه تراءى من جملة وجوه أصوبية إلحاق وادي حلفا وسواكن إداريًّا بالأقاليم المفتتحة المجاورة لهما.
- المادة الأولى: تطلق لفظة السودان في هذا الوفاق على جميع الأراضي الكائنة
إلى جنوبي الدرجة الثانية والعشرين من خطوط العرض وهي:
- أولًا: الأراضي التي لم تُخْلِهَا قط الجنود المصرية منذ سنة ١٨٨٢ أو …
- ثانيًا: الأراضي التي كانت تحت إدارة الحكومة قبل ثورة السودان الأخيرة، وفُقِدَتْ منها وقتيًّا، ثم افتتحتها الآن حكومة جلالة الملكة والحكومة المصرية بالاتحاد، أو …
- ثالثًا: الأراضي التي قد تفتتحها بالاتحاد الحكومتان المذكورتان من الآن فصاعدًا.
- المادة الثانية: يُستعمَل العلم البريطاني والعلم المصري معًا في البر والبحر بجميع أنحاء السودان، ما عدا مدينة سواكن فلا يستعمل فيها إلا العلم المصري فقط.
- المادة الثالثة: تُفَوَّضُ الرئاسة العليا العسكرية والمدنية في السودان إلى موظف واحد يلقب «حاكم عموم السودان»، ويكون تعيينه بأمر عالٍ خديويٍّ بناءً على طلب حكومة جلالة الملكة، ولا يُفصَل عن وظيفته إلا بأمر عالٍ خديويٍّ يصدر برضاء الحكومة البريطانية.
- المادة الرابعة: القوانين وكافة الأوامر واللوائح التي يكون لها قوة القانون
المعمول به، والتي من شأنها تحسين إدارة حكومة السودان، أو
تقرير حقوق الملكية فيه بجميع أنواعها وكيفية أيلولتها
والتَّصَرُّف فيها، يجوز سَنُّهَا أو تحويرها أو نسخها من وقت
إلى آخر بمنشور من الحاكم العام، وهذه القوانين والأوامر
واللوائح يجوز أن يسري مفعولها على جميع أنحاء السودان، أو على
جزء معلوم منه، ويجوز أن يترتب عليها صراحةً أو ضمنًا تحوير أو
نسخ أي قانون، أو أي لائحة من القوانين أو اللوائح
الموجودة.
وعلى الحاكم العام أن يُبلِغ على الفور جميع المنشورات التي يصدرها من هذا القبيل إلى وكيل وقنصل جنرال الحكومة البريطانية بالقاهرة، وإلى رئيس مجلس نُظَّار الجناب العالي الخديوي.
- المادة الخامسة: لا يسري على السودان أو على جزء منه شيء ما من القوانين أو الأوامر العالية، أو القرارات الوزارية المصرية التي تصدر من الآن فصاعدًا، إلا ما يصدر بإجرائه منها منشور من الحاكم العام بالكيفية السالف بيانها.
- المادة السادسة: المنشور الذي يصدر من حاكم عموم السودان ببيان الشروط التي بموجبها يصرح للأوروبيين من أية جنسية كانت بحرية المتاجرة أو السُّكنى بالسودان، أو تملُّك ملك كائن ضمن حدوده، لا يشمل امتيازات خصوصية لرعايا أية دولة أو دول.
- المادة السابعة: لا تُدفَع رسوم الواردات على البضائع الآتية من الأراضي المصرية حين دخولها إلى السودان، ولكنه يجوز مع ذلك تحصيل الرسوم المذكورة على البضائع القادمة من غير الأراضي المصرية، إلا أنه في حالة ما إذا كانت تلك البضائع آتية إلى السودان عن طريق سواكن أو أية مينا أخرى من مواني ساحل البحر الأحمر، لا يجوز أن تزيد الرسوم التي تحصل عليها عن القيمة الجاري تحصيلُها حينئذٍ على مثلها من البضائع الواردة إلى البلاد المصرية من الخارج. ويجوز أن نقرر عوائد على البضائع التي تخرج من السودان بحسب ما يقدره الحاكم العام من وقت إلى آخر بالمنشورات التي يصدرها بهذا الشأن.
- المادة الثامنة: فيما عدا مدينة سواكن لا تمتد سلطة المحاكم المختلطة على أية جهة من جهات السودان، ولا يُعتَرَف بها فيه بوجه من الوجوه.
- المادة التاسعة: يُعتَبر السودان بأجمعه — ما عدا مدينة سواكن — تحت الأحكام العرفية، ويبقى كذلك إلى أن يتقرر خلاف ذلك بمنشور من الحاكم العام.
- المادة العاشرة: لا يجوز تعيين قناصل أو وكلاء قناصل أو مأموري قنصلاتات بالسودان، ولا يُصرَّح لهم بالإقامة به قبل المصادقة على ذلك من الحكومة البريطانية.
- المادة الحادية عشرة: ممنوع منعًا مطلقًا إدخال الرقيق إلى السودان أو تصديره منه، وسيصدر منشور بالإجراءات اللازم اتخاذها للتنفيذ بهذا الشأن.
- المادة الثانية عشرة: قد حصل الاتفاق بين الحكومتين على وجوب المحافظة منهما على تنفيذ معاهدة بروكسل المبرمة بتاريخ ٢ يوليو سنة ١٨٩٠، فيما يتعلق بإدخال الأسلحة النارية والذخائر الحربية والأشربة المقطرة أو الروحية وبيعها أو تشغيلها.
ومن تلاوة هذه الاتفاقية يتبين أن نصوصها مبهمة جدًّا، وأنه من الممكن تأويلها بوجوه كثيرة، لا سيما إذا كان أحد المتعاقدَيْن قويًّا لدرجة أنه يستطيع بقوته أن يضع الآخر تحت وصايته رغم إرادته.
لاحظت فيما أبداه مجلس شورى القوانين من الملاحظات أثناء النظر في ميزانية السنة الحالية، أن المجلس المذكور يوافق على المصروفات المقدرة لحكومة السودان؛ لأن الأعضاء يعتبرون تلك البلاد «جزءًا من كيان مصر لا يتجزأ»، وهذا الرأي وإن كان صحيحًا في الجوهر إلا أن نظام الحكم في السودان مُقَيَّدٌ بنصوص الاتفاقية المبرمة بين مصر وبريطانيا العظمى في ١٩ يناير سنة ١٨٩٩.
وحيث إنه من الجائز أن يكون بعض أعضاء هذا المجلس غير محيط بمرمى هذه الوثيقة إحاطة تامة، فأنتهز هذه الفرصة لأبين أنها لم تُبْرَمْ لرغبة في النفس، أو لغرض انتقاص حقوق مصر الشرعية. فأغراض واضعيها الأصلية كانت أولًا توطيد أركان حكومة صالحة لشعب السودان. ثانيًا؛ وقاية هذه البلاد من الارتباكات الخاصة التي خلقها في مصر نظام دولي — أي الامتيازات — ولا يجهل أعضاء المجلس — على ما أظن — ما تؤدي إليه هذه الارتباكات من شتى العراقيل.
وقد لاحظت أيضًا أن المجلس المذكور يطلب تبليغه تفاصيل إيرادات حكومة السودان ومصروفاتها. ومن البَيِّنِ أنه لا يمكن أن نعارض في إجابة مثل هذا الطلب الحق؛ ولذلك عنيت بتلبيته، وأرسلت إلى المجلس المشار إليه ميزانية حكومة السودان عن السنة الحالية. ا.ﻫ.
ولقد سئلت مرارًا لماذا لا تتحمل الخزينة الإنجليزية قسمًا من النفقات اللازمة لإدارة البلاد ما دامت الراية الإنجليزية تخفق عليها بجانب الراية المصرية، وهو سؤال في محله ولكن الجواب عليه بسيط جدًّا عند جميع الذين يعرفون تاريخ الاتفاقية المعقودة في ١٩ يناير سنة ١٨٩٩. وبموجب موادها منح السودان مركزًا سياسيًّا خاصًّا. وهو أن تلك الاتفاقية وُضِعَتْ خاصة لتلخيص السودان ومصر أيضًا في إدارة شئون السودان من القيود الدولية المشوشة التي آلت إلى كثير من الاختلاط والارتباك في الإدارة المصرية. ولولا هذا الاعتبار ما كان هناك داعٍ من الوجهة الإنجليزية يدعو إلى رفع الراية الإنجليزية على الخرطوم أكثر مما يدعو إلى رفعها على أسوان أو طنطا. ا.ﻫ.
ويتضح بجلاء تام من الشروح التي ذكرها لورد كرومر فيما تقدم أن حقوق مصر في السودان ظلت مُعتَبَرة ومَصُونة رسميًّا حتى بعد توقيع الاتفاقية. وهذه التصريحات لها قيمتها الخاصة لأنها صادرة من الواضع الأصلي لهذه الاتفاقية، وهو أدرى وأجدر بتفسيرها بلا نزاع، وبتبديد ما في نصوصها وعباراتها من اللبس والإبهام. ومن غير الجائز أيضًا أن نظن لحظة واحدة أن اللورد كرومر أقدم من تلقاء نفسه على هذه التفسيرات بدون موافقة حكومته. وبناءً على ذلك تعتبر تفسيراته السابقة لتلك الاتفاقية اعترافًا رسميًّا من جانب الحكومة البريطانية بحقوق مصر في السودان.
فهل كانت إنجلترا يا تُرى مخلصة في تصريحاتها أم كانت تبديها لتغري الوزراء المصريين على توقيع الاتفاقية، ولتدع الرأي العام في مصر يتخيل أن حقوقه ظلت باقية في الحفظ والصون.
- (١)
غير مسموح لحكومتنا المصرية أن تخاطب حاكم السودان العام رأسًا، والحال أنه معين بمرسوم من جلالة ملك مصر.
- (٢)
ولا يجوز لمصري منا أن يدخل السودان إلا بعد قيامه بإجراءات رسمية معينة وحصوله على جواز بذلك، كما لو كان مسافرًا إلى الروسيا أو الصين تمامًا، والله وحده يعلم كم من عقبات تعترض طريقه قبل حصوله على هذا الجواز.
- (٣)
وليس لأبنائنا المصريين المقيمين في السودان الحق في دخولهم مدارس حكومة السودان، حتى لو كان آباؤهم من موظفي هذه الحكومة.
ويظهر أن الصفة التي لمصر في هذه الشركة تنحصر في أن تدفع الأموال لتحسين هذا الإقليم، وتريق دماء أبنائها في سبيل استعادته. وكل ذلك لتنتفع إنجلترا وتنافسنا فيما نزرعه من قطن، وتضع يدها على موارد المياه التي تروي حقولنا حتى تكون أرواحنا في قبضة يدها!
فلتعلم إنجلترا أن هذه جميع الأمور لا ترضينا؛ لأنها ليست من مصلحتنا في شيء، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجد بين المصريين من يقبلها.
الخلاصة
إن شروط الاتفاقية الإنجليزية المصرية يكتنفها الكثير من الغموض؛ ولذا يمكن تأويلها بوجوه كثيرة لا سيما إذا كان أحد المتعاقدين من القوة بحيث يرغم الآخر على البقاء تحت وصايته.
ويعود فضل معرفتنا الغرض من عقدها إلى لورد كرومر الواضع الأصلي لها، فقد قال في شروحه عليها إن هذه الاتفاقية إنما عُقِدَتْ للتخلص من التدخل الدولي، وإن ما رآه مجلس شورى القوانين من أن السودان جزء من مصر لا يتجزأ، هو رأي صحيح.
ولكن من سوء الحظ أن هذه النظريات مهملة وغير معمول بها الآن، والسودان بالحالة الراهنة أصبح مستعمرة بريطانية محرمًا دخوله على المصريين. على أن مصر لا تستطيع بعد ما بذلته من دَمٍ ومال في سبيل استعادة السودان أن تقبل بحال من الأحوال الانفصال عنه؛ إذ هو جزء مكمل لأراضيها ولا حياة لها بدونه.