الفصل السابع عشر
عندما وصَلوا إلى المدينة بعد أسبوعين، فُتحَت أبواب المدينة مرةً أخرى؛ لأن ما أخبر به كيلار الناسَ أكَّدَه الرسل الذين أرسلَهم كورلاث، وفي ساحة لابرون، كان هناك الآلافُ من أهل التلال ينتظرون لتحيةِ ملكهم وعروسه؛ لأن الرسل أخَذوا على عاتقهم أن يُخبروا الناس بأكثرَ ممَّا أمرهم به كورلاث. مكَث بالمدينة كلُّ من جاءوا طلبًا للأمان، ومعظم أولئك الذين اختاروا البقاءَ في أراضيهم، على الرغم من خطر غزو جيش الشمال، غادَروها الآن ببهجةٍ للإسراع إلى المدينة وحضورِ حفل زواج ملكهم؛ لأن الأخبار كانت بطريقةٍ ما تَعبُر الجبالَ والصحراء، وتنتشر في كل الاتجاهات، وعلمَت دامار كلُّها بهريماد-سول، وأنها ستُصبح ملكة، حتى في الموقع النائي المنعزِل حيث توجد قبيلةُ فيلانون، وقد سافر مائةٌ من قوم كينتار إلى المدينة بصحبة أهل قرية ناندام — بمَن في ذلك رايلي، التي كانت متحمسةً للغاية، ووالدتها، التي كانت متوترةً للغاية بسبب رايلي — لحضور حفل الزفاف.
تزيَّنَت المدينة بالورود، ونُسِجَت عباءاتٌ طويلة من الزهور، ووُضِعَت حول أكتاف كورلاث وهاري، وفوق عنق تسورنين وأيسفاهل، وأُقيم الاحتفال في الفناء الأبيض الزجاجي أمام قصر كورلاث. كان الناس يتدلَّون من النوافذ والشرفات، ويتشبَّثون بالمنحدر الجبلي الشديدِ الانحدار في تزاحمٍ شديد، ويتراصُّون ملتصقين بالجدران، ويحتشدون في الفِناء نفسه حتى لم تعد هناك سوى مساحةٍ ضيقة للغاية كي يسير الملك والملكة من باب القصر إلى بوابة الفِناء، حيث أخذا يُلوحان ويبتسمان ويُلقيان حلوى كافتبا، وهي الكعكات الصغيرة التقليدية التي تُمثل حظًّا سعيدًا لأي شخص يمكنه التقاطُ واحدة منها وتناولُها. وقد ألقيَا منها الكثيرَ والكثير، حتى يحصل أيُّ شخص يريد واحدةً على ما يريد، وكان كلُّ شخص يريد واحدة. ثم عادا مرةً أخرى إلى داخل القصر. ومن ثَم أمضَيا ليلة زفافهما في الغرفة الصغيرة ذات مسقط الماء، في القصر المزيَّن بالفُسيفساء الأزرق. وقبل أن يناما، بدأ كورلاث المهمةَ الطويلة المتمثِّلة في حكْيِ كلِّ حكايات إيرين على مسامع هاري، مثلما وعَد مرةً أنه سيفعل. وامتدَّ الحكيُ على مدى العديد من أمسياتهما معًا؛ لأن رغبة هاري في الاستماع إليها جميعًا لم تكلَّ — وعندما سمعتها جميعًا، كان زوجها الصبور مطالَبًا بتعليمها كلَّ ما بها من مهارات، وعندما علمَت بكل ما لديه، ابتكرَت له بعض الحكايات وعلَّمَته إياها.
وكان جونتوران معلَّقًا على جدار القاعة الكبرى، التي أدَّت هاري بداخلها، مثلَ كلِّ الفرسان من قبلها، طقوسَ حصولها على لقبِ فارسٍ بجرح يدها على سيف الملك. وعُلِّق سيف الملك في مقابله؛ لأنه لا يمكن تعليقُ أي سيف في القاعة الكبرى سِوى سيفَي الملك والملكة فقط. كان جونتوران قد أمضى سنواتٍ عديدة وهو ملفوفٌ في لفافةٍ قماشية داخل صندوق خشبي قديم، وقد استحال لونُه أسودَ بمرور الزمن، منذ آخرِ مرة عُلِّق فيها في القاعة الكبرى. وبعد احتفالات الزفاف، عاد الجميع إلى بلدانهم؛ لعدم قدرة أحدٍ على السفر عندما تتساقط الأمطار الشتوية.
وقد ظلَّ وفد فيلانون في المدينة حتى انتهَت الأمطار؛ من ناحيةٍ لتقديم الاحترام الواجب للمدينة والملك الذين تولَّوا بعيدًا عنهم قبل سنواتٍ عديدة، ومن ناحيةٍ أخرى لأسبابٍ أصبحَت واضحة — على الرغم من أن الجميع كان يعرف بالفعل ما كان يحدث — عندما تزوج ريتشارد كرو من كينتار بحلولِ فصل الربيع، وعاد معها ومع وفد فيلانون إلى الطرَفِ الغربي من دامار، على الرغم من أنه تجنَّب بحرصٍ قاعدة الأغراب. وهكذا أصبح الفيلانونيُّون معروفين مرةً أخرى للملك ومدينته؛ لأن الملكة الدامارية غالبًا ما كانت تزور شقيقَها، وكثيرًا ما زارها هو. ولم يكن ريتشارد سعيدًا بالكلية بامتطاءِ الخيل على طريقة أهل التلال، لكن كانت لديه موهبةٌ في صناعة الأخشاب والرماية التي لربما كانت ترقى إلى منزلة العطيَّة.
علَّم ريتشارد أختَه أن تُمسك القوس بالشكل الصحيح، وأن تُصوِّب سهمًا في المكان الذي تريده إلى حدٍّ ما، لكن هاري لم تستطع الوصولَ إلى مرحلة التميُّز في هذا المِضمار.
«هل تتحدث إلى سِهامك، وتُخبرهم أن يجدوا الغزالَ الذي لا بد أنه يختبئ وسط تلك الشجيرات هناك في مكانٍ ما ويُصيبوه؟»
«هل طلبت من جونتوران هدْمَ الجبال على رأس ثورا القبيح؟»
جرَت هذه المحادثة بعد عام تقريبًا من تعليق جونتوران على جدار القصر، واستغرقَت هاري في الضحك.
كانت مولودة كينتار الأولى طفلةً ذاتَ شعر أشقر وعينَين رماديتين، وقد وُلدت قبل هطول الأمطار الشتوية التالية. ثم وُلد مولود هاري الأولُ بعد أسبوعين من ذلك — وقد قالت هاري، وهي تضعُ يدها على بطنها: «أه، يا للسخف؛ كنتُ أودُّ أن ألد أنا قبلها»، وذلك عندما جاء رسولٌ من الغرب بالخبر، وسقطَت عليهم أول أمطار الشتاء، وجعَلَت لونَ أحجار المدينة قاتمًا. وكان المولود ذكرًا ذا شعر أسود وعيونٍ بنية.
وقد أتقن جاك امتطاءَ الخيل مثل أيِّ فارس من أهل التلال، على الرغم من أنه بدأ في تعلُّم ذلك في عمرٍ متأخر؛ وأخذه ماثين إلى قريته، حيث تعلم كيف يُدرب أهلُ التلال خيولهم الصغيرة. وقد أتقن هذا أيضًا، وكانت عائلة ماثين تُحبه، لكنه وجد نفسه دائمًا يعود إلى المدينة الحجرية، حيث بدا كورلاث أكثرَ رضًا بالبقاء فيها منذ أن أصبحَت هاري تُقيم معه فيها الآن. وفي العام الذي أصبح فيه الصغيرُ تور ماثين يبلغ من العمر عامين، دُعِي جاك إلى مأدُبة في القاعة الكبرى، حيث كان قد حضر العديدَ من المآدب فيها من قبل، ولدهشته نُصِّب فارسًا للملكة، ليجلسَ مع فرسان الملك الخمسة عشرة؛ لأن كورلاث لم يَمنح اللقبَ لأحدٍ منذ الحرب مع جيش الشمال. وقد شرب جونتوران، الذي كان جاك قد حمله مرةً واحدة من قبل على قمة جبل، ثلاثَ قطرات من دمه برفقٍ ولُطف، بينما كان يُحدق في الجرح، ولأول مرة لم يكن لديه ما يقوله.
قالت هاري وهي تبتسم: «نحن أبناءَ الأغراب يجب أن نبقى معًا.»
رفع جاك نظره في الحال وهزَّ رأسه. وقال: «كلا، نحن الذين نحبُّ أرض التلال يجب أن نبقى معًا.»
وفي العام التالي لحصول جاك على لقبِ فارس، أنجبَت هاري وليدًا آخر، طفلةً ذات شعر أحمر وعينين زرقاوين، وابتسامةٍ ساخرة مرحة، حتى وهي لا تزال في مهدها. وقال جاك، وهو يُداعبها بطرَفِ وشاحه، بينما كانت تضحك وتتشبَّث به: «ستُسميها إيرين بالطبع.»
«سأُسميها إيرين أميليا، وبمجرد أن تبلغ ستةَ أشهر من العمر، سأنطلق غربًا مع فورلوي وإيناث وماثين، لدعوة السير تشارلز والليدي أميليا إلى حفلِ تسمية المولودة، هنا في المدينة. هل ستأتي معنا؟» كانت هاري تحمل طفلتها، وبينما توقَّف جاك عن النظر إليها ونظر إلى والدتها مشدوهًا، أمسكَت إيرين بالوشاح وحشَت كثيرًا منه في فمِها.
ومن ثَم قال: «أجل، بالطبع سآتي. أليس من واجبي فعلُ ذلك، على أي حال؟ بصفتي فارسَ الملكةِ الوحيدَ، لديَّ سُمعة يجب أن أحافظ عليها.» ثم استرخَت نظرة هاري القلقةُ وتحوَّلَت إلى ابتسامة.
وهكذا بعد ستة أشهر، استعدَّ خمسة فرسان للتوجُّه غربًا من المدينة، وبينما كانوا على وشك مغادرة بواباتها، سمعَت هاري، التي كانت متأخرةً خلفهم كما لو كانت غيرَ سعيدة بشأنِ شيءٍ ما، دقَّات حوافرَ خلفها، فالتفتَت لترى فايرهارت يقتربُ منها. كانت هناك ما يُشبه حقائبَ سفر معلَّقةً على سرجه، فابتهج وجهُ هاري وقالت: «أوه، أنت قادمٌ معنا في نهاية المطاف.»
فتنهَّد كورلاث، ومدَّ يده فوق كاهل صنجولد ليُمسك يدها وقال: «أجل، أنا قادم. أنا لا أريد ذلك، كما تعلمين. ربما ستظنِّين فقط أنني لا أُطيق الابتعاد عنكِ عدةَ أيام، وهذا صحيحٌ بالفعل.»
قالت هاري: «أنا لا أهتم.»
نظر إليها كورلاث وابتسم رغمًا عنه. وقال: «ربما أنتِ على حق، يا حبيبتي. إنني أميل إلى أن أنسى أنه لا يزال هناك بعضٌ من دماء الأغراب في عروقك، وربما سينجح مخطَّطُك المجنون هذا.»
توقَّف سِتَّتُهم ونصَبوا مخيمًا في المكان نفسه الذي نُصب فيه مخيمُ سفر أكبرُ بكثير قبل عدة سنوات؛ لانتظار عودة أفرادٍ قاموا بزيارةٍ أخرى إلى بلدة الأغراب. انطلق فورلوي وإيناث بمفردهما، في الصباح الباكر، برسالةٍ مكتوبة إلى مفوض المنطقة وزوجته، لم يعرف أيٌّ منهما ما يمكن توقُّعُه، ولكن آخر ما جال ببال الأربعة الذين ظلُّوا في المخيم أن يرَوا سحابةً من الغبار تتسارع نحوهم بعد ساعاتٍ قليلة. قال جاك بتمعُّن: «إن خيول التلال لا تُثير كثيرًا من الغبار.» نهضَت هاري وخطَت بضع خطوات في اتجاه سحابة الغبار، وأمكَنها رؤيةُ شخصين يمتطيان حِصانَيهما بداخلها، وخلفهما إيناث وفورلوي على الحصانَين الرمادي والبني.
وصلت الليدي أميليا إلى هاري أولًا؛ حيث أرجعت هاري غطاء رأسها إلى الوراء، وتلألأ شعرها في ضوء الشمس، ولكن في زي أهل التلال الذي ترتديه وبجلدها الذي تحول بفعل الشمس إلى لون مشروب مالاك، كانت مندهشة عندما ترجَّلت الليدي أميليا ضئيلة الحجم أو سقطت من على حصانها أمامها مباشرة، وقالت: «هاري، يا عزيزتي، لماذا لم ترسلي لنا أي خبر عنك؟» وانفجرت بالبكاء، وألقت ذراعيها حول ضيفتها السابقة وطفلتها المتبنَّاة.
قالت هاري: «أنا …»
قالت الليدي أميليا: «لا تشغلي بالك؛ أنا سعيدة لرؤيتك مرةً أخرى. أنا سعيدة لأنك لم تغفلي عنا تمامًا. ليس عليك تسمية الطفلة باسمي …» كان صوتها مكتومًا؛ لأنه مدفون في كتف هاري — وتابعت: «ولكن إذا كنت تريدين حقًّا دعوتي لحضور الاحتفال بها، فسوف أحضر بالتأكيد. وتشارلز أيضًا.»
نظرَت هاري لأعلى، وكان السير تشارلز يترجَّل عن حِصانه على نحوٍ يفتقدُ الرشاقة. فأفلتَتها الليدي أميليا من بينِ ذراعَيها، ولم يَقُل السير تشارلز شيئًا وهو يحتضنُها بدَوره، وظنَّت أن صمته نذيرُ سَوء حتى نظرَت في وجهه ورأت الدموع في عينَيه. نشج الرجل مرةً أو مرتين، ثم انفتحَت عيناه على نطاقٍ أوسعَ عندما نظرَتا من فوقِ كتف هاري، وسمعَت هي صوتَ جاك يقول: «تُسعدني رؤيتُك مرةً أخرى، يا صديقي القديم.»
كان اللقاء بين السير تشارلز وكورلاث متكلَّفًا على نحوٍ طفيف. وفي محاولةٍ منه للتفاهم الجيِّد هذه المرةَ؛ مدَّ السير تشارلز يدَه، فنظر كورلاث إلى يده، ونظر إلى السير تشارلز، وصرَّت هاري على أسنانها، ثم بدا أن كورلاث تذكَّر وصفًا، ربما منها، أو من جاك، عن طقوس الأغراب الغريبة هذه، ومدَّ يده بترددٍ فصافحَها السير تشارلز بحرارة. بعد ذلك سارت الأمور بسلاسة بشكل أو بآخَر، وتحدَّث السير تشارلز بلغةِ أهل التلال، ليس تحديدًا بالسوء الذي كان يتوقَّعه كورلاث في نفسِه — لقد كان يتدرَّب على إتقانِ لغتنا، هكذا ظنَّ ملكُ التلال في نفسه في دهشة، وشعر بالارتياح تجاهَه — وتحدَّث كورلاث بلغة هوملاند، وامتنَع السير تشارلز بلباقة عن التعليق حول مدى تحدُّثِه بها بطلاقة.
أراد السير تشارلز الإصرارَ على عودتهم جميعًا إلى القصر، بينما كان هو والليدي أميليا يستعدَّان للمغادرة، وأمكَن لجاك أن يرى كيف كان يُحاول منع نفسِه عن ذلك؛ لذلك تحدَّث إلى هاري وتحدثَت هاري إلى كورلاث. ونظر كورلاث إلى زوجته وفكَّر في أفكارٍ متشائمة، لكن في نهاية الأمر ذهب الثمانيةُ معًا إلى إيستن.
وهكذا بدأت العلاقاتُ الدبلوماسية بين الأغراب وأهلِ دامار، لأول مرةٍ منذ أن جاء جيشُ الأغراب عبر البحر واحتلَّ أكبرَ قدرٍ ممكن من أراضي دامار. اكتشف جاك أن السير تشارلز قد أخذ رسالتَه، التي كتبها بينما كانت هاري وسيناي وتيريم وناركنون نائمين في غرفةِ نومه بالحصن، على مَحمل الجِدِّ بالفعل، وفي الواقع، عرَّض حياته المِهنية للخطر من خلال الإصرار على أن الكولونيل قائدَ حصن جنرال ماندي لم يُصَب بالجنون بسبب الحياةِ وسط الصحراء، ولكنه ردَّ على تهديدٍ حقيقي لأمنِ أرض الأغراب بالطريقة الوحيدة التي يستطيع فِعلَ ذلك بها. وبسبب جهودِ السير تشارلز، أُدرِج جاك نفسُه والرجال الذين ذهَبوا معه بشرف في القوائم العسكرية على أنهم مفقودون أثناء القتال على الحدود، ويُفترض أنهم قد لاقَوا حتْفَهم. ولقيَ السير تشارلز أيضًا واحدةً من الجثث غيرِ البشرية التي عثر عليها بالقرب من الحصن — حيث اكتشفَت جثتَين أُخريَين بعد اختفاء جاك — وأرسلها كي يفحصَها أطبَّاء هوملاند في جنوب داريا، حيث توجد أكبرُ مدن هوملاند، وأفضل المَرافق الطبِّية. وقد أعلن الأطباء في قلقٍ أنهم لا يعرفون حقيقةَ الشيء الذي يفحصونه، لكن أيًّا كانت حقيقته، فهو شيءٌ لا يروق لهم. وأخرج السير تشارلز أيضًا جميعَ التقارير عن الأنشطة غير النِّظامية والقتالية على الحدود الشمالية، وجمع المزيد، وأرسلها إلى قياداتِه لاتخاذ القرار الصائب بشأنها؛ ونظرًا إلى سمعته كشخصٍ صُلب، ومُحافظ، ومتأنٍّ — وكانت هذه هي مهارتَه في التعامل مع المواقف الصعبة — فقد أصْغَت القياداتُ إليه، حتى ولو على مضض.
لذلك عندما عاد بعد حضور الاحتفالِ بتسمية الطفلة، تاركًا الليدي أميليا وراءه في زيارةٍ طويلة مع الطفلة التي تحمل اسمها نفسَه في المدينة الحَجرية، وبدأ في كتابة رسائلَ حول أن الوقت قد أصبح مناسبًا للغاية لبدءِ علاقات دبلوماسية رسمية بين هوملاند ودامار — حسَب تعبيرِه — سُمح له بمواصلة الدَّور الذي اختاره. صحيحٌ أنه قد دُعي هو والليدي أميليا فقط إلى المدينة في أرض التلال، لكنَّ بعضًا من أهل دامار الذين وقَع عليهم الاختيارُ بعنايةٍ بدَءوا في زيارة إيستن بانتظام، وكذلك المدن في الجنوب، وتبادل الهدايا وخطب حُسن النية، وتلقِّي الإشعارات الإدارية الرسمية، حتى من الملكة ومجلسها، عبر البحر في هوملاند.
وأنجزَت هاري وكورلاث مهامَّهما الإدارية بجِدِّية كما يتوجَّب عليهما، ولكن ليس أكثر من ذلك، وأمضَيا معظمَ وقتِهما يتجوَّلان بمفردهما في أنحاء المدينة، أو عبر السهول التي أمام المدينة، أو يُسافران إلى قرية ماثين، أو قرية إيناث، وبقدرِ ما استطاعا في بعض الأحيان، كانا يتوجَّهان في سَرِيَّة شمالًا عبر التلال إلى وادي لوث. ويأخذان الأطفالَ معهما — فقد أنجَبا جاك بعد إيرين، وهري بعد جاك، مع مرور السنين — لأن لوث كان مُولَعًا بالأطفال.