اتفاقٌ جديد
أراد بيوتي سميث أبيض الناب لنفسه، ولم يكن أي شيء ليمنعه من الحصول عليه. كان يدرك أن انتزاعه من سيده لن يكون أمرًا سهلًا. فعلى الرغم من أن جراي بيفر لم يهتم بأبيض الناب كثيرًا، فقد أدرك قيمته الكبيرة، إذ كان أقوى كلب مزلجة امتلكه في حياته. لذلك احتاج بيوتي إلى خطة.
في تلك الأثناء، كان جراي بيفر قد قارب على إنهاء عمله في «فورت يوكون» وبصدد الاستعداد لرحلة العودة الطويلة إلى موطنه. في أحد الأيام تسلل بيوتي إلى المخيم عندما علم بوجود جراي بيفر في المدينة، وباستخدام فأس ثقيلة، شق مزلجة جراي بيفر إلى نصفين، وكسر الزلاجات، وحطم هيكلها، فلم تكن هناك أي طريقة لمغادرة «فورت يوكون» أثناء الشتاء دون المزلجة.
كانت خطوة بيوتي التالية هي أن يسرق مزلجة جديدة وأفضل بكثير من مزلجة جراي من شركة «هادسون باي». بعد ذلك عرض على جراي بيفر أن يعطيه المزلجة الجديدة مقابل أبيض الناب. أنعم جراي بيفر التفكير في هذا الأمر، فقد كان يؤلمه أن يترك الذئب، لكنه كان في حاجة إلى المزلجة ليعود إلى بلدته، وفي النهاية، وافق جراي على إتمام الصفقة.
ربط بيوتي سميث قطعة من الجلد حول رقبة أبيض الناب، وانطلق به. لم يرغب الذئب في الذهاب معه، وشد الحبل في قوة، وتباطأ في السير. غير أن سيده أمره بالذهاب مع هذا الرجل الجديد، لذلك توقف الكلب عن المقاومة، لكن ساوره قلق شديد، إذ خلَّف هذا الرجل بداخله شعورًا بعدم الارتياح.
سرعان ما بيَّن بيوتي لأبيض الناب أنه المسئول عنه، إذ فاجأه بركلة على جانب رأسه شلَّت حركته. لم يكن لدى الذئب وقت للرد، فسرعان ما ألقى به بيوتي في قفص حديدي، وأحكم غلق الباب ثم رحل.
كان ذلك شكلًا من أشكال التعذيب في نظر أبيض الناب، فلم يحدث من قبل قط أن وقع في شرك أو حُبِس في مثل هذه المساحة الصغيرة. كانت غرائزه وطبيعته تتطلبان مساحة يتجول فيها كيفما شاء. تحرك أبيض الناب خطوات إلى الوراء وإلى الأمام حسبما استطاع. كان يشعر بالذعر والغضب، ولم يفهم كيف سمح سيده جراي بيفر بحدوث ذلك كله.
أحضر له بيوتي الطعام والماء، لكنه لم يكن يدعه يخرج من القفص، وكان يكِزُه بعصا من بين قضبان القفص الحديدية. هرَّ أبيض الناب، وعض العصا، وحاول أن ينقض على بيوتي، لكنه لم يتمكن من المرور من بين القضبان. استمر هذا الحال مدة أيام لا يخرج فيها أبيض الناب من القفص إلا لينال نصيبه من ضربات بيوتي وركلاته. لذلك كان غضب أبيض الناب يزداد يومًا بعد يوم وكذلك خطورته ومعهما اشتياقه إلى الهرب.
في النهاية سنحت له فرصة للهرب عندما فتح بيوتي باب القفص على مصراعيه، فقفز منه أبيض الناب مسقطًا سيده القاسي أرضًا. لم يتوقف الذئب دقيقة واحدة، بل فر راجعًا إلى جراي بيفر، فلا بد أن هناك خطأ ما، ولا بد أن سيده يتساءل ما الذي قد حدث له.
تعجب جراي بيفر عندما رأي الذئب عائدًا إليه، وكان قد قارب على الانتهاء من حزم الأمتعة على مزلجته الجديدة، وكان سيبدأ الرحلة في أي وقت. جرى أبيض الناب ووقف إلى جانبه.
سأله جراي بيفر: «ماذا تفعل هنا؟»
رفع أبيض الناب بصره إليه، ولم يكن يعرف هل سيشيد بفعلته أم سيضربه، لكن لم يكن ذلك بالأمر الذي يشغل باله. عرف أبيض الناب أنه موجود الآن حيث ينتمي. قال له جراي بيفر: «لقد بعتك بيعة عادلةً منصفةً، ويجب أن تعود أدراجك.»
وجد جراي بيفر حبلًا ربطه حول رقبة أبيض الناب، وقال: «لنذهب، فأنت لا تنتمي إلى هنا بعد الآن.»
تبع أبيض الناب سيده مثلما كان يفعل دومًا، وعندما وصلا إلى بيت بيوتي سميث وناوله جراي بيفر الحبل توقف أبيض الناب عن المقاومة، فقد عرف أن ذلك هو مصيره. وعلى الرغم من أنه لم يستطع استيعاب القوانين التي تحكم عالم البشر، فقد عرف أنه لا بد أن يذعن لها ويطيعها.
أغلظ بيوتي في ضربه حتى إن أبيض الناب أصابه الإعياء. بعدها ألقى بالذئب مرة أخرى إلى داخل قفصه وأحكم إغلاقه، وحرص بعد هذه التجربة ألا يفتح باب القفص مطلقًا على ذلك النحو من دون احتراس. ومع ذلك لم يكن ذلك الحرص ضروريًّا، فلم يحاول أبيض الناب الهرب قط بعدها. ألا يوجد شخص اعتاد على إنقاذه؟ شخص يهرع إلى الغابة لإنقاذه من الخطر؟ لم تكن تلك سوى ذكريات تدور في عقله. لم يعد قادرًا على تذكر أمه أو لمستها الحانية. وهكذا أذعن لمصيره الذي قضى له بأن يبقى برفقة بيوتي سميث. كان مصيره أن يصير أكثر وضاعة وغضبًا وحقدًا مما كان في أي وقت مضى.