انتقام جيم هول
لم تنته مغامرات أبيض الناب بعد، فقد كانت هناك مفاجأة أخرى في انتظاره.
كان سجين خطير وقاسي القلب اسمه جيم هول قد هرب من أحد السجون المجاورة للمزرعة، حيث كان يقضي حكمًا بالسجن خمسين عامًا. كان القاضي سكوت قد أصدر هذا الحكم ضده لجرائمه ومخالفاته الكثيرة، وكان جيم قد أقسم أن ينتقم من القاضي.
عندما وردت أخبار هروب جيم أسرة القاضي سكوت، انتاب الجميع قلقٌ شديدٌ عدا القاضي الذي لم يكن يظن أن هول سيؤذيه، وإنما قال: «ستلقي الشرطة القبض عليه قريبًا، فلا داعي للقلق.»
ظنت زوجة ويدون أن الأسرة بحاجة إلى مزيد من الحماية. كان من الجيد أن تبعد القلق عن أفراد الأسرة، لكنها لم تكن لتخاطر. لذلك كانت في كل ليلة، بعد أن ينام الجميع، تُدخل أبيض الناب إلى المنزل. وكان الذئب ينام في الردهة الأمامية ليقوم على حراسة المنزل. وفي الصباح، قبل أن يستيقظ أي فرد من أفراد الأسرة، كانت تُخرجه من المنزل.
ذات ليلة اشتم أبيض الناب رائحة غريبة، وجال بخاطره أن شيئًا خطيرًا يقع بالمنزل. وعلى الفور سار على مهل إلى السلم ليرى رجلًا.
انتقل الغريب في هدوء إلى أحد الأركان، ومكث على مقربة شديدة من الحائط دون أن يصدر أي صوت أثناء سيره. وفي الوقت الذي رفع فيه الرجل قدمه ليصعد درج السلم، عاجله أبيض الناب بالهجوم.
صرخ الرجل على الفور، إذ كانت أسنان أبيض الناب قد غاصت في قدمه. جره أبيض الناب من فوق الدَرَج وطرحه أرضًا. كانت ردهة المنزل مظلمة، ولم يتمكن الرجل من رؤية مهاجمه، وهكذا استمر الاثنان في التدحرج فوق السجادة حتى سُمع إطلاق الرصاص ثلاث مرات لتنتهي المعركة بعده.
استيقظ جميع من بالمنزل وعدوا إلى الردهة الأمامية. أضاء ويدون الأنوار ليرى جيم هول مستلقيًا على السجادة وقد فارق الحياة وبجانبه أبيض الناب يلتقط أنفاسًا بطيئة للغاية.
جرى ويدون نحوه، وصرخ: «أبيض الناب!»
هر الذئب هريرًا خفيضًا، وحاول النظر إلى سيده، لكنه لم يمتلك القوة الكافية لذلك.
قال ويدون وهو يربت على رأس الذئب: «أنا هنا، لا تقلق، فسنجلب لك المساعدة اللازمة.»
ركب القاضي سكوت العربة إلى المدينة لكي يخطر الشرطة ويحضر طبيبًا لأبيض الناب. ومع انكسار أول خيط لضوء الفجر، كان جميع أفراد الأسرة ينتظرون في قلق شديد تقريرًا عن حالة أبيض الناب.
قال الطبيب: «هناك كسر في ثلاثة من أضلاعه وفي إحدى قدميه الخلفيتين، وثلاثة ثقوب أحدثتها طلقات الرصاص. يحزنني أن أخبركم بأن نجاته غاية في الصعوبة.»
قال القاضي: «لا تهتم بالتكاليف، عالج ذلك الذئب كما لو كنت ستفعل مع أي بطل. إننا ندين له بحياتنا.» قال الطبيب إنه يفهم ذلك جيدًا وإنه سيشرع في مداواة الذئب.
جلس جميع أفراد عائلة سكوت في هدوء تام داخل حجرة المعيشة، وأخذت زوجة ويدون تبكي وتدعو الله أن ينقذ حياة أبيض الناب. لم يرغب أحد في أن يفكر فيما قد يحدث دون وجود ذئبهم إلى جانبهم، بل لم يرغب أيٌّ منهم في أن يفكر كيف ستبدو الحياة إن لم ينج ذئبهم الحبيب.
جلس ويدون بجوار النافذة بمفرده يبكى بينه وبين نفسه، وهمس قائلًا: «أرجوك يا فتى. تمسك بالحياة، فبإمكانك النجاة. لا تخذلني!»
عاد الطبيب بعد فترة، ومن حسن الحظ أنه كان يحمل أخبارًا سعيدة، فقال:
– «لقد اجتاز ذئبكم العملية في نجاح.»
صفق طفلا ويدون، وربَّت أبوه على ظهره، ثم قال: «الحمد لله أيها الطبيب، هذه أسعد لحظات حياتنا جميعًا.»
سأل ويدون الطبيب: «هل يمكنني أن أراه؟»
رد الطبيب: «إنه لا يزال نائمًا، لكن يمكنك أن تدخل وتطمئن عليه إن شئت. وعليك أن تعلم أن فترة شفائه ستكون طويلة جدًّا، فقد كان بداخله ثلاث طلقات، وسيستغرق الأمر وقتًا طويلًا لكي يتماثل للشفاء، وسنشد عليه جبيرة بعض الوقت أيضًا.»
احتضن ويدون الطبيب قائلًا: «ستتحسن حالته على كل الأحوال. يمكنني أن أشعر بذلك.»
ذهب ويدون ليرى الذئب. كانت حجرة الطعام قد تحولت إلى غرفة عمليات مؤقتة، وكان أبيض الناب يستلقي على جانبه على المنضدة وقد لُف قفصه الصدري بضمادات، وشدت على قدمه جبيرة. غير أن الذئب لم يبدُ مريضًا، بل بدا كالغارق في نوم عميق هانئ.
همس ويدون إلى الذئب النائم: «إذن، ما قولك أيها الفتى الكبير؛ هل نجعل من تلك الحادثة آخر مغامراتنا؟ ما رأيك أن نعيش عيشة هادئة هانئة بعد ذلك؟»