أسرة مستقلة
لم يمكث أبيض الناب وحده قط، فعندما أفاق من عمليته الجراحية، كان ويدون إلى يمينه يتحدث إليه. في البداية كان أبيض الناب قلقًا ومضطربًا، وآخر ما يذكره هو ذلك الرجل الغريب عند مدخل المنزل. حاول أن يقوم من مرقده حتى يتسنى له التأكد من أن المنزل بأمان، لكنه لم يستطع الوقوف على أقدامه.
قال له سيده: «ابق هنا حيث أنت، فكل شيء على ما يرام.»
كان صوت سيده هادئًا رقيقًا، كما كان صوته في المرة الأولى التي تحدث فيها إلى الذئب في «نورثلاند» قبل أن يستأنسه. ظن أبيض الناب أن الخطر قد زال لأنه لم تبدُ على سيده علامات الغضب أو القلق. لذلك غاص في النوم ثانيةً؛ إذ تمكن أخيرًا من أن يحظى بفترة راحة طويلة لا يقطعها أي قلق.
أمعن ويدون وأسرته في الاهتمام بأبيض الناب، فكانت زوجته تطعمه بيديها، وأحضر له طفلاه بطاطين، وكانا يربتان على رأسه في رقة. أما القاضي سكوت وزوجته فقد كانا يطمئنان أنه بخير كلما أتيحت لهما الفرصة لذلك، فيما لم يفارقه ويدون إلا نادرًا.
أخيرًا جاء اليوم الذي أزال فيه الطبيب الجبيرة، وكان أبيض الناب المسكين لا يزال منهكًا، لكنه استطاع أن يتحرك. في البداية لم يقدر على السير إلا من غرفة إلى أخرى فحسب؛ فقد كان متعبًا جدًّا حتى إنه اضطر إلى أن يلزم الفراش ثانيةً. وفي النهاية تمكن من السير مسافات أبعد، بل غامر بالخروج من المنزل.
قال ويدون: «سيكون اليوم يومًا حافلًا لك يا عزيزي.»
أخذ ويدون يحك أذني أبيض الناب الذي استكان على ذراع سيده وأرسل أنينًا رقيقًا.
– «سنذهب إلى الحظيرة، فأنا أريدك أن تلتقي شخصًا ما.»
كانت الأسرة كلها تغمرها سعادة تامة، وسلكوا جميعًا الحديقة الخلفية، الأمر الذي استغرق وقتًا طويلًا من أبيض الناب، لكنه نجح في ذلك في النهاية.
وداخل الحظيرة كانت كلبة الكولي مستلقية على فُرُشٍ من القش وإلى جوارها ستة جراء صغيرة. كان اثنان من الجراء رماديي اللون ويشبهان والدهما تمامًا. نبحت الكلبة عندما دخل أفراد الأسرة إلى الحظيرة لتحذرهم جميعًا من إلحاق أي أذى بصغارها.
سار أبيض الناب إلى عائلته الجديدة، واستلقى على القش متجاهلًا تمامًا نباح الكلبة. وقف ويدون وأسرته عند مدخل الحظيرة ينظرون إلى الجراء الصغيرة وإلى أبويها. تمدد أحد الجراء أمام أبيض الناب الذي أطرق أذنيه ونظر إلى الجرو، ثم تلامس أنفاهما. شعر أبيض الناب بذلك اللسان الصغير الدافئ على فمه، فأخرج لسانه بدوره ولعق وجه الجرو.
عندئذ تعالت أصوات عائلة سكوت بالتصفيق وصيحات الفرح، وكان أبيض الناب مندهشًا، فنظر إليهم في استغراب شديد.
جاءت الجراء الأخرى تزحف ناحية أبيض الناب، وهو ما أزعج كلبة الكولي في البداية، لكنها لم تمنعها من ذلك، إذ كانت تدرك أن أبيض الناب لن يؤذي جراءها، وسرعان ما شرعت الجراء في تسلق ظهر أبيها.
في البداية شعر أبيض الناب بالغرابة تجاه كل ذلك الاهتمام، وانتابه القلق من أن الجراء قد تؤذي جانبه المصاب، لكن ذلك كله اختفى مع استمرار الجراء في اللعب والإتيان بأفعال تثير الضحك. هنا استسلم أبيض الناب لنعاس خفيف أسفل ضوء الشمس، كانت فيه عيناه نصف مغمضتين.
لم يتمكن أبيض الناب من وصف مشاعره. فحياته قبل ويدون سكوت — حياة الضرب والمشقة والمعارك — صارت ذكرى ضبابية بعيدة. وهكذا أمضى ما تبقى من حياته مع آل سكوت في مزرعتهم، ولم تشهد حياته أي كوارث أو مغامرات كبرى بعد ذلك. وبعد طول عناء، بات الآن آمنًا مطمئنًا يشعر بالحب، حتى لو لم يكن يعرف الكلمة التي يصف بها هذا الشعور.