مقدمة

ثلاث قصص

في يوم دافئ من يونيو ٢٠٠٥م، ذهب ستيف جوبز إلى حفل تخرجه الأول؛ كمتحدث في الحفل. لم يكن الملياردير مؤسس شركة أبل للكمبيوتر وقائدها مجرد رجل أعمال مغرور. كان هذا الرجل، الذي لم يكمل دراسته الجامعية، نجمًا من نجوم التكنولوجيا وأسطورة حية في نظر الملايين حول العالم، مع أنه لا يزال في الخمسين.

figure

عرَّف جوبز في أوائل العشرينيات من عمره — وبمفرده تقريبًا — العالم بأول كمبيوتر يمكن أن تضعه على طاولة ويستطيع تنفيذ عمليات بنفسه. كما أحدث ثورة في الموسيقى، وفي آذان جيل بأكمله، بجهازٍ موسيقي صغير وأنيق يُسمَّى «آيبود»، ومختارات واسعة من الأغاني في متجر «الآيتونز». قام جوبز بتمويل ورعاية شركة تُدعى «بكسار»، والتي أنتجت بعض أروع أفلام الرسوم المتحركة المصممة بالكمبيوتر، مثل فيلم «حكاية لعبة»، و«سيارات»، و«البحث عن نيمو»؛ حيث بثت الحياة في الشخصيات الخيالية على الشاشة بشكل غير مسبوق.

وعلى الرغم من أن جوبز لم يكن مهندسًا أو مهووسًا بالكمبيوتر، فقد ساعد في ابتكار منتجات شديدة الرواج واحدًا تلو الآخر. وكان دائمًا ما يضعني أنا وأنت — المستخدمين الفعليين — نُصب عينيه في أثناء التصميم. ولم يكن الذين يستمعون إليه في ذلك اليوم يعرفون أن هناك تكنولوجيا أخرى تفوق روعتُها التصور قيد التنفيذ، متضمنة «الآيفون» الذي يضع قدرات الكمبيوتر جُلها بين راحة يديك. وكثيرًا ما قورن «والد الأربعة» بالمخترع توماس إديسون وقطب السيارات هنري فورد، اللذين قدَّما مخترعات معقولة الأسعار غيرت حياة الناس.

تعرض جوبز وعلى الرغم من كل نجاحاته لبعض الإخفاقات أيضًا على مسمع ومرأى الكثيرين. عندما كان في الثلاثين من عمره، جرد من مهامه في أبل بسبب كونه مشوشًا وصعب المراس. عقد العزم بعد ذلك على بناء شركة أخرى للكمبيوتر، ولكن لم تأتِ الرياح بما تشتهي السفن، حيث بدد ملايين الدولارات من أموال المستثمرين. كان متقلبًا، وكان يصرخ في أوجه زملائه ومنافسيه والصحفيين. وقد كان يبكي أحيانًا حين لا تسير الأمور كما يريد، وكثيرًا ما نسب إلى نفسه أفكار الآخرين. كان يمكنه أن يكون ساحرًا وجارحًا في آن، كما كان حساسًا وفظًّا بشكل يدعو إلى الاستغراب.

تبدو أجزاء من حياته أشبه بحكايات الأفلام الخيالية مثل: الوعد الذي قُطع وهو طفل رضيع، والقصص الرومانسية، والنهوض من بعد العثرات الكبيرة، وثروة تفوق كل تصور. وعلى النقيض، كانت هناك أجزاء أخرى ظهر فيها التشوش والقبح؛ مثله مثل أي إنسان عادي. كان محبوبًا ومكروهًا، مثيرًا للإعجاب ومرفوضًا. وصفه الناس بأقوى الكلمات وأكثرها تعبيرًا: صاحب الرؤية، المخرج الاستعراضي، الفنان، الطاغية، العبقري، الأحمق.

تقدم جوبز، مرتديًا الجينز الأزرق ومنتعلًا صندلًا تحت روب التخرج، إلى الميكروفون بطريقته المعهودة؛ بعزم وشغف. في كلمة قصيرة أمام ثلاثة وعشرين ألفًا من الطلاب والآباء والأصدقاء المجتمعين، شاركهم في رؤاه الشخصية لحياته. قال: «أود أن أحكي لكم اليوم ثلاث قصص من حياتي.»

ثلاث قصص فقط، لا أكثر، رسمت حياة مدهشة وقدمت دليلًا مصمَّمًا لأناس في بداية حياتهم كراشدين. حتى نفهم من كان ستيف جوبز ومن أصبح. من المفيد أن نبدأ من تلك النقطة: أولى القصص الثلاث.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤