نيكست (NeXT)
كانت القصة الأولى التي حكاها جوبز لخريجي ستانفورد سنة ٢٠٠٥م عن قِطع الأحجية التي إما أن تجمعها أنت وإما أن تتركها لتتجمع بنفسها.
أما قصته الثانية فقال إنها «عن الحب والفقدان».
قال، متذكرًا كيف بدأ أبل هو ووزنياك في جراج عائلته: «كنتُ محظوظًا. وجدت في وقت مبكر من حياتي ما أحب القيام به.»
كان سعيدًا بمساعدة أبل في نمو مبيعاتها إلى ملياري دولار تقريبًا، مع وجود أكثر من أربعة آلاف موظف، في عشر سنوات. كان الماكنتوش قد أحدث تأثيرًا هائلًا في عالم الكمبيوتر في الوقت الذي كان فيه سوبرمان التكنولوجيا يبلغ الثلاثين من عمره.
ثم أضاف: «وطُرِدتُ.»
كانت تجربةً مريرة. شرح أنه كان قد استخدم مديرًا موهوبًا، لكن بعد سنة: «بدأت رؤية كل منا للمستقبل تتباعد وتختلف، وفي النهاية انهارت علاقتنا.» (وكان ما حكاه جوبز هذه المرة ألطف من القصة التي طالما اعتاد سردها حول هذا الموضوع؛ كان عادة ما ينسب جميع المشاكل لسكلي، قائلًا في ١٩٩٥م: «عينتُ الرجل غير المناسب، فدمر كل ما عملتُ عشر سنوات لتحقيقه».)
دون أبل، كان جوبز مرتبكًا ومدمَّرًا، غير متأكد مما عليه أن يفعله بعد ذلك. لكنه قال فيما بعد: «تذكرت فجأةً أنني لا أزال أحب ما أفعله.»
حتى دون أبل، كان لم يزل بإمكانه السعي وراء رؤيته وشغفه، محاولًا ابتكار منتج عظيم آخر. وهكذا قرر أن يبدأ شركة أخرى.
في الواقع، لم يتعامل جوبز مع مسألة البدء مرة أخرى بشكل جيد. كان لم يزل رئيسًا لأبل حين توصل إلى أنه قد تكون هناك سوق لآلات قوية جدًّا بالنسبة إلى الجامعات، خصوصًا إلى العلماء الذين يحتاجون إلى إجراء عمليات المحاكاة لأغراض البحث، فقرر أن يبدأ شركة جديدة.
في البداية، وافق مجلس إدارة أبل له على بدء شركة جديدة وفكروا حتى في الاستثمار فيها، لكن خلال أيام، علم أعضاء مجلس الإدارة أن جوبز رتب الأمر مع خمسة من المهندسين ومندوبي المبيعات الذين سيتبعونه تاركين الشركة. تحول ردهم إلى غضب وانتابهم شعور بأنهم خُدِعوا.
وسط اللغط، استقال جوبز في سبتمبر ١٩٨٥م قائلًا في خطاب: «إعادة تنظيم الشركة مؤخرًا تركتني بلا عمل، ولم يكن هناك منفذ حتى لتقارير الإدارة المعتادة. لا أزال في الثلاثين ولا أزال أرغب في المساهمة والإنجاز.»
كان رد فعل أبل هو مقاضاة جوبز واتهامه بأنه أخذ معه أسرارًا تجارية (وتم تسوية الدعوى القضائية في خلال أشهر قليلة، بموافقة جوبز على التركيز على سوق مختلفة عن سوق أبل).
ورد جوبز على ذلك ببيع نصيبه من ملكية أبل التي تبلغ حوالي ١٠ في المائة في عدة أشهر. مع أن سعر تداول السهم هبط إلى ١٨ دولارًا، بعد أن كان قد بلغ ٦٠ دولارًا في ذروة مكسبه، فقد حصل جوبز على ما يزيد على ١٠٠ مليون دولار، لكنه احتفظ بسهمٍ واحد؛ حتى يتمكن من حضور اجتماعات حاملي أسهم الشركة.
بفضل البذور التي غرسها جوبز طرأ تحسن على أبل في ١٩٨٧م بالضبط كما منحت «فيزيكالك» المعنى لأبل ٢، قامت البرمجيات الجديدة وتحديث الذاكرة وطابعة الليزر التي ظهرت إلى النور قبل رحيل جوبز بإظهار خطوط «الماك» ومهاراته الأخرى، مما حول الكمبيوتر إلى خبير في النشر المكتبي. فجأةً، أصبح بإمكان كُتاب النشرات الإخبارية، ومكاتب العلاقات العامة بالشركات، وفناني الجرافيك، وحتى الأمهات المعيَّنات في مجالس الآباء بالمدارس كتابة وثائقهم وعروضهم بشكلٍ احترافي من على مكاتبهم. فتح هذا المجال، بالإضافة إلى جاذبية «الماك» مع الأفراد، نافذةً كبيرة لأبل مكنتها من الاستمرار في التوسع لبضع سنوات، وحتى وكمبيوترات «آي بي إم» وشبيهاتها تستولي على المزيد والمزيد من سوق الكمبيوتر الشخصي المزدهر. بحلول عام ١٩٩٣م، وصلت مبيعات أبل إلى ثمانية مليارات دولار بقيادة سكلي.
بانفصاله عن أبل، وضع جوبز أمواله في شركتَين سنة ١٩٨٦م. استثمر في البداية سبعة ملايين دولار في شركة كمبيوتر جديدة أسسها، وسماها «نيكست». وأنفق خمسة ملايين دولار لشراء صانع صغير ﻟ «جرافيكس» الكمبيوتر يُسمى «بكسار» من مخرج فيلم «حرب النجوم»، «جورج لوكاس»، مع موافقته على استثمار خمسة ملايين دولار أخرى في المجال.
مثل جوبز، كافحت الشركتان في الأعوام القليلة التالية لتعثُرا على مكانيهما في أحجية العالم.
أعجب جوبز بالشعار كثيرًا. ومن وقتها عُرفت الشركة باسم «نيكست».
كان جوبز قد اكتشف الشيء الذي يمنح حياته معنًى — في تلك الفترة على الأقل — وكان هذا الشيء هو العمل. كتب الصحفي «جو نوسيرا» في مجلة «إسكواير» سنة ١٩٨٦م: «ليس أي عمل وحسب، لكن نوع العمل الذي لا يتوقف، والذي لا يعطيك فرصةً لفعل شيء آخر.» وقال جوبز: «إذا أردت أن تنجز شيئًا مهمًّا ينبغي أن يكون لديك رؤية عميقة لا تحيد عنها ولا ترى شيئًا غيرها.» وأضاف قائلًا إنه يعتقد أنه سيتوصل إلى المزيد من المنتجات العظيمة «إذا استطعت أن أنشئ الشركة التي أظن أننا نستطيع إنشاءها، فسوف تمنحني قدرًا هائلًا من المتعة.»
في العام التالي حصلت «نيكست» على دفعة قوية؛ حين رأى ملياردير الكمبيوتر «ﻫ. روس بروت» برنامجًا على قناة «بي بي إس» يظهر فيه جوبز، فاتصل بالمبتكر الشاب بشأن الاستثمار في مشروع جديد. وعلى الرغم من تناقص أموال جوبز وحاجته الماسة للاستثمار، لم يَبدُ عليه أي من ذلك. وانتهى الأمر بدفع «بروت» ٢٠ مليون دولار تمثل ١٦ في المائة تقريبًا من المبلغ الأولي، ووضع جوبز خمسة ملايين دولار أخرى، وساهمت جامعتا ستانفورد و«كارنجي» بمليونٍ معًا لشراء ١ في المائة من الشركة.
كما كان الحال في أبل، انشغل جوبز بتفاصيل كثيرة. في هذه المرة، كان لديه مهمة خاصة: «كان جزء من ستيف يريد أن يثبت للآخرين ولنفسه أن أبل لم تكن مجرد ضربة حظ.» كما قالت «أندريا كانينجهام»، التي كانت تعمل في الدعاية ﻟ «نيكست».
أصر على تصميم مكعب، مع أنه لا يتناسب مع لوحات الدوائر. كان يريد أن يطلي الكمبيوتر باللون الأسود الرائع، حتى من الداخل. حين ظهر خط صغير على الهيكل الخارجي سافر إلى شيكاغو ليناقش الأمر مع صانع القوالب. كان على المصنع نفسه أن يكون ممتازًا، بحوائط بيضاء وآلات مدهونة بألوانٍ يختارها هو. وقد كانت درجات السلم الأنيقة والمصنوعة خصيصًا لجوبز، والشبيهة بالسلالم التي نراها عادة في متاجر أبل اليوم، تزين كلًّا من المصنع ومقر الشركة المصمم بتصميمٍ خاص.
وكما كان في أبل، كان جوبز مخيفًا ولحوحًا غالبًا، سريع الصياح في المصممين أو المهندسين أو حادًّا في انتقاد أعمالهم. حكى الموظفون لصحيفة «نيويورك تايمز» عن قاعدة «المرات الثلاث»: في المرة الأولى التي يسمع فيها جوبز فكرةً لا تعجبه كان «يوبخ الموظف المسئول بقسوة، ويصف الفكرة أو المنتج بالتخلف»، في المرة الثانية كان «يرضى عنها قليلًا»، وفي الثالثة يقول «إنها عظيمة بما يفوق العقل».
وعلى الرغم من وعده بأن يكلف الجهاز ثلاثة آلاف دولار تقريبًا، بما يقترب من الحد الأقصى لما يمكن أن يدفعه الطلاب والجامعات، بدأ السعر في الارتفاع؛ إذ أضاف أقراصًا بصرية يمكن أن تنسخ وتعيد النسخ، فيما يشبه نسخ الأسطوانات المدمجة اليوم، وأطنانًا من الذاكرة والقدرة على تخزين البيانات، وخصائص أخرى. كما قدم الكمبيوتر أيضًا برامج متفردة كان يمكنها أن تجعل عملية البرمجة شبيهة ببناء الأشكال باستخدام لعبة المكعبات، بحيث يكون الأمر أبسط من البدء من الصفر.
لم يسأل جوبز قط المستهلكين عما يفضلونه. واشتهر صانع السيارات هنري فورد، أحد أبطاله، بمقولةٍ مؤداها أنه يمكن للمستهلكين الحصول على موديل «تي» بأي لون يحبونه؛ طالما كان أسود (والموديل «تي» هو نوع من سيارات فورد كان يُنتج من سبتمبر ١٩٠٨م إلى أكتوبر ١٩٢٧م). في هذه الحالة، لم يستطع جوبز قط تحديد الفئة التي قد تريد — أو تستخدم — هذه الأجهزة ذات القدرات الفائقة في المقام الأول.
كان من المفترض أن يُطرح الكمبيوتر في السوق في ١٩٨٧م، لكنه عانى من تأخيرٍ بعد تأخير. في وادي السيليكون، مزح الساخرون قائلين إن الاسم «نيكست» (أي: التالي) سوف يتغير إلى «قريبًا».
أخيرًا، في أكتوبر ١٩٨٨م، أعلن عن الكمبيوتر رسميًّا في عرض جذاب أمام ثلاثة آلاف من العاملين بمجال التربية والتعليم، ومطوري البرامج، والأصدقاء، والصحفيين في قاعة سان فرانسيسكو السيمفونية. قدم جوبز عرضًا توضيحيًّا للرسوم الرائعة للجهاز، والذاكرة الهائلة التي تشمل الأعمال الكاملة ﻟ «شكسبير» وقد حُمِّلَت بداخلها، والقدرة على عزف الموسيقى. وانتهى العرض بعزف الكمبيوتر ثنائية ﻟ «باخ» بالاشتراك مع أحد عازف الكمان.
وحين سأل صحفي عن تأخر ظهور الجهاز، لم تهتز لجوبز شعرة وسارع بالرد قائلًا: «إنه لم يتأخر، بل إنه يسبق زمنه بخمس سنوات.»
لكن بالضبط كما كان الحال مع ماكنتوش، كانت هناك عيوب بارزة. كُلِّف الكمبيوتر ٦٥٠٠ دولار، ومع الطابعة الليزر والإضافات الضرورية الأخرى، اقترب سعره في الحقيقة من عشرة آلاف دولار، وهو سعر مرتفع جدًّا بالنسبة إلى كثير من المشترين. لم تكن البرمجيات المطلوبة لتشغيل الكمبيوتر جاهزة، ولم تكن لتجهز قبل بضعة أشهر. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن الكمبيوتر متوائمًا مع البرمجيات الموجودة في السوق، لذا لم يتوفر أقل القليل من البرمجيات الإضافية، وكانت الشاشة بالأبيض والأسود، وليست ملونة، ورفض جوبز تركيب مشغل أقراص مرنة في الصندوق الجميل، وهو ما كان ليسهل للمستخدمين تبادل البيانات.
في وقتٍ ما، تمرد العاملون على هذا القرار، حين تساءل أحد الموظفين عن عدم وجود مشغل أقراص مرنة في اجتماع، أصر جوبز على أن الكمبيوتر لا يحتاج إليه، لكن موظفًا آخر جادله، وفجأة بدأ جميع الموجودين في الاجتماع بالهتاف: «نحن … نحتاج … إلى قرص مرن، نحن … نحتاج … إلى قرص مرن!»
وافق جوبز فقط على وضع مشغل أقراص مرنة في موديل لاحق.
ومع ذلك، انبهرت شركة «كانون» اليابانية بالمنتج بدرجة جعلتها تستثمر ١٠٠ مليون دولار في ١٩٨٩م بما يمثل ١٦٫٧ في اعضوة جديدة في الأسرة، ممن أدخلهم ﻟ «نيكست» مبلغًا مهمًّا بينما تحاول طرح كمبيوتراتها في السوق. لكن بحلول ذلك الوقت، كانت تغيرات كثيرة قد طرأت في الاثني عشر عامًا التي مرت منذ طرح أبل ٢. بينما كان كل اللاعبين في الفترة الأولى وافدين جددًا يتهافتون على لفت الأنظار، صار هناك الكثير من صناع الكمبيوتر ذوي الجيوب المليئة والتي تؤهلهم لمنح كمبيوتراتهم للعاملين بالتعليم لتشجيعهم على شراء المزيد. وكشركة ناشئة، كانت «نيكست» بصدد منافسة كبيرة.
وعلى الرغم من أن «نيكست» لم تكن قد انطلقت بعد، اختارت مجلة «إنك» في ١٩٨٩م جوبز «رائد الأعمال الأول في العقد»؛ لدوره في بدء ثورة الكمبيوتر الشخصي وتشكيلها. لكن هذه اللمسة الخاصة لم تمتد إلى الكمبيوتر الجديد. مع كل ما أغدقه جوبز من رعاية واهتمام على الشركة، لم تبع «نيكست» إلا حوالي ألف كمبيوتر تجريبي في ١٩٨٩م. وقد أعلن جوبز مرات عديدة أن «نيكست» ستقدم مفاجأة للعالم، لكن المستهلكين لم يفهموا ذلك ولم تقترب «نيكست» من تحقيق أي ربح، وهو ما ينبغي أن تحققه الشركات لتزدهر وتنمو.
في اجتماع لمجلس الإدارة في ربيع ١٩٩١م، نقل مسئولو الشركة مزيدًا من الأخبار عن النتائج السيئة. قاطع المستثمر «روس بروت» العرض بتقييم قاطع: «إذن فما تخبرونني به هو أن النيران قد نشبت بمقصورة الطيار وأن الطائرة تهوي سريعًا نحو الأرض. قولوا لي شيئًا لا أعرفه.»
كانت «نيكست» بالكاد تتقدم، مع أن المستهلكين رأوا أن برمجيات «نيكست» رائعة. ومع بداية العقد الجديد، كرر المستهلكون على مسامع جوبز أن يصرف النظر عن الكمبيوتر ويبيع برامجه بدلًا من ذلك، لكنه كان قد نشأ على صناعة الكمبيوتر، مما أدى به إلى تجاهل توصياتهم. لم يستطع التخلي عن الأجهزة.
وبحلول عام ١٩٩٢م، لم يبع إلا حوالي خمسين ألف كمبيوتر إجمالًا من «نيكست»، تقريبًا ما كانت أبل تبيعه في أسبوع في ذلك الوقت.
لم يكن حال «بكسار» بأفضل من «نيكست».
طلب المخرج «جورج لوكاس»، الذي كان في خضم عملية الطلاق، سعرًا أعلى بكثير ﻟ «بكسار» في البداية، لكنه رضي بعرض جوبز المتواضع بعد أن اختفى المشترون الآخرون المحتملون. أسرت الإمكانية مخيلة جوبز.
كان دمج الصور إلكترونيًّا يجعل الإطارات ساطعة، لكن لم تكن هناك كمبيوترات قوية بما يكفي للقيام بذلك. ابتكرت «بكسار»، المكونة من خبراء كمبيوتر يحبون الرسوم المتحركة، كمبيوترًا متطورًا بمبلغ ١٢٥ ألف دولار يمكن أن يساعد في ذلك، ولم يقتصر الأمل على البدء في ابتكار أفلام عظيمة بالرسوم المتحركة، لكن امتد ليشمل أيضًا العثور على تطبيقات جديدة للتصوير الطبي ثلاثي الأبعاد، ورسم خرائط تفصيلية، ومجالات أخرى.
على مدى عدة سنوات، جعل جوبز الشركة تستدين ما يقدر بخمسين مليون دولار، وكان يضمن سدادها شخصيًّا، لكنه لم يعثر قط على سحر الكمبيوتر.
وبينما ركز جوبز معظم انتباهه على «نيكست»، ترك المديرين في «بكسار» يديرون الشركة، لكنه كان يجتمع بهم بانتظام ويتخذ القرارات المالية الرئيسية. (كان العاملون في «نيكست» يسمون «بكسار» بازدراء: «الهواية».)
لتحريك المبيعات، فتح مكاتب مبيعات ﻟ «بكسار» في عدة مدن. على الرغم من هبوط سعر الكمبيوتر إلى أقل من ٥٠ ألف دولار وتطوير موديل أرخص، لم يهتم المشترون. كان المستهلك الأكبر شركة «والت ديزني»، التي وجدت أنها تستطيع خفض التكاليف وتسريع إنتاجها من أفلام الرسوم المتحركة بالمسح الضوئي لصور برسم اليد واستخدام الكمبيوتر لإضافة الألوان وطبقات من لوحات الخلفية. وكان الاختبار الأول في المشهد الختامي في فيلم «حورية البحر الصغيرة». وبعد ذلك، اشترت ديزني عشرات الكمبيوترات، واستخدمتها في أفلام: «سقوط عمال الإنقاذ»، و«الجميلة والوحش»، و«الأسد الملك»، وغيرها.
وبينما كانت هذه الكمبيوترات تمثل إنجازًا وتقدمًا كبيرين بالنسبة إلى ديزني، كانت محطات العمل ذات الأغراض العامة والمعدة للخدمة الثقيلة ستقوم في نهاية المطاف بنفس الأشياء إذا ما زودت بالبرمجيات المناسبة. ولما أدرك جوبز أن الكمبيوترات لا تباع، أغلق مكاتب المبيعات، وفي ١٩٩٠م باع القسم المختص بأجهزة الكمبيوتر من شركة «بكسار».
بعد ذلك حاول أن يطور برمجيات «بكسار» ثلاثية الأبعاد إلى شيء يناسب سوقًا أكثر اتساعًا، بما يسمح للمستخدمين بعمل صور واقعية ثلاثية الأبعاد، لكن البرمجيات لم تكن سهلة الاستخدام، حتى بالنسبة إلى الخبراء، ولم يكن هناك طلب هائل على الفكرة. توقفت جهوده في ١٩٩١م، وسرح ثلاثين من موظفي الشركة البالغ عددهم ٧٢، ومن بينهم رئيس «بكسار». في حركة تفتقر إلى الإحساس تمامًا، رفض أن يعطي الموظفين إشعارًا قبل الفصل بأسبوعين أو يدفع لهم تعويضًا عن الفصل؛ أرسلهم إلى منازلهم في الحال من دون أن يدفع لهم أي مبالغ إضافية.
في عدة مناسبات، كاد جوبز ينهي قسم الرسوم المتحركة أيضًا، لكن «كاتمول» أقنعه بالعدول عن ذلك. وفي النهاية توصلت «بكسار» إلى طريقة للحصول على بعض النقود. بدأت تصنع إعلانات تجارية مرحة بالرسوم المتحركة لغسول الفم «ليسترين»، وحلوى «لايف سيفرز»، ولبان «ترايدنت». وبعد أن كان جوبز قد قضى على مشروع البرمجيات، كانت الإعلانات التجارية والبرمجيات المهنية هي كل ما تبقى ﻟ «بكسار» تقريبًا، ولم يكن هذا بالكثير.
عقد جوبز صفقة صعبة مع المديرين والموظفين في «بكسار» في ١٩٩١م ليبقى العمل قائمًا. كان سيواصل تمويل الشركة بشرط أن يتخلوا عن أي أسهم يمتلكونها في «بكسار» وعن أي خيارات لشراء أسهم في المستقبل، مضحين بفرصتهم الوحيدة لتحقيق كسب مفاجئ من عملهم الشاق عبر السنوات.
كان جوبز يستطيع، بصفته مالك الأغلبية، أن يضع القواعد. تخلى المديرون والموظفون عن نصيبهم الصغير في الشركة.
قال «ألفي راي سميث» فيما بعدُ إنه: إحقاقًا للحق فإن «بكسار» مثل «نيكست»، «كان ينبغي أن تفشل، لكن بدا لي أن جوبز لن يقبل بالهزيمة.»
لنشكر «نيكست» على الإنترنت
كان «تيم برنرز لي» فيزيائيًّا في الخامسة والثلاثين يعمل في الهيئة الأوروبية للأبحاث النووية، وبالتحديد في المختبر الأوروبي لفيزياء الجزيئات في جنيف، بسويسرا، حين وصله كمبيوتر «نيكست» في ١٩٩٠م لمشروع خاص.
النتيجة: شبكة الويب العالمية، ما نعرفه اليوم باسم الإنترنت.
تم هذا كله على كمبيوتر «نيكست» الذي أتى مع حساب بريد إلكتروني جاهز وترحيب صوتي من ستيف جوبز، يقول إن الكمبيوتر لا يتعلق بالحوسبة الشخصية، ولكن بالحوسبة «فيما بين الأشخاص».
قال «برنرز لي»: إن البرمجيات التي أتت مع جهاز «نيكست» جعلت عمله في البرمجة «سهلًا إلى حد كبير». بدأ العمل في أكتوبر ١٩٩٠م، وأتاح نتائجه في مختبره في ديسمبر، وقدمها للعالم في صيف ١٩٩١م. وفي السنتين التاليتين، نقحها. وفي خلال خمس سنوات، بلغ عدد مستخدمي الويب ٤٠ مليونًا.