الفصل الثالث عشر

الأسرة

طال انتظار زواج واحد من أكثر عزاب التكنولوجيا المرغوبين.

في أوائل ١٩٩١م، وبينما «نيكست» و«بكسار» تصارعان من أجل البقاء، تعرض جوبز لأزمة جديدة في حياته الشخصية؛ كانت رفيقته «لورين باول» حاملًا.

كان جوبز في السادسة والثلاثين، وقد أصبح شخصًا مختلفًا عن الشاب الصغير المتصلف والمغرور الذي كان عليه حين ولدت رفيقته القديمة ابنته «ليزا» في ١٩٧٨م. كان جادًّا بشأن «باول» التي كانت طالبة في السنة الثانية من برنامج ماجستير إدارة الأعمال في ستانفورد، وكان قد تقدم لها مرتين على الأقل، أحدثهما في أثناء رحلة نهاية العام إلى هاواي. وأهداها خاتم خطوبة من الألماس، لكنه بدأ يتردد مرة أخرى.

استطلع رأي الأصدقاء، وفكر في الاحتمالات. تردد بشأن فكرة الزواج ثم تجاهل الموضوع برمته. أُحبطت «باول» التي كانت في السابعة والعشرين، مما دعاها لترك منزله والعودة إلى شقتها للمرة الثانية خلال سنة.

أخيرًا، اتخذ جوبز قرارًا راشدًا: في ١٨ مارس ١٩٩١م، تزوج من «باول» على يد مرشده الروحي القديم، «كوبون تشينو»، في كوخ في منتزه «يوسمايت» الوطني. كانت الكعكة نباتية صرفة وقام الخمسون شخصًا الحاضرون للزفاف بالسير وسط الجليد بعد ذلك.

figure
ستيف جوبز مع ابنته «ليزا برينان جوبز».

بين برينان و«باول»، رافق جوبز سلسلة من الفتيات، بعد انتقال برينان بقليل إلى أوريجون، بدأ جوبز علاقة مع امرأة من شركة العلاقات العامة لأبل استمرت بضع سنوات. في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، بصفته مليونيرًا وساحرًا للنساء في مجال التكنولوجيا، انتقل إلى دائرة اجتماعية مختلفة. لعامين، رافق المطربة الشعبية «جوان بايز» بصورة متقطعة مع أنها كانت تكبره بأربعة عشر عامًا. اندهش فريق ماكنتوش حين اصطحبها إلى الشركة ليريها المشروع السري، وحضرت بصحبته الاحتفال بأحد الأعياد السنوية، لكن في نهاية الأمر، كان فارق العمر أكبر من أن يتغلبا عليه.

كما واعد أيضًا «مايالين»، التي صممت النصب التذكاري لمحاربي فيتنام، وأخذ موعدًا من دون سابق تعارف مع الممثلة «دايان كيتون». ولمدة عام، رافق أيضًا طالبة في جامعة «بنسلفانيا» اسمها «جينيفر إيجان»، وكان يراها كلما ذهب إلى ساحل أمريكا الشرقي. كان يعظها عن الحاجة إلى تجنب الارتباط بالأشياء المادية، وكانت هي ترد عليه بسؤاله عن مبرر صناعة الكمبيوترات التي يريدها الناس. قالت: «خضنا مناقشات محتدمة حول ذلك.»

أخبرت «إيجان»، التي فازت فيما بعد بجائزة «بوليتزر» للرواية، جوبز بأنها أصغر من أن تتزوج، وانتهت العلاقة.

في ١٩٨٤م، سألته مجلة «بيزنيس ويك» عن اهتماماته الشخصية، فرد جوبز: أحب الأفلام والعلاقات الرومانسية.

– أي أنواع العلاقات الرومانسية؟

قال: مع الشابات شديدات الذكاء ذوات الذوق الفني. أظن أنهن يتواجدن في نيويورك أكثر من وادي السيليكون.

وجاءت أول علاقة طويلة حقيقية لجوبز مع مصممة الجرافيك «تينا ريدسي» التي التقى بها وهي تزور مكتب أبل، ونشأت بين الاثنين علاقة طويلة مليئة بالتقلبات. بحلول منتصف ثمانينيات القرن العشرين، كان جوبز قد اشترى قصرًا قديمًا على الطراز الإسباني به أربع عشرة غرفة نوم، ومن دون أثاث تقريبًا. انتقلت إليه معه، مع أنه كان لا يزال ينام على مرتبة على الأرض وينشد الكمال بدرجة جعلته يرفض أن تشتري أريكة. ولما أحبطت لعدم وجود أثاث، غادرت المنزل.

لكن عاطفة الاثنين كانت تتقد حين يكونان معًا، بما يكفي لأن يتذكر موظفو «نيكست» «جلساتهما الغرامية» في بهو الشركة. لكنهما كانا يتشاجران بشدة أيضًا، وعلى الملأ أحيانًا. مثل «كريسان برينان»، نفرت «تينا» من مدى برود جوبز ولامبالاته في بعض الأحيان، والطريقة التي كان يصبح بها جارحًا لها وللآخرين. ودفعته أيضًا لقضاء مزيد من الوقت مع ابنته، «ليزا»، والتي كانت وقتها في المدرسة الابتدائية.

شجع «روس بروت» جوبز على الزواج من «تينا»، وفي ١٩٨٩م، طلب يدها أخيرًا، لكنها رفضته، مقررة أنه لا يمكن لزواجهما أن ينجح. لكنهما بقيا على اتصال.

دخلت «لورين باول» حياة جوبز ذات مساءٍ خريفي وهو يتحدث في كلية التجارة في جامعة ستانفورد. كانت قد ذهبت مع صديقة، ولما لم تجد مقعدًا متاحًا، جلست في مقعد محجوز. وحين وصل جوبز، وجدت نفسها بجوار ضيف الشرف، ومزحت قائلة إنها ربحت مسابقة وإن الجائزة كانت عشاءً معه.

تحادثا بضع دقائق بعد الكلمة، وكان من المفترض أن يتوجه جوبز إلى اجتماع «نيكست»، لكن بمجرد أن دخل سيارته، شعر بتغير في مشاعره. قال: «كنت في موقف السيارات، والمفتاح في السيارة، وقلت لنفسي: إن كانت هذه آخر ليلة لي على الأرض، هل أقضيها في اجتماع عمل أم مع هذه المرأة؟ جريت عبر موقف السيارات، وسألتها إن كان يمكن أن تتناول العشاء معي. وافقَت، سرنا إلى البلدة، وبقينا معًا منذ ذلك الوقت.»

كانت «باول» من نيو جيرسي، وكانت قد فقدت أباها في الصغر، وتعلمت المرونة. كانت ذهبية الشعر، ورياضية، ونباتية، وتخرجت في جامعة «بنسلفانيا»، وعملت في شركة «جولدمان ساكس»؛ إحدى شركات «وول ستريت» الشهيرة قبل أن تلتحق بكلية التجارة. كانت تتميز بكل الصفات المناسبة: ذكية، وجميلة، وناجحة في دراستها وعملها.

تعرضت علاقتهما أيضًا للتذبذبات. كان جوبز يطلب منها أن يتزوجا يومًا ثم يتجنب ذكر الموضوع لأشهُرٍ بعدها. كانت تتحول لمركز اهتمامه لفترة ثم يتجاهلها فجأة. كانت الجوانب المظلمة لشخصيته تربكها، لكنها احتملتها.

figure
ستيف جوبز وزوجته «لورين باول».

كانت «باول» عضوة جديدة في الأسرة، ممن أدخلهم جوبز في حياته في سنوات ما بعد أبل. في السنوات التي تلت ولادة «ليزا»، كان جوبز يتجنبها هي و«كريسان». قال لكاتب السيرة «والتر آيزاكسون» في سلسلة من المقابلات: «لم أرغب في أن أكون أبًا، لذا لم أكن واحدًا.» كان أحيانًا ما يتوقف عند منزلهما ويتحدث مع «كريسان»، متجاهلًا طفلته تمامًا.

لكن بمجرد أن ترك أبل وعمل في «نيكست»، قريبًا من حيث تعيشان، بدأ يزورهما أكثر، ويأخذ «ليزا» للعشاء. أحضرها مرة إلى المكتب، حيث قامت ببعض الحركات البهلوانية في المدخل. وحين كبرت كانا يتمشيان معًا أو يذهبان للتزحلق.

لكن «ليزا» كتبت بعد ذلك: «ربَّتنِي أمي وحدها تقريبًا. لم يكن لدينا الكثير، لكن أمي كانت رقيقة وكنا سعيدتَين. وتنقلنا كثيرًا.» ثلاث عشرة مرة، مع أنها كانت تعرف أن أباها ثري ومشهور، لكنها عرفته ببطء. ذات مرة، وهي في بداية المراهقة، اصطحبها في رحلة عمل إلى طوكيو.

كان جوبز قد خفف بعض الشيء من عاداته الغذائية في أبل، قائلًا: «إن التفاعل مع الناس والعيش بصحة يجب أن يتوازنا.» ولكن بعد أن ترك أبل، عاد إلى أنظمته النباتية الصارمة؛ مع أنه ظل يحب «السوشي». في هذه الرحلة، اصطحب «ليزا» إلى مطعم «سوشي»، قبو أحد الفنادق، حيث تشاركا في أطباق «سوشي الأوناجي»، وهو عبارة عن أنقليس مطبوخ على الأرز. كان على بعض «السوشي» ملح، وعلى بعضه الآخر صلصة حلوة. تتذكر «ليزا» قائلة: «وكان الاثنان دافئين وذابا في فمي.» وبالمثل، ذابت المسافة بينها وبين أبيها الغائب غالبًا. كتبت: «كانت أول مرة أشعر فيها معه بأنني مسترخية ومطمئنة. فتح الفضاء الذي كان يستحيل الوصول إليه. كان أقل صرامة مع نفسه، وكان إنسانًا تحت تلك الأسقف الهائلة والمقاعد الصغيرة، مع اللحم ومعي.»

بعد زواج جوبز بقليل، انتقلت «ليزا» للعيش معه هو و«باول»، وعاشت معهما في أثناء سنوات الدراسة في المدرسة الثانوية. والتحقت ﺑ «هارفارد» وصارت كاتبة. ومثل الكثير من علاقات جوبز، شهدت هذه العلاقة الدفء والبرودة، وكان الاثنان أحيانًا يقضيان شهورًا وربما سنوات من دون كلام. (كان تخرجها من الكلية ضمن هذه الأوقات؛ لم تَدعُه، ولم يحضر!)

وتجمعت قطعة أخرى من أحجية عائلة جوبز.

في منتصف ثمانينيات القرن العشرين، تم تشخيص إصابة «كلارا جوبز» بسرطان الرئة. في أثناء زياراته لها، سألها جوبز عن ماضيها، وعرف أنها تزوجت من قبل، من رجل مات في الحرب. وعرف أيضًا مزيدًا من التفاصيل عن تبنيه.

لطالما قاوم جوبز الرغبة في العثور على أمه البيولوجية لأنه لم يرغب في أن يجرح مشاعر بول و«كلارا» اللذين كان يحبهما بشدة ويعتبرهما والدَيه الحقيقيين الوحيدين. لكن بعد موت «كلارا» في نوفمبر ١٩٨٦م في الثانية والستين، أخبر والده بما يشغله فرحب بالأمر.

من خلال بعض التحريات وبمساعدة مخبرٍ خاص، استطاع جوبز تحديد مكان «جوان شيبل» في لوس أنجلوس، وعرف أن أباه، عبد الفتاح جون الجندلي، كان سوريًّا وصار أستاذًا في العلوم السياسية. وكانت «جوان» قد عادت إلى «ويسكنسن» بعد ولادة جوبز. وبعد موت أبيها، تزوجت من الجندلي، وأنجبت طفلةً أخرى اسمها منى.

فتبين أن لستيف أختًا.

هجر الجندلي الأسرة بعد بضع سنوات، وتزوجت «جوان» مرة أخرى. واتخذت هي ومنى لقب «سيمبسون»، مع أن هذا الزواج لم يدم أيضًا.

زار جوبز «جوان سيمبسون» في لوس أنجلوس، ليشكرها لأنها وهبته حياته. اعتذرت كثيرًا، قائلة إنها كانت تفتقده طوال الوقت.

وبعد ذلك بقليل قابل جوبز منى في نيويورك، وكانت قد انتهت للتو من رواية بعنوان «أي مكان إلا هنا» (Anywhere But Here)، عن هجرتها هي وأمها إلى لوس أنجلوس من «ويسكنسن»، وكانت تعمل في مجلة أدبية اسمها «باريس ريفيو». انسجما فورًا، واكتشفا أنهما يحبان المشي مسافات طويلة، والتركيز في عمليهما، ويتمتعان بصفة واضحة ألا وهي قوة الإرادة. بينما لم يشعر جوبز قط بقرب خاص من أخته «باتي»، نشأت بينه وبين منى صداقة قوية، وتعرفت على رفيقاته وعلى «ليزا».
باعتبارها روائية مشهورة، اعتمدت على خبراتها الشخصية في كتاباتها، وكتبت في منتصف تسعينيات القرن العشرين كتابًا بعنوان «رجل عادي» (A Regular Guy)، عن رجل نرجسي مدمن لعمله يتجاهل ابنته حتى يُطرد من وظيفته. وكانت الجملة الافتتاحية للكتاب: «كان رجلًا مشغولًا بدرجة تمنعه من شد سيفون الحمام.» ومع أنها رواية، فإنها تعتمد بوضوح على قصة جوبز، ويصعب التمييز فيها بين الحقيقة والخيال.

بدأت منى، من جانبها، في تعقب أبيهما، وعثرت عليه في «سكرامينتو» في كاليفورنيا. لكن جوبز لم يهتم بمقابلته، وقلق من أن أباه البيولوجي قد يحاول بشكلٍ ما أن يبتزه أو يحصل على ثروته. أخبر أخته بأنه لا يرغب في أن تأتي على ذكره أمامه.

figure
الروائية «منى سيمبسون» أخت ستيف جوبز.

سافرت منى وحدها إلى «سكرامينتو». كان الجندلي قد ترك التدريس وأصبح يعمل في مجال المطاعم. وفي أثناء حديثهما أخبرها أن هناك طفلًا آخر، قد ولد قبلها. وأخبرها: «لن نراه ثانيةً أبدًا.»

حكى لمنى عن مطاعم أخرى أدارها، ومنها مطعم لمأكولات البحر المتوسط قرب سان خوسيه. وأصيبت منى بمفاجأة رهيبة عندما واصل أبوها قائلًا: اعتاد كل الناجحين والمشاهير في مجال التكنولوجيا الذهاب إلى هناك، حتى ستيف جوبز.

استكمل الجندلي حديثه قائلًا: إن جوبز كان شخصًا لطيفًا، وكان زبونًا كريمًا يعطي بقشيشًا كبيرًا.

لكن منى لم تستطع البوح بالسر: أن ستيف جوبز كان هو نفسه ابنه.

اتصلت منى بجوبز فورًا، وحكت له القصة المدهشة. ذهل جوبز وتذكر المطعم والمالك. وقال فيما بعد: «كان سوريًّا، وأصلع، تصافحنا.»

اجتمعت القطع المتناثرة من أحجية تاريخ جوبز وأسرته. ثم في سبتمبر ١٩٩١م أنجبت «باول» ولدًا. واستغرق الأمر منهما أسبوعين لاختيار اسم له «ريد بول جوبز». قال الإعلان الأول للميلاد: «التوصل لأسماء المنتجات الجديدة شيء صعب.»

بالنسبة إلى جوبز، غيَّر المولود الجديد حياته تمامًا. قال بعد بضعة أشهر: «يشبه الأمر زرًّا يضغط عليه بداخلك، مما يجعلك تشعر بمشاعر جديدة تمامًا، والتي لم تكن تعتقد أنك ستشعر بها يومًا. والأمر أعمق بكثير مما سمعت عنه.»

انتقلت الأسرة إلى منزل جديد في بالو ألتو. أرادا تنشئة أطفال حسَنِي التربية، وتتذكر «منى سيمبسون» أنهم عاشوا ببساطة. قالت إنهم في السنوات الأولى كانوا عادة ما يتناولون العشاء على العشب، وكان العشاء أحيانًا ما يتكون من «نوع واحد من الخضراوات … الكثير من ذلك النوع الواحد»، مثل «البروكلي»، «مع الأعشاب المناسبة، والمقطوعة لتوها».

اشترى جوبز و«باول» أسرَّة وبعض الضروريات، وأشياء قليلة أخرى. قالت «باول»: «تحدثنا عن الأثاث نظريًّا لثمانية أعوام. قضينا وقتًا طويلًا نسأل أنفسنا: ما الغرض من الأريكة؟»

حتى شراء غسالة كان محنة. حين قررا أنهما في حاجة إلى واحدة منتصف التسعينيات، شرح جوبز أنهما كانا معجبين بالآلات الأوروبية التي تستخدم مياهًا أقل وتكون أنعم على الملابس، لكن دورتها تستغرق ضِعف الوقت.

قال: «قضينا بعض الوقت في أسرَّتنا نتحدث عن المفاضلة بين ما نود شراءه.»

وتضمن ذلك كلًّا من التصميم وقيم الأسرة. أضاف: «هل نهتم بأن يتم غسيلنا في ساعة مقابل ساعة ونصف؟ أم نهتم بأن تبدو ملابسنا ناعمة حقًّا وتعيش أطول؟ هل نهتم باستخدام ربع كمية المياه؟»

استمر النقاش والجدل على مائدة الطعام لأسبوعين قبل أن تستقر الأسرة على آلات تصنعها شركة ألمانية اسمها «ميل». قال جوبز: «فكر صانعو الآلة حقًّا في العملية بتدبر. أدهشتني هذه الآلات أكثر مما أدهشتني أي قطعة من التكنولوجيا المتطورة في سنوات.»

لم يكن شراء غسالة في صعوبة تصميم الماكنتوش أو إحداث فارق في الكون، لكن جوبز كان قد تغير. غالبًا ما تسمى الفترة التي تلت استبعاد جوبز من أبل بالفترة «البرية»، لأنه بدا تائهًا ببعده عن التكنولوجيا وعن الناس الذين ساعدوه على الصعود في بداياته. حينذاك، وهو في منتصف العمر، لم يعد جوبز يتوقع أن تحدث تكنولوجيات جديدة ثورة في العالم. قال لصحفي: «آسف، إنها الحقيقة. عندما يصبح لديك أطفال يتغير رأيك في هذه الأشياء. نولد، ثم نعيش وقتًا قصيرًا، وبعدها نموت. التكنولوجيا لا تغير في ذلك كثيرًا؛ إذا كانت تغير من الأساس.»

في الوقت الذي كانت شركتاه تكافحان من أجل البقاء، بنى جوبز أُولى علاقاته الأسرية الحقيقية كشخص راشد، وأنشأ أخيرًا حياة حقيقية خارج العمل. نتيجة لطبيعته، كانت هذه العلاقات معقدة وصعبة. وكانت أسرته الملتحمة معقدة بقدر ما تتصور، مكونة من أم وأب، بالإضافة إلى والدَين بيولوجيين، وأخت، وأخت أخرى بيولوجية، وزوجة، وأخيرًا ثلاثة أبناء، وصديقة سابقة، وابنته الكبرى.

في نهاية المطاف، طور جوبز رابطة قوية ذات معنًى عميق مع معظمهم، وليس جميعهم. عرف الجندلي من الأخبار أن جوبز هو ابنه البيولوجي، لكنه لم يقابله قط بهذه الصفة.

توفي «بول جوبز»، والد ستيف، في مارس ١٩٩٣م، في السبعين من عمره، وظل ابنه، حتى بعد وفاته بسنوات، يصفه بأنه «رجل عظيم». سُئل ذات يوم عما يريد أن يمنحه لأبنائه، قال جوبز: «كل ما أريده هو أن أحاول أن أكون أبًا جيدًا بالنسبة إليهم مثلما كان أبي معي. أفكر في ذلك في كل يوم من حياتي.»

من جانبه، كان «بول جوبز» فخورًا بابنه الذي كان ناجحًا وصعب المراس، وظل يحضر محاضراته العامة حتى النهاية.

خلال هذه السنوات الصعبة، ربما كان جوبز قد حاد عن طريقه العملي بعض الشيء، لكنه ربح الكثير في مجال آخر يوسع القلب ويغذي الروح؛ بصفته ابنًا وزوجًا وأبًا.

ولم يكن وقت عمله، على الرغم من ذلك، خسارةً كلية.

وودسايد

في أوائل التسعينيات، استقر جوبز و«باول» في منزلهما في بالو ألتو، واندمجا في المكان بسهولة شديدة، حتى إنهما غالبًا ما كانا يتركان الباب الخلفي مفتوحًا. لكن في حي «وودسايد» القديم، انتهى الأمر بجوبز بمعركة طويلة ومريرة على القصر الذي تركه وراءه.

أبقى جوبز على منزل «وودسايد»، الممتد على مساحة ١٧ ألف قدم مربع، والمبني على طراز الإحياء الإسباني الاستعماري بغرف نومه الأربع عشرة والحمامات الثلاثة عشر ونصف، على أمل هدمه ذات يوم وبناء بيت أصغر وأبسط هناك.

لبضع سنوات، استخدمت أسرته المنزل وحمام السباحة في الحفلات. حين أتى الرئيس الأمريكي «بيل كلينتون» وزوجته «هيلاري» لزيارة ابنتهما «تشيلسي» في ستانفورد، أقاما في منزلٍ آخر مُقامٍ على الأرض المليئة بالأشجار.

في منتصف ٢٠٠٤م، طلب جوبز من لجنة تخطيط البلدة أن تسمح له بهدم القصر، الذي شُيد في ١٩٢٦م لقطب النحاس «دانيال جاكلنج». قال جوبز إنه سيئ البناء، ووصفه بأنه «من أكثر المنازل التي رأيتها مقتًا».

لكن الجيران، مع ذلك، وصفوه بأنه تاريخي وأصروا على ضرورة الحفاظ عليه.

وافقت اللجنة لجوبز على هدم المنزل، بشرط أن يحاول في خلال سنة العثور على أحد لنقل المخلفات إلى مكان آخر. وأيد مجلس المدينة هذا القرار في أوائل ٢٠٠٥م، لكن الجيران رفعوا قضية وصدر حكم بوقف الهدم.

بدءًا من عام ٢٠٠٠م تقريبًا، ترك جوبز المنزل مفتوحًا أمام عناصر الطبيعة، وبحلول أواخر العقد، تعفن وتهدم.

في ٢٠٠٩م، حصل جوبز على تصريح آخر بالهدم، وأُحبط الجيران عند هدم المنزل في فبراير ٢٠١١م. ولكن بحلول ذلك الوقت لم يكن جوبز مهتمًّا ببناء منزل جديد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤