الفصل السابع عشر

التحول

بالنسبة إلى جوبز، كان الجزء الأخير من عام ١٩٩٧م منهكًا. كان ينهي عمله في وقت متأخر من الليل، ويصل البيت في العاشرة مساء، ويدخل السرير، ليستيقظ في السادسة صباحًا ويأخذ حمامًا ويعيد الأمر مرة أخرى.

figure
ستيف جوبز قرب جهاز «آيماك» المعروف بهيكله الملون وشكله المثلث المميز.

قال: «لم أعرف هذا الإرهاق قط في حياتي.» كان يشرف بدقة على أبل وعينه على «بكسار»، وتركه الجمع بين الاثنين منهكًا بدرجة تجعله لا يستطيع حتى الحديث مع «باول» حين يعود إلى البيت. لحسن الحظ، كانت متفهمة. قال: «دعمتني وحافظت على الأسرة مع زوجٍ غائب.»

واللافت أكثر أن جوبز كان يدير أبل من دون راتب. وافق على راتب قدره دولار واحد في السنة، بما يكفل لأسرته التمتع بالخدمة الصحية. كان يملك حصة واحدة من الأسهم، ولم يتلق أي أسهم أو تعويض. قال للناس إنه لا يريد أكثر من ذلك. قال: «الخلاصة هي أنني لم أعد إلى أبل لتكوين ثروة (مع أنه كانت لديه ثروة بالفعل بفضل «بكسار»)، أريد فقط أن أرى إن كنا نستطيع العمل معًا لإصلاح حال الشركة.»

كان الكثيرون في الصناعة يشككون في إمكانية إصلاح أبل. حين تولى جوبز المهمة، كانت أبل تعاني من عجز في النقد وبدا أنها تسير باتجاه الإفلاس. كان الجميع تقريبًا يشترون كمبيوترات برقائق «إنتل» وبرمجيات «ويندوز»، وكانت حواسب «هيوليت باكارد» و«دل» تنمو بسرعة وتتقدم ببيع أجهزة بدون شخصية، رخيصة التكاليف. كان عنصر السعر هو السوق في النهاية، حتى إن «آي بي إم» باعت قسم الكمبيوتر الشخصي لديها.

سئل مؤسس «دل» «مايكل س. دل» في مؤتمر: ماذا يفعل لو كان مكان جوبز؟ كان صريحًا، قال: «أغلقها وأعيد الأموال لأصحاب الأسهم.»

لكن جوبز، بما يتفق مع رؤيته الأصلية لأبل، آمن بأن هناك مكانًا للجمال والفن وسط التكنولوجيا والتجارة. كان سعيدًا أيضًا بأن يترك «دل» و«هيوليت باكارد»، وآخرين يستولون على السوق الكبيرة المملة للعاملين الروتينيين ومهاويس التكنولوجيا، بينما يقوم هو على خدمة الأفراد. قال: «كانت جذور أبل تقبع في بناء حواسب للناس، وليس للشركات.»

بينما لا يوجد أحد اقتطع بنجاحٍ سوقًا «للناس» فقط، لم يرَ جوبز سببًا يمنع أبل من فعل ذلك. قال: «على الرغم من كل شيء، كانت شركة «ذي جاب» (The Gap) ناجحةً جدًّا باعتبارها بائعة تجزئة، ولم تكن تبيع البدل.»

ليبدأ العمل في ماكنتوش جديد، اتجه إلى «جوناثان آيف»، أكبر مصممي أبل، المعروف باسم «جوني». طلب جوبز كمبيوترًا أشبه بماكنتوش ١٩٨٤م: «ينبغي أن يكون سهل الاستخدام، ويشمل لوحة مفاتيح وشاشة، يعمل بعد إخراجه من الصندوق مباشرة، ويكلف أقل من ٢٠٠٠ دولار، مما يجعله أرخص آلة في أبل.»

بعد الرفض مرتين من الرئيس، توصل فريق «آيف» إلى صندوقٍ يشبه وسادةً مثلثة أكثر مما يشبه المكعب. بتغطية الكمبيوتر ولوحة المفاتيح في بلاستيك شفاف يكشف ما في الداخل للعالم، بدا الجهاز كله ظريفًا وجذابًا. زار الفريق مصنع حلوى «الجيلي بين» لمعرفة المزيد عن الألوان الشفافة، واستقروا على لون أزرق مائل للاخضرار للكمبيوتر نفسه، وتمت إضافة درجات أخرى بألوان الحلوى فيما بعد.

انتشى جوبز بإبداعه المتفرد، ورآه جوهر تصميم عظيم. وقال إن معظم الناس يرون أن التصميم هو الطريقة التي يبدو عليها شيء ما. وأضاف مفسرًا: «مثل نسيج الستائر والأريكة». لكن بالنسبة إليه: «التصميم هو الروح الأساسية للإبداع الذي يصنعه الإنسان، الذي يتجلى في النهاية في طبقات خارجية متتابعة من المنتج والخدمة.» وقال: «إنه ليس فقط شكل المنتج أو ملمسه، لكن كيف يعمل.» وهكذا لم تكن الآلة الجديدة تتعلق «فقط باللون أو الشفافية أو شكل الطبقة الخارجية. إن جوهر «آيماك» هو أن يكون أفضل كمبيوتر للمستهلك، والتي تتناغم فيه كل العناصر معًا.»

لكن مهندسي أبل لم يكونوا معجبين بهذا التفكير الفلسفي. «جاءوا بثمانية وثلاثين سببًا» لعدم مواءمة التصميم، كما يتذكر جوبز. لكنه كان المدير المؤقت، وأصر على أنه يمكن أن ينفذ، وسينفذ. وهكذا كان.

كان حرف اﻟ «آي» (i) في «آيماك» الجديد على ما يفترض اختصارًا لإنترنت، لكنه أيضًا اختصار ﻟ «فرد، إرشاد، تعليم، إلهام».١
figure
استُلهمت الألوان الشفافة الزاهية لجهاز «آيماك» من زيارة لمصنع حلوى «الجيلي بين». وقد ألمحت إليه حملة إعلانات «آي كاندي» وأكدت للزبائن أن هذا الكمبيوتر مختلف، وألطف، وأسهل استخدامًا، وأمتع.

بينما كان أحدث كمبيوتر لجوبز يتميز بالكمال في نظره، كان به بعض العيوب. كان الماوس يشبه قرص الهوكي، وتغير في النهاية إلى شيء تقليدي أكثر. استبعد جوبز مشغل الأقراص المرنة، وكان شائع الاستخدام في النسخ الاحتياطي للملفات وتبادلها (ونتيجة لذلك، كان على الزبائن شراء مشغل منفصل للأقراص المرنة). انتابته نوبة غضب شديدة حين اكتشف أن مشغل الأسطوانات المدمجة في الكمبيوتر كان حاملًا يبرز إلى الأمام عند فتحه وليس فتحة أنيقة، كتلك التي توجد في السيارات اليوم. بعد التهديد تقريبًا بتأجيل طرح الكمبيوتر، ضغط على مدير التصنيع المسئول حتى وعد بأن النسخ التالية لن يكون فيها هذا الحامل.

وبينما كانت الآلة الجديدة على وشك أن ترى النور، كان لدى جوبز أخبار طيبة يعلنها لعشاق أبل. في الاجتماع الشتوي ﻟ «ماكورلد» في يناير، أخبر الحشد بتحسين قادم لنظام التشغيل، وأيضًا برمجيات جديدة ﻟ «ماك» من مايكروسوفت. ثم، فيما أصبح علامة مميزة لعروض جوبز، ادخر الجزء الأفضل للنهاية.

قال: «أوه، هناك شيء أخير.» بعد أشهر من الخسارة، حققت أبل أرباحًا في ربع السنة المالية، المنتهي في ديسمبر، فيما يمثل الومضات الأولى للأمل في تحول الأحوال للأفضل بحق. كانت كل التخفيضات التي أقرها جوبز في التكاليف قد ساعدت في وضع الشركة على أرض أكثر صلابة.

جاءت الومضات التالية في مايو ١٩٩٨م، حين كشف جوبز عن «الآيماك» الملوَّن الجديد رسميًّا بسعر ١٢٩٩ دولارًا أمام حشد يضم وزنياك و«ماركولا»، وكثيرين من الفريق الأصلي ﻟ «ماك». في عودة إلى ذكرى الانطلاق الأول لماكنتوش، ارتدى بدلةً بدلًا من كنزته السوداء، وأزاح ستارة ليكشف عن كمبيوتر جميل بشاشة حمراء مكتوب عليها «أهلًا (مرة أخرى)».

قال: «يبدو وكأنه من كوكب آخر. كوكب رائع. كوكب به مصممون أفضل.»

وصف النقاد الجهاز بأنه رائع وخفيف، ويمكن احتضانه. وهام المستهلكون به حبًّا. في الأسابيع الستة الأولى بعد طرح الجهاز للبيع في أغسطس، باعت أبل ما يقرب من ثلاثمائة ألف «آيماك»، في أسرع بداية على الإطلاق لموديل جديد. ارتفعت أسعار أسهم أبل مرة أخرى، بحيث وصلت إلى ثلاثة أضعاف قيمتها حين ترك «أميليو» الشركة.

والأفضل أن مسحًا وجد أن ثلاثة من كل عشرة مشترين ﻟ «آيماك» لم يمتلكوا كمبيوترًا من قبل، وأكثر من واحد من كل عشرة مشترين تحول إلى «آيماك» من آلة تعتمد على نظام ويندوز. كان التوقيت مناسبًا، كانت أعداد متزايدة من الناس تواقة لاكتشاف احتمالات الإنترنت المتنامي وابتكاراته، مثل البريد الإلكتروني، والماسينجر الفوري الجديد لأمريكا أونلاين، ومحلات الويب الناشئة مثل «أمازون» و«إيباي».

بعد بيع مليوني «آيماك» تقريبًا في السنة الأولى من طرح الجهاز، أنتجت أبل أجهزة «لاب توب» بلون الحلوى تُسمَّى «آيبوكس» في منتصف ١٩٩٩م. كما عرض جوبز كيف تبنَّت أبل تكنولوجيا جديدة اسمها «واي فاي»، تسمح للمستخدمين بالاتصال بالإنترنت من دون كابلات.

ليوضح الإنترنت اللاسلكي للصحفي «ستيفن ليفي» من نيوزويك، انتزع جوبز أحد أجهزة «اللاب توب»، وأمسك به مثل نادل يحافظ على توازن صينية، موضحًا كيف يمكن الانتقال بالكمبيوتر حول الغرفة ويبقى متصلًا بالإنترنت. كتب ليفي: «كان جوبز يرقص بكل معنى الكلمة، ورِجلاه تتمايلان في رقصة مامبو مبهجة حول طاولة الاجتماعات.»

تساءل جوبز: «أليس لهذا السبب في المقام الأول دخلنا هذا المجال؟ انظر إلى ما نفعله هنا!»

بلى، رد «ليفي»، كان هذا أفضل استعراضي في وادي السيليكون، لكنه أيضًا «أوفى معجبي أبل».

بعد ذلك بسنة، قامر جوبز مقامرة أكبر، مقدمًا مكعبًا أسود صلبًا يبدو تمثالًا أكثر منه كمبيوترًا. وفيما يشبه ظروف جهاز «نيكست»، فإن سعر «الباور ماك جي ٤ كيوب» (Power Mac G4 Cube)، كان مماثلًا لأسعار التماثيل الفخمة بالفعل، بمبلغ ثلاثة آلاف دولار بشاشة ولوحة مفاتيح، وكان موجهًا للمستخدمين الذين يريدون أكثر من مجرد جهازٍ منزلي.

كان جوبز قد نضج، لكنه لم يَلِن كثيرًا. كان لم يزل يركن سيارته في المكان المخصص لسيارات المعاقين، وكانت سيارته المرسيدس لا تزال من دون لوحات، ويبدو أن ذلك هو ما كان يجنبه الحصول على مخالفات. كما قال لمجلة «فورتشن»: «إنها لعبة صغيرة أمارسها.» كان يعبر عن فرحه بأن ابنته الصغرى، «إيف»، المولودة في ١٩٩٨م في أحاديث خاصة، كانت تلوح له وهو يغادر البيت في طريقه إلى العمل، لكنه أضاف بعد ذلك أنه لا يترك أولاده يشاهدون التلفزيون، الذي قد يفسد قدراتهم الإبداعية.

كان لم يزل متنقلًا بين أبل و«بكسار»، لكن بشكل أقل حدة. حققت «بكسار» ضربة أخرى مع «حياة حشرة» في ١٩٩٨م، وكان «حكاية لعبة ٢» على وشك أن يصبح قنبلة موسم إجازة ١٩٩٩م، وباع الاثنان تذاكر بأكثر من ٨٠٠ مليون دولار على مستوى العالم. مع أن ما يقلق جوبز أصبح أقل، لكنه كان يستيقظ في السادسة، يرد على البريد الإلكتروني، ويعمل قبل أن يستيقظ أبناؤه، ثم يساعد في إعداد الفطور وروتين الخروج إلى المدرسة. حين كان يستطيع، كان يعمل من البيت ساعة أخرى، ثم يصل إلى أبل في الثامنة أو التاسعة. على الغداء، قد يتبادل عشرات المكالمات ورسائل البريد الإلكتروني مع «بكسار»، وبنهاية اليوم، يكون قد تلقى مئات الرسائل الأخرى، كثير منها لزبائن «ماك» الذين يشاركون أفكارهم مع مدير شركتهم.

وفي وسط هذا التقدم، اتخذ جوبز قرارًا كبيرًا. تمشَّى مع زوجته، وشرح لها كيف يمكن أن تكون أبل أساسًا لتحقيق ما يريد. كان على استعداد لأن يُسقط كلمة «مؤقت» من مسماه الوظيفي ومن ثم يعمل في أبل دوامًا كاملًا، ويصبح رئيسًا تنفيذيًّا بشكلٍ كامل. وأخبرها بأنه يخطط للبقاء من أربع إلى خمس سنوات أخرى.

كان مجلس إدارة أبل يشجعه على القيام بذلك، ولإغرائه، عرض عليه خطة لخيارات شراء ١٤ مليون سهم من أسهم أبل. كانت خطط خيارات شراء الأسهم ميزة مشتركة بين المديرين وبعض الموظفين، بحيث تتيح لمالك الأسهم شراء الأسهم في المستقبل بسعر اليوم. وهكذا كلما ارتفع السعر الأصلي دولارًا واحدًا سيحقق جوبز ربحًا مقداره ١٤ مليون دولار.

ومع إصرار جوبز في البداية على أنه ليس في أبل ليحقق ثراءً، طلب المزيد. قال: «ما أحتاجه حقًّا هو طائرة لأصطحب بها أسرتي إلى هاواي في إجازة.» كان يكره استخدام الخطوط الجوية التجارية، خصوصًا مع وجود ثلاثة أطفال صغار. وافق مجلس الإدارة على شراء «جولف ستريم في» له، وهي طائرة حمولتها ستة عشر شخصًا. كلفت الهدية أبل ٨٨ مليون دولار، بما فيها الضرائب التي دفعتها نيابة عن جوبز، هدية لطيفة مقابل عمل مذهل في عامين ونصف.

بالإضافة إلى ذلك، طلب جوبز الحصول على خطة اختيار شراء ٢٠ مليون سهم، أكثر مما عرض عليه. في النهاية، وافق مجلس الإدارة على إعطائه منحتين: بعض الأسهم التي يمكن بيعها فورًا لتحقيق ربح، وبعض الأسهم التي يمكن بيعها فيما بعد. وعلى الرغم من أنه لم يحصل على الأسهم كلها في الحال، قدرت مجلة «فورتشن» العملية كلها بمبلغ ٣٨١ مليون دولار. حتى مع كل ما قام به، كان ذلك سخاءً لا يُصدَّق.

في اجتماع «ماكورلد» سنة ٢٠٠٠م، قال جوبز للحشد إن أبل ستقدم نظام تشغيل جديدًا يعتمد على برمجيات حصلت عليها من «نيكست» قريبًا. ومرة أخرى، ادخر الأفضل للنهاية، حين قال للحشد إنه سيسقط كلمة «مؤقت» من مسماه الوظيفي، هبت الجموع واقفة وهي تهتف: «ستيف، ستيف، ستيف.»

بابتسامةٍ قَبِل جوبز الاحتفاء، لكنه أشار إلى أنه جزء من فريق، وأضاف: «أقبل شكركم نيابة عن كل شخص في أبل.»

لسوء الحظ، تداعى فريق أبل بسرعة. بدأ «الآيماك» يتراجع، بعد أن كان رائجًا جدًّا. وكان الكمبيوتر الرائع والأنيق «أبل باور ماك جي ٤ كيوب»، الذي طُرح في صيف ٢٠٠٠م، غاليًا جدًّا. بيع منه نصف العدد المتوقع في الأشهر القليلة الأولى، ثم انهارت المبيعات. سرعان ما تم تجميد «كيوب»، في أول فشل كبير لجوبز منذ عودته.

بحلول عام ٢٠٠١م، تباطأ الاقتصاد، وأخذت شركات التكنولوجيا التي كانت تتقدم ذات يوم تتراجع، وأخذت أبل تخسر مرة أخرى. ومرة أخرى، حذر النقاد من ألا يكون هناك مكان لشركة تتمتع بهذا القدر من الاختلاف.

figure
متجر أبل في شارع «فيفث أفنيو» في مدينة نيويورك.

في الوقت ذاته، كان جوبز يفكر في نقل أبل إلى مجال جديد تمامًا. لم يكن باعة التجزئة الكبار في مجال الكمبيوتر والإلكترونيات يؤدون عملهم على أكمل وجه فيما يتعلق ببيع كمبيوتراته غير العادية، وكانوا على الأغلب لا يمنحونها الكثير من الاهتمام. قال جوبز: «بدأتُ أفزع. كان الأمر يعني أن علينا أن نفعل شيئًا ما.»

لكن الدخول في تجارة التجزئة كان مقامرةً كبيرة. طلب جوبز من رئيس «جاب» حينذاك «ميلارد ميكي دريكسلر» الانضمام إلى مجلس إدارة أبل، وأغرى «رون جونسون» من سلسلة «تارجيت» بتصميم محلات أبل. بناءً على اقتراح «دريكسلر»، بنوا محلًّا أوليًّا ليروا ما يبدو أفضل.

توصل «جونسون» إلى فكرة «المكتب العبقري» (Genius Bar)، الذي يشبه في عمله إلى حد كبير مكتب الاستعلامات في الفندق، بحيث يمد يد العون للتائهين أو المرتبكين أو مَن هم في حاجة إلى المساعدة.

وكما هو الحال بالنسبة إلى كثير من منتجات أبل، كان جوبز على وشك تدشين أول محل لأبل حين أدرك «جونسون» حقيقةً مؤلمة. نُظِّم المحل النموذجي على أساس المنتجات، لكن المستهلكين يتخذون قرار الشراء على أساس كيفية استخدامهم للمنتجات، من قبيل صناعة فيديوهات أو تسلية أبنائهم. قال جوبز إن إعادة تصميم المحل أجَّلت التدشين عدة أشهر، «لكنه كان القرار المناسب تمامًا.»

تم افتتاح أول محلين: في تايسونز كورنر، بفيرجينيا، وفي جلندايل، بكاليفورنيا، في ربيع ٢٠٠١م.

ولكن من دون منتجاتٍ رائجة، لم يكن هناك سوى القليل جدًّا مما يمكن أن يبيعه جوبز.

التغليف

لم تَفُت أصغر التفاصيل على ستيف جوبز الذي كان يناقش كل صغيرة وكبيرة.

بالإضافة إلى طلبه منتجات جميلة وجيدة التصميم، طلب أيضًا تغليفًا جميلًا جيد التصميم. كان هو وكبير مصممي أبل، «جوني آيف»، مهووسين بالصناديق التي تفتح بطريقة ثني مناسبة وبفتحات بحجم مناسب. ينبغي أن يتم إخراج الكمبيوتر من الصندوق بطريقة مثيرة، وينبغي أن يوضع «الآيبود» أو «الآيفون» الجديد بشكل مناسب في قطعة من البلاستيك.

figure
مثال للتغليف الدقيق لأبل، ونراه هنا مع «آيفون ٤».

قال «آيف»: «يمكن أن يكون التغليف مسرحًا، يمكنه أن يحكي حكاية.»

في الحقيقة، من بين براءات الاختراع التي تشارك فيها جوبز و«آيف» كانت هناك عدة اختراعات لتصميمات صناديق «الآيبود» و«الآيفون». إجمالًا، ظهر اسم جوبز على ٣١٣ من اختراعات أبل، بما يشمل المشابك، والتصميمات، وكابلات الكهرباء، وذلك السلم الزجاجي الجميل.

كانت الصناديق رائعة جدًّا، حتى إن بعض الهواة لم يتخلوا عنها، وكانوا يخزنونها في خزانة ملابسهم أو يعرضونها على الرفوف. وتوجد حتى معارض صور على الإنترنت لمُلَّاك جدد وهم يزيحون الغطاء عن أحدث مشترياتهم من أبل.

قال جوبز إنه بدأ الاهتمام بالتغليف بعد أن قال له «مايك ماركولا»، معلمه وأول مستثمر في أبل في وقت مبكر، إن الناس يحكمون على الكتاب من غلافه، وإن العرض السيئ أو الرديء يلطخ حتى أجمل المنتجات.

قال جوبز: «حين تفتح صندوق «آيفون» أو «آيباد»، نريد لتلك التجربة الأولية والملموسة أن تحدد موقفًا لكيفية إدراكك للمنتج. علمني «مايك» ذلك.»

١  فرد individual، إرشاد instruct، تعليم inform، إلهام inspire كلها كلمات تبدأ بحرف i. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤