الفصل العشرون

الخلاص

كان لستيف جوبز قصة طويلة مع الأزرار والمفاتيح.

figure
فريق المديرين المسئولين عن تصميم «الآيفون». من اليسار: «فيليب شيلر»، و«توني فادل» رئيس قسم «الآيبود»، ورئيس قسم التصميم «جوناثان آيف»، ومدير أبل ستيف جوبز، و«سكوت فورستال»، و«إدي كيو».

حين أشرف على الماكنتوش الأول، طالب جوبز بالتخلي عن مفاتيح المؤشر حتى يستعمل المستخدمون الماوس، وأصر على أن يكون الماوس بزرٍّ واحد، بدلًا من زرَّين أو ثلاثة، ليكون بسيطًا، وعند تصميم «الآيبود»، رفض السماح بوجود زر تشغيل وإيقاف، وأمر بأن تكون الأزرار الأخرى قليلة. كان مصعد متجر أبل في طوكيو دون أزرار، وكان يتوقف في كل دور من الأدوار الأربعة.

ورأت صحيفة «وول ستريت جورنال» ذات يوم أنه يفضل الكنزة برقبة لخلوها من الأزرار التي يمكن أن تؤخره.

وهكذا حين فكر جوبز في تلفون تصنعه أبل، كان من أفكاره الأولى التخلص من الأزرار واستخدام قوة اللمس.

لم تأته الفكرة فجأةً، بل تطورت عبر الزمن. حين عاد إلى أبل في أواخر التسعينيات، انتقد بشكل خاص جهاز نيوتن المحمول، الذي كان يستخدم قلمًا زائفًا، يسمى المرقِّم، للكتابة على الشاشة. اعتقد جوبز أنها أداة سخيفة وغير ضرورية. قال، محركًا أصابعه: «أعطانا الرب عشرة مرقِّمات. لا ينبغي أن نخترع مرقمًا آخر.»

مدركًا أن مايكروسوفت تعمل على صناعة كمبيوتر صغير وخفيف مصمم ليحمله صاحبه إلى أي مكان اسمه «تابلت» يستخدم مرقمًا. سأل مصمميه إن كانوا يستطيعون التوصل إلى «تابلت» يستخدم اللمس وليس به لوحة مفاتيح خارجية. وكانت المجموعة تعمل بالفعل على التوسع في إمكانية الأصابع لأن تقرص وتضغط لتتحكم في الحركة على «لاب توب» جديد، «ماك بوك برو»، وكانت تدرس إمكانية نقل هذه القدرة لاستخدام الأصابع على شاشة. في الوقت المناسب، توصل المصممون إلى فعل ذلك، مبتكرين ما سموه «اللمس المتعدد» (multi-touch)، بما يسمح للسبابة والإبهام بالتباعد أو التقارب لتكبير الصورة على الشاشة أو تصغيرها.

حين رأى جوبز هذه التكنولوجيا، قال: «قلت يا إلهي! يمكننا أن نصنع تلفونًا من هذا.» وهكذا صرف النظر عن مشروع «التابلت» في ذلك الوقت للتركيز على التلفون.

لماذا تلفون؟ بعد طرح «الآيبود» بقليل، أدرك جوبز أن الكثير والكثير من المهام سينتهي بها المطاف على التلفونات المحمولة. لم يكن لدى الناس ما يكفي من الأيدي أو الجيوب للاحتفاظ بكل أدواتهم. ربما يكون مع رجال الأعمال تلفون محمول للمكالمات، أو «بلاك بيري» للبريد الإلكتروني، أو «بالم هاندهيلد» لمتابعة بياناتهم ومفكراتهم، بالإضافة إلى «آيبود» للموسيقى. إنها كمية هائلة من الأجهزة، وفكر في أنها جميعًا ستوجد (أو على الأقل ينبغي أن توجد) في جهازٍ واحد.

في ذلك الوقت كانت التلفونات — مثل أجهزة الموسيقى قبل «الآيبود» — ثقيلة ومعقدة جدًّا، بلوحات مفاتيح بلاستيكية صغيرة. يمكن أن تعرض شاشة اللمس لوحة مفاتيح عند الحاجة ثم تخفيها حين يريد المستخدم تصفح الويب أو النظر إلى خريطة. قال جوبز: «يكره الجميع تلفوناتهم، وهذا ليس أمرًا طيبًا. ثمة فرصة هناك.» وكان ذلك صحيحًا، خصوصًا بالنسبة إلى شركة مثل شركته، التي صنعت منتجات تشبه السيارة اﻟ «بي إم دبليو» لزبائن على استعداد للدفع.

راغبًا في إدخال أبل إلى الساحة، اتصل جوبز في ٢٠٠٤م ﺑ «موتورولا» التي صنعت تلفونًا شعبيًّا اسمه «رازر» (RAZR). واقترح أن يعملا معًا في تلفون بإضافة خصائص «الآيبود». وكانت النتيجة «موتورولا روكر» (ROKR)، الذي قدمه جوبز في ٢٠٠٥م.

لم تكن أبل بارعة قط في مشاركة الآخرين، ولم يكن هذا المنتج استثناءً. جاء قبيحًا وغريبًا في الاستخدام، بدلًا من أن يكون أنيقًا ونحيفًا، وكانت قدراته محدودة بشكل مخيب للآمال. كان يحمل مائة أغنية فقط. باختصار، كان سقطة. عرف جوبز أن فريقه عليه العمل على تصميمه الخاص.

بدأ جوبز العمل خلف الكواليس مع شركات التلفون اللاسلكي في صفقة حصرية لبيع ما تبتكره أبل. ولم يعرف أحد إن كان بالإمكان ابتكار نظام تشغيل صغير وقوي للحصول على تلفون بقدرات تشبه قدرات الكمبيوتر. لكن جوبز قرر: «سنفعل هذا. لنحاول.» ومثلما بدأ مع فريق «الآيبود» رحلة صناعة جهاز موسيقى لأنفسهم، قال: «لنصنع تلفونًا عظيمًا نقع في غرامه.»

وبينما كانت أبل تعمل في التلفون في سرية، كان هناك أيضًا أمام جوبز تحدٍّ كبير وعام. كان ينبغي عليه إنقاذ «وودي» و«بظ» من بلطجة الشركات.

بعد نجاح الجزء الأول من «حكاية لعبة» والطرح العام ﻟ «بكسار»، تمكن جوبز من التفاوض على صفقة جديدة مع ديزني تقتسم بموجبها ديزني و«بكسار» بالتساوي الأرباح القادمة من عدة أفلام تالية ﻟ «بكسار». لكن ديزني ظلت تمتلك الحق في الشخصيات.

حققت «بكسار» ضربات هائلة أخرى مع «شركة المرعبين المحدودة» و«البحث عن نيمو». ولما كان لم يزل هناك فيلمان متبقيان تحت الصفقة نفسها مع ديزني، حاول جوبز التوصل إلى صفقة أفضل. ولكن في أوائل ٢٠٠٤م، أنهى المحادثات مع ديزني بسبب إحباط إدارتها له، وهدد بأن تعمل «بكسار» مع شركة أخرى.

وردًّا منه على ذلك، بدأ «مايكل آيزنر» المدير التنفيذي لديزني في ذاك الوقت العمل على إصدار أجزاء أخرى ﻟ «شركة المرعبين المحدودة» و«البحث عن نيمو» وحتى «حكاية لعبة». وكانت شركة الأفلام الكبيرة على وشك أن تتعامل بطريقتها الخاصة مع «وودي» و«بظ».

وكان «جون لاسيتر»، العبقري المبدع خلف «بكسار»، في قمة الغضب والارتياع مما قد تفعله ديزني. حين أخبر العاملين بالانفصال، بدأ في البكاء، وقال لاحقًا: «كنت قلقًا على أطفالي، وعلى ما سيفعلونه بالشخصيات التي ابتكرناها. كان الأمر بمنزلة خنجر مغروس في قلبي.»

لحسن الحظ، انتصر الطيبون. طُرد «آيزنر» في ٢٠٠٥م، وكان لخلفه «روبرت آيجر» رأي مختلف. بينما كان يشاهد عرضًا في «ديزني لاند هونج كونج» أدرك فجأةً أمرًا غير مريح: كانت كل الشخصيات الحديثة في العرض شخصيات «بكسار»، ولم تكن شخصيات ديزني. ومن ثم بدأ يتحدث مع جوبز.

مع أنهما فكرا في احتمالات عديدة، في النهاية وافقت ديزني على شراء «بكسار» بمبلغ ٧٫٤ مليار دولار في ٢٠٠٦م. وصار «لاسيتر» مدير إبداع ديزني، وصار «إد كاتمول»، أحد مؤسسي «بكسار» والذي كان يدير العمل اليومي، رئيس استوديوهات الرسوم المتحركة في «والت ديزني». تم صنع فيلم «حكاية لعبة ٣» بعد ذلك، لكن وفقًا لما ارتأته «بكسار».

كان جوبز يمتلك نصف «بكسار» تقريبًا، فصار أكبر مساهم في ديزني، بنصيب ٧ في المائة من الأسهم، قيمتها ثلاثة مليارات دولار، وانضم إلى مجلس الإدارة. ومع أن البعض توقع أنه قد يحاول تولي إدارة ديزني، إلا أن تركيزه بقي منصبًا على أبل، وطرح منتجات جديدة مثل «الآيفون».

كان تجميع المنتج الجديد المعقد أصعب من المتوقع. بحلول خريف ٢٠٠٦م، وقبل الإعلان عن «الآيفون» ببضعة أشهر في مؤتمر «ماكورلد»، لم يكن «الآيفون» نفسه يعمل. كانت المكالمات تنقطع، والتطبيقات لا تعمل، والبطارية لا تشحن بالكامل. قال جوبز للفريق ببرود: «ليس لدينا منتج بعد!»، وأعادهم ليعملوا بهمة على إصلاح الأمر.

في وقت متأخر، أجرى جوبز تعديلين على التصميم: قرر أن الشاشة الرائعة ينبغي أن تكون من الزجاج، لا البلاستيك، حيث إنه من المحتمل جدًّا تعرض البلاستيك للخدش. يمكن أيضًا أن يتعرض الزجاج للخدش والكسر، لذلك كان على جوبز العثور على مادة قوية بشكل استثنائي. وقاده البحث إلى شركة مبتكرة قديمة في مجال الزجاج اسمها «كورننج»، التي اخترعت «البايركس» (Pyrex) وأطباق الطهي «كورننج وير» (Corning Ware). في ١٩٦٢م طورت «كورننج» زجاجًا «مقوًّى» استُخدم في السيارات والطائرات، لكن إنتاجه توقف في أوائل التسعينيات.

حين سمع جوبز عن هذه المادة، طلب من «كورننج» تسليم كل ما تستطيع إنتاجه على مدى الأشهر الستة القادمة. بدا ذلك مستحيلًا، حيث لم يكن يُنتَج شيء من الأصل. لكن جوبز أصر، وقال لمدير «كورننج» «ويندل ويكس»: «فكر في الأمر. يمكنك فعل ذلك.»

في خلال ستة أشهر، كانت «كورننج» قد نفضت الغبار عن تركيبتها القديمة، وأجرت تطويرات عليها، وبدأت الإنتاج في مصنع بولاية كنتاكي. غطت المادة الجديدة، واسمها «زجاج الغوريلا» (Gorilla Glass)، «الآيفون»، وفيما بعدُ مئات من الأدوات الاستهلاكية الأخرى بزجاج شديد المتانة.

حتى بعد حل مشكلة الزجاج، كان جوبز لا يزال يجري بعض التعديلات. في صباح يوم اثنين دخل وقال للمصممين: «إنه لا يعجبني. لا يمكن أن أقنع نفسي بالوقوع في حبه.»

بدلًا من تركيب الشاشة الزجاجية في إطار من الألومنيوم، أراد أن يمتد الزجاج أكثر باتجاه حافة التلفون. وكان على المصممين أن يعيدوا عمل كل شيء — الهوائي والدوائر الكهربائية — ليغيروا شكل الجهاز بأكمله. كان على الجهاز أن يكون مضبوطًا تمامًا.

في ظل الصفقة التي كان جوبز قد تفاوض عليها مع «سينجيولر»، التي صارت جزءًا من شركة «إيه تي آند تي»، لم يرَ حتى مديرو شركة التلفونات التلفون إلا قبل بضعة أسابيع من انطلاقه. وأقنع جوبز «إيه تي آند تي» بأن تجعل عملية الاشتراك في التلفون أسهل. في مقابل الحقوق الحصرية لبيع التلفون، تحصل أبل على جزء من الرسوم الشهرية التي يدفعها العملاء لخدمة التلفون المحمول. لكن في الوقت الذي كان صُناعٌ آخرون للتلفونات يضعون اسم شركات التلفون المحمولة على التلفون، رفضت أبل أن تلطخ «الآيفون» باسم «إيه تي آند تي».

في اجتماع «ماكورلد» في يناير، وصف جوبز «الآيفون» بأنه «منتج ثوري»، يجمع بين «الآيبود» الرائع، والتلفون المحمول العظيم، وللمرة الأولى: «الإنترنت في جيوبكم».

وكان هناك شيء آخر، أسقطت أبل كلمة «كمبيوتر» من اسمها. كان اسم أبل المحدودة وصفًا أفضل لشركة الإلكترونيات الأمريكية الرئيسية.

كان التحسن الذي أجراه جوبز قد اكتمل تقريبًا، وبرهن من دون شك أن دوره في إنشاء صناعة الكمبيوتر الشخصي مع أبل ٢ وماكنتوش لم يكن ضربة حظ. ببصيرة وعبقرية وعزيمة، استلم أبل وهي على حافة الفشل وأنقذها ﺑ «آيماك» ذكي وملون. لسنوات عديدة، كان من الصعب أن تسيطر أبل على الأسواق التي أنشأتها، وتقلصت مبيعاتها من سبعة مليارات دولار إلى ٥٫٤ مليار دولار في السنة المالية المنتهية في سبتمبر ٢٠٠١م، قبل ظهور «الآيبود» مباشرة.

ثم بالإضافة إلى إحياء صناعة الكمبيوتر الشخصي والمساعدة في ابتكار نوع جديد تمامًا من أفلام الرسوم المتحركة المحببة بالكمبيوتر، قلب مجال الموسيقى رأسًا على عقب ﺑ «الآيبود» ومتجر «الآيتونز». بين سنة ٢٠٠١م ونهاية السنة المالية ٢٠٠٦م، وقبل انطلاق «الآيفون» ببضعة أشهر، زادت مبيعات أبل أكثر من ثلاثة أضعاف لتصل إلى ١٩ مليار دولار، وارتفعت أرباحها أيضًا إلى ملياري دولار تقريبًا. وكان يتم تداول سهمها، الذي انخفض إلى ٧ دولار تقريبًا في أوائل ٢٠٠٣م، بما يزيد على ٨٠ دولارًا في أوائل ٢٠٠٧م. من اشترى مائة سهم بمبلغ ٧٠٠ دولار عند انخفاض السعر أصبحت لديه الآن أسهم قيمتها ثمانية آلاف دولار.

بهذه النتائج، كان جوبز يعيد صناعة مشهد الإلكترونيات الاستهلاكية بطرق جديدة. كتب «جون ماركوف»، صحفي في صحيفة «نيويورك تايمز»: «إنه لا يخترع تكنولوجيا جديدة، بل يحسن التكنولوجيا الموجودة.» حتى جوبز نفسه قال ذلك متحدثًا عن أحدث ابتكاراته: «لا أريد أن يعتبره الناس كمبيوترًا، أنا عن نفسي أعتبره إعادة ابتكار للتلفون.»

وعبَّر الصحفي والمعلق الاجتماعي «مالكوم جلادويل» عن المسألة بشكل آخر: «كان جوبز معدِّلًا»، وفسر: «يبدأ الحالم بورقة بيضاء، ويعيد تخيل العالم. أما المعدل فيرث الأشياء كما هي، ويكون عليه أن يدفعها ويجذبها باتجاه حلٍّ أكثر اكتمالًا. وهي مهمة ليست أقل شأنًا من الأولى.»

ابتكر وز الدوائر الكهربية ليصنع كمبيوترًا شخصيًّا، لكن جوبز عدل الأفكار وأخذ يدفعها ويدفعها ليحولها إلى ماكنتوش. لم يخترع أفلام الرسوم المتحركة، أو أجهزة الموسيقى، أو التلفونات الذكية، لكنه أحدث ثورة فيها بمقاربة جديدة.

ومن سخرية القدر أنه قاوم بضراوة من أرادوا «تعديل» منتجاته النهائية. عارض وجود فتحات التوسع، والبطاريات التي يمكن استبدالها، وذهب إلى حد استخدام البراغي التي تجعل فتح الزبائن لمنتجاته مستحيلًا تقريبًا. كتب «جلادويل»: «حرص أعظم معدلي جيله على ألا يعدل أحد عليه.»

في أواخر يونيو ٢٠٠٧م، اصطف الزبائن ليدفعوا من ٤٩٩ دولارًا إلى ٥٩٩ دولارًا ثمنًا ﻟ «الآيفون»، على حسب ذاكرته. مع أن معظم التلفونات الذكية الأخرى خفضت أسعارها إلى ٣٠٠ دولار أو أقل. في الأشهر الثلاثة الأولى، باعت أبل ١٫٤ مليون «آيفون».

صعد تيار المبيعات في الخريف التالي بعد تخفيض أعلى سعر بمقدار ٢٠٠ ليصبح ٣٩٩ دولارًا، وتوقفت عن إنتاج الموديل الرخيص. حَمَى جوبز، كما كان يفعل دائمًا، وليدَه بعناية. بالإضافة إلى الحفاظ على عزل التلفون بعناية، أراد جوبز الحد من البرمجيات التي يمكن استخدامها على التلفون. لكن بعد احتجاجٍ عنيف من المبرمجين المستقلِّين التوَّاقين لكتابة تطبيقات للتكنولوجيا الرائعة، وافق على فتح متجر التطبيقات «الآب ستور» بعد ظهور التلفون بسنة.

بالضبط كما زاد متجر «الآيتونز» على «ويندوز» من فائدة «الآيبود»، أعطى متجر التطبيقات «الآيفون» دفعة أخرى. في السنة المالية ٢٠٠٨م، باعت أبل أكثر من ١١ مليون تلفون. وصعدت مبيعاتها الإجمالية إلى ٣٧٫٥ مليار دولار وقفزت أرباحها إلى ستة مليارات دولار.

وبينما كانت أبل في طور التحول إلى عملاق، عانى جوبز أيضًا من حاجته إلى التحكم في الرسالة وفي منتجاته. حين لم يكن ذا شأن، كان الصحفيون والهواة على استعداد للتغاضي عن عدوانيته ولسانه الحاد. لكن باعتباره قد صار لاعبًا أقوى بكثير، بدأ يبدو في ثوب بلطجي كبير.

في أبريل ٢٠١٠م، ترك أحد موظفي أبل من دون قصدٍ النسخة التالية من «آيفون أبل» في إحدى الحانات. وباعه من عثروا عليه لموقع للتكنولوجيا اسمه «جيزمودو» (Gizmodo) مقابل خمسة آلاف دولار. فككه الموقع فورًا وأعلن تفاصيله الدقيقة على العالم.

اتصل جوبز بمحرر «جيزمودو» نفسه قائلًا: «أنا ستيف. أرغب في استرداد تلفوني.» على مدار عدة مكالمات، كان جوبز حازمًا، لكنه ظل يحتفظ بروح الدعابة، بادئًا إحدى المكالمات: «أنا أحدث معارفك المفضلين في العالم.»

استعادت أبل تلفونها، لكنها قدمت أيضًا شكوى إلى مأمور قسم مقاطعة سان ماتيو، الذي داهم منزل الصحفي الذي كتب المقال وصادر العديد من كمبيوتراته. لم تُرفع قط قضايا ضد الصحفي أو الموقع، على الرغم من شعور كثيرين في وسائل الإعلام بأن هذه التحركات الحاسمة كانت زائدة عن الحد. واتُّهم الرجلان اللذان باعا التلفون باختلاس ممتلكاتٍ مفقودة.

حذر بعض مديري أبل من أن الشركة قد تبدو متغطرسة، لكن جوبز لم يقبل ذلك، وقال: «لست قلقًا بشأن هذا، لأننا لسنا متغطرسين.»

وبعد ظهور «الآيفون ٤» في ٢٠١٠م، انزعج الزبائن حين عرفوا أن عيبًا في التصميم كان يؤدي إلى قطع المكالمة عند حمل التلفون بطريقة معينة. كان بالطوق المعدني حول التلفون فجوة في الزاوية السفلى اليسرى، والتي حين تُغطَّى تعيق عمل الهوائي.

حين أرسل أحد المشترين رسالة بالبريد الإلكتروني ليشكو من ذلك، لم يتعاطف جوبز، الذي كان في هاواي في ذلك الوقت، وكتب: «أمرٌ تافه. لا تحمله بتلك الطريقة وحسب!»

لكن هذا لم يُرضِ الهواة الذين دفعوا سعرًا كاملًا، وكانوا يتوقعون أفضل من ذلك من أبل، كما لم يُرضِهم الإيحاء بشراء غطاء للهاتف. استقبل جوبز النقد بشكل شخصي وابتأس، لكنه عاد لحالته الطبيعية بعد أن سمع شخصًا يكرر اتهامًا بأن أبل تتصرف مثل مايكروسوفت. في النهاية، ردت أبل بأن تلفوناتها ليست كاملة، ووعدت بعلاج المشكلة وتقديم غطاء مجاني للمستخدمين الذين يرغبون في ذلك.

انتهت المسألة بسرعة وواصلت أبل تحقيق مبيعات هائلة. كان ستيف جوبز قد حقق نجاحًا آخر، وكان ذلك كافيًا، إلا أنه كان هناك شيء آخر …

فضيحة الأسهم

مع أن حس التصميم لدى جوبز كان ممتازًا، إلا أن قراراته بشأن راتبه وضعت وظيفته في خطر في ٢٠٠٦م.

تعود بداية المشاكل إلى أوائل سنة ٢٠٠٠م، حين منح جوبز خطة اختيارات شراء الأسهم (تسمح للمديرين بشراء الأسهم مستقبلًا بسعر ثابت، يسمى سعر الممارسة، ويرتفع الدخل الإضافي في القيمة إذا ارتفعت أسهم أبل. لكن في سعر السنة التالية، انخفضت أسهم أبل).

في أواخر صيف ٢٠٠١م، اقترع مجلس إدارة أبل على التخلي عن هذه الخطط على أن تُستبدَل بأخرى جديدة تعكس السعر الحالي المتدني للسهم. عادة، يحدَّد سعر الممارسة في اليوم الذي تمنح فيه خطة الاختيارات. لكن حين منحت هذه الخطط في وقت متأخر من تلك السنة، اختار مديرو أبل بشكل متعمَّد تاريخًا سابقًا، كانت الأسعار فيه أقل، مما زاد من الأرباح المحتملة لجوبز.

ولا يُعتبر ما فعلوه بالتأريخ السابق غير قانوني في حد ذاته، لكنه يصبح غير قانوني إذا لم يتم الكشف عن تاريخ التغيير بشكل مناسب ولم يتم ضبط الحساب. ولم تقم أبل بأي من الأمرين.

في ٢٠٠٦م، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» سلسلة مقالات فازت فيما بعد بجائزة «البوليتزر» عن كيف أن عشرات الشركات أرخت لخطط اختيارات الأسهم تواريخ سابقة، سامحةً لمديريها بتحقيق المزيد من الأرباح. ولم يكن أي منها، مع ذلك، بارزًا كما في حالة أبل وستيف جوبز.

بالإضافة إلى قبوله تأريخ خطة اختياراته بتاريخٍ سابق، أوصى جوبز بتواريخ مفضلة لتسجل كمكافآت للمديرين الآخرين، كما قالت أبل. لكن بعد بحثٍ داخلي خاص، استنتجت الشركة أنه لم يرتكب أي خطأ. لم يستفد شخصيًّا لأن الدفعة الثانية من خطط الاختيارات لم تتحول إلى نقدٍ قط، ولأنه لم يفهم «نتائج الحساب».

اعتذر جوبز علنًا للمساهمين في أبل ولموظفيها «على هذه المشاكل، التي حدثت تحت إشرافي»، مضيفًا: «إنها بعيدة تمامًا عن طبيعة أبل.» كان على أبل أن تفصح من جديد عن مكاسبها وتُخفضها بمبلغ ١٠٥ ملايين دولار لتعكس خطط الاختيارات بتأريخ سابق.

لم تتخذ مفوضية الأوراق المالية والبورصات إجراءً ضد جوبز، لكنها اتهمت المدير المالي والمستشار العام السابقين بأبل بارتكاب مخالفات. من دون اعتراف بالمخالفات أو إنكارها، تمت تسوية الأمر مع المفوضية، بسداد عقوبات مدنية والتخلي عما يزيد على مليون دولار من أرباحهما من خطط اختياراتهما.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤