حوار عن المرأة
ولكن الغريب حقًّا أنه في كافة الخطابات والمكالمات التي علَّقت على ما كتبتُ، لم يصلني من «المرأة»، تلك التي كتبتُ أدافع عن حقِّها في الكرامة وعن حماية آدميتها، لم يصلني إلا خطابٌ واحد من سيدة أو فتاة — لا أعرف — تتَّهمني فيه أن دعوتي إلى إنسانية نسائنا دعوةٌ رجعية وإن لبستْ ثوبًا تقدميًّا. وفي الحق أن هذه ليست المرة الأولى التي أتعرَّض فيها لنقد؛ فقد ذكرتُ مرة شيئًا عن ثقافة المرأة فانهالت عليَّ أقلام كاتباتنا العزيزات. والحق أني أحسست أني في حاجة لتوضيح موقفي بالضبط من المرأة بشكلٍ عام، ومن نسائنا بشكلٍ خاص. وهبط الموضوع الذي كنتُ قد تحاورتُ فيه مع الدكتورة سناء السعيد (وهي مراسلة اﻟ «بي بي سي» في القاهرة) كالمنقذ، وهذا هو نَصُّ الحوار كما نشرتْه الدكتورة وكما أُذيع:
– المرأة موضوعي، أعتبر المرأة بالفعل رسالتي في الحياة. وهذا ليس نفاقًا للمرأة وإنما حُبًّا في الحياة. إن مقياس إنسانية أي إنسان هو مدى ما يقدِّمه للحياة، وبالنسبة لي فالمعادل للحياة هو المرأة؛ ولهذا أعتبر كل ما يفعله الرجل بمفرده بعيدًا عن المرأة هو بالضبط ممارسةٌ بعيدة كل البُعد عن الحياة.
– هل أنت راضٍ عما وصلت إليه المرأة اليوم؟
– بشكل عام، أعتقد أن المرأة في العالم الآن، ولا تزال إلى حدٍّ كبير مهضومة الحق ولم تتبوَّأ بعدُ مكانها الصحيح. ليتنا نعود إلى المجتمع الأموي؛ فربما يكون هذا هو الرقي بعينه. إن الأشكال التي نستنكرها في تصرفات المرأة هنا وهناك راجعة إلى «تحديد إقامتها» داخل مجتمعاتنا؛ فهذه تصرفات عصبية انفعالية للتخلُّص من موقف العبودية الذي فُرض عليها سواء في المجتمعات المتقدمة أو المتخلِّفة. إنني ما زلت أطلب للمرأة حق الوجود الأسمى في أي مجتمع تحيا فيه؛ لأنه بغير ذلك سنظلُّ متخلِّفين عن «الحياة» نفسها، أو الحياة كما يجب أن تكون مهما تطورت واجهات الرقي المادية والاستهلاكية.
– وما كَمُّ الحرية الذي تنادي به للمرأة؟
– ستظل المرأة تتصرَّف بلا مسئولية ما دمنا نحن نعطيها الحرية بالقطارة. إن الحرية هي الأكسجين الذي يُساعِد الأشكال الضعيفة من الحياة أن تقوى ويُهلِك الطفيليات الضارة. الحرية هي الإكسير، وبجرعاتٍ أكبر من الحرية وبالتالي من المسئولية نعطيها للمرأة نقضي على المساوئ. والحرية ليست التسيُّب كما قد يعتقد البعض. إن الحرية هي التصرُّف الصادق مع النفس، والإرادة الحرة غير الملوية الذراع.
– ما الشيء الذي يُنفِّرك من المرأة؟
– يُنفِّرني كمبدأ، سواء في المرأة أو الرجل، عملية الانتقال. نحن في عصر تستطيعين أن تُطلقي عليه عصر الاقتراب من الصدق. كلما كان الإنسان صادقًا ويوصل صدقه للآخرين اقترب من العصر، وكلما اصطنع تخلَّف أو ارتد أو فسد.
– معنى ذلك أن عنصر التلقائية هو الذي يَجذِبك إلى المرأة؟
– لأن التلقائية مرادفة للصدق. أتمنى اللحظة أن ترتفع فيها كل المحاذير الذاتية من تصرفاتها وتبدأ تتصرَّف بتلقائية الصادق مع نفسه. لو أننا جميعًا استطعنا أن نرفع هذه الأقنعة وتصرفنا بتلقائية وعدم تخطيط خبيث للعلاقات بين الناس، لوصلنا إلى مرحلةٍ بشرية أوقع وأحسن.
– فكرة المرأة الغامضة … شعورك حيالها؟
– قد تكون غامضة نتيجة عمق لا تفتعله، وإنما الغير هو الذي يشعر به ويُحِسُّه ويدرك أن وراءه عمقًا حقيقيًّا. وقد تكون غامضة عن افتعال واصطناع شخصية، وهذا نوعٌ يُثير الضحك والرثاء.
– وردُّ فعلك تجاه الغموض غير المفتعل؟
– أحاول اكتشاف كُنْهه، تمامًا كما أحاول اكتشاف كُنه الحياة. غموض المرأة في أحيانٍ هو من غموض الحياة نفسها؛ ولهذا فالحياة لا تفتعل الغموض؛ هي غامضة رغم أنفها. ولذلك عندما أنادي بالتلقائية لا أنادي بالبساطة، التلقائية هنا لإسقاط كل الأشياء التي تعوق العملية الحية. والعملية الحية في حدِّ ذاتها عمليةٌ غامضةٌ جِدًّا ومثيرةٌ جِدًّا وممتعةٌ تمامًا. فإنها عندما أطالب بنزع الأسوار المصطَنعة التي تمنع الإنسان من السلوك المضبوط، أو تمنع الرجل والمرأة من الاقتراب بعضهما من البعض اقترابًا صحيًّا حقيقيًّا، فإنما أدعو إلى اقترابٍ أعمق وأمتع.
– ما هي في رأيك المشكلة التي ما زالت تسيطر على المرأة في مجتمعنا؟
– الرجل! ومن أجل هذا فالمرأة تفقد الكثير جِدًّا من طاقتها ومواهبها وقدراتها في التفكير الزائد في الرجل، ربما تصبح امرأةً حقًّا إذا ما بدأت تهتمُّ بأشياء أخرى بجانب الرجل، اهتمامات الحياة العريضة الشاملة وليست لعبة البينج بونج القائمة بينها وبين ذلك المسكين الرجل. ربما كلما بَعُدت المرأة عن التفكير في الرجل وبَعُد الرجل عن التفكير في المرأة اقتربا أكثر وتلاحما ليصبح منهما هما الاثنين ذلك الإنسان الواحد الكامل. فالمرأة «نصف» إنسان، والرجل «نصف» إنسان، والإنسان الحقيقي رجل وامرأة معًا.
انتهى الحوار، أو أرجو ألا يكون قد بدأ.