للشعب الآخر
مضى العيد وكل عام وأنتم طيبون. أكلْنا اللحم؛ لحم الضحية. والضحية كانت أيام سيدنا إبراهيم عليه السلام، كانت هي الخروف الذي أرسله الله سبحانه فدية لسيدنا إسماعيل. ولكن — كما تعرفون تمامًا — ضحية العيد الكبير أصبحت أنا وأنت وسعر اللحمة الكاوي! المربُّون والجزارون يذبحوننا نحن. كل ما في الأمر أننا لا نُعلَّق في خطَّاف أمام الدكان، فنحن «الدجاجة» التي تبيض الذهب، ولا بُدَّ أن نبقى أحياء لنبقى نأكل وندفع ونصبح «ضحايا» معظم أيام السنة.
ومع هذا، فكل سنة وأنتم طيبون.
ولكن لا أريد أن «أُعيِّد» عليكم أنتم أبناء مدينتنا وبلادنا، فنحن هنا، مهما ضاق بنا هنا، ونحن معًا، وإن كنا قد ضقنا معًا، ونحن وإن كُنَّا نحسُّ بالغربة إلا أنها غربة الضيق بالمقام، أمَّا الغربة الحقَّة فهي غربة المحن إلى المقام، الخارج متسترًا ذات مرة بظلمة الليل أو مقترضًا ثمن التذكرة، الذي سُدَّت في وجهه السبل أحيانًا، وأحيانًا قطع عليه الطريق قُطَّاع الطرق. أولئك الذين انطلقوا شعاعات نابضة من أرضنا وترابنا، وتفرقوا في أنحاء الأرض وتبعثروا، هم شعب الله غير المختار من أستراليا إلى كندا، ومن المكسيك إلى هونج كونج. هذا الشعب المغترب الآخر؛ المدرس في أقصى كوبيك، المهندس في الكويت، المُدرِّسة في الجزائر، والمُمرِّضة في دبلن، وعامل اللحام في الربع الخالي، يا أولاد وبنات مصر في كل مكان من سطح الأرض، كل عام ونحن جميعًا طيبون. والله يجازي اللي كان السبب.