الكاتب عمله أن ينقد
العودة للكتابة كالعودة لحمل السلاح، لها رهبة، فلست أعود باختياري، والفن ليس مزاجًا ووحيًا ومهنةً وتخصُّصًا كما يحلو للبعض أن يقول، وألف مرة رثيت لأولئك الأصدقاء والزملاء الذين كانوا ينعون عليَّ أني أضيع وقتي في العمل «الإداري»، بينما المفروض ألا أفعل شيئًا في هذه الحياة إلا الجلوس إلى المكتب وكتابة القصص والمسرحيات، أرثى لهم لأنهم يحيلون بهذا الكاتب إلى حرفي، بالضبط إلى ساعاتي جالس طوال النهار إلى مكتب هو الآخر، كل الفرق أنه بدلًا من تصليح الساعات، «يصنع» القصص والمسرحيات. ومن قال إن الكاتب هكذا؟
من قال إن القصص تستجلب من تخصص وجلسة إلى مكتب وتحديق في الفراغ؟ من قال إن الفن صنعة وحرفة ووظيفة؟
إن الفن، كالعواطف، خاصية، وبمثل ما لا يمكنك إطلاقًا أن تحترف البكاء أو الضحك، فكذلك لا يمكن ومن غير المعقول أن تحترف الإبكاء أو الإضحاك أو تحريك العواطف. إني معهم أن هناك أناسًا يفضِّلون أخذ الكتابة والفن على هذا النحو، تمامًا كما أن هناك «ندَّابات» متخصصات في الإبكاء و«بلياتشوهات» متخصصة في الإضحاك.
ولكن في رأيي، وفي رأي العلم على ما أعتقد، أن الكتابة إفرازٌ حتميٌّ لحياة فنية.
أنت تحيا وتكتب، ولست أبدًا تحيا لتكتب.
ومن قال إن شغل المنصب الإداري هو «ترك» للكتابة؛ إن الكتابة لا يتركها الإنسان مطلقًا، إنها معه اينما كان وسار، صار، عمِل، إنها خاصيته. أمَّا أن يعمل أو يكافح أو يسجن أو يسافر أو يعشق، فتلك أشياء لا بُدَّ له منها كي يعيش ويوجد، على الكاتب أن يوجد أوَّلًا، أن يوجد كمواطن مثله مثل غيره من المواطنين، أن يكون له موقف، أن يكون له عمل، أن يزاول حياته الروحية والجسدية كاملة، وبعد هذا إذا كتب كان بها، وإذا استطاعت هذه المشاغل الأساسية أن تمنعه عن الكتابة فمعنى هذا أن الكتابة ليست أصيلة فيه، فلا شيء يستطيع أن يحول بين الكاتب الأصيل والكتابة سوى الموت. وحين أقول الكتابة، فإنما أعني الحياة ككاتب عليه ليس فقط أن يكتب وإنما أن يقرأ أيضًا ويعرف ويقود.
أولئك الإخوان والأصدقاء الذين سخروا من فكرة أن أعمل أو بمعنى أشمل أن يعمل الكُتَّاب والفنانون مثل الصديق الدكتور لويس عوض، الذي أصرَّ مرة على أن يأتي لمكتبي «ليتفرج» على يوسف إدريس — على حد تعبيره — وهو يقوم بعمل إداري، إنما كانوا جميعًا كالأب المشفق على ابنه دائمًا أن يفعل أي شيءٍ آخر سوى أن يستذكر دروسه مخافة أن يرسب في الامتحان أو يكف عن الكتابة. الكاتب في رأيهم معناه قلم وورقة، مثلما أن التلميذ معناه مكتب وجلسة وكتاب، وأي عمل خارج عن هذا هو عبث لا طائل من ورائه. لا يا سادة، الكتابة ليست قلمًا وورقة، الكتابة حياةٌ كاملة، وموقف من الحياة، وصراعٌ مرير وعمل، وعرق، ومعايشة للحياة والدنيا، لا كمتفرج وإنما كمشارك لمواطنيه في معركة انتزاع القرش من فم الكفاح اليومي الشاق. الكتابة عندي وأصر على كلمة «عندي»؛ فلكل «شيخ طريقته»، أن أعيش الحياة، بكل ذرة من كياني وقدرتي، أعيشها كساكن يدفع الإيجار، ويستخرج بطاقة التموين ويلعب عشرة طاولة، ويسافر ليلتحق بجيش التحرير الجزائري، ويزاول عملًا يوميًّا مثله مثل أي رب أسرة، ومن عصارة هذا كله تتفتح له سبل الخيال أو الحقيقة. ويكتب.
حرية الكاتب أن يكتب = حرية أن يرسم حياته
كل المشكلة أني ممن يؤمنون بحتمية المسئولية الفردية في إنجاح أي تنظيم أو مؤسسة أو قطاع، وفي مقابل هذا لا بُدَّ من منح حرية التصرف ثُمَّ المحاسبة. حرية من ناحية ومسئولية من ناحيةٍ أخرى. ولقد قضيت في وزارة الثقافة أكثر من سبعة شهور، خرجت منها بنتيجة كان من المستحيل عليَّ أن أحظى بها لو كنت قد استمعت لآراء الآباء اللويس عوضين المتصورين الكاتب تصور الوالد للتلميذ.
وسيأتي اليوم حتمًا ذلك الذي أكتب عن هذه التجربة فيه ومستعد ساعتها أن أحاسب ككاتب.
فليُترك لنا حرية أن نعمل أو لا نعمل، نتفرغ أو لا نتفرغ، ولنحاسب في النهاية على ما نكتبه، وليس مهمًّا أبدًا أن تحاسبني على الطريقة، الحساب في الكتابة مثلها مثل أي عملٍ آخر، بالنتيجة. فلو أني أصغيت لنصح الأصدقاء، وبالذات نصح هؤلاء الأصدقاء الذين يعملون فعلًا ثُمَّ يوصونك بألَّا تعمل، لما أمكنني أن أمضي هذه الشهور السبعة رابضًا في قلب ذلك «الليفياثان» الهائل المسمى بالحكومة، متأمِّلًا له من الداخل تأمل بطل دستوفسكي لأحشاء الحوت الداخلية حين ابتلعه الحوت، ولما أمكنني أن أرى هذه الآلة الجهنمية المسماة بالروتين، وهي، ببطءٍ سلحفائيٍّ أميريٍّ شديد، تعمل وتلتهم وتهضم، حتى الثورات تهضمها، كيف كان باستطاعتي أن أحظى بهذا كله، وهي أشياء لا تجدها في كتابٍ ولا يمكن أن تخطر على ذهن بشر.
مهمتنا تكسير المجاديف
ونحن في بلدٍ الناس فيه شديدو الاهتمام بالآخرين. تسأل إنسانًا في الشارع عن منزل ما، فيتجمَّع عشرة في ثانية ليسألوك ويُلحُّوا عليك: عايز إيه؟ عايز مين؟ وعايزه ليه؟ وكأن — من كثرة الفراغ — لا عمل لنا إلا البحلقة والتأمل وتمزيق الحجب عن حياة الآخرين، ونحن في بلد كل مِنَّا ولي أمر الآخر وناصحه وضيف «برنامج رسالة» مستمر له، حتى أصبح الواحد بحكم العادة لا يجرؤ أن ينفذ فكرةً عنَّت له، حتى في أشد المسائل خصوصية كالزواج أو أحيانًا بل بالذات في الطلاق إلا بعد أن يستشير عشرة وربما عشرين من أقرباء وأصدقاء ومعارف، وتكون النتيجة في الغالب أن يكسروا مجاديفك حتمًا، وبدلًا من أن تغامر مرة فتظفر بغنيمة أو بمعرفة أو بالميت بتجربة فشلٍ مفيدة، تهبط عزيمتك وتتحول إلى كائن لا يعرف أن يفعل إلا ما تواضع على فعله الآخرون واتفقوا عليه، إلا أن تفعل أسلم الأفعال وأكثرها أمنًا ودعةً؛ أي لا شيء بالمرة. تكون النتيجة، أن يموت فيك أهم ما يميز الكائن الحي الإنسان، روح المغامرة والتحرر، روح التطلع، روح السعي وراء ما يصوره الخيال لتحيا وأنت تحيل أحلامك إلى واقع. وتلك هي الحياة، إمَّا أن تحيا الحياة كما مضغها الآخرون ولاكوها وعجنوها وخبزوها، إمَّا أن تحيا حياةً خارجة كالجثة الهامدة من تحت النصائح والإرشادات والمواعظ، فهي حياةٌ الموتُ أحسنُ منها وأرحم، على الأقل باعتبار الموت تجربةً فذَّةً جديدة.
أتمنى لو أن كل من خطرت له فكرة واقتنع بها أن ينفِّذها في الحال دون أن يراعي، وماذا سيحدث يعني لو ثبت أنها كانت خاطئة؟ هل ستنقلب الدنيا؟ هل ستقوم القيامة؟ أبدًا والله، فإنه على أسوأ الفروض لو فشلت ستكون قد ظفرت بتجربةٍ فاشلة عظيمة؛ لأن التجربة الفاشلة هي المقدمة الطبيعية للتجربة الناجحة؛ إذ الفشل نجاح مؤجَّل. تخيلوا واحلموا ونفِّذوا ولا يهمكم ماذا سيقول فلان أو علان، فليذهب قولهم إلى الجحيم، فأنت لو سمعت كلام الآخرين لن تتحرك، أمَّا لو تحركتَ ونجحت فستتحول نفس أقوال الآخرين إلى قصائد مديح تدبج لك. وأنا مثلًا، لو خرجت من عملي القصير في الحكومة بقصةٍ مثيرة أو بمسرحية جيدة، لكان أولئك الذين نصحوني بعدم قبول العمل «الإداري» هم أول المشيدين بها وبي وبحذقي في اختيار التجربة التي دفعتني لكتابتها.
باختصارٍ شديد، كُتَّابًا وقراءً ناصحين ومنتصحين، أقول لكم رأيي بصراحة: لقد حلَّلتُ النصائح التي تزجى للآخرين، فوجدت أن ٩٠٪ منها على الأقل تبدأ بحرف النفي هكذا: لا تعمل هذا أو ذاك، حتى أصبح طالب النصيحة يتقي من يحسُّ بغريزته أنه سينصحه بألَّا يفعل ليسأله النصيحة، كي لا يكون هو المسئول — بينه وبين نفسه — عن نكوصه أو رفضه للعمل.
لا بُدَّ من وقفة زاعقة
وهنا لا بُدَّ لنا من وقفةٍ زاعقة حاسمة، هنا لا بُدَّ أن ندق جرسًا أو نطلق مدفعًا أو نصنع ضجيجًا هائلًا؛ إذ قد وصلنا إلى أس البلاء وعِلَّة العلل، ألا وهي عدم الرغبة أو القدرة على تحمُّل المسئولية، وكما تؤدي كل الطرق إلى روما مثلما قالها المرحوم الدوتشي موسوليني، فإن كل أمراضنا وعِللنا ومخازينا الاجتماعية تقود إلى هذه الحقيقة التي أصبحت في حاجة إلى ثورةٍ خاصة بها تقتلعها من جذورها اقتلاعًا. أجل، نريد ثورةً تقوم لتطالب بمطلبٍ واحد فقط، ألا وهو أن نتعلَّم كيف نتحمَّل المسئولية ونتحمَّلها بشجاعة، ومهما كان الثمن. فلقد تدرَّبنا على التهرُّب من المسئولية كبيرنا وصغيرنا، حتى أصبحنا عباقرة في هذا المجال.
قد تسمع من المصري أي شيء، مثل: أنا جدع … أنا حُر … أنا متأسف … أنا لي رأي، ولكنك أبدًا ولكي نكون دقيقِين الدقة العلمية الواجبة، أندر الناس أن تسمع: أنا المسئول عن كذا أو كيت. وخاصةً إذا كانت هذه المسئولية تتضمن مسئولية عن خطأ ما، بل بالذات حين تكون المسئولية متضمنة ذلك الخطأ.
في حياتي الصحفية التي ليست بالقصيرة، وفي حياتي كمواطن، تلقيت كما تلقَّى غيري آلاف الشكاوى، وبدون أي مجهود أو تعب تلاحظ في تلك الشكاوى أن الدنيا كلها قد أخطأت ما عدا صاحب الشكوى؛ الغلبان المظلوم الذي قاسى وكابد من كل هذا الظلم الفادح، بمعنى أنه غير مسئول إطلاقًا عما حدث له، بل إنه حين يلجأ لرفع هذا الظلم الذي حاق به يلجأ إليك وإلى العشرات غيرك (فالشكاوى عادةً تكون إلى أكثر من جهة ومطبوعة على ورق كربون إن لم يكن بالبالوظة أو بالرونيو أو أحيانًا بالمطبعة) كي يرفع هذا الظلم عنه. بمعنًى آخر هو لا يريد أن يكون مسئولًا أيضًا عن رفع الظلم عن نفسه، وإنما يريد أن يُلقِي عليك وعلى الآخرين مسئولية رفع الظلم. في الحب، في الصداقة، في كل شيء يريد كلٌّ مِنَّا أن يتنصل من مسئوليته الشخصية عن عمل ليلقيها على غيره. والاستعمار هو المسئول حين عرفنا كلمة الاستعمار، التكنوقراطية أو البرجوازية أو الرأسمالية أو الإقطاعية، كل هؤلاء هم المسئولون عن أنهم تخطوني في الترقية. أمَّا أن يكون هذا التخطي مسئوليتي الخاصة باعتبار أني مهمل أو مقصر أو مشاكس فهو ما لا يمكن أن يخطر على بالي مطلقًا.
من المسئول عن النكسة؟
لهذا فكما نحيا مجتمعًا متلاصقًا متقاربًا له ألف نوع ونوع من القرابة، فنحن نعيش معًا ونخطئ معًا، ولكننا أبدًا لا يحاسب بعضنا البعض، أو إذا فعلنا نجد المسئولية تتقاذفها الألسن كالكرة تخلُّصًا منها، بل لا نرضى حتى أن تكون المسئولية مسئوليتنا جميعًا، إنما جماعتنا كطوائفنا وهيئاتنا، لا بُدَّ أن تقذف بالمسئولية خارجًا تمامًا لتحمِّلها لكائن أو قوةٍ غريبة عنَّا.
لا نتهرب جبنًا
والغريب أننا لا نتهرَّب من المسئولية جُبنًا، مع أن المقياس الوحيد للشجاعة هو القدرة على تحمُّل المسئولية، إنما نحن نتهرب منها لأننا منذ أكثر من سبعة آلاف عام اكتشفنا للعالم الخير والشر. وفرقنا بينهما تفريقًا عميقًا بَشعًا، وباعدنا بينهما بحيث أصبح أحدهما الجنة والآخر النار، أحدهما الكمال المطلَق والآخر الفساد المطبِق، وبحيث أصبح الخطأ صنوًا للشرِّ، أي أننا بَالَغْنا كثيرًا في تجسيد بشاعة الشرِّير أو المخطئ مبالغة أصبح معها الاعتراف بالخطأ مسئوليةً أكبر بكثير من أن يتحملها الكائن الإنساني الفرد، ويبقى حيًّا ويظل مواطنًا مثل غيره من المواطنين. وللأسف لم يكن في التراث الفرعوني حديثٌ كثير عن العفو، إنما الشر وصمة أبدية تلحق بروح فاعله وتظل معه في الحياة الأخرى. الخطأ عندنا إذن بهذه الآلاف المؤلفة من السنوات المتراكمة أصبح شيئًا أبشع آلاف المرات من خطيئة المسيحيين وحرام المسلمين، ولست أدري ماذا كان يمكن أن يصبح عليه وضع الشعب المصري لو لم يجئ المسيح ومحمد وتدخل في قاموس المصريين ألفاظ العفو والمغفرة والسماح والتوبة.
استمرارًا للصراحة أقول
أحسُّ أني وإن كنت لم أبعد عن الهدف الذي حددته لكلمتي، إلا أني طرقت موضوعات، أو بالأصح رءوس موضوعات كثيرة، كل منها بحاجة إلى وقفةٍ وتأملٍ طويلين. فالهدف كان أن أوضح أن لجوئي إلى العمل الإداري وتركي الصحافة لم يكن جريمةً أو خطأً بشعًا كما تفضل عشرات من الزملاء والأصدقاء وصوروه لي، وكان السؤال دائمًا يلحُّ ويبقى: لماذا؟ لماذا أترك الكتابة للصحافة وأزاول عملًا مهما كان ما أفعله فيه فهو بالتأكيد أقل فاعلية من الكتابة؟ وهنا لا بُدَّ أن أعترف أن هذا صحيح، وأن الكتابة للصحافة فعلًا أهم وأبقى، ولكني — استمرارًا لموجة الصراحة وفتح القلب على مصراعيه — أقول إني تركتها مضطرًّا، فقد كان ذلك قبل النكسة، وكنت قد تلفتُّ ذات صباح، وكل صباح تحدث لي صاعقةٌ فكرية أحسُّ معها بكل كياني وأفعالي وأحلامي وأخطائي وميزاتي تتفاعل فجأة وتحدث شرارةً كهربيةً ضخمة تُنير لي الطريق، فألمح النفس على حقيقتها. وعلى هَدي هذه الشرارة وجدت أني أُبتُ بالكتابة في الصحافة إلى زقاق مسدود، فلم يعد أمامي موضوع لليوميات إلا نقد لمحافظة أو تريقة على روتين أو مجاملة لكاتبٍ زميل على كتاب أخرجه أو مسرحية كتبها أو نقد لفيلم لا يستاهل النقد. وأفعل هذا لا عن فقر في الموضوع، وإنما عن عجز، فأهم ما يشغل بالي وبال الناس أن قضايانا الأساسية، مشاكلنا الجذرية، بعيدة عن متناول القلم، لا لأن هناك حَجْرًا على حرية الكاتب، فالكاتب حقًّا وصدقًا كان حُرًّا أن يكتب ما يشاء بشرط أن يتحمل مسئولية ما يكتب، ولكن المشكلة أني كنت أحسُّ أن الكتابة نفسها أصبحت غير مجدية بالمرة.
كان الموقف في رأيي مخيفًا، والمخيف فيه أننا كُنَّا قد حققنا لبلادنا أوضاعًا وإنجازاتٍ كانت تبدو منذ سنواتٍ قليلةٍ جِدًّا كالأحلام؛ كُنَّا قد أجلينا المستعمرين عن بلادنا بلا أي قيد أو شرط، ورفضنا الأحلاف والتبعية، وخلقنا مع غيرنا كتلةً عالمية ضخمة واتجاهًا فكريًّا تقدميًّا رائعًا اسمه الحياد الإيجابي. وكنا قد واجهنا قوى الاستعمار العالمي بالنجاح، بل وأصبناه بضرباتٍ قاصمة وفي الصميم مثل تأميم القناة والمساعدة في تحرير الجزائر وتونس ومراكش واليمن والجنوب العربي المحتل ولبلادنا العربية، أصبحت القومية والوحدة حقيقة تكاد بين لحظة وأخرى أن تقع، وفي الداخل كُنَّا قد حققنا ثورةً صناعيةً ضخمةً ووضعنا أقدامنا على أعتاب عصرٍ آلي حقيقي كان سيغير من وجه الحياة في مصر في سنواتٍ قلائل تغييرًا جذريًّا ينقلها من عصر إلى عصر. كان كل شيء ضخمًا رائعًا عظيمًا، كالمعجزة، وكل هذا تحقق في سنواتٍ قليلة وبأقل الخسائر.
ولكن …