الخبر المزعج
كدتُ لا أُصدِّق عيني وأنا أقرأ الخبر! فصحيح أنا لا أعرف أعضاء اللجنة، ولكني أعرف الدكتور عبد العزيز كامل؛ ذلك الرجل الفاضل العاقل المؤمن الواسع الأفق. وليس معقولًا أن يشترك الدكتور عبد العزيز كامل في أمرٍ كهذا أو يسمح به. الخبر يتعلَّق بميثاق العمل الإسلامي وتطبيقه؛ فقد اجتمع مؤتمر الجمعيات والهيئات الإسلامية برئاسة الدكتور عبد العزيز كامل نائب رئيس الوزراء للشئون الدينية ووزير الأوقاف، وأقرَّ بعض خطوط ميثاق العمل الإسلامي.
وفكرة الميثاق نفسها وفكرة العمل به شيءٌ رائعٌ حقًّا، فما أحوجنا إلى ميثاق عمل وشرف إسلامي يقود نشاط الجمعيات والهيئات الدينية نبراسًا ينير لها الطريق! وكنت أفهم أن يكون الهدف من هذا الميثاق الإسلامي هدفًا إسلاميًّا حضاريًّا حقيقيًّا، وذلك بالعودة إلى المنبع الأصيل للدعوة الإسلامية الحقَّة وتنقيتها من الشوائب الكثيرة التي لحقت بالعقيدة وأُلصقت بها زورًا وبهتانًا، وخاصة في عصور الهزيمة والضحالة الثقافية والتخلُّف. أفهم أن يكون ميثاقٌ كهذا دعوةً عميقةً خالصة لتجديد إيمان هذه الأمة، والخروج بالدعوة الإسلامية من حفائر العصور الوسطى إلى واقع العصر ووجدان الإنسان المصري الذي يعيش في الثلث الأخير من القرن العشرين.
أمَّا أن أكتشف أن هذا الميثاق ليس سوى دعوة إلى خلق هيئة أو مجلس أعلى يهيمن ويراقب ويوجِّه — ليس الجمعيات الدينية فقط — ولكن كل وسائل الإعلام والثقافة والصحف والمجلات والمطبوعات إلى درجة أن يُقرِّر مؤتمر الجمعيات الدينية سالف الذكر في توصيته الأخيرة بأن يكون للأزهر إشراف مباشر على كل المطبوعات والكتب التي تُصدِرها مختلف الهيئات والأجهزة والأشخاص (ضمانًا لسلامة مضمونها وحاجة الناس إليها) كما جاء في نص القرار!
هنا نجد أنفسنا لا نواجه ميثاق عمل إسلامي ينهض بالأمة عقيدةً وسلوكًا، ولكنا أمام (محكمة تفتيش) جديدة، ممكن باسم الإسلام والدِّين والعقيدة أن تصادر أي شيء بدعوى أنه يتعارض مع تعاليم الدين، ممكن أن تصادر حرية التفكير نفسها وحرية التعبير وتفرض دكتاتوريتها في فهم الدين. فالأزهر الشريف ليس شيئًا معنويًّا! الأزهر وعلماؤه بشرٌ مثل البشر، بشر ليسوا أبدًا فوق مستوى الخطأ، بل حتى لو أصابوا في كل قرار أو أمر فإن رأي كلٍّ منهم محدود بوجهة نظره فيما يمس الدين أو لا يمسه. إننا نُسَمِّي عصرنا هذا عصر الانفتاح، وليس مجرد انفتاح اقتصادي لإغراء رأس المال العربي أو الأجنبي على المجيء والقدوم. الانفتاح أوَّلًا يكون بانفتاح العقل المصري على مختلف حقائق العصر ووقائعه، يكون بإزالة الحواجز والموانع التي كانت تحول بين الإنسان المصري وبين استعمال عقله وذكائه ذلك الذي سلَّحه بهما الله سبحانه ليستعملهما في ترقية حياته ووجوده واستقامة سلوكه وصفاء إيمانه.
إن الإسلام دينٌ قويٌّ، دين لا يخاف العقل؛ لأنه دين العقل، ولا يخاف العلم؛ لأنه دين العلم، ولا يخاف التطور وفتح الآفاق؛ لأنه دين الحرية، ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟