مقولة ختامية
ليست هناك ثقافة، أيًّا كانت، يمكن فرضها على شعب من خارجه، إن لم تجد لها أرضًا خصبة تُناسبها، فما بالنا ومنابت هذه الثقافة تضرب بجذورها في أعماق تاريخنا القديم، وأن كل ما حدث هو أن العبريين قد تمكَّنوا من استخدام هذه الثقافة كأداة للوعي بتاريخ المنطقة، وهم الغرباء، من أجل السيطرة عليها، بدءًا بالسيطرة الروحية، وتوجيهها وفق المخططات المطلوبة، بينما نحن اليوم نرفع شعارات الثقافة القومية. والمهول في الأمر أننا لا نعني بهذه الثقافة — في الأغلب الساحق — سوى جزء من تراثنا، هو بالتحديد الجزء الذي تم تهويده وأُعيد تصديره إلينا، مما أدى بنا إلى وعي مزيف بحقيقة تراثنا. بينما الوعي الصادق بأصالتنا يعني، في رأيي، الوعي بتاريخنا كله وعيًا ناقدًا، وألا يقتصر على فترة محددة من هذا التاريخ. وأن غياب الوعي الصادق بالتراث الصادق بالتاريخ الصادق، لغياب العقلية النقدية، هو الخطر الحقيقي الذي تتعرَّض له هذه الأمة، وهو ما أتصور د. جواد علي كان يعنيه بالتعبير: «شر أنواع الاستعمار.»