١٥

عرض العرائس الذي أقيم بمناسبة ذكرى الانتصار العظيم في حرب أكتوبر ۱۹۷۳ أعده وأخرجه الدكتور رمزي بطرس نصيف

فناء عنبر الملكية مساءً. المسجونون يفترشون الأرض فوق بطاطينهم في ضجة وانفعال. ليس بينهم واحد من أصحاب اللحى الذين تابع بعضهم العرض من شُرَّاعات زنازينهم المغلقة في الطابق الثاني، ظهور الجالسين إلى بوابة العنبر ووجوههم نحو الحائط المقابل حيث انتصبت مائدة غطت البطاطين سطحها وقوائمها لتخفي المساجين الذين سيتولون أمر العرائس، کشافان كهربائيان معلَّقان في السقف. ستارة من البطاطين تمتد بين الجدارين بعرض الفناء فوق المائدة بحيث تخفي مدخلي الزنزانتَين الأخيرتَين المتقابلتَين اللتين تكوِّنان مع خلفية المائدة كواليس المسرح. ميكروفون خلف المائدة.

الصف الأول من المتفرجين يتكون من مقاعد يشغلها المأمور في الوسط يحيط به ضباط السجن (أثار هذا الوضع نقاشًا حادًّا من قبلُ؛ إذ احتج رمزي بأن المسجونين لن يتمكنوا من مشاهدة المسرح، وأعلن المأمور أنه من المستحيل أن يجلس هو وضباطه فوق الأرض إلى جوار المسجونين. وفي النهاية تم الاتفاق على تعلية المسرح بصناديقَ خشبية أُحضرت من ورشة النجارة، صُفَّت متجاورة ورفعت مائدة المنصة فوقها) خلفهم مباشرة كبار الشخصيات من المسجونين؛ بينهم الدكتور ثابت، ومستر تامر، وعزت بيه، والنوباتجية البارزون. الحراس يحيطون بالقاعة وقد جلس بعضهم فوق البطاطين بينما ظل الآخرون واقفين تحسبًا للطوارئ بناءً على تعليمات المأمور.

الدكتور رمزي يتقدم إلى الميكروفون فيقع الضوء المبهر على وجهه … المسجونون يلزمون الهدوء.

د. رمزي :
فكرة هذا العرض آتية من بورسعيد،
لا أقصد أنها مستوردة،
فنحن نتحدث عن بورسعيد قبل أن تصبح حرة.
وفي الحقيقة قبل زمانٍ بعيد،
عندما قامت ثورة ١٩١٩ ضد الاحتلال الإنجليزي،
فقد تصادف أن حل عيد الفصح مع عيد شم النسيم،
في نفس اليوم،
فشارك مسلمو بورسعيد أقباطها الاحتفال.
ورفعوا جميعًا شعار الهلال والصليب،
ثم أعدوا تمثالًا من الخشب للجنرال الإنجليزي الشهير اللنبي،
وأحرقوه.
ومن يومها،
في كل عيد لشم النسيم،
يفطر البورسعيديون بكعكة من الخبز تتوسطها بيضةٌ مشويةٌ ملونة،
ويتغدون بالفسيخ والبصل الأخضر،
ويُحَلُّون باليوسفي والبرتقال،
ثم يصنعون تماثيل من الكرتون والقش،
تحمل جميعها اسم الجنرال الإنجليزي،
لكنها تمثل شخصياتٍ مختلفة.
من الباشا والمرابي والخواجا،
إلى إيدن ودي مولیه وبن جوريون،
موشیه دایان وجونسون وجونسون،
من السمسار وصاحب الدشداشة،
إلى المواطنين الجشعين،
من تجار وأطباء وملاك مساكن ومهربین.
وفي المساء يقيمون مسرحًا كهذا
ينصبون فوقه التماثيل،
ثم يقومون بعملية تشهير.

يتراجع رمزي ويختفي خلف الستائر. تنفرج الستارة التي إلى اليمين عن صف من القبور الكرتونية. ينهض من خلفها ثلاثة أشخاص في ملابسَ عسكرية يتقدمون إلى المنصة. الثلاثة هم أشرف، وسامح، وصبري.

أصحاب القبور (في صوتٍ واحد) :
هذا هو ما جاء بنا …
نحن أربعون ألف قتيل،
سقطنا في حروب ٤٨ و٥٦ و٦٧ و۷۳،
تاركين آباء وأمهات وزوجات وأطفالًا،
وخططًا طموحة للمستقبل.
واحد منهم :
أنا الجندي إبراهيم زيدان،
أُصبتُ في بطني،
وخرجتْ أحشائي أمام عيني،
لكني تحاملت على نفسي،
وظللت أقاتل حتى استشهدت.
واحدٌ آخر :
أنا النقيب إبراهيم الدسوقي.
في يوم ٢٢ أكتوبر ظهرت لنا ثلاث دبابات في طريق سرابيوم،
وخلفها سبعون دبابةً أخرى،
كان لا بد من تدمير الدبابات الثلاث لمنع تقدم السبعين.
وكنا شعلة من الحماس.
فقمت بتلغيم جسدي،
وهجمت على دبابة المقدمة،
احتضنتها بجسدي،
وانفجرنا نحن الاثنان.
ثالث :
اسمي لا قيمة له؛
فلم يُعنَ أحد بإحصاء عددنا،
أو تسجيل أسمائنا،
نحن عدة مئات من الأسرى.
في ٥٦ و٦٧،
أجبرَنا الإسرائيليون على حفر قبورنا،
ثم أوقفونا على حوافها،
وأمطرونا بالرصاص.
أما أنتم،
فتجاهلتمونا كلية،
عندما عقدتم اتفاقيات السلام،
وتبادلتم الزيارات والأنخاب.
رغم أن الصحف الإسرائيلية لم تخفِ الجريمة،
التي تتنافى مع كل المواثيق الدولية.
ينسحب العسكريون الثلاثة ويختفون خلف شواهد القبور ثم يعودون فوق مقاعدَ متحركة.
معوق ١ :
أنا المقدم حسين الشاذلي،
كُلفتُ بمهمة تعطيل الدبابات الإسرائيلية عند الثغرة.
نجحت في إيقاف رتل منها،
ومنْع تقدمها،
وكان أن أصابتني قذيفة من طائرة،
إصابةً مباشرة،
ونتج عن الإصابة شللٌ نصفي في الجانب الأيمن،
ولم أعد قادرًا على الحركة.
معوق ٢ :
أنا الجندي عيد طه،
من قرية بتمة، قليوبية،
اشتركت في العبور يوم ٦ أكتوبر،
وفي يوم ٧ كلفوني بزرع ألغام على بعد عشرة أمتار من شرق القناة،
وقبل فجر يوم ٨ نجحنا في تحويل المنطقة إلى قطعة من جهنم،
وفي يوم ١١ أُصبتُ،
وكانت النتيجة شللًا نصفيًّا في العمود الفقري،
وأصبحت، وأنا في الواحدة والعشرين،
أعيش فوق كرسيٍّ متحرك،
وكانت مكافأة الدولة لي ١٨٠٠ جنیه وعشرين قرشًا،
أنفقتُها على علاج أمي من الصدمة.
معوق ۳ :
اسمي خلف قلدس،
من قرية شطورة بطهطا، سوهاج.
أُصبتُ عند العبور بشللٍ نصفي أقعدني،
وحرمني من الزواج والحياة الطبيعية،
وبعد علاج سبع سنوات،
وصلت إلى جمعية «الوفاء والأمل»،
إحدى الجمعيات التي تعهدت برعاية ٦١ ألف معاق،
هو عددنا الإجمالي.
وكنا قد سمعنا عن التبرعات التي جمعتها باسمنا ولصالحنا،
ومنها مليونان من الجنيهات تبرع بها ثريٌّ عربي،
من أجل شراء سياراتٍ مجهزة لنا،
وعمارة قدَّمها مقاول طيب القلب؛
لتوزع شققها علينا،
لكن المسئولين عن الجمعية أنكروا معرفتهم بالأمر.
وعندما أثرنا الموضوع في اجتماع مع السيدة الرئيسة؛
استشاطت غضبًا.
وبعد أيام طردوا أربعة منا في الفجر.
ذهبنا إلى رئاسة الجمهورية وشكونا لطوب الأرض،
فوضعونا في مركز تأهيل تابع للجيش،
وبعد سنة ونصف قرر المركز طردنا،
بحجة إخلاء أماكن لمصابي العراق في الحرب الإيرانية.
الجميع :
عندما أُصبنا،
لم نشعر بأي ندم،
كنا نؤمن بأننا نؤدي واجبنا،
لكننا الآن نتساءل:
من أجل أي شيء كانت تضحياتنا؟

ينسحبون ثم يعودون بعد أن استبدلوا ملابسهم بأفرولاتٍ عمالية، يتقدمون من المنصة.

جماعة العمال :
كالعادة أخطأتم في أرقام الضحايا،
ونسيتمونا كشأنكم في كل مرة،
نحن أيضًا سقطنا في المعركة،
رغم أننا لم نكن خلف المدافع أو فوق الدبابات،
نحن ستة آلاف عامل،
استشهدنا أثناء بناء حائط الصواريخ،
الذي انطلقت منه قوارب العبور.
من حقنا أيضًا أن نتساءل:
من أجل أي شيء كانت تضحياتنا؟

يتراجع العمال ويختفون وراء الستارة. تنفرج الستارة التي إلى اليسار عن مجموعة من العرائس صفراء اللون تمثل صورًا كاريكاتيرية لشخصياتٍ مصرية مختلفة؛ رجالية ونسائية. تنضم إليها مجموعةٌ جديدةٌ صغيرة العدد يتميز بعضها بألوان الأعلام الأمريكية والإسرائيلية، بينما اكتسى البعض الآخر بالملابس العربية الخليجية. يتعرف المسجونون على بعض العرائس التي تمثل شخصياتٍ مصرية.

أصوات من القاعة :
رئيس الوزراء!
وزير الداخلية!
وزير الإعلام!
الشيخ قرداوي!
الدكتور!
الحوت!
لهلوبة!
جماعة العرائس :
سؤال مشروع وإن كان غريبًا بعض الشيء،
والإجابة عليه ليس هناك أبسط منها،
إنكم ضحيتم بأنفسكم من أجل الوطن بالطبع،
وحياةٍ حرةٍ كريمة لأولادكم وأحفادكم.

ينهض ثلاثة من المتفرجين، من نزلاء العنبر، من أماكنَ مختلفة بالقاعة، ويخاطبون العرائس.

جماعة المتفرجين :
نحن لم نذهب إلى الحرب،
ولم نتعرض لشيء من أهوالها.
لم يمت منا أحد،
ولم نفقد عينًا أو ساقًا أو يدًا.
ولا حتى شُرِّدنا من منازلنا،
أو هُجِّرنا إلى أماكنَ بعيدة عن القنال،
لكننا دفعنا ثمن الأسلحة؛
ثمن الهزيمة والنصر،
ولم نعرف بعدُ الحياة الحرة الكريمة التي تتحدثون عنها،
الأسعار ترتفع كل يوم،
وكل من لديه يزاد حتى يصبح لديه وفر.
ويؤخذ ممن يفتقرون حتى الذي بين أيديهم.
والآن يقال لنا، إن كل واحد منا مدين بألف دولار،
لبلادٍ أجنبية لا نعرفها،
وكل طفل سننجبه،
سيخرج إلى الدنيا موسومًا بالرقم المخيف،
والعلامة المقدسة.
وهناك خطة وضعها صندوق البنك الدولي،
لتحصيل هذا الدين،
تقولون لنا إنها مضبوطة وسليمة؛
لأن الذي وضعها هو مواطننا المشكور،
عبد الشكور.
جماعة العرائس الصفراء :
نحن الذين اقترضنا
بضع عشرات من المليارات،
٦٢ مليارًا بالتحديد انخفضت إلى ٤٦ مليارًا
(مكافأة لنا على الخدمة في حرب الخليج)،
ليست بالكثيرة عليكم،
وعلى بلد خرجت من حربين مدمَّرة،
وعانت من الاشتراكية.
لم نقترض بلا سبب وإنما من أجلكم.
ومن أجل غدٍ مشرق لنا جميعًا،
كما قال رئيس الوزراء في إحدى خطبه.
متفرج ١ :
من أجلنا؟
الكل يعرف أن عشرة بالمائة من حجم القروض الأجنبية،
تدخل جيوبكم،
بطريقةٍ مشروعة تمامًا؛
في صورة عمولة وأتعابٍ مهنية.
وتعود ستون بالمائة من القروض مرةً أخرى إلى البلد المقرض،
بطريقةٍ مشروعة تمامًا؛
في صورة دراسات جدوى وخبراء.
بينما نتحمل نحن سداد كامل القرض وفوائده.
متفرج ٢ :
البنك الدولي نفسه الذي تتمسحون دائمًا بذكراه،
أعلن أن أرصدتكم من عمولات القروض،
المودعة في بنوك سويسرا، والولايات المتحدة،
لا تقل عن ستة مليارات من الدولارات.
متفرج ٣ :
وفقًا لبيانات الأمم المتحدة،
بلغ دخل مصر في الثمانينيات ١٤٠ مليار دولار،
بينها قرابة خمسين مليارًا من تحويلات المصريين في الخارج،
و٢٥ مليارًا من المساعدات الأمريكية وغيرها،
و۲۲ مليارًا مساعدات عربية معظمها لا يرد.
ثروةٌ ضخمة لم تتوافر لأي بلد في العالم النامي،
كان يمكنها أن تُحدث معجزة.
على الأقل تعفيكم من الاقتراض،
وتعفينا من السداد.
عروسة صفراء ١ :
مهلًا مهلًا يا إخواننا.
الأرقام والإحصائيات هي لعبتنا،
ولا أحد يعرف مثلنا كم هي مضللة!
إنكم تجاهلتم أن البنية الأساسية كانت مدمَّرة.
كما تجاهلتم ارتفاع الأسعار العالمية،
والنفقات العسكرية اللازمة للدفاع عن شرف الوطن.
متفرج ۱ : ضد من؟
عروسة صفراء ٢ :
يمكنني أن أجيب على هذا السؤال؛
فأنا قائد عسكري؛
أي رجل استراتيجي.
مثلما كان المرحوم السادات،
الأمر واضح كالشمس،
وتجاهله يكون إما بسبب الغباء،
أو عدم الانتماء.
فسلامنا مع إسرائيل لا يعني أن الأخطار انتهت.
استقرار منطقة الخليج مثلًا أمرٌ حيوي للعالم كله.
لأن الغرب يحصل منها على ٩٠ بالمائة من احتياجاته البترولية.
هنا يكمن دور مصر ومسئولیتها.
هكذا قال المشير أبو غزالة،
وهو استراتيجي مثلنا.
عروسة صفراء ٣ :
ثم إن إسرائيل لا يوثق بها.
ويجب أن نكون دائمًا على استعداد للمفاجآت.
عروسة بألوان العلم الإسرائيلي :
أنت تجعلني أضحك!
أي مفاجآت تتحدث عنها!
الجميع يدركون الآن أن المستقبل لنا.
أما أنتم فقد ضيعتم الفرص التي سنحت لكم في ٧٣؛
حققتم لحظة من الأداء العسكري والتضامن،
لم تحدث من قبلُ ولن تتكرر من بعدُ.
كان بوسعكم أيامها أن تجبرونا على قبول أشياءَ كثيرة،
لكن رب إسرائيل الذي لا يتخلى عنها،
بعث إلينا بأنور السادات؛
رئيسكم ورب عائلتكم،
القروي بحق وحقیق.
وفي ۸۲،
نجح الفلسطينيون في احتجازنا عدة أشهر في لبنان.
وكانت فرصتكم لو عملتم على الجبهات المختلفة.
لكنكم أضعتموها.
ليس هذا فقط …
دولٌ عربيةٌ عديدة، منها مصر،
كان لديها صورةٌ كاملة عن مخطط الغزو،
بعد أن وافقت واشنطون على العملية.
وعندما قدم المندوب السوفييتي في مجلس الأمن مشروع قرار ضدنا،
كان مندوب لبنان هو الذي عارضه،
مؤكدًا أن الغزو الإسرائيلي شأنٌ لبنانيٌّ داخلي!
في يومٍ واحد ألقينا على بيروت كمية من القنابل العنقودية والفوسفورية،
تعادل مرة ونصفًا قنبلة هيروشيما الذرية،
وأسفرت العملية كلها عن ٧٠ ألف قتيل و١٦ ألف جريح،
من الفلسطينيين واللبنانيين بالطبع.
لكن الأسهل لديكم من التصدي لنا،
هو أن تحاربوا بعضكم بعضًا،
أو أن تقاتلوا إخوانكم في الدين.
وبينما الفتن والخلافات تمزقكم،
والديون تستنزفكم،
يتوافد علينا المهاجرون،
وتلوح إسرائيل الكبرى في الأفق.
عروسة صفراء ٢ :
الله جل شأنه كان معنا دائمًا.
فلا تنسوا أن مصر ورد ذكرها بالقرآن الكريم.
لقد مرَّ علينا كثير من الغزاة.
وكانوا يبقون مئات السنين،
ثم يحملون عِصيَّهم ويرحلون،
بعد أن يصيبهم الضجر.
متفرج ۲ :
ما ذكره المحترم لا يؤكد غير شيءٍ واحد؛
هو أننا شعب من فاقدي الهمة متبلِّدي الإحساس.
أفضِّل مثلًا آخر،
إذا كنتَ تريد حقًّا التدليل على أننا نخرج دائمًا كالشعرة من العجين.
في سنة ١٩٥٦، أعلن جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس،
فعادت إلى أصحابها،
الذين فقدوا ١٢٠ ألف رجل في حفرها،
لصالح الأوروبيين المتطلعين إلى الشرق،
الذين سرعان ما تحالفوا،
وبالاتفاق مع صنيعتهم إسرائيل،
انقضُّوا على بورسعيد،
وظلوا يقصفونها سبعة أيام من البر والبحر والجو،
ثم اقتحموها بالخديعة،
وحصدوا أهلها حصدًا.
سبعة آلاف قتيل سقطوا في يومٍ واحد،
ولم يتوقف القتل،
إلى أن وجَّه السوفييت إنذارهم الشهير،
وتحت ضغط الرأي العام العالمي،
اضطر المعتدون للانسحاب.
وظلت القناة مصرية.
عروسة صفراء ٣ :
إنه مثال على الحمق والتهور وقصر النظر،
وعلى الغوغائية والشعبوية.
لماذا تتجاهل المرة التي تلتها؟
عندما أُغلق مضيق تيران،
وجاء الإسرائيليون وحدهم، مسنودين بالأمريكان،
بخطة أُجيدَ إعدادها،
واستغلت نقاط الضعف عندنا؟
عروسة إسرائيلية ٢ :
أشتمُّ هنا روائح العداء للسلام،
الذي عملنا من أجله دائمًا،
ووضعنا أسسه في كامب ديفيد وأوسلو ومدريد،
وهو ما قدره المجتمع الدولي عاليًّا،
فقدم جائزته لبيجين،
ورابين وبیریز.
متفرج ٣ :
الجائزة تذهب للسفاحين والقتلة،
ومحطمي أذرع الأطفال،
الذين يعلنون بأعلى صوت،
ومن فوق منابرهم الديمقراطية:
«أفضل عربي هو الميت.»
عروسة إسرائيلية ١ :
ليس هناك ما يدعو للإنكار،
فرب إسرائيل لا يعرف الرحمة.
الأعداء مصيرهم واحد،
كبارًا كانوا أو صغارًا،
عسكريين أو مدنيين.
عروسة إسرائيلية ٢ :
كانت الشاحنة تقلُّ مصريين في جلاليبَ بيضاء،
وعندما أطلقت رشاشي عليهم حدث أمرٌ غريب.
فقد ظلوا واقفين كأن الرصاص يدخل من جانب،
ويخرج من الجانب الآخر،
دون أن يثقب بطونهم،
بينما كانت الدماء تتدفق من جوانب الشاحنة بكمياتٍ كبيرة جدًّا.
كان ذلك لغزًا كبيرًا في نظري،
إلى أن فهمت السبب؛
فلأن الشاحنة كانت مكدسة لأقصى حد؛
لم يكن هناك مكان للسقوط على الأرض.
كل من مات
مات واقفًا.
متفرج ١ :
أي سلام هذا الذي يتحدثون عنه؟
وهم ما زالوا يحتلون الأراضي العربية؟!
وإذا تركوا بعضًا منها،
فبشروط المنتصر المتغطرس،
المؤيَّد من المجتمع الدولي!
متفرج ٢ :
مناطق منزوعة السلاح،
في أراضي المعتدى عليه،
فوقها محطات إنذار يديرها الأمريكيون.
متفرج ٣ :
حرمان الفلسطينيين من حقهم في دولةٍ مستقلة،
ومن حق مهاجريهم في العودة إلى وطنهم.
متفرج ١ :
إجبار الأردنيين على تأجير أراضيهم لإسرائيل،
وعلى الالتزام بعدم استقبال قواتٍ عربية دون موافقتها،
أو السماح بنشاطٍ سياسي قد تعتبره خطرًا عليها.
متفرج ٢ :
أي سلام هذا الذي يتحدثون عنه؟
وهم يحتفظون بمائتي رأس نووي،
موجَّهة إلى العواصم العربية،
تحت سمع المجتمع الدولي وبصره،
ويطوِّرون الصواريخ،
ويعقدون الاتفاقيات العسكرية والأحلاف،
مع عتاولة الغرب والشرق.
متفرج ٣ :
ويلقِّنون تلاميذ المدارس أن أرضهم،
تمتد من النيل إلى الفرات،
بما في ذلك منطقة خيبر السعودية.
عروسة إسرائيلية ١ :
أمركم والله عجب!
فأنتم تريدون أن تحرمونا من حقنا التاريخي في أرضنا؛
أرض التوراة،
الذي التزمت به الولايات المتحدة الأمريكية،
والبنوك العالمية.
متفرج ١ :
حديث التاريخ والبنوك شائق للغاية،
ولا بأس من فتح بعض صفحاته.
في ٤ يوليو ۱۹۰۲ تناول الزعيم الصهيوني هرتزل طعام الغداء في لندن،
على مائدة اليهودي روتشيلد؛
— الذي موَّل مصرفُه قبل ربع قرن
شراءَ الحكومة البريطانية لنصف أسهم قناة السويس —
وعرض عليه مشروعًا لتوطين اليهود في أوغندة،
التي كانت توصف بلؤلؤة الإمبراطورية البريطانية،
وفي حدود علمي فإن اسم أوغندة لم يرد في التوراة.
وعندما رفض الإنجليز التنازل عن لؤلؤتهم، اتجه الصهيوني ناحيةً أخرى.
حضر إلى مصر في ۲۳ مارس ۱۹۰۳،
يحمل مشروعًا لتوطينهم في سيناء،
عرضه على بطرس باشا غالي رئيس الوزراء (وجدُّ الأمين العام للأمم المتحدة).
وطبقًا للتقاليد العريقة،
رحَّب الباشا بالمشروع الصهيوني.
لكن سيده الإنجليزي كرومر لم يوافق (فأسرته كانت تملك بنك بارینج منافس روتشيلد).
هكذا كان حظ الفلسطينيين السيئ.
متفرج ۲ :
قالوا إن فلسطين أرض بلا شعب،
وإن الرب منح أرضها لليهود،
وتجاهل الجميع أن فلسطين كان بها عام ١٩٤٧؛
أي قبل إنشاء دولة إسرائيل مباشرة،
مليون وربع مليون من السكان (بينهم ٦٠٠ ألف يهودي فقط)،
وإن إسرائيل قامت بتفريغ الأرض من العرب،
بالطرد والترويع والمذابح.
(في ١٩٤٨ دمرت ٣٨٥ قريةً من مجموع ٤٧٥ قريةً عربية)،
وبينما تجلب المستوطنين من كافة أنحاء العالم،
ترفض عودة السكان الأصليين،
طبقًا لقرارات الأمم المتحدة،
هكذا كان حظ الفلسطينيين السيئ.
متفرج ٣ :
حظ الصهاينة كان رائعًا،
بفضل رعاية ربهم،
ليس أبانا الذي في السماوات،
وإنما ذلك الساكن في أقبية البنوك،
ببلاد الشيت SHIT.
عروسة أمريكية ١ :
الغمز واللمز ضار للغاية،
وبالمثل الإهانة.
الحقائق معروفة لا نداريها أو نخفيها،
وقد أوضحها الرئيس السابق نيكسون في آخر كتبه:
«التزاماتنا نحو إسرائيل عميقةٌ جدًّا،
أخلاقية في الأساس.
حقًّا إن الإسرائيليين هم الذين اعتدوا وضموا أراضي،
لكن العودة إلى الحدود السابقة مستحيلة.
بمثل ما يستحيل عودة الفلسطينيين الذين غادروا البلاد في ٤٨؛
(فهم وأبناؤهم يبلغون ٣ ملايين نسمة،
وهو رقمٌ كفيل بتغيير الوضع الديموغرافي)،
أما اليهود الذين استوطنوا الأرض المحتلة،
فيجب أن يعودوا إلى إسرائيل،
مع منحهم تعويضاتٍ مناسبةً بالطبع!
يمكن الضغط على السعودية ودول الخليج واليابان لتقديمها.»
هكذا تحدث نيكسون قبل أن يموت.
متفرج ١ :
صاحب الأرض الذي أُرغم على تركها،
لا يحق له العودة إليها،
أما اليهودي الروسي الذي ولد هو وأبوه في سيبريا،
فله كل الحق فيها!
إنها عدالة بلاد الشيت.
العروسة الأمريكية السابقة :
الحق أني لم أشهد مثل هذا الجحود من قبلُ،
خاصة وأن الشعب المصري يعيش على المعونة الأمريكية.
متفرج ۲ :
فضلًا عن قلة الأدب والوقاحة، فإن ما ذكرته يجافي الحقيقة.
الشعب الأمريكي هو الذي يعيش على المعونة المصرية،
لندع جانبًا أن حكومتنا الأمينة الذكية،
تودع في بنككم الفيدرالي،
كافة احتياطياتنا من الدولارات،
وهي تزيد على ١٢ مليارًا منها،
وتستثمر فائدة هذا المبلغ التي تتجاوز ٥٠٠ مليون دولار،
في سندات خزانتكم،
أي تدعم الاقتصاد الأميركي،
بأن تحبس لديكم مبلغًا ضخمًا،
هو ثمرة عمل وكدح ملايين المصريين،
بدلًا من أن تستخدمه في شراء الديون،
أو المشروعات التي تستوعب العاطلين،
سندع ذلك جانبًا ونناقشك بلغة الأرقام:
في العشرين سنة الأخيرة (من ٧٤ إلى ٩٤)،
قدمت أمريكا لمصر مساعداتٍ اقتصادية وصلت إلى حوالي ٢٠ مليار دولار،
ويعود ٦٠ بالمائة من هذه المعونة إليكم في شكل صادراتٍ سلعية وخبراء ونقل.
وبلغت قيمة الصادرات الأمريكية لمصر ۲۹۲۰ ملیون دولار عام ۱۹۹۳،
وهناك ٢٠٠ شركة أمريكية لها مكاتب بمصر،
بخلاف ۱۸۰۰ شركة لها وكلاء مصريون،
و٥٠ شركة مشتركة تنتج سلعًا متنوعة:
من بطاريات السيارات، والجرارات، إلى احتياجات المكاتب،
توجه إنتاجها للسوق المحلية والخارج،
وأغلب هذه الشركات، حسب كلامكم، تحقق أرباحًا ملائمة.
متفرج ٣ :
أغلب هذه السلع لم نكن نستخدمها ولسنا في حاجة حقيقية إليها،
لكننا سرعان ما نألفها ولا نستطيع الاستغناء عنها،
رغم أنها قد تكون مميتة لنا.
يحضرني الآن ما نشرته «الواشنطون بوست» في ديسمبر ١٩٧٦،
فبدلًا من إعدام المبيدات المحظور استخدامها عندكم،
تشتريها حكومتكم من منتجيها،
ثم تشحنها إلى بلاد العالم الثالث،
فأنتم، رغم كل حديث عن التقدم والتحضُّر والغنى،
لا تتورعون عن بيع أمهاتكم، إذا كان ثمة ربح.
العروسة الأمريكية السابقة :
المحترم نسي شيئًا هامًّا؛
فعلى رأس هذه السلع التي وصفها بأنها زائدة عن الحاجة،
القمح الذي يصنع منه الخبز.
متفرج ١ :
أبدًا لم أنسَ.
لقد كنا في عام ١٩٦٠ ننتج ثلاثة أرغفة من كل أربعة،
ونستورد الرابع،
ومنذ عشر سنوات أصبحنا نستورد ثلاثة أرغفة،
وننتج الرابع.
بالطبع هناك عوملُ كثيرة أوصلتنا إلى هذا الوضع،
لكن لا يمكنكم أن تدَّعوا البراءة الخالصة في الأمر؛
فأنتم تحققون دائمًا فائضًا من القمح.
وليس أمامكم سوى أن تحرقوه أو تُغرقوا به السوق،
فتنخفض الأسعار.
لكن عبقريتكم في الابتكار أوصلتكم إلى طريقٍ ثالث.
فالتكلفة الإنتاجية في بلادنا منخفضة،
ولهذا تشجعوننا، أنتم والبنك — اللي بيساعد ويدي —
والصندوق المفتوح للأحباب،
ورجالاتهما المخلصين، من أمثال عبد الشكور،
على الانصراف عن زراعة الحبوب،
إلى الفراولة والخيار الشيك،
وبقية المحاصيل التي يحتاج إليها مواطنوكم المرفهون،
كي تصلكم بسعرٍ معقول، أرخص مما لو زرعتموه بأنفسكم،
إلى أن نأخذ منكم حاجتنا من القمح،
عملاتٌ محلية توجه لتمويل مشروعاتٍ محلية،
بعبارةٍ أخرى لدعم القطاع الخاص؛
حتى يتمكن من استيراد سلعٍ أمريكية.
هكذا تعود الدولارات في النهاية إليكم.
متفرج ۲ :
نحن نستورد سنويًّا ما قيمته ١٥٠ مليون دولار من القمح.
ويتولى إنجاز هذه العملية الذهبية،
مكتبٌ خاص في باريس تأسس سنة ١٩٧٦،
وكان أول رئيس له هو الدكتور القيسوني،
مهندس البناء الاشتراكي، ثم مقاول الانفتاح،
وخلفه الدكتور السايح ثم مصطفى خليل الشهير.
ويأخذ المكتب عمولة قدرها ٤ بالمائة على واردات القمح؛
أي ٦٠ مليون دولار كل سنة!
ويرتفع هذا المبلغ بالطبع كلما ارتفع ما ندفعه لإردب القمح المستورد،
هكذا يمكننا أن نفهم سر «الأسعار العالمية» التي لا تكف عن الارتفاع،
بالنسبة لنا وحدنا!
وبينما لا تبخل حكومتنا الكريمة على الفلاح الأمريكي بخمسين جنيهًا في الإردب،
تصرُّ على ألا يحصل الفلاح المصري على أكثر من ١٨ جنيهًا،
والسبب واضح لكل عينٍ بصيرة،
ويدٌ طويلة.
عروسة أمريكية ٢ :
لا شأن لي بالماضي البعيد،
ولا بالتفاصيل؛
فأنا رجلٌ استراتيجي،
الصديق هنري،
كما وصفني المرحوم رئيسكم،
رغم أن ملعبي يمتد بين أطراف المعمورة،
فإن منطقتكم هي التي صنعت مجدي،
كما أمدَّتني بأمتع اللحظات في حياتي،
(لحظات من الضحك!)
لقد بدأت علاقتي بها منذ سنوات طويلة،
عندما كنت مستشارًا لبنك «تشيز مانهاتن»؛
البنك العتيد الذي يملكه روكفلر،
بابا البنوك الأمريكية وولي نعمتي،
وكان هذا البنك هو الذي يتحكم في البترول العربي،
ويسيطر تمامًا على الموقف، بعد أن طُرح عبد الناصر أرضًا،
بالضربة القاضية.
لكن لم تمضِ سنة على وفاة ناصر،
حتى بدا النظام الرأسمالي كله على وشك الانهيار،
تخلت الولايات المتحدة عن تعهدها بتحويل الدولار إلى ذهب،
ولم يعد الدولار مسنودًا باحتياطي من الذهب،
فانهار سعره بشدة،
لكن النجدة جاءت على الفور.
من أين؟
من بلد الحرم الشريف، مهد النبي العظيم،
عليه ألف صلاة وسلام.
فقد اندفع السعوديون إلى بنوكنا،
يضعون فيها الودائع باسم الحكومة،
ويشترون سنداتها غير القابلة للتسويق،
ويقدمون القروض لبلاد مثل الفليبين،
كي تشتري منتجاتنا،
لكن الأزمة لم تنفرج تمامًا،
وجاء عام ١٩٧٣ بعجز في ميزان المدفوعات الأمريكية،
لأول مرة منذ مائة سنة،
وتدنى سعر الدولار.
كنت وقتها مستشارًا للرئيس الأمريكي،
وغارقًا لأذنيَّ في مشكلة إسرائيل.
وفي إحدى اللحظات النادرة التي تتجلى فيها أعقد الأمور في جلاءٍ ناصع،
تبينتُ طريقي بوضوح،
فيما يشبه الوحي الذي كان ينزل على نبيكم الكريم،
ضربة القرن الكفيلة بحل كل المشاكل؛
ذهبت إلى السادات (الذي نعرفه جيدًا من زمان)،
وأبديتً له يأسي من أي حل ما لم يقم بتسخين الموقف.
لست أزعم أني المسئول عن قيام حرب أكتوبر،
فهذا يكون مني منتهى الغباء،
عبقرية أي استراتيجي ليست في تدبير الأحداث،
وإنما في التأثير فيها واحتوائها عند وقوعها،
وهو ما فعلته بالضبط.
فلم نسمح للقوات المصرية بغير عبور قناة السويس،
وهو ما كان ضروريًّا من أجل فتحها وإعادة تشغيلها.
وشجعنا صديقنا الملك فيصل، طيب الله ثراه،
على فرض حظر البترول ورفع سعره،
فتضاعف في أسابيعَ قليلة سبع مرات،
وسعد العرب البلهاء،
الذين يضعون فوق رءوسهم،
موانع الذكاء،
فقد امتلأت جيوبهم بالدولارات،
لكنها لم تستقر فيها سوى ثوانٍ.
فبفضل جشع البدو وتخلفهم،
سرعان ما انتقلت إلينا على يد الساحر روكفلر،
الذي تولى توظيفها على الفور،
وخلال ذلك كنت أمارس سياستي الموسومة،
بالخطوة خطوة،
(وهو على فكرة اسم رقصةٍ أمريكية)،
وهدفها كان ملاعبة السادات.
وكان اللعب لذيذًا للغاية،
فقبل أن يجلس في حِجْر كارتر،
كان قد عرف حِجْر العبد لله.
تنازل عن شروطه في التسوية الشاملة،
وانسحاب إسرائيل إلى خطوط ما قبل سبعة وستين.
وفي أسوان، التزم أمامي بإمداد إسرائيل بالبترول،
وإبرام الصلح معها،
وإخراج السوفييت من معادلة الشرق الأوسط،
والأهم إلغاء سيطرة الدولة على التجارة الخارجية،
والسماح للمصريين بتكوين وكالاتٍ تجارية،
لكن الحق يعرف لأهله،
فلولا سذاجة المصريين وبلاهتهم، ما حققتُ شيئًا،
وكان السادات يفهمهم جيدًا (أليس واحدًا منهم؟)
ويعرف كيف يخاطبهم ويضحك على ذقونهم،
وبخبرةٍ تجاريةٍ عريقة منذ كان نائبًا لرئيس الجمهورية،
(عندما كان يتولى إدارة مصالح أمير الكويت)،
يبيع لهم أي شيء.
مرة يقول إن السوفييت امتنعوا عن تعويض السلاح،
كما لو كانت الحرب نيابة عنهم أو لحسابهم،
ورغم أنهم زودوا الطيران المصري بسرب ميج ٢٣،
قبل أن تحصل عليه دول حلف وارسو (فأتيح لنا التعرف على هذه الطائرة الخارقة).
ومرة يقول إن السلاح السوفييتي، الذي حقق لهم النصر،
متخلف ويجب استبداله بآخر من الغرب،
الذي يدفع العمولة،
وبدلًا من ثلاثة أرباع مليون جنيه مصري للميج ۲۱،
دفع الأهبل بين ٦ و٨ ملايين دولار للفانتوم الأمريكية،
ومئات الألوف من الدولارات لخبراء عسكريين،
مكان الخبراء السوفييت.
الذين كانت موسكو تتحمل رواتبهم بالكامل.
ومرةً ثالثة يجعلهم يستقبلون نيكسون استقبال الفاتحين،
بعد أن رفضه العالم كله بما في ذلك الشعب الأمريكي نفسه،
متناسين الجسر الجوي الذي قتل الآلاف منهم قبل سنةٍ واحدة فقط.
ثم جعلهم يقبلون أن يكون هناك راعٍ واحد للخصمَين،
وصدق الهبل أننا يمكن أن نكون حكمًا عادلًا بينهم وبين إسرائيل،
وأننا يمكن أن نمدهم بسلاح لمحاربتها في يوم من الأيام.
والنتيجة بالطبع هي محادثات السلام التي أخرجتكم من الصراع،
وقضت إلى الأبد على حلمكم بالوحدة،
ومكنت لنا الأقدام.
عروسة أمريكية ٣ :
أنا البابا،
ليس بابا الفاتيكان، ولا الإسكندرية،
بل أخطر؛ دافيد روكفلر،
أو الصديق دافيد،
بابا البنوك الأمريكية كلها،
وملك نيويورك.
دخل جدي السجن متهمًا باغتصاب شابةٍ صغيرة.
وكوَّن أبي ملايينه من قطعة أرض اغتصبتها شركةٌ صغيرة من الهنود الحمر.
ثم اكتشف بها بترولًا اغتصبه لنفسه.
واحد من محاميه تولى ترتيب أوضاع ألمانيا بعد الحرب الثانية،
وآخر وضع سياسة أمريكا البترولية،
وثالث وضع مشروع البنك الدولي والصندوق.
تميزت في هارفارد HARVARD بشيءٍ واحد هو جمع الخنافس،
وما زالت هوايتي إلى اليوم
(أحيانًا أتساءل عما إذا كانت هذه الهواية تعود إلى أن الجعران المصري قد استُخدم علامة على أقدم شكل للنقود؛ لأنه كما يرى تلامذة فرويد، ارتبط بعملية الإخراج؛ أي الشيت).
تعلمت منذ الصغر أن الدولة الأمريكية بكل أجهزتها،
قد وُجدت لخدمتي،
فنحن الذين ندفع قبل انتخابات ساكن البيت الأبيض،
ونحن الذين نقبض بعدها.
عندما أممت إيران البترول في عهد مُصدق،
كانت المخابرات الأمريكية هي التي أسقطته،
وبالنتيجة وُضعت كل عوائد النفط الإيراني في بنك تشيز مانهاتن،
وأصبحتُ المستشار السياسي والاقتصادي للشاه.
وعندما أوشك مويوتو على السقوط في أوائل السبعينيات،
سخر کیسینجر قواتٍ مصرية ومغربية لإنقاذه،
فارتفعت أسهم البنك وأسهم شركة الموارد المعدنية في الكونجو (التي تقدر نسبة أرباحها السنوية ﺑ ٤٠٠ في المائة وتملك أسرتنا نصيبًا كبيرًا منها).
ترددتُ على مصر بعد تولية السادات ١٣ مرة،
رجل دمه خفيف،
يشاركني حب الفخفخة وكراهية الشيوعية.
وقبل حرب أكتوبر بأسبوعَين فتح لي قلبه على مصراعَيه،
(بعد أن فتح لي بلاده كلها على مصراعَيها، وأمر كل الجهات بأن تضع تحت يدي أي بيانات أطلبها، فاطلعت خلال أسبوعَين على كل شاردة وواردة من أمور الاقتصاد المصري، تصوروا!)
قال لي بالحرف إن كيسينجر لا تهمه المشاكل وهي باردة،
عاوزها سخنة ومستوية للحل!
كأنني لم أكن أعلم!
وقال لي بالحرف إن مصر وضعت نفسها مع المفلسين،
وآن لها أن تكون مع الأغنياء.
ثم تطرقنا للخطوات العملية،
للقروض والعمولات والحسابات،
وقررنا فتح فرع في مصر للبنك.
عروسة أمريكية ١ :
ضربة القرن الحقيقية هي ما حدث في الخليج.
حقًّا إن ثماني سنوات من الحرب الإيرانية-العراقية،
قد أنهكت البلدين،
(عبقري العراق شنَّها ولديه فوائضُ مالية مقدارها ٣٥ مليار دولار، وخرج منها بعد ثماني سنوات بديون خارجية ٤٢ مليار دولار، وإجمالًا كلَّفته الحرب ۲۰۰ مليار دولار)،
واستنزفت قدرًا كبيرًا من أموال العرب،
لكننا كنا محتاجين للمسة تشطيب أخيرة،
تلم الشرق الأوسط كله في جيبنا.
أبلغت سفيرتنا صدام أننا لن نعارض إذا أخذ الكويت.
وصدَّقها،
فاجتاحتها قواته في ٢ أغسطس ١٩٩٠.
في اليوم التالي اتصلنا بمبارك،
وذكَّرناه بالمعونة والديون، وبالبنك الدولي وصندوق النقد،
وفي اليوم الذي بعده أدانت الحكومة المصرية الغزو.
وكانت النتيجة أن رفض صدام حضور مؤتمر جدة،
الذي كان مقدرًا له بحث النزاع والوصول إلى حلٍّ سلمي.
ثم جاءت الخطوة الثانية.
أوصلنا للملك بوسائلنا الخاصة صورًا للقمر الصناعي،
أثبتت أن الجيش العراقي يتحرك نحو حدود بلاده.
لم يكتشف المسكين أن الصور ملعوب بها.
فالقوات التي ظهرت في الصورة لم تكن تتحرك،
إنما كانت تحفر لنفسها خنادق دفاعية.
وكنا قد أزلنا من الصورة أثر البلدوزرات التي تقوم بالحفر.
هكذا في ٦ أغسطس طلب منا رسميًّا،
أن تدخل قواتنا بلاده للدفاع عنها.
وكانت الطائرات جاهزة.
في نفس اليوم غادرت هناجرها، لتستقر بعد ١٥ ساعة طيران في الظهران،
ومنها إلى قاعدة تومريت في سلطنة عمان.
هكذا بدأت عملية درع الصحراء وهدفها المعلن هو ردع العراقيين،
أما هدفها الخفي فهو التحضير للعاصفة.
في ١٦ أكتوبر كان أمام جيمس بيكر وزير الخارجية تقدير موقف حاسم؛
«تحرير الكويت لم يعد بذي أهمية وليس سوى مجرد ذريعة.
المطلوب هو تدمير البنية الأساسية للعراق،
وإخراجه من معادلة الشرق الأوسط،
أو بالأصح إدخاله إليها.
لكن هذا الهدف سيحبط لو انسحب العراق من الكويت،
من تلقاء نفسه.
لهذا يجب أن تتوخى السياسة الأمريكية ثلاثة أهداف؛
استفزاز صدام بطرقٍ مختلفة تجعله يرفض الانسحاب،
رفض أي مساومة قد يعرضها،
وإحباط أي خطة للسلام قد تساعده على الخروج سليمًا من مأزقه.»
وفي ۲۹ نوفمبر أعطت الأمم المتحدة الضوء الأخضر لإجلاء العراق من الكويت،
ما لم ينسحب حتى ١٥ يناير.
وبينما كان الوسطاء يهرولون بين عواصم العالم للحيلولة دون المذبحة،
وعلى رأسهم السوفييت المساكين،
الذين كانوا يحاولون إنقاذ هيبتهم الضائعة،
ودولتهم المحتضرة،
كنا قد حشدنا آلة حرب جهنمية؛
غطت الأساطيل الحربية مياه الخليج والبحر الأحمر،
وازدحمت مطارات الخليج بالمقاتلات والقاذفات والناقلات،
سكاي هوك وتورنادو ومیراج وبوما وسوبر بوما،
وفوقها أقمار التجسس والأواكس والأورورا،
أعاجيب تكنولوجية أنفقنا عليها مليارات المليارات،
تسجل كل حرف وكلمة وحركة يقوم بها صدام بالليل أو بالنهار،
وعلى طريق التابلاين الشهير،
تقدمت أكبر أرمادا برية في التاريخ؛
أكثر من نصف مليون جندي،
على رأسهم بضعة آلاف سعودي ومصري وسوري لزوم التمويه.
وبعد ساعتَين من منتصف ليلة ١٥ يناير.
انطلقت عاصفة الصحراء،
وخلال الشهر التالي دمرنا العراق وأعدناه إلى عصر ما قبل الثورة الصناعية.
ولم يستغرق الغزو البري غير أربعة أيام،
تم خلالها إبادة القوات العراقية في الكويت،
ودفع العرب البلهاء كلفة هذا كله؛
عام من الانتصارات، توجت بانهيار الاتحاد السوفييتي، بعد شهور،
دون حرب أو دياولو،
ثم مؤتمر مدريد الذي وضع الخطط
لجني الثمار.
متفرج ۳ :
عمليةٌ رائعة دون شك،
قبل عشرين سنة لم يكن في استطاعتكم إرسال جنديٍّ واحد،
إلى أي مكان في المنطقة،
فشبح عبد الناصر كان ما يزال حيًّا.
وقبل خمس سنوات لم تكن لديكم قواتٌ أمامية في منطقة الخليج.
أما اليوم فهناك أكثر من ٢٠٠ طائرة مقاتلة،
تجثم في مجموعة من القواعد الجوية في عدد من البلدان،
على رأسها مصر،
ووجود بحري قوي طوال الوقت ومقر قيادته في البحرين،
ولواءٌ كاملٌ مقيم في الكويت،
عتادٌ مخزون في قطر،
والفاتورة يسددها العرب.
متفرج ١ :
الكويت المسكينة،
التي كانت ترفض دائمًا أي تحالف أجنبي،
أصبحت تحت الحماية الأمريكية الدائمة،
وملتزمة بإنجاح سياستكم في المنطقة ودعمها.
وبتوقيع عقودٍ تجارية مع شركاتكم بعشرة مليارات من الدولارات،
وبعد أن أضاعت ١١ مليار دولار، خصصتها للتسلح بين ۷۳ و۹۰،
عادت اليوم تخصص مبلغًا أكبر للسنوات العشر القادمة.
متفرج ٢ :
وخفض الأردن الرسوم الجمركية على السيارات الأمريكية؛ لتشجيع استيرادها وتمكينها من منافسة أخواتها اليابانية والروسية،
لكن نسبة التخفيض لم تعجب الولايات المتحدة،
واضطر الأردن لأن يجرى تخفيضًا آخر بمقدار النصف فكافأته، الحكومة الأمريكية بمساعداتٍ عينية قيمتها ٤٠٠ مليون دولار.
آلات مصانع وموتورات، أو حتى أغذية وأدوية؟
أبدًا! لا أكثر من ٥٠ ألف سيارة فورد (سعر الواحدة ۹۰۰۰ دولار)،
تبيعها الحكومة الأردنية لموظفيها مقابل أقساط تسدد على عشر سنوات.
متفرج ٣ :
والإمارات المتحدة،
فرض عليها أن تشتري أسلحة لا تحتاجها،
بثمانية عشر ألف مليون دولار.
متفرج ١ :
أكثر من سبعين مليار دولار أهدرت في حرب الخليج.
كم مصنعًا وجامعة ومزرعة ومستشفى يمكن إنشاؤها بهذا المبلغ؟
إن تحصين جميع أطفال العالم ضد المرض لن يتكلف سوى مليارَين ونصف مليار دولار في السنة.
ملیاران ونصف مليار دولار سنويًّا لإنقاذ حياة ثمانية ملايين طفل في السنة.
عروسة أمريكية ١ :
أنت تُضحكني.
لقد بددتم ثروة من أكبر الثروات التي أتيحت في التاريخ لأمة من الأمم،
كما قال هيكل، أحد كتابكم الكبار،
في عشر سنوات فقط،
أضعتم ألفًا وخمسمائة مليار دولار.
ثلثها تجمد في مشروعاتٍ ضخمة، مدنية وعسكرية،
تولاها مقاولون من عندنا،
ليس هناك احتياجٌ ملحٌّ لها.
والثلث الثاني في مشتريات سلاح،
لم تستخدموه ولا تعرفون كيف تفعلون.
والباقي ما زال يدور بمعرفة البنوك الأمريكية والغربية.
عروسة أمريكية ٢ :
في سنةٍ واحدة هي ١٩٨٥ كانت الاستثمارات العربية الفردية،
في مجال الخيول فقط،
ببريطانيا فقط،
مليار دولار.
عروسة إسرائيلية ١ :
البنوك العالمية تدور فيها الآن:
۱۱۲ مليارًا من أموال مصريين،
٧٤ مليار دولار من أموال جزائريين،
٦٥ مليارًا من أموال سوريين،
٤٣٠ مليار دولار من أموال سعوديين.
عروسة في ثياب خليجية :
حقًّا إن اسمي على رأس قائمة أغنياء العالم،
أو كان قبل حرب الخليج.
ومع ذلك يقولون إن رقم ثروتي غير معروف؛
لأنه لا فرق بينها وبين الخزانة العامة للمملكة،
وهو تعليلٌ مضحك للغاية؛
طالما أنه ليس هناك وجه للتفرقة بين الاثنين.
متفرج ٢ :
لست أجده مضحكًا على الإطلاق،
فما يعلمه الجميع أن بلادكم الصحراوية لم تنتج حتى الآن غير النفط،
وفي حقول النفط يعمل ٢٥ ألف عامل،
كل واحد منهم ينتج ما قيمته ٢٫٦ مليون دولار في السنة.
هكذا يمكننا معرفة حجم الثروة بالضبط،
وأصحابها الحقيقيين.
العروسة الخليجية السابقة :
لم أكن أتصور أن الأفكار الشيوعية ما تزال تعشش في أدمغة البعض،
بعد السقوط المدوي لقلاعها.
على أي حال، فليس هذا موضوعي.
ما أردت قوله هو معاتبة صديقي كيسينجر،
على لهجته الجارحة.
وأستشهد بصديقٍ آخر، هو المرحوم فيلي برانت، الألماني، الذي قال بالحرف:
«إن الأموال التي أودعها السعوديون في البنوك الغربية والأمريكية،
تساوي إيجاد فرص عمل لحوالي مليون شخص في البلدان الصناعية سنويًّا على مدى السنوات من ١٩٧٣ إلى ۱۹۷۷.»
لقد كنا نحن الذين رفعنا سعر النفط وكدَّسنا هذه الأموال،
كما اعترف صدیقي کیسینجر.
وعندما لم يعد الغرب قادرًا على مجاراة الارتفاع في أسعار النفط،
اتفقنا مع ريجان على إغراق السوق العالمي به؛
مما أدى إلى تدهور أسعاره،
وانهيار احتياطي الاتحاد السوفييتي من العملات الأجنبية،
وخسر العرب نتيجة ذلك ستين مليار دولار سنة ١٩٨٦،
بينما وفرت الدول الصناعية مائة مليار،
وقد تحملنا هذه الخسائر راضين،
لا عن بلاهة كما يقول الصديق كيسينجر،
وإنما عن اقتناع وإيمانٍ كاملَين،
بالعالم الحر ورسالته.
اشترينا معدات عسكرية بخمسمائة مليار في عشر سنوات،
دون أن يكون لدينا من يستطيع استخدامها،
لا عن بلاهة وجهل كما يقول الصديق كيسينجر،
وإنما عن فهم وإدراكٍ عميقَين،
بأن التسليح يحتاج إلى تجديدٍ يومي يتطلب نفقاتٍ باهظة،
وأن الاتحاد السوفييتي لا يملك من ورائه بلدًا مثل بلدنا،
بكعبتها وآبارها.
وليس أمامه سوى أن يضغط حزام التقشف،
أو يخرج من ميدان التنافس نهائيًّا،
وهو ما حدث بالفعل.
أوَتسمُّون هذا بلاهة؟
وعندما أسفر مجنون العراق عن عدوانيته،
وضعنا أرضنا وأموالنا رهن الصديق الأمريكي؛
حتى يسحق العسكرية العراقية،
دون أن يتكلف شيئًا.
وخلال ذلك حصلنا على أحدث تكنولوجيا بمجهودٍ بسيط،
وزمنٍ قياسي.
لم نكن في سذاجة الحالمين،
الذين تصوروا أن الحصول على التكنولوجيا،
يبدأ من الصفر،
ويتدرج حتى إنتاج الصاروخ.
ولهذا جمعوا أموال الناس،
وحرموهم من لذائذ الحياة،
في سبيل مستقبل في علم الله.
فلماذا العذاب إذا كان بوسعنا أن نشترى الصاروخ نفسه جاهزًا؟
ولماذا نعرض نفسنا لأخطار القتال،
إذا كان يمكن استئجار من يفعل ذلك نيابةً عنا؟
نفس الرأي كان يعتنقه زعيمكم المحبوب،
أنور السادات،
عليه ألف رحمة،
الذي أراد أن يعطي لكل مصري الكترونة في يده،
ومات قبل أن يحقق هذا الهدف النبيل.
أما نحن، فقد وفَّرنا لشعبنا الرفاهية
بأركانها الشرعية الثلاثة؛
المسكن والركوبة والخادم،
دون أن ننسى نبينا الكريم؛
فأنفقنا على توسيع حرمه وتجميل المنطقة المحيطة به،
۲ مليار دولار في السنوات القليلة الماضية.
متفرج ٣ :
أرضٌ جرداء ينتصب فوقها خيال مآتة،
يحمل العين الإلكترونية للفيديو،
هذه هي الآن بلاد النفط الصحراوية.
المجتمع المتقدم ليس إنسانًا زائد أجهزة،
وإنما إنسانٌ مضروب في أجهزة.
ها هو في خيمةٍ مكيفة الهواء،
وحوله «حبات» من الثلاجات والفيديوهات والسيارات،
وأجهزة لا حصر لها،
ليس بينها واحد من صنع بلده،
ولديه أيضًا كمبيوتر يعمل باللغة العربية،
متصل مباشرة بقاعات البورصة في نيويورك ولندن وطوكيو،
حيث يتحدد سعر البرميل واسم المشتري،
ويستقر الثمن في خزائن البنوك الأوروبية والأمريكية،
بينما يذهب العائد إلى الجالس في البيداء،
وعلى رأسه مانعة الذكاء.
رزقٌ حلال دون مجهود،
أو وجع دماغ.
ويمكن تجنُّب شبهة الربا بالحديث عن مشاركة أو مرابحة،
ويمكن مضاعفة العائد بسهولة،
بشراء الذهب وتكديسه، ثم المضاربة عليه،
ولا يحتاج الأمر إلا القليل من الحظ،
وشيئًا من الشطارة،
والحاسة المرهفة لاتجاه الريح.
لكن هذا كله لن ينفع ببصلة،
أمام وحش اسمه التضخم.
سنة بعد سنة،
يجد الجالس في البيداء،
أنه لم يعد قادرًا على شراء كل ما يريد.
وتكون الثلاجات والفيديوهات والسيارات،
قد استهلكت،
والجزية المدفوعة للكاوبوي،
تضاعفت.
(اقترضت السعودية غداة حرب الخليج أربعة آلاف وخمسمائة مليون دولار).
سنة بعد سنة،
سيجد نفسه مضطرًّا لأن يقتطع من أصل الوديعة،
التي لا تسندها منشآت من أي نوع،
يمكن أن تولد مالًا؛
كالمصانع والمعامل والمزارع.
إلى أن يأتي اليوم المنظور،
الذي يحلم به جميع التعساء والمحرومين،
وعابري السبيل؛
عندما تختفي العين الإلكترونية للفيديو،
ولا يبقى غير خيال المآتة!
متفرج ١ :
إنه خطٌّ واحد،
الذي يمتد من الشمال إلى الجنوب،
مارًّا بدوحة الصحراء.
ليس بخط طول أو عرض،
ولا حتى نسب.
فما يجمع بين الملوك المجلَّلين،
السلاطين والأمراء المُسخمطين،
هو نشوتان:
واحدة للدم والثانية لماء الحياة.
فبعد ذبح الشاة، وقتل الأب والأم،
يسلمون مؤخراتهم للأسياد.
وبعد أن جربوا السيد الإنجليزي وابن عمه الأمريكي،
يهرولون الآن إلى الإسرائيلي،
الطالع في المقدَّر.
عروسة خليجية ٢ :
الصور الأدبية لا تعجبني.
أُفضِّل حديث الأرقام،
فهو لغةٌ واضحة ومفهومة من الكافة.
عندما يسألني أحد عما أنجزت،
أرد عليه في إيجاز:
أنا أنفق يوميًّا ربع مليون دولار،
لأني أكسب ٥٠٠ دولار في الدقيقة.
الفضل يرجع لظروف نشأتي،
فأبي هو أول من أدخل جهاز الفحص بالأشعة إلى المملكة،
وبسبب ذلك أصبح الطبيب الخاص للملك،
وصار أخوه — عمي — القواد الخاص لصاحب الجلالة.
وبفضلهما خالطتُ أبناء الأمراء، وتعلمتُ معهم.
درستُ في كلية فيكتوريا الإنجليزية بالإسكندرية مع الملك حسين،
وكنا نتعرض للضرب بالعصي إذا نطق أحدنا بكلمةٍ عربية.
وفي جامعة كاليفورنيا أنجزت أولى صفقاتي.
كان الأمر سهلًا للغاية.
مجرد عقد صلة بين أبوَي اثنين من زملائي،
أحدهما مصري والآخر ليبي.
ومقابل ذلك حصلت على مائتي جنيه إسترليني،
أول عمولة في حياتي.
لكن البداية الحقيقية جاءت بعد ذلك؛
عندما استدعاني الأمير فيصل قبل أن يصبح ملكًا،
وسلمني شيكًا بمليون جنيه إسترلیني،
وكان المطلوب هو تزويد الملكيين في اليمن بالسلاح الذي يقتل المصريين.
وبعد ذلك انهالت عقود السلاح من نورثورب ولوكهيد.
وعمولة السلاح كما يعلم الجميع لا تقل عن خمسين بالمائة،
وصنعت للكثيرين ثرواتٍ طائلة.
ومنهم مصريون محترمون،
كانت العلاقة مع السوفييت تقف في طريقهم؛
لأن الكفار لم يكونوا يدفعون العمولة.
لكن نشاطي لم يقتصر على الأسلحة.
فأنا أتعامل في كل شيء تقريبًا،
بما في ذلك اللحم
الأبيض والأحمر.
وقد كان لي شرف ترتيب القرض اللازم لتجديد شبكة التليفونات المصرية.
بالتعاون مع صديقي الدكتور مصطفى خليل.
فلي علاقاتٌ وطيدة بأكبر البنوك والشركات الصناعية،
التي تحقق دائمًا نسبة ربح لا تقل عن ٢٤ بالمائة،
وتحوِّل من بلاد العالم الثالث،
دولارين وربع دولار مقابل كل دولار تستثمره.
لكن صديقي کیسینجر هنا،
يعرف عن هذه الأمور أكثر مني؛
بحكم شركته المعروفة.
عروسة كيسينجر :
لست أنكر أن شركتي لها علاقةٌ وثيقة بأهم هذه المؤسسات،
وقد كونتها سنة ١٩٨٢ من شخصياتٍ بارزة معروفة لديكم جيدًا.
أحدهم وليام روجرز، وكيل الخارجية الأمريكية السابق، وصاحب المشروع الشهير.
والثاني لورد كارينجتون، وزير الخارجية البريطانية السابق،
وسكرتير حلف الأطلنطي سابقًا.
والثالث هو الجنرال سكوكروفت، مستشار الأمن القومي للرئيس بوش.
وأول من كان يقابل عندما يغادر فراشه كل صباح.
أما ماذا نبيع؛ فالإجابة بسيطة للغاية:
تقييم للشئون الدولية قائم على معلوماتٍ دقيقة بالطبع.
أرقام وبيانات، واتصالاتٌ شخصيةٌ مهمة.
لدينا الآن ٣٠ زبونًا؛ من فولفو السويدية،
إلى مونت أديسون الإيطالية.
بالإضافة إلى كوكاكولا ويونيون كاربيد الأمريكيتين.
الزبون منهم يدفع ما بين مائة ألف دولار وأربعمائة ألف في السنة،
مقابل بياناتٍ شفاهية عن طريق التليفون،
وأربعة أحاديث سنوية،
مع شخصي المتواضع.
يجرى خلالها تحليل مخاطر الاستثمارات،
ودراسة طرق حمايتها.
فهؤلاء العمالقة لم ينسوا أبدًا درس السويس.
وشبح جمال عبد الناصر هو الكابوس الذي يؤرِّق منامهم، كل ليل.
متفرج ۲ :
نحن أيضًا لم ننسَ،
رغم ما بذلوا من محاولات.
لم نعد من الساذجين،
ولا نعتبره من الأنبياء المعصومين.
لكنه ابنٌ مخلص لشعبنا؛
وكل الشعوب سيئة الحظ.
أراد لنفسه المجد؛
فوهب نفسه لأمته،
ونذر حياته لخدمتها.
في الظروف المتاحة،
وعلى قدر ما استطاع.
كان حلمه عظيمًا،
لكن الأشرار كمنوا له في الطريق.
كانوا مصممين على إيقافه بأي ثمن،
وأخطأ هو في الاعتداد بالنفس،
وفي الحسابات، كما قال.
ودفعنا معه ثمنًا فادحًا،
للتخلف والشر.
وما زلنا ندفع كل يوم وكل ساعة.
لكن صوته وصورته لن ينمحيا من قلوبنا.
متفرج ٣ :
أسمعه الآن،
وهو يعلن باسم الشعب،
تأميم الشركة العالمية لقناة السويس،
وبوسعي أن أستحضر النشوة،
التي شعر بها كل مصري وعربي وأفريقي،
بل وأبناء الشعوب البعيدة في آسيا وأمريكا اللاتينية،
وكل المستعبدين المستذَلِّين،
وهم يسمعون بعودة القناة إلى أصحابها.
متفرج ١ :
ما أقدم عليه جمال عبد الناصر،
لم يكن إجراءً عاطفيًّا،
كان يرى لمصر أحد مستقبلين؛
إما أن تصبح سوقًا للمصنوعات الأجنبية،
فتظل بلدًا تابعًا ومتخلفًا،
نهبًا للأهواء والمصالح،
يتسول أبناؤه الحفاة
فتات الأعمال،
أو تتكفل بإنتاج احتياجاتها،
واحتياجات سوقٍ عريضة تمتد من المحيط للخليج،
فتلحق بركب التقدم، وتحقق لأبنائها
المعيشة الكريمة الآمنة.
لكن الخيار الأخير لم يكن سهلًا على الإطلاق؛
فهو يتطلب قاعدةً متينة من الكهرباء، وأموالًا طائلة، وصبرًا.
جرب في البداية تشجيع أصحاب الأموال،
لكن أبناء طلعت حرب قنعوا بالوكالات التجارية،
باستيراد الشكولاتة والسجاير،
وتعبئة الكوكاكولا.
ورأى عبد الناصر في مشروع السد العالي فرصة العمر؛ لتوليد الكهرباء الضرورية.
وعندما سحب البنك الدولي عرض التمويل؛
التفت إلى القناة التي كانت تدرُّ أرباحًا ضخمة،
تذهب إلى أحفاد نابليون واللنبي وكيتشنر،
تكفي لتمويل بناء السد.
فضلًا عن كونها قناتنا.
عروسة صفراء ١ :
كنت بين المسئولين الذين تحدث إليهم لأول مرة عن تأميم القناة.
وقد صفقنا له جميعًا،
وأحلف على المصحف،
أننا بكينا من التأثر.
متفرج ٢ :
أصدقك.
وإن لم تخنِّي الذاكرة،
فأنت وأمثالك، كنتم أول المصفقين في ٥٢ و٥٦
و٥٨ و٥٩ و٦٢،
وأول الباكين سنة ٦٧،
وعندما مات في ۷۰.
فأنتم سريعو التأثر.
وتتميزون بالإخلاص التام،
للسيد الذي تخدمونه.
وأنتم نجوم كل العصور،
تسطعون على هذا الوجه من العملة،
وعندما تقلب على وجهها الآخر،
تلمعون أكثر وأكثر.
رأيناكم مدافعين أشاوس عن الوطن،
ومنظِّرين لاشتراكيتنا الفريدة.
على رأس الشركات المؤمَّمة،
ممسكين بمفاتيح السياسة والاقتصاد والإعلام،
قاطفين الثمار ومستأثرين بالخيرات
(أفضل المساكن وحجوزات السيارات،
وأغلى الأقمشة والأجهزة،
وأجمل النساء،
وأحسن الفرص للأبناء).
وفي اللحظة المناسبة،
كنتم على رأس الشركات المختلطة،
وعملاء لشركات الغرب العملاقة،
ووسطاء في الصفقات إياها،
ضامنين لأنفسكم مستوياتٍ خيالية من المعيشة،
في بلد يعيش أكثر من ثلث أبنائه تحت خط الفقر.
نصف مليون منهم يسكنون المقابر.
عروسة صفراء ٢ :
لم نتصور أبدًا أننا هنا اليوم
لنسمع هجومًا حاقدًا،
على طليعة هذا البلد
من قادة ورجال أعمال.
متفرج ٣ :
أية أعمال تتحدثون عنها؟
أنتم مجرد موزِّعين للمنتجات الأجنبية بالعمولة،
بعد أن أقنعتم المصريين السُّذَّج
أنهم في حاجة إلى مياهٍ ملونة بطعم الأناناس،
فوط صحية تتشرب البلل من قبل أن يحدث،
مزيل عرق وشامبو شعر يقاوم الصلع،
معجون أسنان يمنع التسوس،
موكيت يخنق الأنفاس،
منظفات فعالة
في القضاء عليهم.
لاکتويل I LIKE IT.
متفرج ۱ :
رجال أعمال؟
بل عملاء agents،
زودتم سادتكم بالمعلومات الدقيقة،
عن خبايا السوق،
ثغرات القوانين،
وأذواق المصريين.
حصلتم منهم على الرخصة،
حق الإنتاج والتصنيع المحلي،
للعطور والبخاخات وأحمر الشفاه،
فوفرتم عليهم نفقات الانتقال ومخاطره،
وحوَّلتم إليهم الأرباح.
متفرج ۲ :
لو كنتم حقًّا من رجال الأعمال،
لأنشأتم صناعة،
عمرتم أراضي،
دربتم عمالًا،
موَّلتم أبحاثًا،
كما فعل أسيادكم،
في مقتبل نهضتهم.
لكنكم تتبعون تقليد الآباء والأجداد،
الذين كانوا دائمًا من التابعين،
خدمًا للفرس واليونان والرومان،
ثم العرب والترك والكرد،
الطليان والأرمن،
الفرنسيس والإنجليز،
وأخيرًا الأمريكان وبنو إسرائيل.
متفرج ۳ :
ما زلت عاجزًا عن الفهم.
لماذا تقترضون، ونتحمل عبء السداد،
ولدينا كل هذه الثروات؟
طبقًا لبيانات البنك الدولي في عام ٩٢،
فإن الأموال المصرية المهاجرة إلى الخارج،
بما في ذلك ما تم تهريبه،
تصل إلى ١١٠ مليارات دولار أي ٣٧٥ مليار جنيه مصري.
ويؤكد الخبراء المصريون أن الرقم الحقيقي هو ۱۲۰ مليار دولار،
أي ٤٠٠ مليار جنيه.
وهم يستشهدون بثروة اثنين فقط من رجال الأعمال الفارِّين،
لا يقلُّ حجم استثماراتهما في الخارج عن ٥٦ مليار دولار.
عروسة صفراء ٣ :
هذه والله أخبارٌ طيبة!
فمعناها أن بلادنا أصبحت غنية ومتقدمة!
نمرة بين النمور الجديدة!
متفرج ٣ :
معك حق،
فقد جعلتم من بلادنا «نمرة».
في خلال عشرين سنة فقط،
أصبح لدينا خمسون فردًا فقط،
تبلغ ثروة كل واحد منهم بين مائة و۲۰۰ مليون دولار،
وإجمالًا مليون شخص،
جمعوا ثرواتٍ هائلة،
بينهم عشرة آلاف مليونير،
ولا أقل من عشرين مليارديرًا،
يملك كلٌّ منهم ألف أرنب.
كيف؟
بالتأكيد ليس من العمل الشريف،
وإلا كان جميع العاملين قد اغتنوا.
متفرج ۱ :
من تقسيم وبيع الأراضي،
من الرشاوي والعمولات،
المقاولات والتوكيلات،
المتاجرة بتسعير منتجات القطاع العام،
ونهب القروض الأجنبية،
من الحديد والأسمنت والسكر،
اللحوم والأغذية الفاسدة،
عمولات السلاح،
ومن تجارة العملة والمخدرات.
مالٌ حرام، وأصحابه أكلة مالٍ حرام، وأولاد حرام!
متفرج ۲ :
مليون فرد تستورد لهم الخنزيرة والتمساحة،
ويدفعون عشرين جنيهًا في لهطة آيس كريم أو زبادي،
مستوردة لهم بالذات.
يقيمون الأفراح الباذخة،
ويدفعون ملايين الجنيهات في شراء الشقق.
يملكون القصور في كان وكاليفورنيا،
واليخوت في مونت کارلو وسان مارينو.
هم زبائن المطاعم الجديدة (يدفعون في الوجبة الواحدة ٥٠٠ جنيه)،
والكباريهات والأندية،
والفنادق الكبرى (تكسب سبعة منها ثلاثين مليون جنيه شهريًّا من الحفلات)،
ومكاتب الديكور ومعارض الأثاث والسيارات،
والمخدرات (في عام ۹۳ استهلكت البلاد ۲ طن هيرويين قيمتها ٦٠٠ مليون جنيه).
متفرج ٣ :
راقصة واحدة تمتلك سيارةً مصفحة،
ثمنها ٢ مليون جنيه.
عروسة لهلوبة :
لم لسانك يا خويا،
واحترم نفسك.
أنا لا بأسرق وأسمسر،
ولا بتسخمط.
كل مليون عندي،
عملته من عرق بطني.
تحبوا أوريكو؟
يللا يا جدع،
رقصني،
على واحدة ونص.
العرائس الصفراء تهتز كالدراويش :
مصريتنا … مصريتنا …
حماها الله.
الله … الله …
متفرج ۳ :
مليون ثري،
۲ مليون متعطل،
و۲ مليون شقة مغلقة.
متفرج ١ :
مليون بني آدم في القاهرة وحدها يعيشون داخل عشش،
جدرانها من ألواح الصفيح،
وأسقفها من الكرتون والملابس القديمة،
المجموعة من القمامة،
ويدفعون ضرائب مثل بقية سكان المدينة.
عروسة صفراء على هيئة امرأة بنظارة تملأ وجهها :
الحقيقة هذه المشكلة كما صرحت في التليفزيون.
أوجدت أنماطًا من البشر غير عادية،
على قدرٍ كبير من السلبية،
لا يشعرون بالانتماء،
ولا يشاركون في التنمية.
عروسة صفراء بلحيةٍ قصيرةٍ مدببة :
من دراستي لحالاتهم النفسية،
وجدتها سيئة،
فهم يحقدون على ساكني العمارات الفاخرة،
وعلى المجتمع.
ومنهم تتوالد عناصر الإرهاب.
متفرج ٢ :
ثمن الشقة الواحدة في هذه العمارات
يمثل مرتب الوزير في نحو ٢٠٠ سنة،
والمدير العام في نحو ٤٥٠ سنة،
المرتب لا الدخل الحقيقي!
والشاب حديث التخرج في نحو ألف وخمسمائة سنة.
متفرج ٣ :
أقل من ٢ في المائة من مجموع السكان،
ويستهلكون ٢٠ بالمائة من الكهرباء المخصصة للمنازل.
متفرج ۱ :
۳ ملايين طفل خارج المدارس،
تراهم في الورش،
بعيونٍ غائرة، وأجسامٍ هزيلة،
تلطخهم الشحوم السوداء،
يعجزون عن الفهم من الإعياء ونقص الإدراك،
ينطقون لغةً جديدة بكلماتٍ مبتورة الأحرف،
طليعة جيش من ١٥ مليون أمي،
نستقبل بهم القرن الجديد.
متفرج ٢ :
أطفالٌ مقزَّمون، مصابون بالأنيميا،
وتضخم الكبد والتخلف العقلي.
وثلاثة أجيالٍ قادمة،
مضروبة في حيواناتها المنوية،
ستلد أطفالًا مشوَّهين.
متفرج ٣ :
أكباد مريضة لنصف المصريين،
منهم خمسة ملايين فلاح في خطرٍ داهم،
بعد أن لوَّثتم الطعام والماء والهواء.
متفرج ١ :
شبابٌ ضائع على النواصي،
تفترسه المخدرات البيضاء.
هذا هو ما صنعتموه.
عروسة صفراء ٢ :
فهمت الآن عمَّ تتحدث سيادتك؛
فأنت تقصد العدل.
لكن العدل صفة من صفات الله لا يمكن لأحد أن يحققه،
ربنا هو الذي يرتب الكون،
ورزق ناس على ناس.
عروسة صفراء ٣ :
أنت تتناسى يا محترم ما تحقق من إيجابيات؛
التليفونات والمجاري والمدن،
المزارع والمصانع الجديدة،
الديمقراطية الرشيدة،
وقنوات التليفزيون العديدة.
الرئيس نفسه أشاد أكثر من مرة
بالسواعد التي عملت في إخلاص،
وسهرت على مصالح البلد.
متفرج ١ :
نعم، لقد رأيناكم،
عندما وقعت الزلازل والسيول،
وغرقت القرى والبيوت،
عندما احترقت المصانع،
واصطدمت القطارات وغرقت البواخر،
عندما انهار محصول القطن،
واختلطت مياه الشواطئ بالخراء؛
تهرولون متخبطین،
وتوشكون، من التأثر، على البكاء أمام الكاميرات،
بينما تقبضون من تحت المائدة.
متفرج ٢ :
۹۰۰ حالة تعذيب سنويًّا،
تشمل الاعتداء الجنسي في المعتقلات وأقسام الشرطة،
انتخابات مطبوخة،
هذه هي ديمقراطيتكم.
متفرج ٣ :
فيلات فاخرة من أموال الشعب لحفنة مليونيرات،
بدلًا من خمسمائة مصنع،
يتكلف الواحد عشرين مليون جنيه،
تكفي للقضاء على البطالة.
عروسة صفراء ١ :
كل فيلا من هذه الفيلات تحتاج لمن يحرسها ويخدم بها.
أليس هذا أفضل من المصانع التي تتكلف الملايين؟
وتحتاج إلى التكنولوجيا؟
يجب أن نتخلص من هذه النظرة الضيقة الموروثة من أيام الاشتراكية.
يا ريت كان فيه مليون حوت في مصر كانوا شغلوا اﻟ ۲۰ مليون شاب،
أم تفضل أن ينفق هؤلاء المليونيرات أموالهم في أوروبا وأمريكا
بعيدًا عن القرِّ؟
عروسة صفراء ٢ :
لو كانت الظروف تسمح،
كنا دعوناكم لزيارة مارينا،
لؤلؤة الساحل الشمالي،
التي بناها القطاع العام.
متفرج ۱ :
لنرى كيف تروى الحدائق بمياه الشرب النقية،
بكلفة ثلاثة ملايين جنيه في السنة،
هي أموال الشعب،
صاحب القطاع العام.
عروسة صفراء ٣ :
من العبث إنكار حجم المشاكل التي نعانيها.
فما زلنا في عنق الزجاجة.
لعنة الله على من أدخلَنا فيها.
عروسة صفراء ٤ :
كلما سمعت اسمه،
أصبت بالأرتكاريا،
رغم أني جمعت المليون الأول،
من تحت أنفه الغليظ،
وفي ظل اشتراكيته المزعومة.
صحيح أن البذرة تكونت في معسكرات الجيش الإنجليزي،
وأينعت في أرض الحرمَين الشريفَين.
لكن الصعود الحقيقي جاء بعد عدوان ٥٦،
عندما تمت إعادة تعمير بورسعيد،
ثم توسيع قناة السويس،
الذي كسبتُ فيه مع شريكٍ أمريكي مليونَين.
ثم جاء السد العالي.
وكان دوري فيه هو نقل الصخور وردمها.
لكني أجدت الدعاية لنفسي.
والإعلاميون الحاضرون هنا يشهدون على ذلك؛
فقد أطعمتهم بما فيه الكفاية.
وكانت النتيجة أن تصوَّر الناس أنني أنا من بنى السد،
وبفضل هذا كله استطعت أن أعبر محنة التأميمات
التي وقعت البلاد كلها ضحية لها،
بسبب جنونه وحقده.
متفرج ۲ :
التأميمات لم تكن اعتداءً بل إنصاف.
الأراضي التي اغتصبها المماليك.
أعاد محمد علي توزيعها على الألبان والأتراك،
ومن رضي عنهم من المصريين.
وهي التي ولدت مبانيَ وشركاتٍ وبنوكًا،
أغلبها كان حكرًا على الأجانب والمتمصرين،
وخدمهم من أهل البلد الأصليين.
وقد رفضوا كل العروض والتسهيلات،
التي قُدمت لهم للمساهمة في تصنيع البلاد.
التأميمات إذن أعادت الحقوق إلى أصحابها.
العروسة السابقة :
ما زلت مقتنعًا بأن الجنون والحقد،
أعمياه عن كل شيء عدا ذاته،
بعكس السادات الذي كان زعيمًا من نوعٍ آخر،
أضناه البحث عن الذات،
ويعرف ربه في الخفاء أكثر مما في العلن.
رأيته يجلس على الأرض كعادة الفلاحين،
يأكل هو وأفراد أسرته من طبقٍ واحد فوق الطبلية،
(صحيح أنهم كانوا يجلسون فوق موكيت بلجیکي فاخر، وأن الأمر كله كان للتصوير،
وأن المدام رفضت الاشتراك في هذا التهريج،
إلا أن الموقف يكشف لكم حقيقة ميوله وتوجهاته).
كان هو الذي ساعدني على الخروج من أخطر محنة واجهتني،
عندما اشتركت في مقاولة إقامة قواعد الصواريخ،
أثناء حرب الاستنزاف،
وقصفت الطائرات الإسرائيلية عدة مواقع في آنٍ واحد،
فقتلتْ خمسمائة عامل مرةً واحدة،
ثم تبين أن الإسرائيليين حصلوا على خرائط هذه المواقع،
من مكتبي،
وعن طريق أحد أقاربي.
لكن الله ستر،
ولولاه ما كنت أفلتُّ برقبتي.
وفيما بعدُ،
بعد أن نجح العبور في ٧٣،
وأحدث شارون ثغرته المشهورة،
استدعاني السادات للقائه،
وتصورت أني سأجده منهارًا أمام ذلك التطور المفاجئ.
لكنه كان في قمة الانتشاء
وهو يحدثني عن التعمير
(كانت إسرائيل تشترط البدء فورًا في تعمير مدن القناة
لتكون حاجزًا إذا ما تجدد القتال)،
وعن تحويل بورسعيد إلى مدينةٍ حرة،
تزدهر فيها المصانع الأجنبية دون قيود،
عاهدًا إليَّ بالمقاولة كلها.
وكانت المعونة الأمريكية جاهزة للتمويل
(تحية لزعيمة العالم التي وقفت إلى جانبنا في وقت الشدة)،
وسرعان ما امتلأت أسواق البلاد العطشى،
بالسلع التي حرمتْ منها طويلًا؛
السفن أب، وصابون کامي، وشكولاتة نستلة،
والجبن الفرنسي ذي الرائحة النتنة.
كان نجاحي كاسحًا؛
فأعطاني وزارة التعمير،
ثم ضمَّ لي وزارة الإسكان،
يعني أخذت مقاولة البلد كلها.
كنا نستقلُّ الهليكوبتر،
نحلق في السماء ومعنا الخرائط.
وكان بوسعي أن أضع إصبعي على أي مكان،
وأفعل به ما أشاء.
وكانت تأتينا أفكارٌ أخَّاذة حقًّا،
مثل الأمن الغذائي،
ومنع أكل اللحم لمدة شهرٍ كامل.
أنشأت خلاله أكبر جسرٍ جوي عرفه العالم،
من الدواجن المجمدة.
وبعد الدواجن جاءت الأسماك.
ولاحظت أن الشركات الأجنبية في المناطق الحرة،
التي تنتج أحمر شفاه، حاضنات أطفال،
مناديل ورقية وكافيه،
تعتمد على البنوك المصرية في التمويل،
وتتمتع بإعفاءات من الضرائب والجمارك،
وتستغل أيدي عاملةً رخيصة،
وتصدر للخارج أرباحًا بالملايين.
ورأيت أني أولى منها بالخير،
فأصبحت إقامة الشركات لعبتي.
وتربع اسمي على رأس ٢٠٠ شركة؛
المقاولات والأحذية والسياحة،
المياه الغازية والتوكيلات التجارية.
شركات خفيفة سريعة الربح،
أقمتها بالتعاون مع النابهين،
الذين يدينون بالفضل للقطاع العام،
للتوريدات والسوق السوداء وشغل الباطن،
والتحايل على قوانين النقد والجمارك،
للهزيمة والتعمير،
وحضرات الضباط الأحرار،
الثوار،
وأهل الفن،
أقصد التكنوقراط،
الذين كوَّنوا الثروات من البدلات والمخصصات والامتيازات.
لم أضع فيها مليمًا واحدًا من جيبي،
إنما موَّلتُها من بنوك القطاع العام وشركاته،
وصناديق النقابات،
وتأمينات العاملين ومعاشاتهم،
وحق الاستيلاء على أية أملاكٍ عامة من أراضٍ وخلافه،
یعني باختصار: عسل!
لكن حلقةً واحدة كانت ناقصة؛
عرفت أن بنكًا أجنبيًّا حقق ربحًا بمليون جنيه في أول سنة من نشاطه،
حوَّله كاملًا إلى الخارج.
في حين أن الشركات تحقق أرباحها بعد عدة سنوات وتظل محبوسة داخل البلاد،
محرومة من فرصة التوالد في البورصات.
هكذا انتقلت إلى إقامة البنوك
بنفس الطريقة،
أي من أموال البنوك الأخرى،
بعبارةٍ أخرى: من دقنه وافتلُّه،
وفي شهورٍ معدودة كان لي بنك في كل محافظة؛
٢٣ بنكًا.
وخلال سنواتٍ قليلة كانت أموال البلاد في يدي،
كما كان الأمر معه،
ومع محمد علي من قبله،
على أني لم أكن في غباء الاثنين،
اللذين حاولا حبسها في مشروعاتٍ ضخمة،
يحدوها طموحٌ أجوف.
وتحتاج إلى سنواتٍ طويلة قبل أن تؤتي أكلها،
وهو ما يتنافى مع طبيعة البشر وأوامر الدين.
عروسة صفراء بلحيةٍ كثيفة :
٢٠٠ شركة و٢٣ بنك لجمع بضعة مليارات!
يا له من مجهود،
لم أكن في حاجة إليه!
الجميع يعرفون الآن قصة جحا والحلة،
ولا بأس من أن أرويها من جديد،
فالتكرار لا يؤثر في الحمار.
ذات يوم اقترض جحا حلة من إحدى جاراته،
بعد أيام ذهب إليها حاملًا الحلة وطاسةً صغيرة.
سألته الجارة: ما هذا يا جحا؟
قال جحا: الحلة ولدت عندي،
وبما أنكِ صاحبتها فأنت أحق الناس بخلفتها.
بالطبع أخذت الجارة الطاسة،
وألحفت على جحا أن يحتفظ بالحلة، لعل وعسى،
ثم روت القصة لجيرانها.
وذاعت معجزة جحا وأمانته بين الجيران،
فتسابقوا يعرضون عليه حللهم،
متوسِّلين أن يضعها لديه بعض الوقت،
لعل شيئًا من بركته يمسها،
وتلد كسابقتها.
انتظروا بضعة أيام ثم بدءوا يترددون عليه سائلين عن حللهم.
واكتشف أحدهم اختفاء حلَّته،
فقال له جحا إنها ماتت أثناء الوضع.
لم يكن صاحب الحلة من البلاهة ليصدق هذا الزعم.
صاح في جحا: هو معقول أن الحلة تموت؟
وكان رد جحا المفحم: هو معقول أنها تلد؟
تذكرتُ هذه القصة في شهوري الأولى بالسعودية،
وأنا أعود منهكًا بعد ساعاتٍ طويلة من الوقوف بائعًا في حانوت،
لاستغرق في النوم بعد دورين كوتشينة،
مع زملائي في الشقة،
يجري خلالهما الحديث حول موضوع واحد لا يتغير؛
ما سيشترونه بمدخراتهم عند العودة النهائية إلى مصر.
كلٌّ منهم كان يحلم بأن يعيش بقية حياته كأصحاب النفط بالضبط؛
شقة مجهزة من كله، سيارة،
ووديعة محترمة في البنك،
يعفيه عائدها من عناء العمل.
وعندما أباح السادات، رحمة الله عليه،
الاستيراد بالعملة الأجنبية مباشرة.
أصبح هناك طلبٌ كبير على الدولار.
هنا واتتني الفكرة.
بدأت أجمع الدولارات من المصريين في السعودية،
وأبيعها لمن يحتاج إليها من المستوردين في مصر.
كنت أشترى الدولارات بجنيهاتٍ مصرية
تُدفَع في مصر من خلال حسابات لي بالبنوك.
مضت الأمور على هذا المنوال بنجاح إلى أن واتتني فكرةٌ جديدة.
واحدة من الأفكار التي تُغيِّر مصائر الأمم والشعوب، والأفراد.
أن أكون أنا نفسي بنكًا!
ليس هذا فقط …
وإنما أيضًا بنك يأخذ ولا يعطي!
يعني آخذ الدولارات دون أن أدفع شيئًا مقابلها.
بدأت باللحية فأطلقتها،
وحفظت عن ظهر قلب عدة آيات قرآنية.
وأصبحت من أنصار الاقتصاد الإسلامي،
أُبشِّر بالقضاء على الربا.
واختلقت حديثًا شريفًا يساوى من أخذ الربا بمن زنا بأمه في الكعبة.
عرضت على أصحاب الأموال فائدة لا تقلُّ عن ٢٤ بالمائة،
فهُرِعوا إليَّ بأموالهم زرافات ووحدانًا،
دون أن يساورهم الشك،
ووجدت بين أصحاب الفضيلة من أعلنوا أن هذه الفائدة،
ليست فائدة وبذلك لا تُعدُّ من الربا.
فاطمأنت قلوب المودعين المؤمنين.
وبدأت الملايين تتجمع لديَّ دون أن أدفع شيئًا.
كيف؟
الأمر جد بسيط، كما سبق أن تبيَّن جحا.
كنت أعطي الفائدة للمودع من وديعة المودع الذي بعده.
ثم واتتني فكرةٌ ذهبية أخرى؛
أن أستردَّ هذه الفائدة من المودع دون أن يشعر!
كيف؟
قمت بحملةٍ إعلانيةٍ واسعة عن مشروعاتٍ ضخمةٍ جديدة للمنتجات الغذائية،
والسلع الكهربائية المستوردة،
هي في الحقيقة مشروعاتٌ قائمة بالفعل،
اشتريتها بما لديَّ من إيداعات،
وأعدت بيع منتجاتها بزيادة في السعر.
لمَنْ فيما تعتقدون؟
للمودعين أنفسهم؛
لأنهم عمليًّا الطبقة القادرة على شراء السلع الغالية،
والذين اشتروها — أي سلعهم — بالفعل، للمرة الثانية!
وبذلك ضربتُ عدة عصافير بحجرٍ واحد؛
فقد أوهمت الجميع أن الأموال المودَعة لديَّ تعمل بنشاط في الإنتاج،
وجذبت بذلك مودِعين جددًا.
ثم إني استعدت الفائدة التي أخذها المودعون من خلال السلع التي اشتروها.
بل وأجبرتهم أحيانًا — عن طريق الإعلانات — على أن يشتروا سلعًا ليسوا
في حاجة إليها،
على أن يخصم ثمنها — الذي أحدده على هواي — من ودائعهم ذاتها.
یعني، باختصار، سخمطتهم!
عروسة صفراء ٥ :
يا للعار!
ألا تخجل؟!
العروسة الملتحية :
أنا لم أخدع أحدًا ولم أرغم أحدًا،
كل ما فعلته كان في الضوء.
بشهادة أصحاب الفضيلة والسيادة والسعادة،
الذين نالهم من الحب جانب.
وإلا ما كانت الدولة كافأتني،
بأن حولتني إلى شركةٍ مساهمة،
أملك أكثر من نصف أسهمها
(هي في الحقيقة أموال المودعين)،
مقابل أن أدفع لهم نقودهم على مدى عدة سنوات،
يأخذون أغلبها سلعًا مستوردة بأسعارٍ مضاعفة.
متفرج ۳ :
الحق كله معك.
لم يكن بإمكانك أن تجمع مدخرات الناس،
لو لم يتواطأ الدكاترة المحترمون معك.
فبدلًا من وضع الخطط لاستثمارها في إقامة الصناعات والتنمية،
تعمَّدوا توفيرها للسماسرة والمغامرين والنصابين؛
من أبنائهم وأقاربهم وأذنابهم،
بينما راحوا يقترضون من البنوك العالمية،
التي دفعت الرشاوى بسخاء.
متفرج ١ :
جملة القروض التي قدمتها بنوك القطاع العام الأربعة،
للمحظوظين من رجال الأعمال عام ١٩٩٥،
بلغت ۱۲ مليار جنيه،
استخدمت في المضاربات العقارية،
وتمويل صفقاتٍ تجارية استهلاكية كالسيارات.
تصوروا لو كانت قدمتها للصناعة.
عروسة أمريكية :
اسمي مكنامارا.
لا أحد يذكرني الآن،
رغم أني كنت ذات يوم ملء السمع والبصر،
مشهورًا بنظري الحاد، عويناتي المعدنية،
وشعري الفضي.
كان شعاري أن كل مشكلة لها حل،
أيًّا كانت إنسانيته، أو أخلاقيته.
خرجت من جامعات الصفوة إلى شركة فورد،
حيث بنيتُ سمعتي كرجل إدارة منقطع النظير؛
لهذا اختارني کندي وزيرًا للدفاع، لأدير الحرب الفيتنامية.
لكنها تعسرت عليَّ،
فانتقلت في ١٩٦٨ إلى إدارة البنك الدولي
حيث حققت نجاحاتي.
كانت مهمتي الرئيسية في التعامل مع نموذج التنمية،
الذي اعتمدته بلدان العالم الثالث،
ففضلًا عن سذاجته ورومانسيته،
لم يكن يواكب التطور العالمي،
وبالتالي يتعارض مع مصالح الغرب.
فماذا يحدث لو تمكنت مصر والهند والمكسيك،
وغيرها من دول العالم الثالث،
من بناء صناعتها الخاصة؟
إذا أكلتْ وشربتْ ولبستْ من إنتاجها؟
عكفتُ على دراسة الملف المصري.
فرأيت بثاقب نظري
الهاوية التي كان يسير إليها المرحوم ناصر؛
كانت سياسة التنمية التي اعتمدها تقوم على إحلال الواردات الاستهلاكية.
(ثلاجة وبوتاجاز وسخان لكل مواطن فضلًا عن سيارة لأبناء الصفوة)
أي على استيراد السلع الوسيطة والآلات.
ولأن الادخار المحلي كان غير كافٍ لتمويل تلك الاحتياجات،
ظهر العجز في ميزان المدفوعات.
وعندما تورط في اليمن،
واصطاده السعوديون على أرضها،
اهتزت خطة التنمية،
ثم انهارت تمامًا عندما أوقعه الإسرائيليون،
وبدأ الاقتراض من البنوك العالمية،
لكنه تم في أضيق الحدود.
وتفاقم الوضع بعد حرب أكتوبر ٧٣،
بينما تجمعت في البنوك العالمية أرصدةٌ ضخمة
تبحث عن استثمار.
هنا جاء دوري.
قمت بواجب الزيارة لمصر في ١٩٧٤،
بعد أن مهد روكفلر وكيسينجر الطريق.
وتحدثت مع حجازي عن سياسة الانفتاح.
وعندما أبدت مصر مرونة في محادثات فصل القوات،
أبديتُ استعدادي لزيادة حجم الإقراض لها،
من ٣٠ مليون دولار إلى ٣٠٠ مليون دولار؛
ورحب السذج.
وفي ۱۹۷۷ظهرت مشكلة سداد القروض،
وأبدى صندوق النقد صرامة وحزمًا بَالغَين.
اجتمعت بالقيسوني،
(الذي كان هو نفسه ممثلًا سابقًا للصندوق في الشرق الأوسط)
وعرضت عليه طلبات الصندوق فقبلها،
لكن الاتفاق باظ بسبب انتفاضة الحرامية.
ولم تمضِ شهور إلا وذهب السادات إلى كامب ديفيد،
ثم وقَّع الصلح مع إسرائيل،
وكان لا بد من مكافأته؛
فعقدنا اتفاقًا ثانيًا، تدفقت القروض على أثره.
متفرج ٢ :
أنت حقًّا نجحت،
فقد أصبح البنك الآن وصيًّا على اقتصاد البلدان البائسة،
لصالح الشركات العالمية العملاقة،
يراقب المصروفات العامة ويتولى توزيع موارد الإنفاق؛
أي يرأس مجالس الوزراء.
فعندما عجزت البلدان الفقيرة عن سداد ديونها للبنوك العالمية،
(التي فرضت فائدةً أعلى بكثير من إجمالي المساعدات والقروض)
حلَّ صندوقكم محل البنوك،
وبدأ في تحصيل فوائد الديون كوكيل عن الدائنين،
عن طريق منح قروضٍ جديدة،
لإجراء ما سمي بالإصلاح الاقتصادي،
والتكييف الهيكلي.
متفرج ٣ :
طلبتم في البداية تخفيض الإنفاق الحكومي،
وإطلاق حرية الأسعار أي ربطها بالأسعار العالمية،
(أسعار عالمكم أنتم)
بعد إلغاء دعم الاستهلاك والمسكن،
والمواصلات والمياه والكهرباء.
أمور نقبلها لو أطلقتم أيضًا حرية الأجور،
أي ربطتموها بالأجور العالمية.
عروسة صفراء ١ :
الكلام هنا يلقى على عواهنه،
وإلا فليقلْ لي الجهابذة:
كيف يمكن أن تحل مثلًا مشكلة ندرة المياه،
إذا لم تسعر على نحوٍ ملائم،
يحفز المستهلكين إلى استخدامها بفاعلية أكثر؟
متفرج ١ :
غريبة!
أول مرة أسمع عن ندرة المياه.
فما أعرفه أن المرحوم أنور،
من كثرة الفائض
عرض تزويد إسرائيل بما تحتاجه منها.
متفرج ٢ :
ثم طلبتم تخفيض قيمة الجنيه المصري،
بحجة إنقاص الواردات الأجنبية،
متفرج ٣ :
صفقة رائعة لحساب الأجانب وعملائهم المحليين،
الذين يكسبون سعرًا أفضل لعملاتهم الأجنبية بزيادة الثلث.
بينما ندفع نحن زيادة في أعباء الديون بمقدار الثلث،
وزيادة في ثمن ما كنا نستورده بمقدار الثلث
(أي مسح المدخرات التي شقينا في جمعها).
متفرج ١ :
إلغاء الرسوم الجمركية على المستورد؛
للقضاء على ما تبقى من مصنوعاتٍ محلية.
متفرج ٢ :
هيكلة الإنتاج لصالح التصدير،
أي توجيه الإنتاج لهدف التصدير لا لتلبية
احتياجات الشعب؛ (فهذه سيتم تلبيتها بالمستورد)،
من أجل توفير النقد الأجنبي لسداد الديون وفوائدها،
ولتزويد الحكام بالسيارات والمكيفات والفيديوهات،
عن طريقَين لا ثالث لهما:
إما التخصص في المشغولات الحرفية،
مثل منتجات خان الخليلي،
والمحاصيل الزراعية مثل الفراولة والخيار الشيك.
وإما من خلال مصانع أجنبية (بالكامل أو بالمشاركة)،
في العاشر من رمضان أو السادس من أكتوبر،
تنتج السلع الوسيطة؛
أدوات كهربائية بطاريات منتجات ألومنيوم،
أثاث، ملابس جاهزة، أدوات زينة، سيراميك،
مياه غازية، لبان، ألبان، مواد بناء، سجاد،
تجميع سيارات، تصنيع لحوم فاسدة،
مناديل ورق، منظفات،
معفاة من الضرائب والرسوم،
ومن تكاليف النقل والتأمين.
عروسة صفراء ٢ :
قيمة أي دولة الآن تقاس بمقدار ما تصدره،
ويسرني أن أبلغكم بأننا طالبنا الأمريكان
في اجتماع لمجلس الوزراء المشترك،
بفتح أسواقهم أمام الصادرات المصرية.
متفرج ٣ :
أي صادرات تتحدثون عنها؟
إلا إذا كنتم تقصدون المنتجات
التي سيصنعونها بثمنٍ رخيص لدينا!
متفرج ١ :
تصفية القطاع العام (الذي نهبوه وخربوه)،
وبيعه في المزاد،
أي الخصخصة والمصمصة.
متفرج ٢ :
۲۱ شركة للصناعات الهندسية، ١٤ للصناعات الكيماوية،
١٧ للصناعات المعدنية، ٢٢ للصناعات الغذائية، ٧ للغزل والنسج،
١٤ لتصنيع المنسوجات، ٩ للأدوية، ١٢ للنقل البحري،
١٣ للتعدين والحراريات، ١٧ للمضارب والمطاحن،
٢٢ للقطن والتجارة الدولية، ١٦ لتوزيع الكهرباء،
٢٣ للتشييد والتعمير، ١٣ للأشغال واستصلاح الأراضي،
١٤ للتنمية الزراعية، ٢١ للإسكان والسياحة والسينما،
وعشرات أخرى غيرها.
متفرج ٣ :
٣١٤ شركة قيمتها — عند إنشائها — مائة مليار جنيه،
أي مائة ألف مليون جنيه،
وبسعر السوق الآن،
لا أقل من أربعة أضعاف أو خمسة،
أي خمسمائة ألف مليون جنيه،
أو خمسمائة مليار.
متفرج ١ :
الحديد والصلب، الكابلات الكهربائية، السجاد، الغزل والنسج،
الدلتا الصناعية (إيديال)، العربية للراديو، النصر للتليفزيون،
مصر للألومنيوم، النصر للمعدات والتركيبات،
كيما الأسمدة، النصر للأجهزة الكهربائية، راكتا للورق،
الماكو للمحولات، النصر للنقل الخفيف،
قها، فيليبس، كولدير، الغازات الصناعية،
الخزف والصيني، ترسانة الإسكندرية،
أسمنت طرة، أسمنت حلوان، أسمنت العامرية،
الإسكندرية للأسمنت، الصناعية للمبيدات والأسمدة،
مصر للصناعات الكيماوية، البويات والصناعات الكيماوية،
العامة للصوامع والتخزين، مطاحن مصر العليا،
مطاحن شرق الدلتا، مطاحن وسط وغرب الدلتا،
مطاحن مصر الوسطى، مطاحن شمال القاهرة،
المصرية لتصنيع الأخشاب، النصر للملابس والمنسوجات،
العربية للغزل والنسيج، الإسكندرية للغزل والنسيج،
دمياط للغزل والنسيج، المتحدة لتجارة المنسوجات،
النصر للمنسوجات ستيا، الدلتا للغزل والنسيج،
مصر شبين الكوم للغزل، المنسوجات الحديثة،
العربية لتجارة المنسوجات، بورسعيد لتصدير الأقطان،
عمر أفندي، صيدناوي، شيكوريل، بنزايون، عدس، ريفولي،
بيع المصنوعات المصرية.
متفرج ٢ :
العربية للتوكيلات الملاحية، ميتالكو المالية،
القناة للتوكيلات الملاحية، الإسكندرية للحاويات،
دمياط للحاويات، النصر للزجاج والبللور،
مصر للزيوت والصابون، المصرية للنشا والجلوكوز،
الزيوت المستخلصة، الشرقية للكتان، كفر الزيات للمبيدات،
النيل للكبريت، المصرية للصباغة والتجهيز، النصر للمعدات والتركيبات،
ممفيس للأدوية، القاهرة للأدوية، العربية للأدوية، الإسكندرية للأدوية،
السويس للمناطق الحرة، المعادي للإسكان والتنمية،
أطلس للمقاولات، التنمية المتحدة للإسكان،
مصر للأسواق الحرة.
متفرج ٣ :
الدواجن، كرونا للحلويات، الأهرام للمشروبات،
مصر للألبان، بسكو مصر، إدفينا للمعلبات،
فنادق: كوزموبوليتان، فلسطین، شهرزاد، البرج، كليوباترا، النيل،
شبرد، میناهاوس، منيل بالاس، ماريوت، الخيام،
كتراكت أسوان، ونتر بالاس، هلنان، رومانس إسكندرية، إجوتيل الأقصر،
أنى أتون، حتب توت أسوان، أوبري السويس، إتاب الأقصر،
بولمان سيسيل الإسكندرية، الأقصر، كلابشة أسوان،
العلمين، مينا الأقصر، آمون أسوان، سافوي الأقصر، سان استيفانو،
بواخر: إيزيس، شهریار، شهرزاد، نفتيس، إيزيس، أوزوريس،
هلنان دهب، هلنان بورسيعيد، كميت قرية مجاويش،
مصر الجديدة للإسكان والتعمير، مدينة نصر،
الشرقية للدخان،
متفرج ١ :
وبعد ذلك: الكهرباء والمياه والمجاري،
النقل العام والمترو والسكة الحديد،
الطيران والمطارات والطرق،
التليفونات والبريد،
الجامعات والبنوك،
قناة السويس والبترول،
السد العالي،
المصانع الحربية،
الأهرامات
(التي بدأت إسرائيل تطالب بها)،
أي كل ممتلكات الشعب المصري.
متفرج ٢ :
كل ما حاربنا وضحينا،
من أجل إقامته والدفاع عنه
في ٥٦ و٦٧ و٧٣،
وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا.
عروسة صفراء ٣ :
الحكومة لن تبيع سوى الشركات الخاسرة،
التي تمثل عبئًا على الاقتصاد الوطني.
متفرج ٣ :
كاذب في أصل وشك!
فأنتم تبيعون الشركات الرابحة بحجة أن أحدًا لن يشتري الخاسرة!
وقد تعهدتم كتابة بأنكم ستستخدمون حصيلة البيع،
لإصلاح الشركات الخاسرة فعلًا
تمهيدًا لبيعها!
متفرج ١ :
كذبةٌ أخرى من ترسانة أكاذيبكم،
تضحكون بها على الشعب الساذج؛
«الهدف من البيع هو توسيع قاعدة الملكية للمصريين،
الشركات الاستراتيجية لن تُمَس،
الأجانب لن يسيطروا على اقتصادنا،
لن يضار عاملٌ واحد،
المعاش المبكر هو إجراء لصالح العاملين.»
متفرج ٢ :
تعهدتم للصندوق في خطاب النوايا التعيس،
أن تتيحوا للأجانب فرصة تملك المشروعات الوطنية،
والمشروعات ذات المنفعة العامة،
كالطرق السريعة، التليفونات، المترو،
الكهرباء، المياه، المجاري؛
لمدة ٩٩ عامًا (على غرار قناة السويس)،
يقومون خلالها بجباية الضرائب نيابة عن الحكومة،
لتحصيل التكاليف والأرباح،
وتحويلها لا لخزانة الدولة وإنما لبلادهم في الخارج.
متفرج ٣ :
تعهدتم أيضًا بأن تعطوا الأجانب،
ما بخلتم به على أبناء بلادكم وصناعاتها؛
إعفاءات ضريبية وجمركية لمدة خمس عشرة سنة،
وفرصة الاقتراض من البنوك المصرية.
متفرج ١ :
وأقسمتم على المصحف،
أنكم ستساعدونهم على التخلص من ١٤٠ ألف عامل،
بعد مهلة ٣ سنوات،
بلعبة المعاش المبكر.
متفرج ٢ :
تعهدتم أيضًا بعدم المساس باحتياطياتنا من النقد الأجنبي،
التي تكونت من ثمرة جهدنا ومعاناتنا
(يدفع المواطن نصف دخله في ضرائب مختلفة دون أن يشعر).
۱۸ مليارًا من الدولارات،
التزمتم بعدم استخدامها في مشروعات إنتاجية أو حتى في سداد الديون،
وبإيداعها في البنك الفيدرالي الأميركي،
أي حبسها لصالح عدونا الأكبر.
متفرج ٣ :
تعهدتم بإجراء تخفيض الجمارك بنسبة ٧٠ بالمائة خلال ٣ سنوات،
بينما حددت اتفاقية الجات هذا التخفيض بنسبة ١٠ في المائة سنويًّا فقط،
خلال عشر سنوات.
متفرج ١ :
التزمتم أمام ساداتكم بأن يقوم البنك الدولي وصندوقه
بمراجعةٍ دورية لأداء الحكومة كل ثلاثة شهور.
متفرج ٢ :
هكذا اكتملت حلقات المؤامرة الجهنمية،
التي بدأت مع نجاح أول خطةٍ خمسية لتصنيع البلاد في ١٩٦٥،
فبعد أن أغرقنا السعوديون في مستنقع اليمن،
استدرجنا الإسرائيليون إلى فخ ٦٧،
وتولى أنور وصحبه الباقي.
متفرج ٣ :
ما أشبه الليلة بالبارحة!
كلما تذكرت أن للخواجة مكتبًا دائمًا في وزارة الاقتصاد المصرية،
بصفته ممثلًا لهيئة صندوق النقد الدولية،
خطرت لي صفحة مأساوية في تاريخنا الحديث،
بدأ معها تخلفنا المشين.
فبعد محاولات التحديث بالتصنيع والتعليم،
التي قام بها محمد علي،
(في نفس اللحظة التي بدأته فيها اليابان)،
وأجهضتها أساطيل الغرب،
انصرف حفيده إسماعيل إلى التحديث بالقصور والتماثيل،
فبدَّد ثروات البلاد في سفه،
ثم تحول إلى الاقتراض من أصدقائه الأوروبيين.
وعندما عجز عن السداد،
أجبروه على إعلان الإفلاس،
وإنشاء هيئةٍ أجنبية تتولى اعتصار الاقتصاد،
لسداد الديون، أسموها صندوق الدين،
أقام ممثلاه في المكتب الذي تحتله سيادتك،
فمهدا الطريق لسبعين سنة من الاحتلال.
عروسة صفراء ١ :
مهلًا، مهلًا، يا سادة!
شراء المستثمرين الأجانب للشركات المصرية،
سيمدنا بالعملات الأجنبية التي تحتاجها التنمية،
متفرج ١ :
الأجانب لن يدفعوا نقودًا في الشراء،
بل سيشترون الديون الخارجية للشركات بقيمةٍ اسمية،
ثم يحوِّلون الدين إلى أسهم في هذه الشركات،
بقيمة تساوى أضعاف ما دفعوه لشراء الدين.
وبعد ذلك يحولون هذه الشركات
إلى إنتاج السلع الوسيطة إياها،
بحيث يمكن تصدير السلع الرخيصة للخارج،
واستيراد السلع المتكاملة غالية الثمن
(ارتفعت الواردات الخارجية من ٨ مليارات دولار عام ١٩٩١ إلى ١٤ مليار دولار عام ١٩٩٣،
بزيادة بلغت ٨٠ بالمائة خلال عامين).
العروسة الصفراء السابقة :
شراء المستثمرين الأجانب للشركات المصرية،
سيتبعه حتمًا تطويرٌ إداري وتكنولوجي،
ندخل به القرن الواحد والعشرين،
مرفوعي الرءوس والقامات.
المتفرج السابق :
أحلام العصافير،
وحجج اللصوص والمرتشين.
ستدخلون حقًّا القرن الواحد والعشرين،
وإنما فوق بطونكم منبطحين.
الشركات العالمية تحرص على أسرارها وخبراتها.
وهي تعمل وفق استراتيجيةٍ معروفة،
تقوم على نشر عمليات إنتاج السلعة في عدة بلدان،
بحيث لا ينتج البلد الواحد غير حلقةٍ واحدة أو أكثر،
من سلسلة إنتاج السلعة الواحدة.
حالة واحدة تتصرف فيها بكرم،
عندما يتعلق الأمر بالصناعات الملوِّثة للبيئة.
متفرج ۲ :
سأقرأ عليكم تقريرا داخليًّا للبنك الدولي،
نشرتْه في ۸ / ۲ / ۱۹۹۲ مجلة الإيكونومست الإنجليزية
(التي يملك نصفها بنك روتشيلد إياه).
يقول التقرير إن المصلحة الاقتصادية (لمن؟)
تحتم نقل الصناعات الملوِّثة،
مثل البطاريات الكهربائية والمبيدات،
الحديد الزهر والأسمنت والإسبيستوس،
إلى العالم الثالث.
ويسوق التقرير ثلاث حجج في هذا الشأن.
الأولي بالحرف: من الأفضل تلويث البلدان المنخفضة الأجور؛
حيث إن تكاليف حماية البيئة بها منخفضة كذلك.
الثانية بالحرف: من الأفضل تلويث البلدان التي لم تتلوث بعدُ؛ لأن ذلك يكلف أرخص في بداية الأمر.
الثالثة بالحرف: من الأفضل تلويث المناطق ذات مستويات المعيشة المنخفضة؛
حيث يكون لدى الناس على كل حال كثير من الهموم الأخرى.
ويضرب التقرير مثالًا على الحجة الأخيرة قائلًا بالحرف:
إذا كانت إحدى الصناعات الملوثة
تؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة بسرطان البروستاتا،
بنسبة واحد في المليون،
فإن القلق الناشئ عن ذلك سيكون بالبداهة،
أشد بكثير في بلد يمتد فيه عمر الإنسان طويلًا،
(بلادهم هم طبعًا)
من بلد يموت فيه ٢٠ بالمائة من الأطفال
قبل الخامسة من عمرهم
(بلادنا نحن بالطبع).
متفرج ٣ :
كافة البلدان التي تعاملت مع الصندوق،
ونفذت روشتته المشئومة،
تعرضت للفاجعة.
زادت الديون الخارجية،
وهبط مستوى المعيشة والقوة الشرائية،
وتدهورت الخدمات والصناعات المحلية.
متفرج ١ :
أغرب ما في الأمر أن الصندوق نفسه،
يعترف بأن برامجه الإصلاحية لم تثمر،
وأنها أدت إلى زيادة التضخم،
وانخفاض معدلات النمو،
لكن المرتشين الفاسدين يشيدون بدورها
في إزالة «أسباب الخلل الاقتصادي»،
ويؤكدون أنها أفضل وسيلة،
لا لإذلال الجماهير وتمريغها في التراب،
وإبادة أكبر جزء من السكان،
وإنما لتحسين مستوى معيشتها،
وتحقيق رفاهيتها!
متفرج ٢ :
قوانين السوق التي يتم إجبار دول الجنوب على تطبيقها،
هي نفسها التي أوجدت ۲۰ مليون عاطل و٤٠ مليون فقير،
في الدول الغربية.
عروسة صفراء ٣ :
اقتصاد السوق هو اللي نادى به ربنا ونادت به الأديان.
وهو الكفيل بكسر الطوق،
ليبدأ عصر الإنتاج الواسع القادر على غزو الأسواق العالمية،
حقًّا ستكون هناك قراراتٌ صعبة في مجال التعليم والصحة والتغذية،
لكنه الطريق الوحيد للحاق بالنمور الآسيوية.
متفرج ٣ :
حديث النمور ينم عن جهل أو خداع.
فقد بدأت بنفس سياستنا في إحلال الواردات.
لكنها على العكس منا،
تمتعت بمساعداتٍ أمريكيةٍ كريمة،
في صورة منح لا تُردُّ،
من أجل مواجهة الخطر الشيوعي،
ولم تنشأ إلى جوارها إسرائيل،
فلم تتعرض للعدوان أو الاستنزاف،
وتجنبت الوقوع في فخ المديونية.
وعلى العكس منا،
طبقت نظامًا صارمًا للنقد الأجنبي،
فلم يُسمح للأفراد بحيازته إلا مؤخرًا،
وأقامت الحواجز في وجه الواردات المنافسة للإنتاج المحلي،
الذي ما زال نصفه حتى الآن ملكًا لقطاعٍ عام،
تسيطر عليه الحكومة بخططٍ خماسية ورباعية
(خلال ٢٥ سنة لم تستورد كوريا الجنوبية سيارةً واحدة).
النمور لم تنجح إلا لأنها لم تستسلم
لمفعول قوى السوق، والحرية الاقتصادية.
متفرج ١ :
كما أنها ضحت بعديد من الأجيال،
لا جيلٍ واحد كما ألفتم انتقاد التجارب الاشتراكية.
فالمناطق الحرة التي أقامتها لتجهيز الصادرات
نجحت في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية،
بسبب المزايا التي قدمتها؛
عمالة منخفضة الأجر تضم الإناث والأطفال،
سبعة أيام عمل في الأسبوع،
حرمان من العطلات،
ومن حق التنظيم والإضراب،
ومن حدٍّ أدنى للأجور،
ومن حد الثماني ساعات عمل،
من التأمينات والمعاشات
والخدمات الصحية والتعليمية؛
مما جعل الفرد في ذعرٍ دائم.
أهذا هو ما تريدونه لنا؟
متفرج ۲ :
الواحد منا يستيقظ في الصباح على منبهٍ ياباني.
ويغسل وجهه بصابونٍ فرنسي،
ثم يحلق ذقنه بفرشاةٍ صينية وماكينةٍ إنجليزية،
ويغسل أسنانه بمعجونٍ أمريكي،
ثم يتناول إفطارًا من جبنٍ دمياطي صنع في الدنمارك،
ويشرب شايًا هنديًّا أو سيلانيًّا،
بعد أن يضيف إليه لبنًا جافًّا من فرنسا أو سويسرا،
ثم يرتدي ملابس بسيطة؛ قميص أو بنطلون على المودة القادمة، مع الرخصة، من فرنسا أو إيطاليا.
وفي العمل يرتقي مصعدًا بلجيکيًّا،
ويشرب فنجان قهوة برازيليًّا أو سفن أب وكوكاكولا مع سيجارة مارلبورو أو روثمان،
بعد أن يشغل التكييف التايواني أو الياباني،
ويتحدث في تليفونٍ سویدي.
ثم يبدأ العمل، مستخدمًا قلمًا فرنسيًّا أو يابانيًّا،
وورقًا فنلنديًّا،
وعند الظهر يذهب إلى الجمعية الفئوية،
لیشتري سكرًا كوبيًّا، تونةً تايلاندية،
سردينًا إسبانيًّا ورنجة هولندية.
وفي طريق العودة إلى المنزل يأخذ خبزًا مصنوعًا بدقيقٍ أمريكي،
ومنظفاتٍ فعالة بالماركة الأجنبية،
ومصباحًا بلجيكيًّا أو بولنديًّا،
ودهانًا أستراليًّا لتلميع الأحذية،
وصلصةً يونانية، وأدويةً سويسرية وإيطالية،
وتتصدع رأسه وتنخرم أذناه من نداءات للبيع أو الصلاة،
من مكبرات صوت يابانية.
ويركب الأتوبيس الألماني الصنع،
أو ميكروباصًا يابانيًّا أو أمريكيًّا
دُقَّت مساميره في العاشر من رمضان،
ثم يشتري لابنه شكولاتة سويسرية،
وعلى شاشة تليفزيون كوري،
ركبت مفاتيحه في السادس من أكتوبر،
يتفرج على فيلمٍ أميركي أو فرنسي.
وقبل أن ينام يسمع في نشرة الأخبار،
تصريحات المسئولين،
تشيد بالصناعة المصرية،
والانطلاقة الإنتاجية.
عروسة صفراء ١ :
الغباء هو الذي يشكك في أربح صفقة
نُقايض بها ما لدينا؛
الموقع الجغرافي،
العمالة الرخيصة والسوق الواسعة،
بالمستقبل.
متفرج ٣ :
أنتم فعلًا تقايضون ما لدينا،
بالمستقبل.
عروسة صفراء ٢ :
الأعمى هو الذي يعجز عن الرؤية؛
فالعالم الآن أصبح سوقًا تصديريةً كبيرة،
وستؤدي عملية السلام إلى ازدياد الاستثمار في المنطقة،
وتوسيع السوق الشرق أوسطية،
وزيادة الاندماج بين دولها،
بحيث تتشارك في الموارد المتاحة.
متفرج ١ :
أموال الخليج ونفطه،
مياه النيل والأردن واليرموك،
والفرات والليطاني،
وكهرباء السد العالي.
عمالة مصر وفلسطين التعيسة.
متفرج ٢ :
وتتولى إسرائيل المقاولة والسمسرة،
في مشروعات متكاملة،
تقودها أمريكا،
تعتمد على الموارد المتوافرة،
من أموال ونفط ومياه وكهرباء،
وعمالةٍ تعيسة.
متفرج ٣ :
إن لم تعجبنا هذه السوق، أمامنا واحدة غيرها،
تضم البلاد المطلة على البحر المتوسط،
جاهزة هي الأخرى،
لاستغلال النفط والمياه والكهرباء؛
والعمالة التعيسة،
بقيادة فرنسا وألمانيا،
وقاعدتها إسرائيل أيضًا.
متفرج ١ :
تحضرني حكاية تناسب المقام،
بطلاها اثنان من بلدياتنا،
أحدهما بحراوي والثاني كما هو متوقع، صعيدي،
قادهما البحث عن الرزق إلى الأدغال الأفريقية،
وإلى الوقوع في أسر قبيلةٍ متوحشة،
وكان رئيس القبيلة لطيفًا للغاية.
فقد خيرهما بين مصيرَين؛
إما «هونجا» وإما «قتلى».
ومن إشارات يديه أدرك الاثنان المقصود بكلمة «هونجا»
على الفور أعلن الصعيدي، الذي يعتز بالشرف أكثر من الحياة،
أنه يريد أن يكون من القتلى.
وكانت للبحراوي وجهة نظر أخرى.
بعد قليل من التدبر، قال:
هونجا.
تأملهما رئيس القبيلة طويلًا ثم أصدر أمره لأتباعه:
الاثنان هونجا حتى القتل!
عروسة أمريكية :
الجحود الذي تُبدونه لا حدود له،
فأنتم تنتقدون وتتمهزءون،
ولا يعجبكم العجب.
بينما تتوالدون كالأرانب؛
مما يقضي على كل فرصة في التنمية.
متفرج ٢ :
هذه هي نمرتكم الكبرى!
ولحسن الحظ أن شاهدًا من أهله قد شهد.
يقول أحد مسئولي وكالتكم التنموية:
«إن استمرار الانفجار السكاني سيؤدي إلى ثورات،
وبدون أن نحاول معاونة بلدان العالم الثالث في تحديد النسل،
ستثور شعوب العالم ضد الوجود التجاري الأميركي.»
هكذا بوضوح، ودون لف أو دوران.
رغم أن المنظمات التابعة للأمم المتحدة أكدت أكثر من مرة،
أن العالم لا يشكو من نقص الغذاء،
بقدر ما يعاني من سوء توزيعه.
وأنه قد يواجه كارثة إذا تقلَّص نموه السكاني؛
لأن الموارد الطبيعية لم تستغل حتى الآن بشكلٍ كافٍ.
متفرج ٣ :
في عام ١٩٨٤ تكدس في أوروبا الغربية فائض من المواد الغذائية
يكفي لملء مليون عربة،
فوق خطٍّ حديدي طوله ١٥ ألف كيلومتر.
وبدلًا من توزيع هذا الفائض على الأطفال النافقين،
في تشاد والصومال وإثيوبيا وبنجلاديش،
جرى سحق الفواكه والخضراوات بالجرارات،
وأتلفت الحبوب بالمواد الكيماوية.
متفرج ١ :
ما يشغل خبراءكم هو المحافظة على مستوى معيشة الغرب.
الفرد الأمريكي يستهلك من المواد الغذائية قدر ما يستهلكه ٥٠٠ هندي.
وسكان الولايات المتحدة يستهلكون ثلث النفط العالمي،
وربع الحبوب ونصف الفوسفات،
مع أنهم لا يزيدون عن ستة بالمائة من مجموع سكان الأرض.
عروسة صفراء ٣ :
هناك الكثير من المبالغات والمغالطات،
فيما قيل هنا.
وأخطاء فادحة أيضًا.
فأنا وزملائي من رجال الأعمال المصريين الأمريكيين،
كنا نتصور أن يجري تكريمنا لا التشهير بنا.
فرغم أن أغلبنا خضعوا للتأميم في السابق،
وهاجروا منذ ثلاثين عامًا،
فإننا لم نحمل أي غضاضة،
وهرعنا جميعًا للاستثمار في مصر،
عندما أصبحت الفرصة مواتية؛
ذلك أننا نحبها، أي مصر، من أعماق القلب.
وإني أنتهز هذه الفرصة لأستحثَّ
كل رجال الأعمال المصريين في الخارج على العودة.
ففضلًا عن الارتباط القومي والعاطفي،
فإن العائد المالي مُغرٍ، لا يقل عن عشرين بالمائة
(بينما لا يزيد في أوروبا وأمريكا عن ثلاثة بالمائة)،
وذلك بفضل المناخ الاقتصادي والسوق المفتوحة على البهلي.
عروسة صفراء ٤ :
كلام مضبوط جرَّبته.
كان الأمر ميسرًا للغاية،
لم يتطلب سوى عدة ملايين من الجنيهات لا الدولارات،
تقاسمها بعض الوزراء ورؤساء القطاع العام،
وكبار الصحفيين، دون أن أنسى الشاشة الصغيرة.
ولذلك أمكنني أن أستولي على محصول القطن،
وعندما تحقق له أحسن سعر في بورصات العالم،
قمت بتصديره.
ولأني أحب مصر،
وأشفق على أبنائها وعمالها،
رتبت في نفس الوقت الأمر،
فاستوردت لهم قطن أمريكا الرخيص.
صحيح أنه لا يصلح لمغازلنا فانهارت وأغلق أغلبها.
لكن ثمن التكنولوجيا ليس بخسًا،
ولا توجد جراحة بدون ألم.
عروسة صفراء ٥ :
وأنا قمت عن طريق شبكة الأقمار الصناعية،
ولصالح شركةٍ أمريكية،
بعمل مسح للأراضي المصرية،
يمكنها من التنبؤ بكمية المحاصيل قبل الحصاد بمدةٍ كافية.
وبذلك يمكن تحديد مساحات التخزين،
وسياسات التسعير والتمويل،
أي السيطرة على الوضع الزراعي.
عروسة صفراء ٦ :
أنا عبقريٌّ آخر،
مصريٌّ أميركي أو أميركيٌّ مصري،
كما تشاءون.
كل نبضة من نبضات قلبي تنادي بحب بلدي،
مصر يعني.
متفرج ۲ : تاني!
عروسة صفراء ٦ :
حاربت مرتين وكنت ضابطًا مقاتلًا في حرب أكتوبر العظيمة.
وعندما أغرقت السيول ذخيرة الجيش الثالث،
كنت أنا الذي قمت بإصلاحها في مواقعها.
وبعد الحرب قمت بمفردي بإطالة أعمار صواريخ سام،
عندما قطع عنا الروس الملاعين صواريخ الدفاع الجوي.
قدمت لمصر خلاصة فكري.
ثم هاجرت إلى أمريكا،
وأعطيتها هي الأخرى خلاصة فكري.
أنا الذي قمت باختراع نظام «الدفع الآلي» للجيش الأمريكي،
واخترعت لهم نظام الدفع الهيدرومغناطيسي لحرب الكواكب.
وقمت بحل مشاكل صاروخ الهاربون للبحرية الأمريكية،
ومشكلة تذبذب الضغط في محرك مكوك الفضاء،
وقدمت لهم مشروعًا قالوا إنه سيحدث طفرة في التكنولوجيا.
فيحق لبلادي أن تفخر بي.
متفرج ٣ :
كان لدينا الكثيرون من أمثالك غداة حرب أكتوبر،
عشرات الألوف من الشباب المؤهَّل لاستيعاب التكنولوجيا.
كنا في حاجة إليهم لنبني ونعمر،
فدفعوهم إلى الهجرة،
ليخلو لهم الجو ويحلو السهر.
لكن لكل عملة — كما لعلك تدرك — وجهان.
فأنت بالتأكيد تعرف قصة الجسر الجوي الذي أمدَّ إسرائيل بالدبابات،
في أحرج لحظات الحرب،
وبالأعداد التي قتلها السلاح الأميركي.
فضلًا عن المساعدات المالية والمساعدات الأخرى،
التي قدمتها بلادك؛ أمريكا
لشراذم الأمم،
فمكنتهم من اغتصاب أرض ودولة.
فعلًا، يحق لبلادك أن تفخر بك.
متفرج ١ :
العباقرة الأمريكومصريون أو المصرأمريكيون كثيرون،
وأغلبهم يعيشون بين ظهرانينا،
ودون أن يحملوا الجنسية المبجَّلة،
تفانوا في خدمة وطنهم الأعلى،
وفي إجراء البحوث المشتركة.
عروسة صفراء ٧ :
لا أنكر أني، فضلًا عن مهامَّ أخرى،
لم يحن وقت الكشف عنها،
أشرفت على إجراء أكثر من مائتي بحث،
عن الزواج والزار، هجرة العقول والانتخابات،
العمالة، مصادر الطاقة والمياه،
الصحة، توزيع الدخل ومعوقات الإنتاج،
القوى السياسية، الجماعات الإسلامية والقبطية،
الذوق العام، تحديد النسل، تجديد شبكات الطرق،
كل شيء يعني،
بواسطة باحثين لا مبالين من الشباب،
كانوا في حاجة إلى أكل العيش على كل حال،
متفرج ٢ :
فساعدت سادتك، من بدري،
على تحديد اتجاهات الاستثمار،
وإعادة صياغة أنماط الاستهلاك،
والسيطرة على السوق،
وفرض الشروط.
عروسة صفراء ٨ :
أنا أسافر كثيرًا بحكم عملي الصحفي،
ودائمًا في معية الرئيس،
وفي كل مرة أزداد اقتناعًا بأمر هام؛
أننا نستطيع أن نخلق لأنفسنا ما نتمناه،
من حياةٍ كريمة ومجتمعٍ راقٍ،
لو بذلنا مزيدًا من العرق والجهد.
متفرج ٣ :
ليس ثمة شك فيما تبذل من جهد وعرق،
فأنت تسافر على الأقل مرةً كل شهر،
وتستغرق كل سفرة قرابة عشرة أيام.
صحيح أنك تتقاضي بدل سفر لا يقل عن ألف دولار في اليوم،
أي ما لا يقل عن عشرة آلاف دولار في الشهر،
وتحصل على نصيبك من عائد الإعلانات التي تنشرها الصحيفة،
وعمولات على آلات الطباعة التي تستوردها،
والمباني التي تقيمها باسمها،
فضلًا عن المنافع الأخرى التي لا تُعدُّ ولا تُحصى،
ولا تُقدَّر بثمن،
لكن هذا كله لا يقارن بما تبذله — حقًّا —
من جهد وعرق.
عروسة صفراء ٩ :
أنا قمت بواجبي على الوجه الأكمل،
مع آخر طلقة في حرب أكتوبر العظيمة.
كانت مهمتي هي التوعية وإعادة التثقيف،
واتبعت في ذلك ما نصح به ذوو الخبرة من الأمريكان.
استلمناهم من لحظة الصحيان:
أكاذيب تدعمها حقائق،
مشروعات وإنجازات على الورق،
مهرجانات دائمة،
إعلانات ملوَّنة،
أذان يخرم الآذان،
ومسلسلات حتى الفجر،
إلى أن دوَّخناهم.
لو سألتم أحدهم الآن عما حدث في ٥٦ أو ٦٧،
سيحتاج بعض الوقت كي يتذكر.
البعض لم يعد يعرف حتى اسمه.
متفرج ١ :
جئتم من أسفل الدرك،
بعطش لا يرتوي للنعيم والسلطة.
تقربتم من الحكام،
بمسح الجوخ والقوادة أو النسب،
بكتابة التقارير، وشهادات الدكتوراه،
التحليلات الإشكالية والشكلانية،
الاشتراكية المخصوصة والقومية العربية،
الأقنعة السبعة والأزمنة المتغيرة،
المسيرة والمعركة،
الحداثة وما بعدها،
والشرق أوسطية.
وتنقلتم على أبواب السفارات:
الليبية والعراقية،
وعندما تحوَّل الميزان،
الكويتية والسعودية،
مرورًا بمنظمة التحرير.
تذهبون في الصباح معطَّرين مهندمين لمكاتبَ مكيفة،
بعيون حمراء من السهر،
حيث تتفننون في التعليق والتزويق،
التفسير والتحليل،
التبرير، والإشادة،
ولعق المؤخرات.
عروسة صفراء بعمامة :
كنت معتكفًا عندما جاءوا بي إلى هنا،
منصرفًا إلى هداية واحد من الجان
وإدخاله الإسلام.
متفرج ٢ :
صفحتك مشرفة في الهداية،
تشهد بها الممثلات والجنيات.
ومع ذلك فاتك بعض الجهد،
لهداية شياطين الإنسان،
ليكفُّوا عن قتل المسلمين في فلسطين ولبنان،
ويتنازلوا عن بعض الديون، والشروط.
عروسة صفراء بلحية وملابسَ باكستانية :
بسم الله الرحمن الرحيم،
والصلاة والسلام على سيد المرسلين.
الشرع شرع الله،
ولا حكم إلا لله وبكتاب الله.
قال تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ.
صدق الله العظيم.
متفرج ۳ :
تسعون في المائة من الشرع الذي تتحدثون عنه،
قوانين استنَّها بشر،
وصايا مؤقتة مرتبطة بأحداث وقعت للرسول وأتباعه.
يمكننا أن نهتدي بها،
لكن يجب أيضًا أن نستخدم عقولنا،
التي وهبنا الله إياها.
متفرج ١ :
القرآن الكريم حمَّال أوجه،
فبأي وجه تحكمون،
إن كنتم تعلمون؟
متفرج ٢ :
بينما هم ينتجون ويبتكرون ويرحلون في الفضاء،
ويرسمون خريطةً جديدة المنطقة،
تمكنهم من نهب الثروات العربية،
تنشغلون وتشغلوننا بالحجاب والنقاب،
عذاب القبر،
وألوان الخرافات،
والجهة التي يجب أن نأتي بها الطعام في الصحاف،
وهل يجوز للأم المبيت مع أولادها بملابس النوم،
وهل من الحرام أن يجلس الرجل في مكان احتلته امرأة قبله،
وأن يتعامل الأب مع ابنته البالغة،
أم يجب ألا يجلس معها وألا يتحدث إليها إلا من خلال أمها؟
متفرج ٣ :
مهووسون أنتم بجسد المرأة،
شأنكم شأن أبناء الشيطان الأكبر.
هوليود الفاجرة عرَّته،
وأنتم تسدلون عليه الحجب،
وفي عظاتكم تزعمون:
«يكون للرجل في الجنة سبعمائة زوجة.»
متفرج ١ :
ألم يأتكم تنزيل العزيز الحكيم:
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا؟
وإنه وحده هو المالك،
وليس للإنسان حق التصرف
بالتبديد والتدمير،
أو الجمع والتكنيز؟
متفرج ٢ :
هل بلغكم قول الرسول الكريم،
عليه الصلاة والسلام:
«الناس شركاء في ثلاث،
الماء والكلأ والنار؟»
متفرج ٣ :
حقًّا، قبل أن تقتلوا وتدمروا وتعتدوا،
قولوا لنا أولا: لمن الأرض والمعادن،
المصانع والمزارع؟
للمرتشين والمضاربين،
أو الاكتنازيين،
أم لله وعباده المؤمنين،
للعاملين والكادحين
بحق،
وعابري السبيل؟
متفرج ١ :
نواياكم طيبة بلا شك،
أفزعكم حال الوطن،
نساء يغيرن لون البشرة،
وأولاد يَعْوجون الألسنة.
مخدرات على النواصي.
شباب لا يشغله غير البحث عن العمولة،
إعلامٌ كاذب ومخادع،
وحكامٌ ضالعون مع الأجنبي،
يزدادون ثراءً وانحلالًا،
ينهبون الفقراء،
ويضحكون على ذقونهم.
متفرج ٢ :
أرعبكم حال العالم،
أقلية لا تتعدى الخمس،
تستهلك ثمانين بالمائة من الموارد الطبيعية،
وتسيطر عليها.
و٣٥٠ شخصًا فقط،
يستحوذون على قسط من الثروة،
يماثل ما لدى مليارين من البشر.
متفرج ٣ :
رءوس أموال ترتع كالوحوش،
تتسابق بلهفة وشراهة،
على تقسيم الموارد والأسواق،
دون أن تضيف شيئًا إلى الحياة.
تبيع الحاجيات القديمة لزبائنَ جدد،
وتخلق حاجياتٍ جديدة عند الزبائن القدامى.
متفرج ١ :
وبهدف الحصول على أكبر سيولةٍ نقدية،
في أسرع وقت،
وأعلى ربح بأي ثمن،
لا تتورع عن نشر الدمار والحروب والمخدرات.
متفرج ٢ :
وممثلوها في اجتماعات القمم الدولية،
يصيحون بسخرية:
يا عمال العالم،
بدلًا من أن تتحدوا،
تنافسوا
في خدمتنا!
متفرج ٢ :
في حضارة الرأسمالية،
يتم تسميم الأرض والماء والهواء،
لكي تنتج أموالًا أكثر.
متفرج ٣ :
ويجرى الترويج بحماس لقيمة التملك،
بحيث أصبح الناس عبيدًا للأشياء لا سادة لها.
متفرج ١ :
أصبح حق الملكية،
أهم من حق الحياة،
وقيمة البشر،
أقل من قيمة الأشياء.
متفرج ٢ :
وتدنَّت الحياة اليومية إلى أسفل درجات المهانة،
بينما الناس مخدَّرون باحتياجاتٍ اصطناعية،
أنستهم احتياجاتهم الحقيقية.
متفرج ٣ :
سرقت منهم أرواحهم،
وحُوِّلوا إلى كائناتٍ متوحشةٍ أنانية،
لا يشغلها في الحياة،
غير القتال من أجل مجرد البقاء.
جماعة العرائس :
كل هذا جميل.
ونصدقكم القول إننا حقًّا سعداء،
بأن أتحنا لكم الفرصة،
کي تُخرِجوا ما في صدوركم.
ولعلكم تكونون الآن قد استرحتم.
جماعة المتفرجين :
حرمتمونا من طعامٍ صحي،
مياهٍ نقية نشربها،
مستشفًى حقيقي،
مسكنٍ ملائم،
هواءٍ نقي نستنشقه،
رصيف نمشي فوقه،
وسيلة انتقال آدمية،
حديقةٍ خضراء وزهورٍ يانعة،
من فرصة التريض والتنزه،
من البهجة والفرح،
من الطمأنينة
والسعادة.
فماذا تنتظرون؟

فترة صمت. يخفت نور الكشافَين تدريجيًّا. يخطو الدكتور رمزي إلى مقدمة المسرح.

د. رمزي :
في بورسعيد،
التي جئنا منها بفكرة هذا العرض،
يستمر الأهالي في التشهير بالتماثيل،
إلى أن ينتصف الليل،
وعندئذٍ يشعلون فيها النار،
وهم يزغردون.
وتظل النار مشتعلةً حتى تشرق الشمس.
فيتوجهون إلى البحر،
ليغتسلوا من أثر الحريق،
ويبدءوا يومًا جديدًا.
بعد أن فشُّوا غلَّهم.

يتلاشى نور الكشافَين تدريجيًّا. يتناول الدكتور رمزي علبة ثقاب من جيبه ويشرع في إشعال مجموعة من أوراق الصحف. ينهض المأمور والضباط واقفَين في ارتباك. هرج ومرج. تنقلب مائدة العرائس.

الحراس ينفخون صفاراتهم. يعود الضوء المبهر. يشير المأمور إلى الدكتور رمزي هاتفًا:

– أمسكوه.

يهرع الحراس إلى الدكتور رمزي فيقيدون ساعدَيه ويقتادونه إلى الخارج.

يجمع المسجونون بطاطينهم ويتجهون إلى زنازينهم. ترتفع من بينهم أصواتٌ ضاحكة: هونجا حتى القتلى!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤