الأنف
وذات يوم أقبلت أزورا من نزهتها غاضبة ثائرة صاخبة، قال لها: «ما بك يا زوجي العزيزة؟ وما عسى أن يخرجك من طورك إلى هذا الحد؟» قالت: «وا حسرتاه! لو رأيت المنظر الذي رأيته لهاجك ما يهيجني من الغضب؛ لقد ذهبت أعزِّي الأرملة الشابة خسرو التي أقامت منذ يومين اثنين قبرًا لزوجها الشاب، وقد عاهدت الآلهة أثناء حزنها على أن تُقيم على هذا القبر ما جرى ماء هذا الجدول قريبًا منه.» قال زديج: «هذه امرأة كريمة، قد أحبت زوجها حقًّا.» قالت أزورا: «آه لو عرفت ما كان يشغلها حين زرتها!» «ماذا كان يشغلها أي أزورا الحسناء؟» «كانت تحوِّل الجدول من مجراه.» ثم اندفعت في لوم طويل وهجاء عنيف حتى ضاق زديج بهذه الفضيلة المتكلفة.
وكان له صديق اسمه كادور، وكان من بين هؤلاء الشبَّان الذين كانت أزورا تؤثرهم لأنهم على حظٍّ عظيم من الأمانة والكفاية، فأظهره على جلية أمره، واستوثق من وفائه بما أهدى إليه من هدايا قيمة، ومضت أزورا لتنفق عند إحدى صديقاتها في الريف يومين، ثم عادت في اليوم الثالث إلى دارها، وهنالك أعلن إليها الخدم وهم ينتحبون أن زوجها قد مات فجأة من ليلته تلك، وأنهم لم يجرءوا على أن يحملوا إليها نبأ الفاجعة حين كانت تستجم، وأنهم قد فرغوا الآن من دفن زديج في قبر أسرته هناك في طرف الحديقة، فأجهشت بالبكاء وانتزعت شعرها، وأقسمت لتقضين على نفسها بالموت، فلمَّا كان المساء استأذنها كادور في أن يَتَحَدَّث إليها فبكيا معًا، فلما كان الغد بكيا أقلَّ مما بكيا أمس، وجلسا معًا إلى الغداء، وأسرَّ إليها كادور أنَّ صديقه أوصى إليه بمعظم ثروته، ثم لمح لها بأنَّه يرى السعادة في أن يُقاسمها ثروته، هنالك بكت السيدة ثم غضبت، ثم لانت، وكان العشاء أطول من الغداء، وكان الحديث أدنى إلى الثقة، وأثنت أزورا على الفقيد، ولكنها اعترفت بأنه لم يخلُ من بعض العيوب التي برئ منها كادور.
ثم أخذت موسى ومضت إلى قبر زوجها فسقته بدمعها، ثم دنت تريد أن تجدع أنف زديج الذي رأته مُستلقيًا في قبره، هنالك ينهض زديج حاميًا أنفه بإحدى يديه رادًّا الموسى باليد الأخرى قائلًا: «سيدتي، لا تلومي الأرملة خسرو، فالتفكير في جدع أنفي كالتفكير في تحويل الجدول عن مجراه.»