المرضُ النفسي بقناعٍ ديني
أحيانًا يتخذُ المرضُ النفسي شكلَ تديُّن، أو
يتحوَّل التديُّنُ إلى غطاءٍ لبعض الأمراض
النفسية التي تتخذ من هذا النوع من التديُّن
قناعًا لها. ويمكن تشخيصُ سلوكيات مصابين
بأمراضٍ نفسية يتخذون من التديُّن العنيف
والمتشدِّد والمتنطِّع والمُغالي أقنعةً
يتلفَّعون بها، وتظهر تعبيراتُ هذه الأمراض
النفسية بأشكالٍ متنوِّعة، نقرؤها أحيانًا في
اللغةِ وأساليبِ التعبير المقعَّرة، ونسمَعها
في الصوتِ الذي قد يتمثَّل في نغمة تخدش السمع،
أو نراها على شكلِ تعبيراتٍ في الوجه تُثير
القرف، أو حركاتٍ منفِّرة في لغة الجسد، أو
أشكالٍ عنيفةٍ في التعامل مع الآخر.
قد يكون الشخصُ مصابًا بوسواسٍ قهري،
١ فتظهر لديه حالاتُ مبالغةٍ في
الاحتياطات الفقهية في كلِّ شيء، وإغراقٌ في
تكرارٍ مملٍّ للوضوء، والصلاة، ومناسك الحج،
وغيرِ ذلك من العبادات. وربما يكون الشخصُ
مصابًا بشيزوفرينيا حادَّة فيظهر ذلك المرضُ في
تديُّنه، ويصير التديُّنُ غطاءً لسلوكه
العدواني. أو يكون ساديًّا فيتلذَّذ بذبح
البشر. وربما يكون مازوشيا فيتلذَّذ بتعذيب
جسده بممارسات تعنِّف الجسد، أو يتفجَّر مخزونُ
الكبت المتراكم لديه فيرتدُّ بشكلٍ عنيف ضدَّ
جسده، أو يكون المتديِّنُ مصابًا باكتئابٍ
شديد، فتراهُ كمن يقيمُ في كابوسِ حزنٍ مزمن،
وتنعكس بعضُ أعراض اكتئابه في عباداته، وفي
مختلف أشكال سلوكه وأساليب تعامله مع الناس.
وغير ذلك من الأمراض النفسية المختلفة التي
تتخذُ من التديُّن قناعًا تختفي خلفه.
وربما يتحول هذا التديُّن إلى غطاءٍ لبعض
الأمراض الأخلاقية، علمًا بأن هناك صلةً عضويةً
بين بعض الأمراض النفسية والأخلاقية، لكن
الأمراضَ الأخلاقيةَ أشدُّ فتكًا في المجتمع من
الأمراض النفسية والجسدية، والعدوى فيها تشبه
أحيانًا عدوى الأمراض الجسدية المعدية، وتشتدُّ
هذه العدوى إنْ سقط بعضُ الشباب ضحايا في أحضان
معلِّم يغطِّي تديُّنُه الشكلي مرضَه الأخلاقي.
أعرف شبابًا مهذَّبين أمسَوا من ذوي العاهات
الأخلاقية عندما تلمذوا على معلِّمين مصابين
بأمراضٍ أخلاقيَّة حادَّة.
تزداد الأمراضُ النفسية في بلادنا مع ازدياد
التشدد والتطرف والعنف؛ ففي وطننا العراق
مثلًا: «أكَّدت منظمةُ الصحة العالمية أن ستة
ملايين عراقي مصابون بأمراضٍ نفسية جرَّاء
الحرب، ويعاني العراقيون أمراضًا نفسية، معظمها
نتيجة الحروب وسنوات الاقتتال الطائفي البغيضة
ومشاهد العنف المرعبة، وضلوع المرضى في أحداث
ولَّدَت لديهم حالات، يرفض كثيرون منهم
الاعتراف بوجودها، ويعزفون عن معالجتها بسبب
ثقافة العيب، إلا ان أغلب أمراضهم العقلية
والنفسية ناجمة من تأثيرات الحروب؛ فقد أشارت
نتائج إحصاءٍ علمي أُجري للأمراض النفسية في
العراق عام ٢٠٠٦م، بالتعاون مع منظمة الصحة
العالمية، إلى أن نسبة الأمراض النفسية في
البلاد بلغَت ١٨٫٦ بالمائة، فإذا احتسبنا عدد
نفوس العراقيين ٣٢ مليونًا ذلك الوقت فإن نسبة
المصابين بالأمراض النفسيه ستة ملايين، ولو
أخذنا المصابين منهم بفِصام العقل، وهم حسب
النسب العالمية ٨٥ بالمائة، فسيكون رقمًا
مفزِعًا «ثلاثمائة ألف مريضٍ مصاب بفِصام
العقل». هذا فضلًا عن أن ما لا يقل عن ٤٠٪ من
المراجعين للمستشفيات والمراكز الصحية
والعيادات الخاصة هم بالأساس يعانون من مرضٍ
نفسي لا يرغبون بالبَوْح به، أو يظهر على شكل
أعراضٍ جسمانية متعددة.»
٢ ويقول الأخصائي بعلم النفس فوزي
الحديثي: «إن العراق بحاجة إلى مراكز طبية
نفسية كثيرة، بسبب ارتفاع عدد المصابين بحالات
الاكتئاب بنسبة ٤٥ في المائة.»
٣ وتشير منظمة الصحة العالمية، كما
هو منشور على موقعها الإلكتروني، إلى أن عدد
المصابين بالاكتئاب يبلغ ٢٦٤ مليون مصابٍ
باضراب الثنائي القطب و٢٠ مليون مصابٍ بالفصام،
وينتحر سنويًّا من ٨٠٠ ألف إلى مليون إنسان،
ويُعتبر الانتحار ثالث سبب للوفاة للأعمار من
١٥–٢٩ سنة. ويبلغ عدد المنتحرين ٦٢ ألف شاب.
تمثِّل الاضطرابات النفسية ١٦٪ من النوع
المَرَضي للشباب بين عمر العاشرة والتاسعة
عشرة، ويُعتبر الاكتئاب السبب الرابع للمرض
للأعمار بين ١٥–١٩، والقلق تاسعًا، واضطرابات
السلوك في المرتبة الحادية عشرة.
٤ وفي مسح أجرته منظمة الصحة
العالمية عام ٢٠١٦م لطلبة الكليات
٥ اتضح بأن ١١٫٧٪ يعانون من القلق،
و٦٪ كآبة، و٢٫٨٪ اضطرابات سلوكية، و٤٫٥٪ تعاطي
مخدرات. وفي دراسات ومسوحات وطنية أُجريَت على
المراهقين في: لبنان ٢٦٪، الأردن ١٥٪، عمان
طلبة المدارس ١٧٪ اكتئاب، السعودية ٤١٪. ونشر
المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية عام
٢٠١١م دراسة لمدى انتشار الأمراض النفسية في
إقليم المتوسط وكما يلي: مصر ١٩٫٦٪، إيران ٢١٪،
العراق ١٨٫٨٪، لبنان ١٦٫٩٪، الإمارات ٨٫٢٪،
العراق تترواح بين ١٧٫١ إلى ٣٣٪ في مختلف
محافظات العراق في دراساتٍ محلية.
٦