(٦) الاستبدادُ يُجهِضُ تشكُّلَ مفهوم الفرد
الاستبدادُ بنيةٌ نفسيةٌ واجتماعيةٌ وثقافيةٌ ودينيةٌ واقتصاديةٌ وسياسيةٌ عميقة، تظهر آثارُها النفسية والسلوكية على كلِّ إنسانٍ في المجتمع. الاستبدادُ كالسرطان الذي يتفشَّى في الجسم البشري؛ فلو انتشرَت خليةٌ منه تفتك بكلِّ ما تصل إليه. سلطةُ الاستبدادِ نسيجٌ اجتماعي معقدٌ، تعملُ كلُّ مؤسسات الدولة على توليدها، ويوظِّف المستبدُّ بخبث أفرادَ المجتمع لحياكة سلطته، كلٌّ حسب مهنته ومهارته وطاقته.
الاستبدادُ بنيةٌ لاشعوريَّةٌ تحتية صُلبة في شخصية الفرد والمجتمع، نرى آثارَها في: العائلة، والمدرسة، والمجتمع، والدين، والثقافة، والاقتصاد، والإدارة، ومختلف مؤسسات الدولة. الاستبدادُ عدوُّ الفردية، لا يعرفُ الاستبدادُ معنًى للحقِّ في الاختلاف، ولا يعرفُ معنًى للحقِّ في الخطأ، ولا يعرفُ معنًى للحقِّ في الاعتراف بالخطأ، ولا يعرفُ معنًى للاعتذار عن الخطأ، ولا يعرفُ معنًى للغُفران.
الاستبداد يعني الاستعباد، الاستعباد يعني رضوخَ الفرد وتنازُلَه بالإكراه عن حقوقه وحرياته ومسئوليته وكرامته. جوهر إنسانية الإنسان كرامته، مَنْ لا كرامة له لا حرية له، مَنْ لا حرية له لا يكون مسئولًا عن نفسه، فضلًا عن أن يكون مسئولًا عن غيره.
الاستبداد عدُوُّ الحرية، الحرية شرط التفكير الخلَّاق والتعبير والكتابة المختلفة؛ لذلك يُصاب التفكير في النظام المستبدُّ بالشلل. عندما تُستلَب الحرية تُستلَب ثقة الإنسان بنفسه، ويعجز عن التعبير عن ذاته، والإعلان عن أية حقيقة لا تتطابق مع ما هو شائع ومألوف.
النظام المستبدُّ يَبْتني على التخويف وصناعة الذعر وعدم التردُّد في البطش حتى على المواقف الهامشية؛ لذلك يُطارَد الإنسان على الكلمة، وعلى الهَفْوة، وعلى المِزْحة، وعلى كل شيء يمكن تفسيره بنواياه المناهِضة للمستبد. التخويفُ المستمرُّ إحدى وسائل الاستبداد في استعباد البشر، الإنسانُ الخائف يفشل في التساؤل الخلَّاق، أو إبداع فكرةٍ مختلفة لا تكرِّر السائد المتشابه. لا يستطيع الإنسانُ الذي يعيش في النظام المستبدِّ أن يفكِّر أو يعبِّر عن نفسه أو يكتب ما يريد، إن كان يُمكِن تفسير ذلك بأنه ضد السلطة.
المستبدُّ خبيثٌ يبتكر أدواتِ رقابةٍ متنوِّعة، ويتفَّنن في التلصُّص على الحياة الخاصة للناس، وتُمارِس أجهزته الدعائية ووسائل إعلامه المختلفة أساليبَ متنوِّعة للإيحاء للناس أنه حاضر معهم، يُشعِرهم أنه يراهم من حيث لا يرونه، ويطَّلع على كل تفاصيل حياتهم من حيث لا يشعُرون به، ويتلصَّص عليهم من حيث لا يعلَمون، إلى الحد الذي تتحول أشباحُه المخيفة إلى كابوسٍ أسود يسكُن مخيال الفرد، ولا تدَع له أي هامشٍ للتفكير أو التعبير أو الفعل خارج أغلالها الكئيبة، وما تثيره من توجُّس مباغتات أجهزته القمعية وتغييبه في سجونها المرعبة.
الاستبدادُ الديني والاستبدادُ السياسي
يترسَّخ الاستبداد بالتخادُم بين أكثر الوعَّاظ وبعض الفقهاء والحكَّام المستبدِّين. فقهُ الطاعة مرتبطٌ عضويًّا بالاستبداد، بعضُ الفقهاءِ يُشرعِنون للمُستبِدِّ قراراتِه ومواقفَه وسلوكَه مهما كان، وأكثر الوعَّاظ يتملَّقون المستبدَّ فيحترفون المبالغة والكذب والتهويل في تمجيد شخصه، وخلْق هالةٍ زائفة لصورته، والإعلاء من قيمةِ ما يفعله. حتى لو كان المستبدُّ بليدًا، يختلق له الواعظ ذكاءً خارقًا إلى درجة العبقرية، ويفتعل له مواهبَ استثنائية، ويصنَع له صورةً في متخيَّل الناس تصيِّره أسطورةً لا تشبه البشر.
في قاموس الاستبداد تطغى ألقابُ التعظيم
الاستبداد يتخذ من الحاكمِ المستبدِّ إلهًا؛ لذلك يكرِّس كل غاياته في التربية والتعليم والإعلام والثقافة والسياسة بُغيةَ تحقيقِ ذلك، عبْر ترويض الكائن البشري وتلقينه بشكلٍ مباشر وغيرِ مباشر عبادةَ الحاكم، التلقين على أن الحاكمَ المستبدَّ يقولُ الأصلحَ والأصوبَ على الدوام، الحاكمُ المستبدُّ لا يخطئ أبدًا، الحاكمُ المستبدُّ يستطيع فِعلَ كل شيء يريده، الحاكمُ المستبدُّ لا يعجزُ عن فِعل أي شيء، الحاكمُ المستبدُّ يعلم بكلِّ شيء من علوم الدنيا والدين، الحاكمُ المستبدُّ لا يفعل إلا ما هو خيرٌ لبلده، وما نراه من سلوكٍ مستهجَن وممارساتٍ تعسُّفية للحاكمِ المستبدِّ وانتهاكاتٍ شنيعة تُصادِر حريات الناس وحقوقهم، كلُّها تصدُر ممن يُوكل إليهم تنفيذ قراراته من مساعديه وحاشيته، وهو لا يعلم بأي شيءٍ من ذلك.
الشعبُ هو مَنْ يمتلك السلطة ويحدِّد نوعها، المشروعية يستمدُّها الحاكم من الناس، وليس من السماء أو أية جهةٍ أخرى، الحاكمُ ممثِّلُ الشعب، هو من ينصِّبه وهو من يسلبُ منه الثقة ويُطيح به، وليس هناك أيُّ شكلٍ من أشكال الاتصال بين الحاكم والسماء. أثقُ بسلطة الشعب عبْر التمثيل البرلماني، والتداوُل السلمي للسلطة، وفصل السلطات والخلاص من تمركُزها، وذلك ما يتكفَّله النظام الديمقراطي الحقيقي، وليست صورته المشوَّهة الزائفة في بلادنا. مع كل ما يظهر في النظام الديمقراطي من الأخطاء والخطايا والسيئات، غير أنه مقارنةً بغيره من أنظمةٍ ما زال أفضلَ نظامٍ يحمي كرامة الإنسان ويضمَن له حُرياتِه وأكثر حقوقه. في النظام الديمقراطي هناك محاكمُ تَردَع مَن ينتهك كرامة الناس ويُصادِر حرياتهم ويستلبُ حقوقَهم، في بلادنا حتى وإن وُجدَت مثلُ هذه المحاكم فإنها تعمل بمعاييرَ مزدوجة. يحتاج النظام الديمقراطي إلى عدالةٍ اقتصادية لضمان حياة المواطنين وتأمين متطلَّبات عيشهم الأساسية، وكبح شرَه رأس المال وتوحُّشه، بفرض ضرائبَ عادلة، ونظامٍ للأجور يحمي العمال والموظَّفين ويضمن حقوقهم.
اختراعُ العدو أيديولوجيَا كلِّ مستبدٍّ
ينشغل المستبدُّ بإنتاج الكراهيات، ويوظِّف بخبث كل مخزون الأحقاد والكراهيات الغاطسة في اللاوعي الجمعي، ويستثمر في ذلك المعتقَدات الشعبوية، والشعارات العاصفة، وكل ما يُوقِد المكبوتات التاريخية، ويغذِّي الغرائز العُدوانة، ويستنزف مشاعر الشعب بمعاركَ لفظيةٍ تتناسل وتتضخَّم وتتسع، يغذِّيها خداعٌ ومسرحياتٌ وسيناريوهاتٌ كاذبة، وغالبًا ما تبتكرها أجهزةٌ خبيرة في الدعاية والتعبئة والحروب النفسية؛ لذلك تُثير الذعر لفَرْط إتقان تمويهها وشدة إثارتها، إلى الحد الذي يشعر أكثر الناس بالتهديد الجدِّي لأوطانهم وحتى حياتهم الخاصة، وكأنها حقائقُ لا تقبل الشك، وتُوشِك كلَّ يومٍ أن تنفجر بضراوة، وتعبث بالذاكرة ثقوبٌ عديدة ينسَى بسببها الناس سيناريوهاتِ ومسرحياتِ حروبِ العدو الوشيكة، مع أنها لن تقع أبدًا.
التنكُّر للأخطاء والعجزُ عن الاعتراف أحد أهم عوامل العجز العربي والإسلامي. يسرف المستبدُّ في تغذية متخيَّل المجتمع بالتفسير التآمري، بالشكل الذي يكاد يرى الناسُ كلَّ شيء في الماضي مؤامرة، كلَّ شيء في الحاضر مؤامرة، كلَّ شيء في المستقبل محكومًا مسبقًا بأنه مؤامرة. يحرص أكثرُ المستبدِّين على إعادة كتابة تاريخ الأمة وكأنه سلسلةُ مؤامرات لا تنتهي.
التفسيرُ التآمري للأحداث والمواقف الفردية والمجتمعية قديمٌ في التاريخ البشري، لا يختص بمجتمع أو ثقافة أو ديانة، يُوجَد حيثما وُجدَت أحداثٌ مثيرة ومواقفُ غريبة، وتضخَّمَت فاعلية هذا التفسير في هذا العصر بشكلٍ شديد، وصار إحدى الظواهر المتفشِّية في الثقافة الشعبية، والأدبيات الشعبوية للجماعات الراديكالية اليسارية أممية وقومية، وانتقلَت عدوى هذا التفسير للجماعات الأصولية، وكانت الأكثر إسرافًا في استخدامه؛ لأنه يتناغم مع ما هو راسخ في البِنى اللاشعوريَّة للفِرَق والمذاهب، ما سهَّل عليها ابتكارَ صِيَغٍ جديدة لهذا التفسير، وتعميمَها بسهولة.
هناك دائمًا حاجةٌ نفسية عميقة للتفسير التآمري لدى الأفراد والمجتمعات، الإنسان كائنٌ مسكون بتقدير ذاته والإعجاب بها، وحماية صورة الذات بمختلف الوسائل، وهذا الضرب من التفسير يمثِّل حيلةً ذكية لحماية هذه الصورة من أن تتصدَّع أو تنثلم أو تتهشَّم. يصعُب جدًّا على الأفراد والمجتمعات قبولُ إخفاقاتِها وأخطائِها وفشلِها، واكتشافُ عواملها الذاتية وأسبابها الداخلية.
ليس كلُّ حدثٍ في العالم مؤامرة. لا أُنكِر وجودَ مؤامراتٍ تنفِّذها الدول والجماعات، وكلما كان الإنسان أذكى كان أكثر دهاء وكيدًا في صراعاته، وأكثر قدرة على ابتكار مختلف الخطط والأساليب والوسائل الماكرة لبلوغ أهدافه، ما يُخفيه مثل هذا أكثر مما يُظهِره، فيسعى لتحقيق غاياته عبْر مختلف الحِيَل الخادعة. كلما كانت غاياتُه أعظم وأكثر عُرْضةً للرفض والإجهاض، كان تخطيطه لها أدقَّ، فيُحاوِل دائمًا أن يسلك سُبلًا خفية أكثر من المعلَنة من أجل بلوغها، ولا يتردَّد في استخدامِ وسائلَ غيرِ مشروعة أخلاقيًّا ودينيًّا وقانونيًّا من أجل تحقيقها.
لا أنفي أن التقدمَ الذي وصلته العلومُ والمعارف والفنون والآداب، والتطورَ في الغرب الحديث، والذي لم تصله البشريةُ من قبلُ في كل تاريخها، إنما صنَعه الغربُ باستعماره لمجتمعات في الأمريكتَين وآسيا وأفريقيا. الاستعمارُ ظاهرةٌ مقيتة تستعبد الأفراد والمجتمعات، وتسطو على الثروات، وتستنزاف الموارد الأساسية للبلدان المستعمَرة. الاستعمارُ ضربٌ من خيانة الضمير الأخلاقي، والتواطؤ لاستعباد الإنسان المغلوب وتسخيره لخدمة المستعمِر. المفارقة أن الفكر السياسي الغربي توصَّل إلى أفضل صيغةٍ للفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة، وبناء الحكم والإدارة في ضوء العلوم والمعارف الحديثة، وتأسيس الدولة الديمقراطية الحديثة، وضمان حقوق المواطنين وحرياتهم، داخل حدود الدول الغربية.
كما لا أريد أن أتنكر للأشكال القديمة للاستعمار، واجتياح الإسكندر المقدوني العدواني للعالم القديم، وغيره من الحكام الغزاة، وكيف سيطرت فتوحاتُ المسلمين على مساحةٍ شاسعة من الكرة الأرضية تمتد من الأندلس إلى الصين، وما استأثرت به من ثروات ورقيق وأسواق نخاسة.
الاستبداد يترسَّخ بالترويض والتلقين والتَّكرار
في التربيةِ يكون الكائنُ البشري فاعلًا، في الترويضِ يكون الكائنُ البشري منفعلًا. التربيةُ تبتني على مسلَّمةٍ ترى كلَّ إنسانٍ نسخةً ذاتَ تميُّزٍ وفرادة، تمتلكُ طاقةً جُوَّانيةً ينبغي أن تنبعث، كي تتشكَّلَ شخصيتُه المستقلة. الترويضُ يبتني على مسلَّمةٍ ترى الناسَ أشياءَ تأخذ شكلَ القالبِ الذي تنسكب فيه؛ لذلك ينبغي أن يصير الكلُّ نسخةً واحدةً، متماثلةً ملامحُها، متشابهةً مواصفاتُها، محاكيةً خصائصُها لغيرها.
الترويضُ عمليةُ تدجين تنقضُ فلسفةَ التربية وأهدافَها في بناءِ الإنسان وتأمينِ سلامته النفسية، وتكريسِ سكينته الروحية، وإحياءِ ضميره الأخلاقي، وتحطيمِ أغلال عقله وفك قيود تفكيره. تنشُد التربيةُ إيقاظَ الطاقة الكامنة في روح وقلب وعقل هذا الكائن، فيما ينشُد الترويضُ تنميطَ شخصيته وسكبَها على شكلِ قالبٍ متحجِّر لا يتبدل.
تعمل السلطةُ في الاستبدادِ على أن تعتمد التربيةُ في العائلة والمدرسة والمجتمع التلقينَ. يشلُّ التلقينُ العقلَ ويعطِّلُ التفكيرَ، ويُطفئ الروحَ ويُميتُ الإيمانَ الحرَّ. بالتلقينِ والتكرار تظهر الأوهامُ والخرافات والأكاذيب كأنها حقائق. الحقيقةُ هي ما يُظهِره التكرارُ على أنه حقيقية، وما يحسبه الذهنُ حقيقية، وإن لم تكُن كذلك في الواقع. معظَمُ الصراعات والحروب والمجازر البشرية سبَّبَتها أوهامٌ وأكاذيبُ وسيناريوهاتٌ ومعتقَداتٌ افتعلَتْها أذهانٌ محترفة.
لا تنشُدُ التربيةُ والتعليمُ في الاستبدادِ تعليمَ التفكير، وترسيخَ مبادئ الحقِّ في الاختلاف، والحقِّ في الخطأ، والحقِّ في الاعتذار عن الخطأ، بل تنشُدُ تكريسَ الطاعةِ العمياءِ والإذعانِ والرضوخِ والعبوديةِ الطوعية، عبْر تنميطِ شخصية التلميذ، وإنتاجِ نُسخٍ بشرية متماثلة، تفتقد ملامحَها الشخصية وبصمتَها الخاصة، فيتوالد الاستبدادُ بوصفه نتيجةً طبيعيةً لكلِّ ذلك.
تشدِّد كلُّ برامج وتعليمات وقرارات المستبدِّ على ترويضِ الكائن البشري وتدجينِه على التكيُّفِ الاجتماعي بالإكراه، ويعتمد في ذلك أداتَين؛ التلقينَ الرتيب المتشابه المُمِل حدَّ القرف، والتخويفَ والعقابَ الأليم والبطشَ على أية مخالفةٍ مهما كانت صغيرة، وأحيانًا يتمادى المستبدُّ في ذلك فيُحاسِب حتى على النوايا المضمَرة.
تُهدَر في الاستبداد الكرامةُ، وبإهدارها تموت المسئوليةُ وتختفي، ويتحوَّل الكائنُ البشري إلى مسخ. يشدِّد المستبدُّ على طمسِ كلِّ أنواع الاختلاف، وإنتاجِ نُسخٍ متشابهة لكلِّ البشر، وكأن كلَّ الناس في ظاهرهم نسخةٌ واحدة تكرِّر نفسَها. العمل على تعطيل الاختلاف يُنتِج تعطيلَ الإبداع الخلَّاق والابتكار والتطور.
في المجتمعات التي يتوطَّن فيها الاستبدادُ طويلًا يتلاشَى تقديرُ الكثير من الناس للذات، ويختفي معنى الفرد. المستبدُّ يتعامل مع الكلِّ وكأنهم نسخةٌ واحدة، من دون اهتمامٍ بمكانتهم العلمية والأخلاقية والروحية. يعجزُ الشخصُ المهدور الكرامة عن تقدير قيمة الكرامة، ويتعامل مع الغَير من دون أن يهتمَّ باحترام كرامتهم ومقامهم، إلا عندما يشعُر بالخوف.
الأنظمةُ الشمولية المستبدَّة يُقلِقها استقلالُ الكائن البشري وفرديتُه؛ لأن استقلالَه وفرديتَه هو الطريق الوحيد لتقويض هذه الأنظمة. تُخيف الأنظمةَ الشموليةَ حريةُ الكائن البشري في التفكير والتعبير وإعلان رأيه واتخاذه مواقفَ مستقلة «بالاعتماد على فهمه خاصة»، كما هو شعارُ التنوير عند كانتْ. يقول جون ستيوارت: «لو اجتمع البشر كلهم على رأي، وخالفَهم في هذا الرأي فردٌ واحد، لَمَا كان من حقهم أن يُسكِتوه. وبالقَدْر نفسه فإنه ليس لهذا الفرد أن يُسكِت الناس، حتى لو امتلك القوة والسلطة أو اعتقد أن ما يراه هو الحق الكامل … إذا أسكتنا صوتًا، فربما نكون قد حجبنا الحقيقة. لعلَّ الرأي الذي نراه خاطئًا، يحمل في طياته بذور فكرةٍ صائبة أو حقيقة خَفيَت علينا … انفرادُ شخصٍ برأي لا يجعله خطأ، واتفاق الناس على رأي لا يجعله صحيحًا … إنَّ الرأي المتفَقَ عليه مثلُ الرأي الفردي، لا يصحُّ ولا يُقبَل عند العقلاء، إلا إذا خضع للتجربة والتمحيص.»
السياسةُ في الاستبدادِ إلغاءٌ للسياسة
تشيعُ في فضاءِ الاستبدادِ حياةٌ دينيةٌ مسجونةٌ بمعتقداتٍ ومفاهيمَ مغلقة، تتغلغل في الوعي واللاوعي الفردي والجمعي، وثقافةٌ دينيةٌ لا تعرف معانيَ الحرياتِ والحقوق. الإنسان الذي يعيش في نظامٍ مستبدٍّ يعيش قلِقًا خائفًا مذعورًا، وبدلًا من أن يكونَ الدينُ في حياته مُلهِمًا لطمأنينة القلب وسكينة الروح، ومصدرًا لإيقاظِ الضميِر الأخلاقي، يتحول الدينُ إلى مصدرٍ للتخويف والاكتئاب والقهر والإذعان والتركيع.
الأخلاقُ في الاستبدادِ استبداديةٌ، إنها أخلاقٌ يتوارى فيها الضميرُ الأخلاقي، بعد أن يخضعَ سلوكُ الإنسان لإكراهٍ يفرض عليه مواقفَ وسلوكًا مضادًّا يحجُب ما يُخفيه من قناعات. يشيع في الاستبدادِ النفاقُ السلوكي، الظاهرُ في شخصية الإنسان يُكذِّب الباطن، والباطنُ في الشخصية يُكذِّب الظاهر. الاستبدادُ من أخبث خطايا السلطة؛ لأنه يُفسِد كلَّ شيء يستحوذ عليه، وهو بطبيعته لا يُبْقي شيئًا في حياة الفرد والمجتمع من دون أن يستحوذَ عليه.
السياسةُ في الاستبدادِ إلغاءٌ للسياسة. السياسةُ فعلٌ مجتمعي، والاستبدادُ يختزل المجتمعَ كلَّه بفردٍ واحد، يحتكرُ كلَّ شيء بيده. يحيك المستبدُّ نسيجًا متشابكًا متشعِّبًا وعْرًا مُركَّبًا معقَّدًا للسلطة، يبدأ فيها كلُّ شيء منه وينتهي كلُّ شيء فيه، بل يختزل المستبدُّ المجتمعَ كلَّه بشخصه، بنحوٍ يُفضي فيه نحرُ المستبدِّ إلى نحرِ المجتمع.
المستبدُّ يحتكر الفضاء العام، يحتكر كلَّ شيء في شخصه، يَختصِر الدين والثقافة والقِيَم والسياسة وكلَّ شيء فيه. الاستبداد حُكمُ الفرد، يختصر هذا الفرد كلَّ شيء في حياة الناس بتفكيره ومعتقداته ورؤيته للعالَم وثقافته وقراراته، لا تفكير خارج تفكيره، لا معتقد خارج معتقداته، لا رؤية خارج رؤيته للعالَم، لا ثقافة خارج ثقافته، لا قرار خارج قراراته. للسلطة المستبدَّة بِنيةٌ هرَمية خاصة، تُنتِج نمطَ علاقاتٍ تسلُّطية في العائلة والقبيلة والحزب والجماعة والمؤسَّسة مثلما تُنتِجه هي أيضًا.
يتحول الماضي في الاستبداد إلى ماضي المستبدِّ، الحاضرُ حاضرُ المستبدِّ، المستقبُل مستقبلُ المستبدِّ، الأيامُ أيامُ المستبدِّ، الفرحُ فرحُ المستبدِّ، الحزنُ حزنُ المستبدِّ، الثقافةُ ثقافةُ المستبدِّ، الآدابُ آدابُ المستبدِّ، الفنونُ فنونُ المستبدِّ. في الاستبداد تسودُ الرتابةُ والتشابهُ، يغدو الزمنُ تكراريًّا، الحاضرُ فيه يستأنفُ أسوأَ ما في الماضي، المستقبلُ فيه يستأنفُ أسوأَ ما في الحاضر. يبدأ كلُّ شيء من حيث انتهى، ينتهي كلُّ شيء من حيث بدأ، البداياتُ تكرِّر النهاياتِ، النهاياتُ تكرِّر البداياتِ. في الاستبدادِ كلُّ شيء يتكرَّر، وتتوقَّف حركةُ التطور؛ لأن قوانينَ التطور ينفيها الزمنُ التكراري. التكرارُ يبدِّد الشغفَ في الحياة، وتندثر معه قدرةُ الكائن البشري على الخلق والإبداع. في الاستبدادِ يكون كلُّ شيء كفيلم يكرِّر نفسَه آلافَ المرات، يتوقَّف الزمنُ الشخصي، ويُمسِي الإنسان كائنًا محنَّطًا.
السياسيةُ فنُّ التسويات
يتكلم المستبدُّ كثيرًا بالسياسة والدولة والقانون والوطنية، ويشغل الناسَ بالشعارات الصاخبة، لكنه عمليًّا يعبثُ بالحياة السياسية فيهشِّمها، ويبدِّد مورادَ الوطن بحروبٍ عبثية، ويفكِّك الأسُسَ المركزية للدولة.
أذكى سياسيٍّ السياسي الواقعي الذي يمتلكُ حكمةً وبصيرةً تمكِّنه من حلِّ أزماتِ ومشكلاتِ وطنه في محيطه الإقليمي وفي علاقاته الدولية بدبلوماسيةٍ واقعية هادئة، وتجفيفِ منابع الحروب، وتحمي السلام الإقليمي والدولي، ويوظِّفُ طاقاتِ المواطنين ومواردَ الدولة في البناء والتنمية المستدامة.
السياسيةُ فنُّ التسويات، لا سياسةَ بلا تسويات، السياسي الواقعي يلتقط لحظةَ التسوية، الواقعيةُ السياسيةُ تعني البراعة في إدارة التسويات. منطقُ التسويات غائبٌ لدى المستبدِّ؛ فهو إما أن يربحَ كلَّ شيء أو أن يخسرَ كلَّ شيء. السياسةُ فنُّ إدارة التسويات، لا سياسةَ بلا تسويات. غيابُ التسويات يعني غيابَ المضمون العقلاني للسياسة. السياسيُّ الواقعي هو من يلتقط اللحظةَ المناسبةَ للتسوية. منطقُ التسويات غائبٌ لدى أغلب السياسيين في بلادنا، فهو إما أن يربحَ كلَّ شيء، أو أن يخسرَ كلَّ شيء.
السياسيةُ في الاستبداد مهنةُ من لا مهنةَ له. أما العلماءُ والخبراءُ المختصُّون في الدولةِ، والنُّظم السياسية، والإدارة، والاقتصاد، والنظام المالي، ومختلفِ العلوم والمعارف الحديثة، فلا حضورَ لهم في بناءِ الدولة وإدارتها، وإن حضَروا لا يمتلكون سلطةَ اتخاذِ قرار، ويظلُّ دَورُهم هامشيًّا يضعُهم المستبدُّ حيثما يشاء فيما يشبه الديكور لسلطته.
المستبدُّ يستثمرُ التراثَ والهُويَّاتِ العِرقية والمعتقَداتِ الدينية وكلَّ ما يرسِّخ تسلُّطه بدهاء، فيثير فزعَ الطوائف ويستعدي بعضَها ضدَّ البعض في الوطن الواحد، بإذكاءِ الضغائن والأحقادِ الراقدةِ في الذاكرة العتيقة، وتفجيرِها بصخبٍ دعائي يثير غرائزَ الثأر والانتقام، ويزجُّ الطوائفَ والإثنياتِ في نزاعاتٍ لا تنتهي، يجيِّش فيها الكلَّ في مواجهة الكلِّ.
قوةُ الدولة في عالَم اليوم تعكسها قدرتُها على: تحييد الأعداء، واكتساب الأصدقاء، واستيعابِ المتخصِّصين في مختلف العلوم والمعارف الحديثة واستثمارِ خبراتهم في التنمية الشاملة. كما تعكسها قدرتُها على: تدبيرِ الاختلاف، وإدارةِ التعدُّد، وحمايةِ التنوُّع، وحسمِ النزاعات المحلية والاقليمية بشكلٍ سلمي.
سرُّ التخلف في بلداننا يكمُن في تواصُل الاستبداد، وتمويهِه في التعبير عن نفسه بأنماطٍ وأقنعةٍ ودرجاتٍ مختلفة، الاستبداد يضرب كلَّ مفاصل الحياة ويُحدِث شَلَلًا في كلِّ المؤسسات العامة، ويُحدِث اختلالاتٍ في حياة الفرد والعائلة، تتسبَّب في خلقِ شخصيةٍ مأزومة. الاستبداد يتغلغَل في النفس البشرية ويلبَث مترسِّبًا في أعماقها، ويتغَلغَل في مختلف مرافق المجتمع، ويُعيد إنتاجَ العلاقات وكلَّ شيء على وَفْق ما يَرْمي إليه، بنحوٍ يجعل الناسَ مستعدِّين للاستعباد، ويُذْعنون للاستبداد بشكلٍ طوعي بعد موت المستبدِّ.
صعوبة تفكيك الاستبداد بعد هلاك المستبدِّ
لو هلك المستبدُّ تظل البِنية الكامنة للاستبداد راسخة، نرى آثارها في كل ما حولنا. أمطار النار التي تحرق البلاد في حياة المستبدِّ لن تختفي بعد هلاكه، ما دامت غيومُها يُوقِدها مخزون التعصُّبات والكراهيات والأحقاد التي تدجَّنَ الجمهور عليها وتَطَبَّعَ سنينَ طويلة.
إعادةُ تأهيل الإنسان هي أعظمُ وأعقدُ التحدياتِ التي تواجه النظامَ الجديدَ الذي يحكمُ المجتمعَ بعد هلاكِ المستبدِّ؛ لأن المستبدَّ يُمارِسُ إفسادًا متواصلًا لمنظوماتِ القِيمِ الأخلاقية والروحية والجمالية بكلِّ تجلياتها، ويعبثُ بكلِّ نُظمِ التربيةِ والتعليم والإدارة والمال والاقتصاد والإعلام، ويُفسِد مفاهيمَ الثقافة والآداب والفنون.
لا يمكن أن يتغير المجتمع ويتطور ما لم يتمَّ تفكيك البِنى اللاشعورية العميقة الكامنة للاستبداد، وفضْح ما يتركه من عناصرَ مميتةٍ في حياة الفرد والمجتمع. لا يزول الاستبدادُ بزوال المستبدِّ، بل بتجفيف منابعه في التربية والتعليم، ونمطِ التديُّن، والثقافة والفنون والآداب والإعلام، والعمل على تفكيكِ كلِّ ما يُنتِج الاستبداد من بِنًى عمودية ورأسية راسخة في المجتمع، وإعادة إنتاجها في سياقٍ بديل.
إن تقويض البنية التي يتركها المستبدُّ في كل مرافق حياة المجتمع والدولة يتطلب سنواتٍ طويلة، مهما كان نمط استبداده. يظل المجتمع ينوء بعبء ترسُّبات الاستبداد، يترك المستبدُّ المجتمعَ منهكًا ينزف، يلبث المجتمعُ منقسمًا على نفسه. حتى لو ذهب المستبدُّ يُمكِن أن تكون صورة النظام ديمقراطية، إلا أن مضمون هذا النظام يمكُث استبداديًّا بأقنعةٍ بديلة.
من خطايا الاستبداد أن أكثرَ من زعيم من قادة المعارضة للمستبدِّ يُصابون بأكثر عاهاته، المستبدُّ هو النموذجُ الذي يتمثَّل الزعيمُ المعارضُ شخصيتَه، ويعتنقُ معتقداتِه ويُحاكي سلوكَه من حيث لا يشعُر؛ فلو ظفِر المعارضُ بالسلطة لاحقًا يظهَر الاستبداد على سلوكه ومواقفه في صورة «استبداد مقنَّع».
في الاستبداد المقنَّع يُعيد الزعيمُ البديلُ تأهيلَ رجالٍ محترفين كان يستخدمهم المستبدُّ في مهمَّاتٍ قذرة، ليقترف هؤلاء مختلف الخطايا بُغيةَ ترسيخ سلطة هذا الزعيم. النموذجُ المستبدُّ يلبث غاطسًا في لاوعي الزعيم المعارِض حتى اليوم الأخير من حياته، على الرغم من أن المستبدَّ كان الضد لمثال النظام والسلطة الذي كان يبشِّر المعارضُ الشعبَ به. المستبدُّ سلوكُه مكشوف لا يتخفَّى بمواقفه، الزعيم الجديد لعوبٌ مراوغ، يضع الديمقراطية لافتة من ورائه، لكنه يسلُكُ سلُوكَ المستبدِّ.
بعد انهيار نظام المستبدِّ تتميز مفاهيم ومواقف وأحلام الجيل الجديد ببصمتها الوطنية، الوطنية هي أيديولوجيا هذا الجيل. إنه جيلٌ حرٌّ شجاع، لم يُعاصِر المستبدَّ، ولم يعِشْ أيامه الكئيبة، ولم تتسرَّب إليه أمراضُه السياسيةُ الخبيثةُ.
ومن خطايا الاستبداد تجفيفُ منابع إلهام الانتماء للأرض، وتقويضُ الهوية المشتركة الجامعة لكلِّ مكوِّنات المجتمع الإثنية والدينية والطائفية، وتبديدُ ذاكرة الوطن العريقة، وإسكاتُ النداء الذي يعزف لحن الأرض ويتحدث لغتها الحضارية، مما يضطر الناس للاحتماء بهُوياتهم الإثنية والدينية والطائفية، ومغادرة ذاكرتهم وهُويتهم الوطنية المشتركة، ولا يمكِن العودة للهُوية والذاكرة وانبعاثهما مجددًا إلا بوضع استراتيجية علمية تتضمَّن برامج ثقافية وفنية وإعلامية واجتماعية.
بعد هلاك المستبدِّ نحتاج إلى إعادة بناء مقرَّرات التربية والتعليم في ضوء فلسفة تبتني على الحقوق والحريات، وبناءِ وعيٍ علمي بتاريخنا يفضَح التواطؤ مع المظالم الشنيعة في ممارساتِ الخلفاء والسلاطين وانتهاكاتِهم الكرامةَ البشريةَ بمختلف أشكالها، والكشفِ عن الاضطهاد والتنكيل والعذاب الذي كان يعيشه الرقيق، والسلوكِ المتوحِّش في أسواق النخاسة وبَيْع البشر والمتاجرة بهم كسلعٍ يجري عرضُها في الأسواق كما تُعرَض الأشياء والسلع المادية، وفَضْح مظالم الحكام المستبدِّين واستعبادهم للناس. إعادة بناء وعيٍ علمي بتراثنا من شأنه أن يُنقِذ حاضرَنا من الضَّياع في متاهات الاستبداد.
الاستبدادُ ليس قدَرًا حتميًّا لمجتمعاتنا
كلُّ مواطن يبحث عن نظامٍ يكفُل له كرامتَه ويستردُّ حريتَه. لا نرث الاستبدادَ في جيناتنا، الاستبدادُ ليس قدَرًا حتميًّا لمجتمعاتنا، وليس سجنًا أبديًّا لشعوبنا، كما يُشاع في بلادنا، ويعمل على تغذيته بقناعة أو بلا قناعة بعضُ الكتَّاب والأدباء والفنانين. الإنسان في مجتمعاتنا كاملُ الإنسانية، لا يحتاج كالسفيه إلى من يتولى تدبيرَ شئونه والوصاية عليه. هو إنسانٌ تامُّ الأهلية ليس محجورًا عليه، ليس ربعَ إنسان أو نصفَ إنسان أو شبهَ إنسان. تكرارُ هذا القول محاولةٌ واعية أو غيرُ واعية لاستمرار الاستبداد وشرعنته. تجذُّرُ الاستبدادِ يعودُ إلى مكوثه الطويل المرير، الذي أنتجَ شللَ العقلِ، وانحطاطَ الوعي، وفشلَ الدولةِ.
لا يمكن للمستبد أن يستبد من دون وجود أرضيةٍ عميقة ومعقَّدة للاستبداد في المجتمع، تتمثل في: إعلام، وثقافة، واقتصاد، وإدارة، ونمط تديُّن، وقِيَم مجتمعية، كلها تغذِّي الاستبداد وتتغذَّى منه. لا ينتهي الاستبداد بنهاية المستبد، يجب تفكيك هذه البنية حيثما كانت، وإعادة تعريف معنى الدولة والحكومة والسلطة والإنسان والمواطن والوطن، وكل شيء في سياق حرية المواطن وحقوقه.
إعادة بناء النظام السياسي ومفاهيم السلطة والحكومة والدولة والوطن في بلادنا لا يتأسَّس إلا بإعادة بناء الفكر الديني، وإعادة بناء علم الكلام، والانتقال من علم الكلام القديم إلى علم الكلام الجديد، ومن إسلام المتكلمين والفقهاء إلى إسلام القِيَم الروحية والأخلاقية والجمالية. مسئوليةُ معاهد العلوم الدينية إعادةُ بناء ثقافةٍ دينية تتمحور على القِيَم الروحية والأخلاقية والجمالية، ومسئوليةُ المؤسَّسات التربوية والتعليمية إعادةُ بناء القِيَم التربوية في ضوء حقوق الإنسان وحرياته.
لا يمكن بناءُ الدولة الحديثة في بلادنا من دون إعادةِ بناءٍ لمعنى الدولة والحكومة والسلطة والإنسان والمواطن والوطن، في ضوءِ مكاسب الفكر السياسي والحقوقي الحديث، وفي سياقٍ يحرِّرهما من رواسب ذاكرة الخلافة والسلطنة ومفهوم الرعية، بوصفها مرآةً لتقاليدِ القطيع، المؤسَّسةِ على مفاهيمَ وقيَمٍ مشتقَّة من معنى الراعي الرعية المضادَّة لمعنى المواطن والوطن والمواطنة.