اللص الغريب!
بينما كان «أحمد» يسير في شارع «محمد فريد»، كان ينظر إلى شارع «قصر النيل»، مارًّا بميدان «مصطفى كامل». استوقفه مشهد غريب لسائح أجنبي متوسط الطول في الحلقة الخامسة من العمر، وبجواره فتاة زنجية جمعت شعرها الخشن ضفيرةً على ظهرها، وكانت ترتدي بذلةً من الجينز الأزرق اللون، وقد وضعت يدها بداخل السويتر الذي يرتديه السائح، وهو يحاول دفعها بعيدًا عنه، وعلى وجهه يبدو الضيق وكأنها تحاول أن تسرقه بالإكراه.
أثار المشهد حنق «أحمد»، فأسرع الخطى في اتجاهها لاستطلاع ما يحدث، فما كان منها إلا أن أطلقت ساقَيها للريح، وانطلقت تجري متجهةً إلى شارع «محمد فريد» … فانطلق «أحمد» في أثرها محاولًا اللحاق بها … وكانت قد ابتعدت عنه بمسافة كبيرة، فنادى القريبين منها أن يُمسكوا بها. وكان نداء «أحمد» كأنه إشارة للمارة في الشارع؛ فقد علا نداء بعضهم ينادي … حرامي … حرامي … حرامي. وجرى آخرون يطاردونها، وقبل أن تنحرف إلى شارع «عبد الخالق ثروت» ألقت ما بيدَيها … فتناثرت أوراق نقدية حمراء وخضراء غطَّت شارع «قصر النيل»، فتوقَّف «أحمد» عن مطاردتها بسبب الزحام الشديد، وأخذ يجمع النقود المتطايرة. وظلَّ المارة يستفسرون منه عمَّا حدث، حتى وصل إلى الميدان فلم يجد السائح، فملأته الدهشة والحيرة، وسأل عاملًا بأحد المحال التجارية — كان يتابع ما يحدث — عن وجهة السائح، فعرف أنه سارع متجهًا إلى «ميدان التحرير». وبصعوبة شديدة … أسرع الخطى في شارع «قصر النيل» المزدحم للَّحاق بالسائح الذي كاد أن ينحرف إلى شارع «الشواربي» قبل أن يلحق به، فناداه: مستر … مستر … فلم يلتفت إليه إلا عندما اعترض طريقه … وطلب منه أن يقبل اعتذاره، وأن يعود معه إلى الميدان لتحرير محضر بما حدث … في مكان وقوع الحادث، ويسترد نقوده أيضًا؛ فقد استدعى جمهور المارة ضابط شرطة لعمل اللازم.
فاعترض السائح بشدة على الرجوع مرةً أخرى، وأصر ألَّا يسترد النقود … فهو لا يهتم بما جرى ولا يرى أي داعٍ للاعتذار … وأصرَّ «أحمد» على موقفه حتى يتخذ الحق مجراه، وأمام إصرار «أحمد» لم يجد السائح بُدًّا من الرجوع معه … حيث استردَّ بعض نقوده أمام ضابط الشرطة … ولكنه رفض الذهاب إلى القسم لتحرير محضر … ونزولًا على رغبته … اكتفى ضابط الشرطة بالاعتذار له عمَّا حدث، وتمنَّى للسائح التوفيق … وأعرب السائح لهم عن وثوقه بأن هذه الأحداث نادرة الوقوع في مصر … وأنه لو وقعت هذه الحادثة في أي بلد آخر، لفر اللص بغنيمته، وما تدخَّل الأهالي والشرطة.
تعجَّب «أحمد» من سلبيته، ثم برَّرها بأنه من الجائز أن يكون مُتخوِّفًا من مطاردة اللص له وانتقامه منه مرةً أخرى.
ظلَّت أحداث المشهد الغريب والواقعة الفريدة من نوعها … تطارد خيال «أحمد» وفكره طوال اليوم حتى عاد إلى المقر السري الصغير في الهرم. صعِد إلى غرفته ولم يتصل بأحد … بل تمدَّد على أريكة بجوار السرير وتطلَّع إلى سقف الغرفة … مسترجعًا أحداث اليوم، فاستوقفه مشهد السائح، وما حدث له.
هنا ومض جانب من وجه الفتاة الزنجية في مخيلته، وتذكَّر أنه رأى أثرًا لشعر ذقن محلوق، فتساءل … أيكون رجلًا؟ وأنه لا يعيش في مصر … نظرته … تصفيفة شعره … وما يرتديه من ملابس … تؤكِّد له أنه مارٌّ بمصر ولا يعيش فيها، وليس من أهلها …
فتساءل «أحمد» بينه وبين نفسه: كيف واتته الجرأة أن يُقدِم على جريمته هذه في مجتمع غريب عليه، وبلد لا يعرف فيه أحدًا ولا يعرف تضاريسه الأمنية؟ ومرةً أخرى تقتحم مخيلتَه صورة من الصور تبدو لامرأة كانت قريبةً من السائح.
لماذا لم تطلب النجدة وقد كانت تقف على مسافة ليست بعيدةً عنهم؟!
وتحرَّكت غريزة الشك في نفس «أحمد» … وأحضر نوتة ملاحظاته، وقام بتدوين ما يتذكَّره من ملامح السائح والشاب الزنجي … ثم غذَّى بها الكمبيوتر الشخصي الموجود بغرفته ووضعه على الخط مع الكمبيوتر المركزي للمنظمة. وفي غضون دقائق … ومع بعض التعديل البسيط كان قد حصل على صورة تُشبه إلى حدٍّ كبير السائح، ومثلها للزنجي اللص … فاستبدل ملابسه وحصل من ماكينة صُنع القهوة على فنجان دافئ، ثم عاد إلى الأريكة المفضَّلة، شاردًا ببصره في صورة السائح، مرسلًا ذهنه إلى ميدان «مصطفى كامل» ساعة وقوع الحادث. وبدأ يتكلَّم بصوت مسموع وجهاز تسجيله الصغير يعمل في صمت ليُسجِّل كل ما يقوله، وكان أول ما تذكَّره سلبية السائح تجاه ما جرى له، وعدم رغبته في تحرير محضر بالحادث، فهل كان هذا لاعتياده رؤية هذه الحوادث بكثرة في بلده، أم لتخوُّفه من عاقبة الإدلاء بأوصاف اللص؛ فيعرَّضَ نفسه للانتقام منه ومن جماعته؟
كما تذكَّر رأيه فيما فعله المارة من مطاردتهم للص … استرداده للنقود التي سرقها منه، وقوله بأنه لم يكن هناك داعٍ لكل هذا … فهل هي سماحة، أم إنه هول الموقف؟ ولماذا كان يسير وبحوزته كل هذه النقود؟ وأين كانت رفيقته حين عاد إلى الميدان مرةً أخرى؟
ازدحمت علامات الاستفهام برأس «أحمد»، إلا أن سؤالًا واحدًا غيَّر مجرى هذه الأحداث ألَا وهو … لماذا حاول اللص أن يضرب الرجل حينما لمح «أحمد» يسير في اتجاههم؟ هل لأنه لم يُعطِه المزيد من النقود؟ لكن ما كان بحوزة اللص ورماه في الطريق حيث جمعه الأهالي كان كثيرًا … فهل هو طمع اللص في أكثر من ذلك؟ ولكن هل يدعو ذلك لضربه؟ إن الأمر يبدو وكأنه كان يعاقبه على فعلٍ لم يتوقَّعه منه! وكأنه ظن مثلًا حينما رأى «أحمد» يسير في اتجاههم … أنه رجل شرطة … وأنه حضر بالاتفاق مع السائح للإيقاع به.
في هذه اللحظة لمعت عينا «أحمد» لفكرة: لماذا لم يشِ السائح بالزنجي؟ لماذا إذن؟ تُرى هل هناك علاقة سابقة بينهما؟ وهل هناك عمل أدَّاه ذلك الزنجي للسائح، وكان ينتظر أجرًا متفقًا عليه ولم يفِ الرجل بوعده … فحاول الزنجي الحصول على حقه وقت أن رآه «أحمد»، وظن أنه يسرقه؟ وما هي المهمة التي تستدعي إتمامها في الطريق العام وبعيدًا عن الأعين وبين رجل أوروبي وشاب زنجي؟
سيطرت علامات الاستفهام على ذهن «أحمد»، وشعر في قرارة نفسه بأن الغموض الذي يحيط بهذه الحادثة يحمل في طياته مغامرة … لم تتجمَّع خيوطها بعد، بل لم يعثر لها إلا على طرف خيط واحد، وتمنَّى لو أن رقم «صفر» لم يُكلِّفه بمهمة حتى يستطيع حل لغز السائح والزنجي.
أيقظ «أحمدَ» من شروده … وخزُ ساعة يده يعلن موعد نشرة الأخبار، وكالعادة كانت أخبار الإرهاب على مستوى العالم هي المسيطرة على النشرة، وقد تمكَّنت مصر بفضل وعي أبنائها، وقدرة جهاز الأمن ومهارة رجاله، من أن تقضي على الإرهاب بين ربوعها تمامًا، وأصبحت تُقدِّم حصيلة خبرتها لدول العالم أجمع. وقد أعقب هذه الأخبار خبر مقتل شاب زنجي في غرفته بأحد الفنادق الهامة في القاهرة، ويكتنف الحادثَ الغموضُ حتى الآن.
أصاب هذا الحادث «أحمد» بالدهشة؛ فالصورة التي يراها للقتيل على الشاشة … هي صورة لص ميدان «مصطفى كامل»، فأسرع بالاتصال برقم «صفر»، وحكى له القصة بإيجاز، وطلب منه معرفة اسم الفندق الذي وقعت به الحادثة … والتوصية بتسهيل مهمته هناك بين رجال الأمن؛ فهو يرغب في كشف سر مقتل هذا الفتى وسر علاقته بالسائح.
فوعده رقم «صفر» بالمعاونة، ولم تمضِ دقائق إلا وكانت المعلومات بحوزة «أحمد» … فأحد رجال المنظمة موجود بالفندق ليُسهِّل له مهمته. فانطلق بسيارته يلتهم الطريق إلى الفندق. وعند المدخل وقف يراقب حركة الزبائن، فلفت نظره أن الحياة في الفندق تسير بلا مشاكل، وأنه لا أثر لحادث القتل، وكأن النزلاء لا يعرفون شيئًا عمَّا حدث … وقد تبيَّن فيما بعدُ أن إدارة الفندق تعمَّدت هذا حفاظًا على سمعتها، ولعدم إزعاج النزلاء … وحتى رجال الأمن كانوا يتحرَّكون في سرية تامة … تفهُّمًا للموقف من ناحية، ومن الناحية الأخرى حفاظًا على سرية التحقيق … ولعدم إثارة الجاني إن كان موجودًا بين النزلاء … ليتمكَّنوا من القبض عليه.
فتوجَّه «أحمد» إلى الاستقبال للسؤال عن رجلهم هناك، فبادره موظف الاستقبال قائلًا: مساء الخير سيد «أحمد».
ففوجئ عندما رأى «عثمان» وقد عُيِّن كموظف استقبال للفترة المسائية من ساعة فقط لمعاونته في التحرُّك داخل الفندق بحرية.
رفع «عثمان» سماعة التليفون، وتحدَّث لثوانٍ، ثم طلب من أحد موظفي الفندق توصيل «أحمد» إلى غرفة رجل الصناعة «محمد بك فهمي» … ولم يكن «محمد بك» هذا إلا ضابط المباحث المكلَّف بالقضية، والذي حدَّثه «عثمان» لاستقباله، وقد رحَّب به وشرح له تفاصيل الحادث … فقد تمَّ خنق الزنجي بوحشية.
وقد لاحظوا أن أمتعته قد تسرَّب معظمها إلى أصدقائه الذين يُقيمون معه في الفندق بالغرف المجاورة، وهم ستة أفراد من «زيمبابوي» أتَوا إلى مصر للسياحة. واللافت للنظر أن القتيل كان يُنفق ببذخ على المجموعة، وكان يتأخَّر خارج الفندق يوميًّا حتى الفجر، وأصدقاؤه لا يعلمون أين يذهب.
فطلب «أحمد» محضر التحقيق، وباطلاعه عليه، اكتشف أن ضمن محتويات جيب سترته قلم حبر سائل … به مخزن يُعاد شحنه، وهو نوع لم يعد يُستعمل؛ فقد حل محلَّه أنبوبةٌ تُستبدل إذا ما فرغ. فطلب «أحمد» رؤيته وقد لفت نظره أنه ثقيل وزنًا، وذو غطاء سميك … فاستأذن الضابط أن يستعيره لفترة فرفض، فاتصل برقم «صفر»، وبعد فترة قصيرة … تلقَّى ضابط المباحث تليفونًا … قرَّر بعد أن يعطيه القلم على أن يعيده في أقرب وقت …
فحمله «أحمد» إلى معامل المقر، وبفحص القلم تبيَّن أن الجدار الداخلي لغِلاف القلم مصنوع من معدِن الرصاص … فساوره الشك في أن يكون مخزن القلم يحتوي على حبر مُشع، وقد صدق حدسه … فقد سجَّل كاشف الإشعاع عند وضع خزان القلم به … رقمًا مخيفًا. وحسب تقدير الخبراء، فإن ورقةً من القَطع المتوسط … مكتوبًا عليها رسالة بهذا الحبر … تُعرِّض قارئها للموت الحتمي في غضون أسابيع …
هنا شعر «أحمد» بأن خيوط اللعبة بدأت تتكشَّف … فهذا الفتى قد حضر لمصر لاغتيال شخصية ما … إن لم يكن عضوًا في عصابة اغتيالات … ولكن ما الذي أتى بهم إلى هنا وقد كان بإمكانهم إرسال الرسائل من خارج مصر؟ ازداد غموض القضية، وازداد شوق «أحمد» لحلها، فاتصل ﺑ «عثمان» يطلب منه تفتيش أمتعة رفاق القتيل الزنجي، ولمعرفة المزيد، واكتشاف ما يُضيف ويفتح الطريق أمامهم، فعرف أن «ريما» تعمل «هاوس كير» بالفندق، ولكنها لم تستطع حتى الآن الانفراد بأمتعتهم؛ فهم يتركون واحدًا منهم دائمًا بجوارها، ولم يكن هناك مفر من خطة سريعة لإبعادهم … وذلك بأن تقوم «إلهام» بدور مندوبة شركة سياحية وتتصل بهم وتسألهم عن «دريم»، وتخبرهم بأنه لديه حجز لرحلة لمدة يوم واحد خارج القاهرة، شاملة جولة رائعة والانتقال وتقديم ثلاث وجبات خلال اليوم، وعندما أخبروها بمقتله … قالت لهم إن هناك حجزًا بأسماء ستة مرافقين له. وقد لاقت هذه الخدعة ترحيبًا كبيرًا لديهم، حتى إنهم تخلَّوا عن حذرهم، وخرجوا كلهم في الرحلة مع «إلهام»، وبهذا سنحت الفرصة ﻟ «ريما» لتنفرد بحقائبهم وأمتعتهم.
وقد كان أهم ما توصَّلت إليه … فهرست تليفون مسجل به بين الأرقام رقمان باللون الأحمر، وبجوارهما حرفا «أم – إس» بالإنجليزية. وبالاتصال بالرقم تبيَّن أنه مكتب توظيف مربيات وخادمات وسكرتيرات. شعر «أحمد» بغصة في حلقه … فقد تخيَّل مجموعةً من المربيات والخادمات عضوات في عصابة؛ بالطبع سيكون من السهل تنفيذ كل أغراضهم أيًّا كانت كالقتل، وبوسائل عدة لا تُكتشف. والسرقة … وليكن سرقة مستندات هامة أو أسرار عملاء. أو المراقبة والتجسُّس على شخصيات مهمة وإرسال تقارير عن كل كبيرة وصغيرة في حياتهم. ولم يجد أمامه إلا الاتصال ﺑ «قيس» ليطلبه في اجتماع عاجل، وكذلك «زبيدة» التي كادت سيارتها تصطدم بسيارته في شارع الهرم، وهما في الطريق إلى المقر السري الجديد.
وبمجرد أن اقتربت سيارة «زبيدة» من بوابة المقر حتى انفتحت، فدخلت «زبيدة»، ومن خلفها «قيس»، ومن ممر جانبي بحديقة الفيلا إلى الباب السري في آخره، تتابعت السيارتان، فانغلق الباب من خلفهما … وفي غرفة الاجتماعات، كان «أحمد» بانتظارهما ومعه «إلهام»، فتبادلوا التحية.
وردًّا على تساؤل «قيس» عن عدم حضور رقم «صفر»، أخبرهم «أحمد» بأن لديه علمًا بهذا الاجتماع، وإلى الآن العملية لم تتضح معالمها بعد؛ فإنهم لا يعملون بتكليف رسمي، إلا أن العملية كلها تحت رعايته شخصيًّا. واستأذن منهم في إدارة الاجتماع، ثم ضغط زرًّا بالريموت كنترول، فأُضيئت شاشة المقر العملاقة، وظهرت عليها الصورة التي كوَّنها الكمبيوتر، ثم صورة الزنجي القتيل «دريم».
قال «قيس»: أليس هذا الفتى … هو «دريم» قتيل فندق الخمس نجوم؟
أحمد: نعم، هو.
زبيدة: ومن هذا؟
أحمد: هذا رجل لا أعرف شيئًا عنه سوى أنه غير عربي على الأرجح، رأيته بالمصادفة في وضع غريب مع «دريم» بميدان «مصطفى كامل»، وقد ظننت أن «دريم» سرقه بالإكراه، وللعلم، كنت أظن أن «دريم» في البداية فتاة، ولكنني عندما هممت بالتدخل حاول أن يضرب الرجل الذي سأُطلق عليه «الهو»؛ أي الفراغ؛ لأني أشعر أنه موجود بأماكن كثيرة حولنا، ولكني لن أستطيع الإمساك به، وبعد أن اقتربت منه قذف وراءه مبالغ ماليةً كبيرة مبعثرة في شارع «قصر النيل». وقرأ «أحمد» لهم تقريرًا مُفصَّلًا عن الحادث بكل أبعاده … وانتهى إلى أنه يريد من «قيس» أن يتصل بمكتب التوظيف، على أنه رجل سعودي ويطلب خادمة، أمَّا «زبيدة» فعليها أن تتصل بهم تطلب عملًا، وتترك رقم تليفون عميل لهم، صاحب محل بقالة بأحد الأحياء الشعبية. وقبل أن ينصرف الشياطين من غرفة الاجتماعات، كانت برقية من رقم «صفر» تظهر على الشاشة يتمنَّى لهم فيها التوفيق، ورسالة أخرى من «عثمان» يطلب فيها الاتصال به على وجه السرعة.
لم يكد «عثمان» يُتم رسالته حتى سمع جرس التليفون، وكان معه «أحمد» على الخط، فأخبره أن أحد رفاق «دريم» ويُدعى «مارلو» قد تلقَّى مكالمةً من فتاة تُدعى «بيزا» تطلب منه فيها جمع حاجيات «دريم» في حقيبته، والذهاب بها إلى الإسكندرية، وقد حجزت له مقعدًا في قطار الساعة السادسة صباحًا …
فأبلغه «أحمد» أن يستعد للسفر مراقبًا ﻟ «مارلو» هذا؛ ليصل عن طريقه للفتاة، والتي يشعر أنها كانت همزة الوصل بين «دريم» والعصابة.
اتصل «عثمان» بمكتب الحجز وطلب حجز مقعد رقم (١٢) ليكون قريبًا من «مارلو» الذي سيجلس في رقم سبعة كما أبلغته «بيزا».
في الخامسة من صباح اليوم التالي، كان «عثمان» أول الجالسين بالقطار، تحسُّبًا لأن يتم التسليم قبل خروج القطار من المحطة، ولكن القطار امتلأ عن آخره … غير مقعدَي ستة وسبعة.
ظلَّ «عثمان» يراقب المقعدَين في توتر، ثم شعر أن في الأمر خدعةً يُقصد بها إبعاده عن الفندق ليتم تسليم الفتاة الحقيبة، فهل عرفوه حقًّا؟
وازداد توتره عندما أعلنت الإذاعة الداخلية أنه حان موعد قيام القطار … ثم علا صوت محركات القاطرة وعلت معها دقات قلبه … وبدأت عربات القطار تهتز اهتزازًا «خفيفًا»، فانتفض مُقرِّرًا النزول من القطار قبل مغادرته المحطة، إلا أنه لمح «مارلو» يأتي من آخر العربة … فعاد سريعًا إلى الجلوس، وبمجرد أن جلس «مارلو» فتح طفاية السجائر المثبتة بظهر المقعد المواجه له، وأخرج ورقةً مطوية عرف «عثمان» أنها قسيمة الحجز والتذكرة، وظلَّ المقعد المجاور له «خاليًا». وعند محطة «طنطا» مرَّ عامل البوفيه فسلَّمه فطائر بيتزا مغلَّفةً لم يطلبها، ومعها مناديل ورقية، فتحها وكانت بها رسالة فقرأ ما فيها. وهمَّ «عثمان» أن يتحايل بصورة ما للحصول على الرسالة، إلا أن «مارلو» سبقه وألقى بالمناديل الورقية من شباك القطار، ممَّا آثار غضب «عثمان» وحنقه، فسار خلف عامل البوفيه يسأله عمَّن أرسل هذه الفطائر، فلم يحصل منه على نتيجة، فجرى إلى البوفيه لعله يحصل على طلبه، لكنه تنبَّه إلى أن «مارلو» وحده في العربة دون مراقبة، فهرول عائدًا إليه فلم يجده.