مع تحيات «بيزا»!
كان القطار يسير بسرعة كبيرة، ولم يكن في وسع «مارلو» أن يغادره أبدًا … إذن أين ذهب؟ شعر «عثمان» أنه ارتكب خطأً فادحًا حين تركه بدون مراقبة، إلا أن المفاجأة ألهته عن أن يلاحظ شيئًا هامًّا، وهو أن الحقيبة التي كانت بحوزته لا زالت في مكانها بجوار المقعد، وبمجرد أن لمحها تنفَّس الصُّعَداء وجلس مكانه على كرسيه يرقبها؛ فحركة «مارلو» مرتبطة بها؛ فهذه الرحلة قامت من أجلها.
لم يرتح «عثمان» إلا عندما رأى «مارلو» يعود إلى كرسيه مرةً أخرى … فتأكَّد أن تسليم الحقيبة سيتم في الإسكندرية. وصل القطار إلى محطة «سيدي جابر». نزل «مارلو» وخلفه عن بُعد «عثمان» يراقبه، وقد أدهشه أنه توجَّه إلى شباك التذاكر، وبعد أن ابتعد عنه، توجَّه هو إلى موظف الحجز فطلب منه تذكرةً على نفس القطار ونفس الميعاد وفي المقعد المجاور له … وعندما تساءلت نظرات الموظف، قال له «عثمان»: إنه صديقي … وقد تأخَّرت عليه فظن أني خالفت موعدي فلم يحجز لي. بمجرد أن تسلَّم قسيمة الحجز نظر فيها فانتابته الحيرة؛ فالميعاد المُسجَّل بها هو نفس اليوم، وساعة القيام بعد ستين دقيقةً من وصولهم، فظن أنها ستتسلَّم الحقيبة منه في المحطة، خلال هذه المدة. ولكن «مارلو» عاد إلى القطار خلف «عثمان» فجلسا متجاورَين، وغادر القطار المحطة، ولم تحضر «بيزا» …
كان «عثمان» يُغطِّي وجهَه بشارب ولحية صغيرة، ويرتدي نظارةً شمسية حتى لا يعرفه «مارلو». وقطعًا للوقت تعارفا من خلال حديث عن العنصرية وضحاياها، وكيف أنها انتشرت بصورة فجة، ولم يعد اللون هو عنصرها الأساسي؛ فقد أصبح الدين والجنس واللغة، أهم العناصر الحيوية الآن.
ففي دول أوروبا جماعات تحارب كل من كان أجنبيًّا عنهم. أمَّا عن اللون، فالجنس الأسمر هم ملوك الرياضة؛ كالبرازيل في الكرة، و«محمد علي كلاي» و«تايسون» في الملاكمة، وفي الفن «سيدني بواتيه» … وفريق البوني أم، وأخيرًا «مايكل جاكسون» … وكانت سعادة «مارلو» بهذا الحديث كبيرة … فهو الآخر — وكما أخبر «عثمان» — عضو في فريق «الرد ستار»، وهو فريق غنائي تكوَّن في إحدى دول أفريقيا.
وقد ذهبوا إلى أمريكا طلبًا للشهرة فلم يصادفوا نجاحًا، فأتَوا إلى مصر … وفي علمهم أنها بقنواتها الفضائية … والقمر الصناعي الجديد … قد تُحقِّق لهم انتشارًا عالميًّا … وهم يعلمون أنها تحتضن كل فن وفنان ناشئ. فعرض عليه «عثمان» أن يقدِّم لهم خدماته في هذا المجال؛ فأصدقاؤه كثيرون في الوسط الفني، فشكره «مارلو» وأخبره أنهم في سبيلهم للحصول على عقد مع أحد الملاهي الليلية، وأنه يسعى للعمل في فندق خمس نجوم يقيمون فيه.
وصل القطار إلى محطة مصر … ولم تظهر «بيزا» ولم تفارق الحقيبةُ «مارلو»، فهنَّئه على سلامة الوصول، وتركه على وعد باللقاء، ولكنه استمرَّ في مراقبته من بعيد إلى أن خرج من المحطة … واستقلَّ تاكسيًا، وهو خلفه بتاكسي آخر، حتى وصل إلى الفندق، فازدادت دهشته؛ فحتى الآن لم تظهر «بيزا»؛ فالحقيبة عادت معه مرةً أخرى إلى الفندق، فهل هي نفس الحقيبة، أم إنها حقيبة أخرى تؤدِّي دورها؟ وإن صح هذا فمتى تمَّ تبادل الحقيبتَين وهو لم يترك «مارلو» دون مراقبة … إلا عندما ذهب خلف عامل البوفيه؟ أيكون تبادل الحقائب قد تمَّ في هذه الأثناء؟ إذن فالفطائر والرسالة المكتوبة على المناديل الورقية كانت خدعةً يُقصد بها إثارته وشغله عن «مارلو».
وهنا تنهَّد قائلًا: يا لها من فتاة خبيثة! وشعر أن المعركة معها ستكون مثيرةً وممتعة، وقرَّر أن يترك العمل في الفندق. ولم يكن هذا رأي «أحمد» حين التقيا في المقر السري الصغير؛ فهو يرى أن «مارلو» لا يعرف شيئًا عن أمر المراقبة، وإن كانت «بيزا» تعرف … فلن تخبره … حتى لا تُثير انتباهه لنشاطهم، وعليه أن يعود لعمله حتى لا يثير الشكوك حوله.
ارتاح «عثمان» لهذا القرار، وقد لاحظ أن حركة أعضاء الفريق في الفندق طبيعية، وأن معاملتهم معه لم تتغيَّر، ولم تشبها أي شائبة صغيرةً كانت أم كبيرة … فتأكَّد أن «مارلو» لم يكتشف أمره … ولكنه لاحظ أن لديهم ضيفًا زنجيًّا ملتحيًا وأنيقًا في ثيابه إلى حد الفخامة، وقد اصطحب «مارلو» إلى الملهى بالفندق، فجلس قريبًا من البست يتابع فرقةً استعراضية روسية … وقد لاحظ «عثمان» نظرات اهتمام وإشارات متبادلةً بينه وبين إحدى راقصات الفرقة، فانتظر حتى انتهت الفقرة، وطلب من مصور القاعة أن يلتقط له معها صورة، وبينما كان يُبلغ «أحمد» تليفونيًّا أنه بحاجة لكثير من المعلومات عن هذه الفرقة، لاحظ أن الزنجي الملتحي قد ذهب إلى كواليس الملهى، فأيقظ حواسه انتظارًا لِمَا سيستجد من أحداث.
علت الأصوات في الملهى؛ فقد صعدت البست فرقة استعراضية من الزنجيات الحسناوات، ومرَّ الوقت … وانتهت الفقرة ولم يخرج الضيف الملتحي من الكواليس، بل خرج أعضاء الفريقَين سويًّا، ولم يكن بينهم رجل أسمر واحد. جرى «عثمان» إلى الكواليس فلم يجد أحدًا … فهرول عائدًا، فأوقفه أحد العاملين ليُسلِّمه كارتًا مكتوبًا عليه مع تحيات «بيزا».
خرج «عثمان» مسرعًا يركب سيارته الفيراري التي علا صوت موتورها، ليدور في المنطقة المحيطة بالفندق بحثًا عن السيارة التي أقلَّتهم، فلم يجدها، فأكمل الطريق إلى المقر الفرعي بالهرم … وطلب اجتماعًا عاجلًا مع «أحمد»، ولم يهدأ إلا عندما سمع صوت موتور سيارة «أحمد» المميَّز يتوقَّف داخل الجراج، وبمجرد دخوله غرفة الاجتماعات قال: لقد كانت تحت يدي … ولا أعرف كيف فرَّت …
أحمد: تقصد «بيزا»؟
عثمان: نعم …
أحمد: من الواضح أنها فتاة ذات قدرات عالية … ومدربة جيدًا …
عثمان: وخبيرة في فنون التنكُّر … فقد دخلت الفندق في ثياب شاب أنيق ملتحٍ، وخرجت منه راقصةً جميلة لم أستطِع تمييزها بين باقي الراقصات.
أحمد: وكيف عرفت أنها هي؟
عثمان: لقد تركت لي كارتًا.
فضحك «أحمد» وقال له: الأمر بسيط؛ اتصل بها على رقم التليفون الموجود في الكارت.
ابتسم «عثمان» وقال: طبعًا ليس بالكارت أية بيانات … فقط مع تحيات «بيزا»!
بدا على وجه «أحمد» السرور وقال له: إنها تحاورك يا «عثمان» … وهي فرصتك لإثبات جدارتك، وأهم ما في الموضوع أنها أصبحت قريبةً منا جدًّا …
عثمان: وماذا عن الفتاة الروسية التي أرسلت لك صورتها؟
أحمد: إنها عضوة في فرقة «النيفا»، وهو اسم نهر في روسيا. وقد تجمَّعت هذه الفرقة بدعوة من مدير الفندق بعد أن تفرَّق أعضاؤها على أثر انهيار الاتحاد السوفييتي، والتحقوا بعدة فرق استعراضية أوروبية. وكان مدير الفندق قد قدَّم هذه الدعوة لمدير الفرقة السابقة وراقصها الأول «فلاديمير» عند زيارته لإحدى دول أوروبا.
فسأله «عثمان»: وهل تكون لهذه الراقصة علاقة مع «بيزا»، أم إنها عضوة في نفس العصابة؟
وهل باقي الفرقة على علم بهذا؟ وهل هم مشتركون معها؟
أحمد: كل هذا جائز … فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي … أصاب الدولَ المنحلة منه انهيار اقتصادي دفع الكثيرين من العلماء والفنانين إلى الهجرة سعيًا وراء الرزق، وكثر التسوُّل والانحراف الأخلاقي … ومن الممكن أن تكون هذه الراقصة — وبالمناسبة فهي تُدعى «بتريشيا» — قد وقعت في براثن إحدى العصابات، ولا أحد من أعضاء الفرقة يعرف عن ذلك شيئًا … ودليلي على ذلك أنهم لم يتجمَّعوا إلا للعمل في الفندق.
عثمان: والخطوة القادمة؟
أحمد: عليك أن تستمر في عملك كموظف استقبال، وللعلم فقد أبلغتنا «ريما» أن «بيزا» تسلَّمت الحقيبة … فالحقيبة التي عاد بها «مارلو» لم يكن بها إلا بعض الهدايا.
ارتفع في هذه اللحظة صفير متقطع وأضاء «أحمد» زر لوحة جهاز الكمبيوتر، وشعر في نفس الوقت بوخزٍ في رسغه من ساعة يده … فنظر، وملء عينَيه الدهشة، إلى «عثمان» الذي كان يشعر بوخز أيضًا في رسغه، فضغط زرًّا بالساعة، فظهرت على شاشتها علامات شفرية، فقال ﻟ «أحمد»: إنها رسالة …
ردَّ «أحمد»: نعم … وقد عالجت الشفرة على الكمبيوتر، إنها من «إلهام» تُخبرنا أنها شاهدت «مارلو» بصحبة «بتريشيا» في أحد المطاعم وسط البلد، وقد عرفها «مارلو» وابتسم لها … انتهت الرسالة وفهم «أحمد» أنها تطلب منهم التصرُّف … فهي لن تستطيع مراقبتهما معًا عند افتراقهما … فتمنَّى ﻟ «عثمان» التوفيق وافترقا.
وفي طريقها إلى الفندق، طارت سيارة «عثمان» وجُن جنون سيارة «أحمد» في طريقها إلى وسط البلد … وبالقرب من المطعم، لم يجد مكانًا يترك به السيارة، فتركها دائرةً بمنتصف الطريق، ودخل إلى المطعم باحثًا عن «إلهام»، فرأى على إحدى الموائد شابًّا زنجيًّا وفتاةً شقراء، ومن خلفهما كانت «إلهام» تُشير له بالموافقة وكأنها تقول له … نعم هما، فعاد إلى سيارته ينتظر خروجهما ولم يطل الانتظار.
فقد خرجت «بتريشيا» و«مارلو» فأوقفا تاكسيًا … وركباه سويًّا.
انطلقت سيارة «إلهام» تتابعها، ومن خلفها سيارة «أحمد»، وفي منتصف كوبري أكتوبر توقف التاكسي، ثم انطلق مرةً أخرى بعد أن غادره «مارلو»، وفي أثره «إلهام» تراقبه عن بُعد، حيث انزلق على منزل الكوبري إلى شارع «أبو الفدا» … متوقِّفًا أمام سُلم على جانب الطريق. وبعد عدة ثوانٍ نزلت «بتريشيا» بعد أن حاسبت سائق التاكسي، وغادرته مسرعة … حيث كان في انتظارها قارب صغير انطلق بها، يقوده رجل لم تتبيَّن في الظلام ملامحه …
فتابعت «إلهام» إبحارهما بعينَيها، ثم جرت إلى السيارة، وكالبرق انطلقت لتصل في ثوانٍ إلى كوبري «مايو» تتابع تحرُّك القارب الذي كان يمر في هذه اللحظة من تحته في اتجاه فندق «شيراتون»، فواصلت «إلهام» السير لتنزل من الكوبري وتتجه إلى الفندق الذي وصلته في أقل من خمس دقائق، وبعد إبراز بطاقتها، سمح لها مسئول الأمن في الفندق باستخدام نافذة غرفة بأحد الطوابق العلوية، لمراقبة القارب بنظارتها المعظِّمة.
كان القارب قد اقترب من الفندق … واتضح كل ما فيه، ولم يكن فيه غير قائده … فغمغمت «إلهام» بصوت مسموع: أين أنتِ يا «بتريشيا»؟ أقسم أني سأحصل عليك. فسمعت في هذه اللحظة من يقول من وراء ظهرها: ها أنت تحصلين عليَّ …
التفتت «إلهام» لتجد مسدسًا موجَّهًا إليها، وخلفه «بتريشيا» تسألها: من أنت؟ وماذا تريدين؟
فابتسمت «إلهام» … ولم تجد من مصارحتها بُدًّا، فقالت لها: أنا من البوليس المصري … ونحن نشك فيكم … فقد صدر منكم ما يريب.
فسألتها «بتريشيا»: وما هو؟
دار بذهن «إلهام» أن تخبرها، ولكنها آثرت الصمت؛ فقد داعبتها فكرة الاستيلاء على سلاحها … واقتيادها إلى حيث تجيب عن كل أسئلتهم، ثم راجعت نفسها … فقد تكون «بتريشيا» مراقَبة، وينتهي بها الأمر إلى مصير «دريم»، وقد تكون معلوماتها عن العصابة وعمَّا يدور ذات قيمة، فقرَّرت الاستسلام لها … لكي تصل إلى من لم يظهر في الصورة بعدُ من رجال العصابة.
وقد كان لقاء «مارلو» ﺑ «بتريشيا» خدعةً لاصطياد «أحمد» و«إلهام»؛ فبعد أن ترك «أحمد» سيارته … ونزل سلالم كوبري أكتوبر خلف «مارلو» إلى شارع النيل بالعجوزة، شعر بوخز في رسغه، فضغط زرًّا في الساعة وتلقَّى على شاشتها الرقمية رسالةً شفرية من «إلهام» تخبره فيها أنها اختُطفت، وأنها بمكان ما في القاهرة لا تعرفه. وكان أثناء تلقيه الرسالة مُشتت الانتباه بين خطواتها وخطوات «مارلو» البطيئة، كأنه يقصد ألَّا يغيب عن عينه، فشعر أن في الأمر شيئًا، وأنه قد يتعرَّض للاختطاف هو الآخر …
وقد صدق حدسه … فلم يكد ينحرف خلف «مارلو» في أحد الشوارع الجانبية المظلمة، حتى خرج الأخير من خلف سيارة كانت تقف بجوار الرصيف شاهرًا مسدسه، آمرًا إياه بالسير دون الالتفات خلفه … وأمام إحدى العمارات … أطلق من فمه صفيرًا مميَّزًا … ومرَّت دقيقة بعدها فُتح باب شقة بالدور الأرضي … وشعر «أحمد» بشخص يدفعه بفُوهة المسدس في ظهره … فسار بلا مقاومة حتى داخل الشقة، ودفع «أحمد» الباب بقدمه دفعةً قوية ليصطدم ﺑ «مارلو» ليسقطه على الأرض … وفي هذه اللحظة علا صوت اصطدام جسد «مارلو» بالباب الخارجي مُحاوِلًا فتحه …
فانتظر «أحمد» دقائق، ثم فتح الباب فجأةً وكما توقَّع … فقد كان «مارلو» يجري في اتجاه الباب لفتحه بالقوة مرةً أخرى … فاصطدم بزميله الذي كان يستعيد توازنه … ليسقطا معًا، وأخرج «أحمد» مسدسه … قائلًا: من الممكن الآن أن نتحدَّث.
أحمد: من هي «بيزا»؟
مارلو: لا أعرف عنها شيئًا حتى الآن؟
أحمد: لماذا حتى الآن؟
مارلو: لأنها لم تتصل بي إلا مرةً لطلب الحقيبة كما تعرفون.
أحمد: و«بتريشيا»؟
مارلو: كل ما يحدث الآن بتدبيرها.
أحمد: حتى محاولة اختطافي.
مارلو: نعم.
أحمد: وهل تعرفون عنا شيئًا؟
مارلو: «بتريشيا» كانت تعرف.
تحيَّر «أحمد» لِمَا يحدث؛ فحتى الآن لا يعرفون شيئًا عن «بيزا» و«مارلو» …
فسأله: وأين أجد «بتريشيا» الآن؟
مارلو: لا أعرف؛ فهذه أول مرة أُقابلها فيها.
أحمد: ومن صاحب هذه الشقة؟
مارلو: لقد استأجرناها مفروشةً منذ أيام، وسننتقل إليها ونترك الفندق.
شعر «أحمد» أن أقوال «مارلو» لن تؤدي إلى نتيجة مفيدة … فطلب منه أن يُحضر حبلًا ويقيِّد زميله، ثم قيَّده هو … واستولى على مفاتيح الشقة … وأغلقها بعد أن كمَّمهما، وعاد حتى كوبري أكتوبر فوجد الونش قد حمل السيارة ومضى، ورغم ما شعر به من غيظ … إلا أنه لم يلم إلا الظروف.
في هذه الأثناء شعر «عثمان» بحركة غير طبيعية في الفندق؛ فقد كان القلق يسود أعضاء فريق «الرد ستار»، وكثرت حركتهم داخل الفندق وخارجه، وانتهى كل ذلك بطلب فاتورة الحساب استعدادًا لمغادرته. وفي الحفلة المسائية للملهى … لم يحضر فريق «النيفا» ولا فريق «الزنجيات الحسناوات»، وقد كان «عثمان» في انتظارهم بصبر كاد ينفد، وتحوَّل لغيظ عندما حضر «أحمد» وأخبره ألَّا ينتظر فلن يحضر منهم أحد.
قال «عثمان»: و«بيزا»؟
أحمد: أشعر أنها قريبة منا جدًّا.
كانت معظم مقاعد بوفيه الفندق خالية … فانتحى «أحمد» كرسيًا منها جانبًا، ثم جلس يرتِّب أفكاره … «إلهام» بين أيدي العصابة، وهو و«عثمان» أصبحا معروفَين لهم، و«بيزا» حولهم في كل مكان، ولا يعرفون عنها شيئًا، أمَّا عن فريق «الرد ستار»، فمن الواضح أنهم ليسوا من أفراد العصابة، أمَّا «دريم» فقد استدرجوه من قبلُ حتى سقط … والدور الآن على «مارلو» الذي لم تتضح له الأمور بعد … فقطع عليه «عثمان» تأمُّلاته سائلًا إياه: كيف ستكون مراقبة «الرد ستار» ونحن لا نعرف إلى أين سيذهبون؟
أحمد: سيذهبون إلى شقة مفروشة في أحد شوارع العجوزة.
قال «عثمان» في دهشة: وكيف عرفت؟
أحمد: إن «مارلو» … مقيد هناك هو وأحد أعضاء الفريق، وقد حاولوا اختطافي، ولكنهم لم ينجحوا إلا في اختطاف «إلهام» برغبتها، وبمسدس «بتريشيا».
عثمان: وهل تعتقد أنهم سيُقيمون في الشقة بعد العثور على «مارلو»؟
أحمد: بالطبع لا؛ ولذلك ستقوم أنت بمراقبتهم … وسأذهب أنا لاقتياد «مارلو» وزميله إلى المقر لنستفيد منهم وقت الحاجة …
كان اختطاف «إلهام» يشغل بال «أحمد» بآلاف الأسئلة؛ فأين هي الآن؟ ولماذا اختُطفت؟
وهل هي بمصر أم لا؟ وما الغرض من اختطافها؟ ولماذا لم تتصل بي حتى الآن؟
ولم يشعر إلا والسيارة أمام العمارة وكأنها تسير لوحدها، وبباب الشقة المفروشة دسَّ المفتاح الذي أخذه من «مارلو»، ثم علا أزيز مفصلاته وهو يفتحه، وبحذر شديد دخل الشقة يتحسَّس خطواته؛ فقد كان الظلام حالكًا، وعندما أضاء النور … لم يجد إلا رسالةً معلقة على الحائط بمسمار؛ فقد فرَّ «مارلو» ومن معه، وكانت الرسالة تقول: «مع تحيات «بيزا»!»
توجَّه «أحمد» إلى الفندق حيث وجد «قيس» بانتظاره، فالتقط أنفاسه … ومع أكواب الماء المثلج وأقداح القهوة أطلعه على آخر الأخبار، وطلب منه كَثَري عربي أن ينشر إعلانًا في الصحف يُعلن فيه رغبته في تمويل مجموعة من الشرائط للمطربين والمطربات وفرق غنائية حديثة، وفي نفس الوقت يحادث صاحب مكتب التوظيف في الأمر، طالبًا منه العون نظير أجر جيد … وذلك لإرسال فتاة تكون فيما بعدُ همزة الوصل بين المنظَّمة وفريق «الرد ستار»؛ وبذلك يكون لهم عميل بين أعضائه حتى يكونوا تحت أنظارهم بشكل دائم.
أعجبت الفكرة «قيس»، واتفقا على أن يبدأ العمل بها من صباح اليوم التالي، وفي آخر اللقاء طلب «أحمد» منه أن يحمله إلى المقر … فسيارته محبوسة، ثم يعود هو إلى الشقة التي يقيم فيها … حتى يقتنع صاحب مكتب التوظيف لطول إقامته فيها أنه ثري عربي. ولم يكن «أحمد» يدري أن هناك مفاجأةً في انتظاره أمام الفندق … لذا كانت دهشته كبيرةً حين وجد سيارته … وعامل الفندق ينظِّفها ممَّا علق بها من أتربة، فسأله «أحمد»: هل ترك المفاتيح؟
نظر له العامل متفحِّصًا قبل أن يسأله: من أنت؟
ردَّ «أحمد»: أنا اسمي «أحمد».
الرجل: نعم لقد ترك المفاتيح وقال إنها للأستاذ «أحمد»، وأعطاني أوصافك، فأخذ «قيس» «أحمد» جانبًا، وسأله: من الذي ترك المفتاح؟
أحمد: لا أعرف، ولكن من البديهي أن أحدًا أحضرها وترك المفتاح.
ثم عاد ليسأل العامل عن مواصفات من أحضر السيارة، فلم يخرج منه بفائدة …
فتمنَّى ﻟ «قيس» التوفيق وافترقا … وفي رأس كل منهما ألف سؤال عمَّا يدور؛ فحتى الآن تتم مطاردات وجرائم قتل، وقد تقع لهم، ولم يتضح بعدُ ما الغرض من وراء ذلك … وإذا كان الهدف هو الاغتيال كما ظنَّ أحمد في أول الأمر، فلماذا لم تقع حادثة واحدة حتى الآن … وكأن الإحساس هو الذي دفع «أحمد» لهذا التساؤل في هذا الوقت بالذات؛ فقد علا صفير جهاز الشفرة في السيارة. وبعلاج الرسالة إلكترونيًّا، عرف أن حادثة قتل قد وقعت في أحد الأحياء الراقية في القاهرة وهو حي المهندسين … والمجني عليه … شاعر غنائي كبير، وحتى الآن يكتنف الحادثَ الغموض؛ فالأعراض الواضحة على الجثة أعراض تسمُّم، ولكن أين كان قبل أن يلقى حتفه؟ فقد عثروا عليه على سلم الطابق الأرضي في إحدى العمارات، فهل كان داخلًا إليها أم خارجًا منه؟ دارت الأفكار في رأس «أحمد» بسرعة، وربط بين قلم الحبر المشع، وفريق «الرد ستار»، وعلاقته ﺑ «دريم» و«بتريشيا» وفريق «النيفا»، ثم أخيرًا مقتل الشاعر الغنائي … وإذا ثبت أن وراء موته جريمة، يكون الهدف من الاغتيالات هو الفن في مصر؛ ذلك أن كل من يطاردونهم الآن أعضاء في فرق استعراضية وغنائية.
حين وصل «أحمد» إلى المقر السري بالهرم، وفي غرفته وجد رسالةً تنتظره على شاشة جهاز الاستقبال من «قيس» يخبره فيها أن حادثة مقتل الشاعر الغنائي وقعت في العمارة التي يقطن بها، وأن معظم شقق العمارة تؤجَّر مفروشة، وقد علم من البواب أن إحدى الشقق أجرت حديثًا لمجموعة من الشبان … لم يُقيموا فيها حتى الآن وقد أجَّرها لهم وكيل عنهم. وبالتحري اتضح أنه صاحب مكتب التوظيف الذي كان رقم تليفونه في فهرست «دريم»، انتهت الرسالة في الوقت الذي تلقَّى فيه رسالةً أخرى من «عثمان»، يخبره أن أعضاء فريق «الرد ستار» عادوا إلى الفندق … ودفعوا مقابل شهر إقامة مُقدَّمًا … ولكن ما يحيِّره هو الانزعاج البادي عليهم، والذي لا يعرف سببًا له، انتهت الرسالة التي تركته هو أيضًا في حيرة.
في اليوم التالي … عرف أن تشريح جثة الشاعر … أسفر عن اكتشاف ثقب حديث في سَبابة يده اليمنى، ويُرجَّح أنه من نصل حاد يدفع كميةً من السم في دمه … أودت بحياته، ورغم أنها كمية صغيرة جدًّا، إلا أنها تكفي لشل حركة حصان. أثارت طريقة قتل الشاعر فضول «أحمد»؛ كيف وصل النصل باختياره؟ … وأقرب التصورات إلى الذهن هو أنه كان يضغط على جرس الباب فظهر له بدلًا منه نصل سام، وبالطبع لن يفتح له أحد … فيموت وهو في طريقه للعودة.
طلب «أحمد» من رقم «صفر» في اتصاله به … أن يسهِّل له مهمة التفتيش على أزرار الأجراس الخاصة بكل الشقق من الداخل ومن الخارج، وبالفحص لم يجد شيئًا غير عاديٍّ إلا عندما فحص جرس الشقة المؤجَّرة حديثًا؛ فقد لاحظ أن مسامير الربط قد زال عنها الصدأ … وعندما حل الزر بأكمله … وجد العلبة التي تحويه لا تعلق بها أية أتربة، وكأنها نُظِّفت حديثًا، فتأكد من ظنه، وطلب من رقم «صفر» عقد اجتماع عاجل؛ فقد اتضح أن الأمر غاية في الخطورة.
في مساء نفس اليوم، أضاءت حديقة فيلا المقر السري بالهرم أكثر من مرة بأضواء كشافات سيارات الشياطين القادمين لحضور الاجتماع العاجل الذي دعا له رقم «صفر» في رسائل حاسمة عبر أجهزة الاستقبال التي تحويها ساعاتهم. وبعد اكتمال عددهم، واستقرارهم في أماكنهم، سمعوا أصوات خطوات رقم «صفر» البطيئة الواثقة، وبعد ثوانٍ سمعوا صوت أوراق، ثم جاءهم صوته العميق بتحية المساء … وهم — وكأن على رءوسهم الطير — ينصتون في صمت وترقُّب، حتى أعطى الكلمة ﻟ «أحمد» الذي بدأ يقرأ عليهم التقرير الذي أعده عن العملية الأخيرة، وهنا أظلمت القاعة وأُضيئت الشاشة العملاقة وظهرت عليها صورة مكبَّرة ﻟ «دريم» …
قال «أحمد»: هذا هو «دريم» وجميعكم تعرفون قصته، وقد كنت أشك في أنه عضو في فريق اغتيالات بعد العثور على قلم الحبر المشع معه، بعدها تكشفَّت علاقته ﺑ «بيزا» … وفريق «الرد ستار».
ثم علاقة «بيزا» ﺑ «بتريشيا» عضوة فريق «النيفا» التي اختطفت «إلهام»، وأخيرًا قتلت الشاعر الغنائي بطريقة مبتكرة … وكان من أصعب ما يكون كشفها … فأكمل رقم «صفر» قائلًا: الجدير بالذكر في هذه الحادثة أن بعض وسائل الإعلام الأجنبية صوَّرت الحادث على أنه إرهاب من تدبير جماعات إسلامية، وتحذِّر كل الكُتاب والمؤلفين والفنانين أن يلاقوا نفس المصير!
ريما: إذن المقصود بهذه الأحداث، وكما قال «أحمد»، هو ضرب الفن في مصر.
أحمد: نعم … فجميع الفنانين والفرق التي تعمل بمصر تستعين بكُتاب وملحنين وموسيقيين … بل وصحفيين مصريين … وهي فرصة جيدة ومُناخ مناسب لدس أعوانهم أو تجنيد أحد أعضاء الفرق لتنفيذ مخطَّطهم لضرب الفن في مصر.
قيس: ولماذا الفن بالذات؟
رقم «صفر»: إن الفن هو ضمير الشعوب، وهو المكوِّن للثقافات، والحارس للقيم والتراث والتقاليد؛ ولذلك كان أول عمل تقوم به الدول المستعمرة هو محو تراث الشعوب وإحلال ثقافاتهم وتقاليدهم … ولغاتهم، محل ثقافات وتقاليد ولغة سكان البلاد المحتلة … ليضمنوا ولاءهم.
قيس: ولماذا اختاروا مصر بالذات مسرحًا لعملياتهم؟
رقم «صفر»: أعتقد أن هذا واضح جدًّا؛ فمصر هي قلب الأمة العربية وعقلها، وهي صاحبة الثقل السياسي والثقافي المؤثِّر على كل شعوب المنطقة.
عثمان: ولماذا الآن بالذات؟
رقم «صفر»: ذلك مرتبط ارتباطًا بالنهضة التكنولوجية والإعلامية الحالية؛ كبناء أحدث استديوهات في العالم، وبث القنوات الفضائية المصرية لكل بقاع العالم وبلغات عديدة، ثم أخيرًا تصنيع أول قمر صناعي مصري. وفي اعتقادي إن الحوادث التي وقعت حتى الآن ليست إلا إشارةً لحدث خطير يجب أن نحتاط له ونمنع وقوعه؛ وذلك بالتحرُّك وبسرعة خلف من تُدعى «بيزا».
ريما: وما تصوُّركم لهذا الحادث؟
رقم «صفر»: اغتيال شخصية إعلامية كبيرة … ومصاحبة ذلك بضجة إعلامية عالمية مغرضة.
ورغم ما سمعه الشياطين من رقم «صفر»، لم يكن مفاجأةً لهم، إلا أنه أشعرهم بأهمية المهمة وحساسيتها وخطورتها، وبالذات «أحمد»؛ فقد ترك له رقم «صفر» مهمة قيادة المجموعة التي اختارها … ووضع خطة العمل لهم، إلا أن ساعة يده لم تترك له فرصة الاسترسال في التفكير؛ فقد أعلمته برسالة من «زبيدة» التي لم تحضر الاجتماع، فتلقاها على جهاز الكمبيوتر … وكانت تتمنَّى لهم التوفيق وتُخبرهم أن صاحب مكتب التوظيف قد عينها مؤخرًا كسكرتيرة مرافقة لخبير إعلامي ألماني … يساهم في تدريب الكوادر التي تعمل في القنوات الإقليمية الجديدة، وأنه طلب منها أن تراقبه جيدًا لتعطيه صورةً كاملة عن تفاصيل عمله … فهي ترى أنه سيكون له المزيد من المطالب مستقبلًا.
فطلب منها «أحمد» مجاراته وإعطاءه معلومات مشوَّشة، ولكن بها بعض الحقائق التي لا تضر الرجل أو عمله … وتمنَّى لها التوفيق …
في صباح اليوم التالي كانت مجموعة العمل قد انتشرت، كلٌّ في موقعه؛ ﻓ «قيس» تعاقد مع أكثر من جريدة لنشر إعلانه عن رغبته في تمويل الأعمال الفنية، و«زبيدة» كانت مصاحِبةً للسيد «إيمانويل» الخبير الإعلامي في جولة بمدينة الإعلام في السادس من أكتوبر، وتابعت بشغف مراحل العمل بالاستديوهات الفخمة التي تحوي قرًى ومدنًا إسلامية وفرعونية، ومسرحًا كبيرًا شغلها به حماسة العُمال وانصرافهم بمهمة لتركيب خشبته على دعائم خشبية ضخمة … إلا أن أحدهم كان كثير التنقُّل حوله بما أيقظ حاسة الشك والترقب لديها، فتابعت حركته عن بُعد، ودون أن يلاحظ رأته يُخرج من ملابسه ما يشبه الراديو الترانزستور الكبير، ويُثبِّته بإحدى الدعامات العريضة للمسرح والتي تُثبَّت عليها أرضيته بعد ذلك، إلا أنها لمحت بجواره جسمًا كبيرًا يشبه صندوق المعدات، لم تتبيَّن من موقعها ملامحه جيدًا، فعادت للخلف خطوات كي تستطيع أن تراه، فاصطدمت ببعض الألواح الخشبية الملقاة على الأرض، فلفتت انتباه العامل لها والذي اختفى فجأة، ممَّا أثار حفيظتها، فجرت إلى الموقع لتفحُّص ذلك الجسم … والذي تشك أنه قنبلة. ومن بين الدعامات الحاملة لخشبة المسرح خرج لها العامل من مخبئه، موجِّهًا لها ضربةً قوية، ولكنها كانت في كامل يقظتها فتفادتها، واستدارت بجزعها نصف دورة لتعود وتضربه، فأفقدته توازنه، ولحقتها ضربة قوية أخرى، فوقع على الأرض مُحدثًا صوتًا شديدًا.
كان هناك من أعوانه من يتابع ما يحدث، فلم تُعجبه النتيجة التي وصلوا إليها، فقفز أمامها حاملًا عارضةً خشبية … فلم تُمهله حتى يستقر على الأرض، بل طوَّحته بصاروخ من قدمها في الهواء، ليصطدم بالجسم المثبت على العارضة، فدوَّى صوت انفجار مروِّع، أسقط بالألواح المكوِّنة لخشبة المسرح، فتكوَّمت فوق «زبيدة» … وحمتها من الانفجار، وعرفت بعد ذلك أن العاملين قد لقوا مصرعهم، وأن الخبير الألماني لم يُصَب بأي أذًى … فقد كان يقف بعيدًا عن خشبة المسرح، أمَّا هي … فلم تُصَب إلا ببعض الخدوش … وأمَّا عن سبب نقلها المستشفى، فكان حالة الإغماء التي أصابتها، وقد حرص «أحمد» على زيارتها متخفيًا للاطمئنان عليها بنفسه، وليعرف المزيد من التفاصيل. وقد أخبرته أن «خلف» صاحبَ مكتب التوظيف له صِلة بما حدث، وعرف منها أيضًا ميعاد وتفاصيل زيارة السيد «إيمانويل» للمدينة، فتأكَّد «أحمد» أن ﻟ «خلف» علاقة وطيدة بأفراد العصابة، وأنه مركز هام لتجنيد عملاء مباشرين وغير مباشرين لمنظَّمة الاغتيالات أو ما أطلق عليه عصابة «بيزا» … وبِناءً على رغبة ممرِّضة الدَّور همَّ «أحمد» بمغادرة الغرفة؛ فقد كان الطبيب المعالج يمر على مرضاه وبصحبته زائر أجنبي عَرف أنه يعمل خبيرًا بمنظَّمة ثقافية أهلية، وأتى لزيارة مصابي الحادث للتعبير عن رفض كل المنظمات العالمية للإرهاب، فتعجَّب «أحمد»؛ أي رفض هذا، وأي إرهاب في هذه الحادثة؟! لقد خرجت كثير من الإذاعات والصحف العالمية عن حدود المعقول، بتهويل الحادث وتصويره على أنه إرهاب إسلامي رافض للتقدم والتطور. إنهم يقذفون عصفورَين بحجر واحد، ولكنهم لن يصيبوا أيًّا منهما؛ فهم يحاولون تشويه صورة الإسلام، وضرب النهضة الإعلامية في آن واحد. فأصرَّ أن يرى ذلك الضيف، ويناقشه في رؤيته للإرهاب … ولكنه سرعان ما غيَّر رأيه؛ فقد كان الضيف هو نفسه سائح ميدان «مصطفى كامل»، والحلقة الناقصة في مسلسل مقتل «دريم»، فتوارى في غرفة البوفيه، حتى مرَّا قباله، وخرج مع الطبيب وحولهما جمع من الممرضات ينادونه بمستر «هاري».
فأسرع «أحمد» إلى غرفة «زبيدة» مرةً أخرى ليسألها: هل رأيتِ مستر «هاري»؟
زبيدة: نعم … إنه يشبه شخصًا ما …
أحمد: نعم … نعم … إنه بطل حادثة ميدان «مصطفى كامل»، وكان معه القتيل «دريم».
زبيدة: إنه عضو جمعية أجنبية من جمعيات العمل الاجتماعي.
زبيدة: إدارة المستشفى لن تسمح له بالزيارة إلا بعد التأكد من شخصيته … ومن وجود هذه الجمعية … المهم الآن أن تلحقه قبل أن يختفي.
أحمد: لا يهم … سنحصل على عنوان الجمعية، وسنعرف كل شيء عنها وعنه.
ترك «أحمد» «زبيدة»، وفي رأسه المزيد من علامات الاستفهام؛ فحتى الآن كل من يقابلونهم من أعضاء عصابة «بيزا» … هم أعضاء في فرق استعراضية أو جمعيات أهلية … والسيطرة عليهم للقضاء على مخططهم أمر غاية في الصعوبة، إلا إذا تمَّ التخلص من قيادة هذه المجموعة. ومستر «هاري» إن لم يكن القائد فهو ذراعه الأيمن … والطريق إليه هو الطريق لنهاية المهمة.
وأمام الباب الرئيسي للمستشفى جلس «أحمد» في سيارته خلف عجلة القيادة منتظرًا خروج «هاري» الذي ظهر في هذه اللحظة بصحبة بعض موظفي المستشفى، يحيُّونه ويودِّعونه، ثم أشار بيده فتوقَّفت أمامه سيارة هوندا بيضاء تقودها فتاة انطلقت بعد أن ركبها لتمر أمام «أحمد» وتصيبه الدهشة البالغة؛ فقد كانت الفتاة التي تقود هذه السيارة … هي «إلهام».