الأزْهَر أحوج إلى اختيَارِ مُدَرِّسيهِ مِنهُ إلى مَالٍ يواسيه١
الجامع الأزهر على قيد خطوة من الراكب والراجل، ولكنه على بعد ألف سنة من المفكر؛ وذلك لأنه لا يزال كما هو يلقي دروسه على النسق الذي كان يلقي به أفلاطون دروسه في غابته وأرسطو بين تلامذته، وقد أغرى أساتذته بكل قديم حتى لو علموا كيف كان يعلم آدم أبناءه لعدلوا عن خطتهم الحالية في التعليم إلى تلك الخطة، وإنا ليؤسفنا أن يكون الأزهر الشريف أثرًا من الآثار لا حظَّ له من الغرض الذي أسس لأجله؛ لأننا نريد أن تكون مصر وطن الإسلام الثاني بحق، ونريد أن نستأهل اللقب الذي أطلقه علينا المسلمون في الشرق والغرب، وهو أننا حفظة العلم الإسلامي وأعلام الدين وأقطاب الشرق إلى آخر ما يقولون عنا.
أقيم الأزهر لغرضين: أولهما أن يحفظ ما عساه أن يندثر من آداب اللغة العربية، وثانيهما أن يهدي الناس إلى أقوم السبل في أمر دينهم، فهل هو قائم بهذه المهمة كما ينتظر منه؟
كلا: فإن الإنسان يتعلم الأدب ليكون كاتبًا أو شاعرًا، ونحن لا نكاد نطبق أصابع اليدين على شعراء الأزهر وكتابه. ويتفقَّه أحدنا في الدين ليعرف الناس في أمور معاشهم على ما يقضي به نصوصه وأحكامه، وما عهدنا في الأزهريين من تصدى لتطبيق آية من القرآن على مشروع معاصر مفيد، ولا رأيناهم أتوا بشيء جديد غير ما أخلق جدته الزمن وأبلته الأيام.
فهل هكذا يكون الأزهر؟ هل هكذا يكون المعهد الذي يؤمه طلاب العلوم الدينية من حيث تشرق الشمس ومن حيث تغرب؟ هل هكذا تكون المدرسة التي تضم بين جدرانها أكثر مما تضمه ثكنات الجنود في القطر المصري والسودان.
لا والله ولو كان غاية ما يطمح إليه مؤسسة أن يكون على هذه الحال، لما استحق منا ومن المسلمين إلا أن يصفوه بالخرق والحمق وتبذير أموال المسلمين فيما لا يجدي، لا بالسداد والحكمة والاقتصاد.
نبهنا إلى ذلك ما قرره مجلس الأزهر الأعلى في جلسته الأخيرة برئاسة الجناب العالي الخديوي، فقد تقرر فتح اعتماد جديد بخمسة وعشرين ألف جنيه لإصلاح الأزهر، ونحن على ثقة من أن هذا الاعتماد وما تقدمه إنما قرر بنية صرفه في وجوهه، ولكن الذي يدهشنا أننا لا نزال نرى الأزهر كما كنا نراه قبل عشرين عامًا مع ما يؤكده سمو الخديوي المرة بعد المرة من أنه لا يهتم الآن بشيء قدر اهتمامه بإرجاع الأزهر إلى عهده الأول، أيام كان منفجر العلم ومنبثق العرفان.
ولقد علمتنا الحوادث أن الأزهر لا ينقصه المال ولا معدات التدريس، وإنما ينقصه المدرسون الذين يحسنون تلقين الدروس على النمط الذي يفهمه المبتدئون، فأحلنا إخفاق المصلحين في مسعاهم إلى إبقاء من يصلح ومن لا يصلح من العلماء في مراكزهم التي كانوا يشغلونها من قبل، ورجحنا أن الأزهر سيبقى كما هو اليوم إن لم يتداركه المصلحون من هذا الباب، فقد علت شكوى الطلاب من المدرسين وكيفية إلقاء الدروس وإهمال القائمين بالإصلاح تنفيذ برامجها حتى الاثنتي عشرة غرفة التي أنشئت حديثًا لم يتناول الإصلاح منها إلا اثنتين؛ وهما الثانية عشرة والحادية عشرة، وبقي العشرة الأخرى على الطراز القديم في التدريس والمرتبات والمدرسين وكل ما يتعلق بذلك، على شكوى الطلاب من كل ذلك، وما سمعنا طالبًا أو عالمًا يشكو قلة المال أو تفاهة المرتبات.
فخير للمجلس الأعلى أن يُشذِّب الأزهر من أمثال هؤلاء. وإن أدركتهم الشفقة بهم فلْيُعيِّنْ لهم دخلًا يتعيشون منه، وإلا فالمال ضائع هدرًا، وخير أن تخسر عشرة آلاف جنيه في معاشات العلماء المتقاعدين من أن تخسر كل اعتماد يُفتح من الآن إلى يوم الدين.
هذا ما نشير به الآن على المجلس ولنا عودة إن شاء الله إلى هذا الموضوع.