المجموعة الشمسية
(١) الكواكب من واقع التاريخ
قبل أن تحل بالعالم لعنات التلوث الضوئي والضباب الدخاني، كانت سماء الليل مألوفة أكثر للناس مما عليه الحال اليوم. وكانت الثقافات القديمة تنظر إلى الكواكب في السماء باعتبارها أشياء مميزة؛ لأنها «نجوم جوالة» تنتقل من مكان لآخر على خلفية «النجوم الثابتة». ثمة خمسة كواكب معروفة منذ القدم: عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل؛ وهي الكواكب الوحيدة التي تتمتع بقدر من اللمعان يكفي لأن يلفت انتباه العين المجردة. وبطبيعة الحال، الشمس والقمر كانا بارزَين أيضًا، لكن الكواكب تبدو على هيئة نقاط ضوئية جوالة، في حين أن الشمس والقمر يظهران على شكل قرصين، وغالبًا ما يُنظر إليهما على نحو مختلف. وخلال معظم عصور الوجود البشري، كان يُنظر إلى كوكب الأرض باعتباره مركز الخلق، والذي لا علاقة له بالأجرام التي في السماء؛ ومن ثم لم يكن يُعتقد أن الأرض أحد الكواكب.
القفزات الفكرية التي أدركت أن الأرض عبارة عن كرة من الصخر تدور حول الشمس، وأن الكواكب تفعل نفس الشيء، وأن الأرض ما هي إلا واحد من تلك الكواكب؛ كانت موجودة منذ زمن بعيد، لكن عملية ظهورها استغرقت وقتًا طويلًا، وكان هناك الكثير من المحاولات، فخلال القرن الخامس قبل الميلاد، خمَّن الفيلسوف اليوناني أناكساجوراس على نحو صحيح أن القمر جرْمٌ كروي يعكس ضوء الشمس، وقد نُفي بسبب اعتقاده هذا. وفي القرون اللاحقة، توصل علماء فلك صينيون عديدون إلى أفكار مشابهة، لكن فكرة أن القمر كروي الشكل لم تصبح — على الأرجح — حقيقة راسخة في أذهان الناس إلَّا بعد أن تم رصده عبر تليسكوب خلال القرن السابع عشر.
فيما يتعلق بالكواكب، ظل يُنظر إليها عمومًا باعتبارها نقاطًا ضوئية تدور حول كوكب الأرض، إلى أن تم التسليم بفكرةِ «مركزية الشمس» المضادة للحدس، والتي جعلت الشمس مركز الحركة. وأُولى الإشارات المكتوبة التي رجحت دوران كوكب الأرض حول الشمس ورَدتْ في نصوص هندية يرجع تاريخها إلى القرن التاسع قبل الميلاد، لكن رغم تلك الإشارات والإشارات الأخرى اللاحقة، لا سيما تلك التي وردت عن الحكماء الإغريق والمسلمين، وعن نيكولاس كوبرنيكوس في نهاية المطاف، وذلك في عام ١٥٤٣؛ لم تترسخ الفكرة تمامًا إلا بحلول القرن الثامن عشر؛ فقد وُضع جاليليو (الذي تمكَّن من خلال تليسكوبه من رؤية جبال على سطح القمر، ورصد مراحل كوكب الزهرة وأربعة أقمار صغيرة تدور حول كوكب المشتري) قيد الإقامة الجبرية من عام ١٦٣٣ حتى وافته المنية عام ١٦٤٢؛ ويرجع ذلك جزئيًّا إلى مناصرته لنظرية مركزية الشمس.
أظهر استخدام التليسكوب، من بداية القرن السابع عشر فصاعدًا، أن الكواكب تختلف اختلافًا جوهريًّا عن النجوم، بعد أن أوضح أن الكواكب عبارة عن أقراص صغيرة لكنها مميزة، في حين أن النجوم ظلت نقاطًا ضوئية، ومهَّد هذا الطريق أمام اعتبار الكواكب عوالم مشابهة لعالمنا. وبالمناسبة، نحن نعرف الآن أن النجوم أكبر بكثير من الكواكب، لكنها (باستثناء الشمس) أبعد كثيرًا جدًّا عن كوكبنا لدرجة تعجز عندها — إلَّا في استثناءات قليلة — حتى أكثر التليسكوبات الحديثة تطورًا عن إظهار أي تفاصيل عن سطحها (في الصور الفوتوغرافية، تبدو النجوم الساطعة أكبر من النجوم الخافتة، لكن هذا لا يعدو كونه خداعًا بصريًّا).
(٢) قوانين كبلر عن حركة الكواكب
تم التوصل للترتيب الصحيح الذي نعرفه اليوم للكواكب بفضل توصُّل يوهانس كبلر (١٦٠٩) إلى حقيقة أن: الكواكب (بما فيها كوكبنا الأرضي) تدور حول الشمس في مسارات (مدارات) تكون على هيئة قَطْع ناقص وليست دائرة كاملة، وكذلك بفضل الرؤية الكاشفة للجاذبية التي زوَّدَنا بها إسحاق نيوتن (١٦٨٧) التي تفسِّر هذا الدوران. وبعد ذلك، أصبح من الممكن البدء في استنتاج المسافات التي بين تلك الكواكب وكوكب الأرض، وأحجامها مقارنةً به.
والقطع الناقص هو شكل «بيضاوي»، ويُعرف رياضيًّا بأنه منحنًى مغلق يُرسم حول نقطتين (بؤرتَي القطع الناقص) بحيث يكون مجموع المسافتين من كل بؤرة لأي نقطة على المنحنى واحدًا. والدائرة نوع خاص من القطع الناقص؛ حيث تتطابق فيه البؤرتان عند مركز الدائرة، وكلما كانت المسافة بين البؤرتين أكبر، كان القطع الناقص أكثر استطالة أو «لاتراكزية». استنتج كبلر أن الكواكب تدور في مدارات على هيئة قطع ناقص؛ حيث تكون الشمس عند إحدى بؤرتي كل قطع ناقص (في حين تكون البؤرة الأخرى خالية). ويُطلق على أقرب نقطة في مدار الكوكب إلى الشمس «الحضيض»، ويُطلق على أبعد نقطة في مداره عن الشمس «الأوج». ومدارات الكواكب ليست لا تراكزية بشدة؛ ولا يشبه شكلُها كثيرًا شكلَ القطع الناقص، وإذا نظرت إليها مرسومة على مستوًى أفقي؛ فإنها تبدو أشبه كثيرًا بالدوائر. على سبيل المثال، عندما يكون المريخ في الأوج، تزيد المسافة بينه وبين الشمس بمقدار يقل عن ٢١٪ مقارنةً بما يكون عليه الحال عندما يكون في الحضيض، وبالنسبة للأرض يكون الفارق ٤٪ فقط.
يشتهر كبلر بقوانينه الثلاثة عن حركة الكواكب. وقانون كبلر الأول ينص ببساطة على أن كل كوكب يتحرك في مدار على هيئة قطع ناقص، مع وجود الشمس عند إحدى بؤرتيه. ويصف القانون الثاني كيفية تباين سرعة حركة الكوكب في مداره: يتحرك الكوكب أسرع كلما اقترب من الشمس (لأسباب أوضحتْها لاحقًا نظرية الجاذبية لنيوتن) بحيث يقطع الخطُّ التخيليُّ الذي يصل بين الكوكب والشمس مساحاتٍ متساويةً في أوقات متساوية. أما قانون كبلر الثالث، فيربط بين الفترة المدارية للكوكب (ويُقصد بها المدة التي يستغرقها الكوكب في إكمال دورة واحدة حول الشمس) ومتوسط المسافة بينه وبين الشمس: مربع الفترة المدارية لكوكب يتناسب طرديًّا مع مكعب متوسط المسافة بينه وبين الشمس. وقد تبين أن متوسط المسافة بين كوكب معين والشمس يساوي نصف طول المحور الطولي للقطع الناقص المداري (محوره شبه الكبير) أو، إذا شئت، نصف المسافة المستقيمة بين الحضيض والأوج.
من خلال قوانين كبلر الخاصة بحركة الكواكب، أمكن حساب أحجام مدارات الكواكب الأخرى بدقة، وهذه الدقة تظل رهينة — على نحو شبه تام — لمدى دقة الطريقة التي قِيسَ بها حجم مدار كوكب الأرض. وحتى مع العودة إلى الوراء كثيرًا، وتحديدًا إلى عام ١٦٧٢، أمكن من خلال المشاهدات المتزامنة لكوكب المريخ من مواقع متباعدة قياس المسافة بين كوكب الأرض والشمس، التي قُدرت بنحو ١٤٠ مليون كيلومتر، وهي القيمة التي تقترب — على نحو لافت — من القيمة الصحيحة التي تبلغ ١٤٩٥٩٧٨٧١ كيلومترًا. والمشاهدات التي رصدت عبور كوكب الزهرة أمام قرص الشمس في عامَي ١٧٦١ و١٧٦٩ (تَطلَّب العبور الثاني من المستكشف الإنجليزي جيمس كوك أن يسافر إلى تاهيتي) ساعدت على الوصول إلى تقدير جديد يتراوح بين ١٥٢ و١٥٤ مليون كيلومتر. وبالرغم من هذه التطورات العلمية وغيرها، التي استمرت في تعزيز نموذج متسق ورائع على نحو تامٍّ لنطاق وطبيعة المجموعة الشمسية؛ ظل الحظر البابوي على طباعة الكتب التي تتحدث عن «مركزية الشمس» في روما على حاله حتى عام ١٨٢٢.
الكوكب | القيمة التي نُشرت عام ١٨٩٤* | القيمة الصحيحة |
---|---|---|
عطارد | ٤٧٢٠ كيلومترًا | ٤٨٨٠ كيلومترًا |
الزهرة | ١٢٦٠٠ كيلومتر | ١٢١٠٤ كيلومترات |
الأرض | ١٢٧٥٦ كيلومترًا | ١٢٧٥٢ كيلومترًا |
المريخ | ٦٧٦٠ كيلومترًا | ٦٧٩٤ كيلومترًا |
المشتري | ١٤٢٠٠٠ كيلومتر | ١٤٢٩٨٠ كيلومترًا |
زحل | ١١٩٠٠٠ كيلومتر | ١٢٠٥٤٠ كيلومترًا |
أورانوس | ٥٣٦٠٠ كيلومتر | ٥١١٢٠ كيلومترًا |
نبتون | ٤٨٥٠٠ كيلومتر | ٤٩٥٤٠ كيلومترًا |
اكتشف هيرشل كوكب أورانوس بالصدفة، لكن تم اكتشاف كوكب نبتون في عام ١٨٤٦ نتيجة لعملية بحث مدروس في ضوء اضطرابات طفيفة حدثت في مدار كوكب أورانوس (وحرَفَتْه عن هيئة القطع الناقص الذي كان عليه)، يمكن تفسيرها على أفضل نحو من خلال تأثير جاذبية كوكب خارجي غير مرئي. وعندما مرَّ على توثيقه وقت طويل بما يكفي، أظهر مدار نبتون بدوره اضطرابات تشير إلى كوكب أبعد غير مكتشف. وهذا أطلق عملية بحث جديدة انتهت باكتشاف كوكب بلوتو عام ١٩٣٠. في البداية، افترض علماء الفلك أن هذا الكوكب التاسع الجديد يشبه حتمًا في حجمه وكتلته كوكبَي أورانوس ونبتون. لكن بحلول عام ١٩٥٥، تبين أن كوكب بلوتو قد لا يكون أكبر حجمًا من الأرض، وفي عام ١٩٧١، تم تخفيض حجمه التقديري بحيث أصبح مساويًا لحجم كوكب المريخ، وفي عام ١٩٧٨، وُجد أن غاز الميثان المتجمد الذي يعكس الضوء بقوة يغطي أغلب سطح كوكب بلوتو، وكان هذا معناه تقليل حجمه الفعلي أكثر ليظل متسقًا مع سطوعه الكلي. نحن نعلم الآن أن قُطر كوكب بلوتو لا يتجاوز ٢٣٩٠ كيلومترًا؛ ومن ثَمَّ فإن حجمه أصغر (وكتلته، في واقع الأمر، أصغر «كثيرًا») حتى من كوكب عطارد. وتعزى هذه الاضطرابات الظاهرة في مدار نبتون، التي أدَّت — لحسن الحظ — لعملية البحث عن بلوتو حاليًّا، إلى عدم دقة المشاهدات.
في عام ٢٠٠٦، حُذف بلوتو من قائمة الكواكب المعترف بها رسميًّا. كانت هذه خطوة مثيرة للجدل، بالرغم من أنها — في رأيي — خطوة صائبة. وقبل أن أوضح كيف حدث هذا، سوف أستعرض طبيعة المجموعة الشمسية كما نفهمها حاليًّا.
(٣) نظرة عامة على المجموعة الشمسية
(٣-١) الشمس
تقع الشمس في مركز المجموعة الشمسية، وهي نجم عادي إلى حد كبير، ومصدر طاقتها تحوُّل الهيدروجين إلى هليوم عن طريق الاندماج النووي في لب الشمس. وقطر الشمس أكبر ﺑ ١٠٩ أضعاف من قطر الأرض، وكتلتها أكبر بنحو ٣٣٣ ألف ضعف من كتلة الأرض، كما أن كتلتها أكبر بنحو ٧٤٠ ضعفًا من كتلة جميع الأجرام الأخرى الموجودة في المجموعة الشمسية مجتمعة؛ ومن ثَمَّ فإن جاذبية الشمس تكون قوية جدًّا، لدرجة أن الأجرام الموجودة في المجموعة الشمسية تدور حول الشمس على هيئة قطع ناقص، وذلك على النحو الذي بيَّنه كبلر، والاضطرابات التي تحدث لمدار كوكبٍ ما بفعل كواكب أخرى تكون صغيرة، بالرغم من أنه من الممكن قياسها.
(٣-٢) الكواكب
الكوكب | المسافة بينه وبين الشمس (بالوحدات الفلكية) | الفترة المدارية (بالسنوات) | الكتلة (بالنسبة للأرض) | فترة الدوران (بالأيام) |
---|---|---|---|---|
عطارد | ٠٫٣٨٧ | ٠٫٢٤١ | ٠٫٠٥٥ | ٥٨٫٦ |
الزهرة | ٠٫٧٢٣ | ٠٫٦١٥ | ٠٫٨١ | ٢٤٣٫٠ |
الأرض | ١ | ١ | ١ | ١ |
المريخ | ١٫٥٢ | ١٫٨٨ | ٠٫١١ | ١٫٠٢٦ |
المشتري | ٥٫٢٠ | ١١٫٨٦ | ٣١٨ | ٠٫٤١٠ |
زحل | ٩٫٥٨ | ٢٩٫٤٦ | ٩٥٫٢ | ٠٫٤٤٤ |
أورانوس | ١٩٫١ | ٨٤٫٠١ | ١٤٫٥ | ٠٫٧١٨ |
نبتون | ٣٠٫٠ | ١٦٤٫٨ | ١٧٫٢ | ٠٫٧٦٨ |
إن فترة الدوران هي الفترة التي يستغرقها الكوكب ليكمل دورة واحدة حول محوره. وبالنسبة للكواكب التي تدور بسرعة، تكاد تكون فترة دورانها مساوية للوقت الذي يفصل بين شروقين للشمس («مدة يوم» الكوكب)، لكن العلاقة ليست دقيقة تمامًا؛ لأن الحركة المدارية للكوكب تغيِّر على نحو مستمر الاتجاه بين الكوكب والشمس. وفترة دوران الأرض حول محورها تبلغ ٢٣ ساعة و٥٦ دقيقة، لكنها تستغرق ٢٤ ساعة بالضبط للدوران على بُعدٍ كافٍ كي تعود الشمس — بالنسبة لها — لنفس النقطة من السماء. وبالنظر إليها من كوكبٍ ما، فإن الشمس تتحرك في أرجاء السماء خلال دورة واحدة للكوكب حولها، إضافة إلى تغير الاتجاه نحو الشمس من أي نقطة على سطح الكوكب نتيجة لدوران الكوكب حول محوره. والكوكب الذي أصبحت فترة دورانه حول محوره مساوية تمامًا لفترة دورانه حول الشمس (الدوران المتزامن) يظل وجهه دائمًا صوب الشمس. هذا لا ينطبق تمامًا على عطارد، لكنه يدور حول محوره «ثلاث» مرات بالضبط خلال «دورتين» حول الشمس؛ ونتيجة لذلك يصبح وجهه مواجهًا للشمس مرة كل دورتين حولها؛ ومن ثَمَّ فإن يومه يبلغ طوله ضعف عامه.
ثمة تغير في طبيعة الكواكب الداخلية الأربعة والكواكب الخارجية الأربعة؛ فالكواكب الداخلية (وهي عطارد والزهرة والأرض والمريخ) صغيرة نسبيًّا وقليلة الكتلة مقارنةً بالكواكب الخارجية الأربعة (وهي المشتري وزحل وأورانوس ونبتون). ثمة تبايُن بين كثافتهما؛ فالكواكب الداخلية أكثر كثافة من الخارجية. ويُطلق على الكواكب الداخلية «الكواكب الأرضية»، في إشارة إلى أن جميعها «شبيه بالأرض». أما الكواكب الخارجية فيطلق عليها «الكواكب العملاقة». البعض يطلِق عليها «العمالقة الغازية» للإشارة إلى حقيقة أنها تحتوي على قدر هائل من الهيدروجين والهليوم، وآخرون يَقْصرون هذا المصطلح على كوكبَي المشتري وزحل؛ لأنهما يحتويان على كمٍّ من الغازات أكثر من الكوكبين الآخرين، بالرغم من أن كلًّا من هذين الكوكبين الآخَرَين يحتوي على كمٍّ من الغازات يزيد على كتلة كوكب الأرض غازًا.
عندما يقترب بلوتو من الحضيض، يكون داخل مدار نبتون، لكن من المستبعد أن يتصادما؛ فلكلٍّ ميله المداري، واختلاف هذا الميل يمنع مساريهما من أن يتقاطعا. وعلاوة على ذلك، دائمًا ما يكون نبتون في الجانب المقابل من الشمس عندما يمر بلوتو داخل مدار نبتون. وما يجعل هذا الأمر ممكنًا أن كل ثلاث دورات لكوكب نبتون حول الشمس تُقابِلها دورتان بالضبط لكوكب بلوتو حولها. وتُعرف هذه العلاقة بالرنين المداري ٣ : ٢.
وإضافة إلى وقوع المدارات في نفس المستوى تقريبًا، فجميع الكواكب تسلك نفس الطريق حول الشمس؛ فهي تدور عكس اتجاه عقارب الساعة كما يُرى من نقطة رصد تخيلية أبعد بكثير من القطب الشمالي لكوكب الأرض. وتظهر الحركة عكس عقارب الساعة أيضًا في الاتجاه الذي يدور فيه كل كوكب — باستثناء كوكبَي الزهرة وأورانوس — حول محوره. ولأن الحركة عكس عقارب الساعة شائعةٌ جدًّا، يُطلَق عليها «الحركة الطبيعية». والحركة المدارية للكوكب أو حركة دورانه حول محوره التي تكون في اتجاه عقارب الساعة يُنظر إليها باعتبارها حركة للخلف، ويطلق عليها «الحركة العكسية».
وباستثناء أورانوس، يكون المحور الذي يدور حوله كل كوكب أقل ٣٠ درجة من أن يكوِّن زاوية قائمة مع مستواه المداري. وعطارد كوكب شبه «مثالي»؛ حيث إنه يميل بمقدار لا يتجاوز ٠٫١ درجة، في حين يميل محور الأرض بمقدار ٢٣٫٥ درجة. ويتباين الاتجاهُ الذي يشير إليه محور كوكبٍ ما، وكذلك مقدارُ الميل عند قياسهما على مدى عشرات الآلاف من السنين، لكنهما ثابتان فعليًّا على المقياس الزمني لمدار واحد. وميل المحور هو المسئول عن وجود فصول السنة على ظهر الكواكب؛ ففي الأرض يحدث الصيف في نصف الكرة الشمالي خلال جزء المدار الذي يميل عنده الطرف الشمالي من محور الأرض «نحو» الشمس، والشتاء الشمالي يحدث بعد ستة شهور من هذا عندما تكون الأرض على الجانب الآخر من الشمس، بحيث يميل الطرف الشمالي للمحور «بعيدًا» عن الشمس. ومن الكوكبين اللذين لا يتوافقان في درجة الميل، يميل محور الزهرة بمقدار ٢٫٧ درجة فقط، لكنه يدور ببطء شديد في الاتجاه العكسي (ما يجعل يومه يساوي ١١٦٫٧ يومًا من أيام الأرض) في حين يميل محور أورانوس بمقدار ٨٢٫١ درجة بدوران عكسي سريع. الأرجح أن أورانوس قد عانى كارثة قلبته رأسًا على عقب، فبعد أن كان قد بدأ بدوران طبيعي في عكس اتجاه عقارب الساعة، انحرف بمقدار ٩٧٫٩ درجة (٩٧٫٩ درجة هي ناتج ١٨٠ درجة مطروحًا منها ٨٢٫١ درجة). وهذا يمكن أن يفسر الوضع الحالي دون الحاجة إلى حدث منفصل يفسر انعكاس اتجاه دورانه.
(٣-٣) أقمار الكواكب
جميع الكواكب تتبعها أقمار باستثناء عطارد والزهرة. وهذه الأقمار أجرام أصغر حجمًا تكون قريبة بالقدر الذي يكفي لأن تدور حول الكوكب بدلًا من الشمس. في الواقع، يدور كلٌّ من الكوكب والقمر التابع له حول مركز الكتلة المشترك بينهما (أو «محور الثقل»)، لكن الكواكب أضخم بكثير من أقمارها؛ لدرجة أن مركز كتلتها يقع داخل الكواكب نفسها، وعادةً ما يكون من المناسب تمامًا النظر إلى الأقمار على أنها تدور حول كواكبها. وتقع مدارات معظم الأقمار بالقرب من المستوى الاستوائي لكوكبها، وجميع الأقمار الضخمة تقريبًا تدور في مدارات عكس اتجاه عقارب الساعة؛ أي إنها تدور في نفس اتجاه دوران كوكبها.
والقمر الذي يتبع كوكب الأرض حالة استثنائية؛ لأنه ضخم نسبيًّا مقارنة بكوكبه؛ حيث يبلغ قطره ٢٧٪ من قطر الأرض، و١٫٢٪ من كتلتها. وبالمصادفة، حجم القمر وبُعده عن الأرض يبدوان نفس حَجم وبُعد الشمس عنها؛ وهذا لأن الشمس أضخم بكثير، لكنها في ذات الوقت أكثر بعدًا؛ وعندما يمر القمر بالضبط بين كوكب الأرض والشمس، فإنه يحجب قرص الشمس؛ مما يُسبِّب كسوفًا شمسيًّا. ولو كان مدار القمر حول الأرض على نفس المستوى بالضبط مع مدار الأرض، لَحدث كسوف شمسي كل دورة قمرية حول الأرض (أي كل شهر)، لكن مدار القمر يميل بزاوية ٥٫٢ درجات نحو دائرة الكسوف؛ ومن ثَمَّ فإن حالات الكسوف الشمسي نادرة، لا تحدث إلا عندما يتصادف مرور القمر بين الأرض والشمس عند نقطة من النقطتين اللتين يعبر عندهما مدار القمر دائرة الكسوف. كان تفسير الطبيعة الدورية لهذه الأحداث والتنبُّؤ بالوقت الذي يمكن أن تحدث فيه حالات كسوف شمسي (رغم عدم التمكُّن من فَهْم أسبابها فهمًا تامًّا) أحد الإنجازات العظيمة لعلماء الفلك البابليين منذ نحو ٢٦٠٠ عام. وحالات خسوف القمر التي تحدث عندما يمر القمر في ظل الأرض تخضع لنفس الدورة، لكنها أكثر شيوعًا؛ لأن ظل الأرض أكبر على نحو ملحوظ من القمر.
يتبع كوكبَ المريخ قمران صغيران، بينما يتبع كوكب المشتري أربعة أقمار يتجاوز قطرها ٣ آلاف كيلومتر (وهي الأقمار الأربعة التي اكتشفها جاليليو)، إضافة إلى ٥٩ قمرًا آخر — وفقًا لأحدث المعلومات — يقل قطرها عن ٢٠٠ كيلومتر (معظمها أقل من ٤ كيلومترات). ولكوكب زحل عدد مماثل من الأقمار، بالرغم من أن واحدًا فقط من تلك الأقمار هو الذي يضاهي أكبر قمر تابع لكوكب المشتري. ويتبع كوكبَ أورانوس خمسةُ أقمار بقطر يتراوح بين ٤٠٠ و١٦٠٠ كيلومتر، و٢٢ قمرًا معروفًا أصغر حجمًا. ويتبع كوكبَ نبتون قمرٌ ضخم واحد، واثنا عشر قمرًا معروفًا صغير الحجم. ومعظم الأقمار الخارجية الصغيرة (بقطر يبلغ بضعة كيلومترات) التي تتبع كوكب المشتري وزحل تم اكتشافها باستخدام تليسكوبات (وليس عن طريق إحدى المركبات الفضائية)، وبالتأكيد لا يزال هناك المزيد من الأقمار الصغيرة التي تتبع الكواكب العملاقة بانتظار أن يتم اكتشافها، لا سيما تلك التي تتبع أورانوس ونبتون؛ حيث هناك صعوبة كبيرة في استخدام التليسكوب لاكتشافها؛ وذلك لسببين؛ هما: أنهما أكثر بعدًا عن الشمس؛ ومِن ثَمَّ أقل سطوعًا، كما أنهما أكثر بعدًا عن كوكب الأرض؛ ومِن ثَمَّ سيبدوان خافتين حتى إذا كانت درجة سطوعهما جيدة.
والأقمار الأكبر حجمًا أكثر إثارة للاهتمام من الناحية الجيولوجية — وسوف أذكر المزيد عنها لاحقًا — لكن جميع الأقمار مفيدة لعالم الكواكب؛ لأنها تساعد في تحديد خصائص الكواكب التي تتبعها هذه الأقمار. والفترة المدارية للقمر التابع لا تعتمد إلَّا على متوسط المسافة بين القمر ومركز الكوكب وكتلتهما المشتركة (التي يمكن حسابها باستخدام تفسير نيوتن لقانون كبلر الثالث بمنظور الجاذبية). ولأن الأقمار التابعة أصغر بكثير، تكون كتلة الكوكب هي المهيمنة على نحو شبه تامٍّ، بنفس الطريقة التي تعتمد بها مدارات الكواكب حول الشمس على المسافة والكتلة الشمسية.
(٣-٤) الكويكبات والأجرام الوراء نبتونية والمذنبات
يتناول هذا الكتاب موضوع الكواكب وليس المجموعة الشمسية بأكملها، لكن تجدر بنا الإشارة إلى أن الأجرام الأخرى تفوق كثيرًا في عددها عددَ الكواكب وأقمارها التابعة معًا، بالرغم من أن هذه الأجرام صغيرة الحجم، وإجمالي كتلتها ضئيل نسبيًّا. وبالرغم من أن علماء الكواكب أدركوا أن الفروق بين تلك الأجرام «الثانوية» غير واضحة إلى حدٍّ ما، فإنه يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات فضفاضة: الكويكبات، والأجرام الوراء نبتونية، والمذنبات.
تتباين الكويكبات في حجمها؛ حيث يبلغ قطر أضخمها ٩٥٠ كيلومترًا (وهو قطر كويكب سيريس)، وليس هناك حد أدنى لهذا الحجم. وقد تم اكتشاف كويكبات بقطر يبلغ بضع عشرات الأمتار وهي تمر قريبًا من كوكب الأرض، ويمكن العثور على بقايا كويكبات أصغر حجمًا سقطت على الأرض، وذلك على هيئة نيازك. وكان يُظن سابقًا أن الكويكبات عبارة عن بقايا كوكب مُدمَّر، لكننا نعتقد الآن أن الكويكبات لم تنتمِ قَطُّ لجرم بحجم كوكب. والكتلة الإجمالية لجميع الكويكبات هي — على الأرجح — أقل من واحد على ألف من كتلة الأرض. ومن الواضح أن بعض الكويكبات قد تعرضت لتصادمات متبادلة، كما يتضح من أشكالها غير المنتظمة.
ومن دون استثناءات، فإن الحركة المدارية للكويكبات تكون في عكس اتجاه عقارب الساعة. ومعظم الكويكبات لديها ميل مداري يقل عن ٢٠ درجة، لكن اللاتراكزية تكون أكبر عادةً مقارنةً بالكواكب. وتقع مدارات معظم الكويكبات بين مدارَي المريخ والمشتري (وهو ما يُعرف باسم «حزام الكويكبات»، لكن بعضًا منها يقترب كثيرًا من الشمس، ويمر داخل مدار كوكب الأرض، بل وحتى (في عدد من الحالات) داخل مدار كوكب عطارد. هناك بضعة كويكبات يُعرف أنها تدور فيما وراء زحل. ومثل النيازك المشتقة منها، تتميز معظم الكويكبات بطبيعة صخرية كربونية، لكن بعضًا منها مُكوَّن من حديد ونيكل. وبقدر ما يتوافر لدينا من معلومات، غالبًا ما يكون تركيب الكويكب أقل صخرية، وأكثر كربونية، وأكثر جليدية في نهاية المطاف كلما ابتعد عن الشمس.
ووراء مدار نبتون، وتحديدًا على مسافة من الشمس تتراوح بين نحو ٣٠ و٥٥ وحدة فلكية، يشيع وجود أجرام جليدية صغيرة الحجم، وهناك العديد منها التي تتجاوز من حيث الحجم أكبر الكويكبات. وهذه المنطقة عادةً ما يُطلق عليها «حزام كايبر»، الذي يحمل اسم العالم الأمريكي من أصل هولندي جيرارد كايبر، الذي تنبأ به في عام ١٩٥١ باعتباره منطقة تتجمع فيها الكتل الجليدية منذ نشوء المجموعة الشمسية. وقد أشار عالم أيرلندي — يُدعى كينيث إدجورث — إلى نفس هذا الاستنتاج في دورية مغمورة عام ١٩٤٣؛ لذا يفضِّل البعض أن يُطلق على هذا الحزام اسم «حزام إدجورث-كايبر». وأول جرم اكتُشف في حزام كايبر وتميَّز بتلك الخصائص عُثر عليه عام ١٩٩٢، لكن عدة مئات من تلك الأجرام قد تم اكتشافه الآن، وأصبح واضحًا أن بلوتو يجب أن يصنف على أنه واحد منها. والأجرام المشابهة التي لها حضيض لا يتجاوز مدار نبتون كثيرًا، لكنها تبلغ نحو ١٠٠ وحدة فلكية في أوجها، يُطلق عليها أجرام «القرص المبعثر». وأجرام القرص المبعثر إلى جانب حزام كايبر يشكلان عائلة يُطلق عليها «الأجرام الوراء نبتونية»، وجميعها تدور في مدارات في عكس اتجاه عقارب الساعة. ومن المرجح أن الكتلة الإجمالية للأجرام الوراء نبتونية تبلغ نحو ٢٠٠ ضعف الكتلة الإجمالية لحزام الكويكبات (أي خُمس كتلة كوكب الأرض). وإجمالًا، ربما يوجد نحو ١٠٠ ألف جرم يزيد حجمها على ١٠٠ كيلومتر. اكتُشف أحد أجرام القرص المبعثر عام ٢٠٠٥ وأُطلق عليه إريس، الذي يبدو أنه أكبر على نحو طفيف من بلوتو. ومما يزيد من درجة تأكدنا من كتلتيهما أن كليهما لديه أقمار تابعة بمدارات موثقة جيدًا، تشير إلى أن كتلة إريس أكبر من كتلة بلوتو بنسبة ٢٨٪.
المذنَّبات معروفة منذ القدم؛ لأن المذنَّب يمكن أن يظهر ظهورًا خاطفًا ومثيرًا بفضل تطويره لذيلٍ من الغاز والغبار يمكن أن يمتد عبر السماء، عندما يمر المذنب قريبًا من الشمس. ومع ذلك، فإن الجزء الصلب من المذنب هو مجرد كتلة من جليد غباري (كثيرًا ما توصف بأنها «كرة الثلج القذرة»)، والتي لا يتجاوز قطرها بضعة كيلومترات في معظم الأحيان. ويقضي المذنب معظم وقته بعيدًا عن الشمس، ولا يتشكل لديه ذيل إلا عندما يمر على مقربة كافية من الشمس تعمل على إحمائه. ونادرًا ما يحدث هذا؛ لأن المذنبات لها مدارات ذات لاتراكزية كبيرة، ويقع حضيضها عادةً داخل مدار كوكب الأرض، لكن أوجها يقع قريبًا من مدار المشتري أو وراءه. تأتي بعض المذنبات من مكان بعيد جدًّا لدرجة أن مداراتها تشبه القطع المكافئ (قطع ناقص طويل على نحو غير متناهٍ)، ولا تمر قريبًا من الشمس سوى مرة واحدة خلال تاريخها. وهذا النوع يُطلق عليه «المذنبات غير الدورية» (أي المذنبات ذات الفترات المدارية الطويلة)، وقد تم إزاحتها على ما يبدو من غطاء — لم تحدَّد معالمه جيدًا بعدُ — يحيط بالشمس على بعد ٥٠ ألف وحدة فلكية يُعرف باسم «سحابة أورط». وعلى النقيض، نشأت «المذنبات الدورية» (أي المذنبات ذات الفترات المدارية القصيرة) على الأرجح باعتبارها أجرام القرص المبعثر التي تم تشتيتها في مدار لاتراكزي بمسافة حضيض صغيرة عن طريق الاقتراب بشدة من جِرم آخر. والمذنبات التي لها فترات مدارية تبلغ مئات السنين يظل أوجها في القرص المبعثر، لكن الأوج يمكن أن يُزحزح ليقترب من الشمس نتيجة لاقتراب المذنب بشدة من كوكب عملاق. على سبيل المثال، مذنب هالي له أوج قريب من مدار نبتون، وفترة مدارية تبلغ ٧٥ سنة، في حين أن مذنب إنكي له أوج قريب من مدار المشتري، وفترة مدارية تبلغ ٣٫٣ سنوات فقط. وتفقد المذنبات من كتلتها عن طريق إطلاق ما بها من غازات في كل مرة تعمل حرارة الشمس على إحمائها؛ لذا بعد عبور المذنب عددًا يقل عن ألف حضيض، فإنه يُختزل — على الأرجح — إلى كتلة خاملة من الصخر الخالي من الجليد والغبار، ويصعب تمييزه حينئذٍ عن الكويكب.
وكما يمكنك أن تتوقع استنادًا إلى مصدرها، فإن المذنبات «الدورية» تدور في مدارات في عكس اتجاه عقارب الساعة، وغالبًا ما تكون قريبة من دائرة الكسوف. بيْدَ أن مثل هذا التقييد لا ينطبق على المذنبات غير الدورية التي يمكن أن تميل مداراتها على نحو كبير، أو حتى تنعكس حركة دورانها.
(٣-٥) ما تعريف الكوكب؟ وكيف أُسقط بلوتو من قائمة الكواكب؟
كان بلوتو أول جِرم وراء نبتونيٍّ اكتُشف، وذلك في عام ١٩٣٠. وحتى بعد أن أصبح واضحًا صغر حجم بلوتو (وصغر كتلته لاحقًا بفضل اكتشاف أكبر الأقمار التابعة له عام ١٩٧٨)، ظل الناس يعتقدون أن بلوتو هو الكوكب التاسع في كواكب المجموعة الشمسية، ولكن حينما تزايد عدد الأجرام المكتشفة في حزام كايبر ليصل إلى مئات الأجرام، ونافس العديد منها بلوتو في حجمه، أصبح من الصعوبة تصنيف بلوتو على أنه كوكب، وتصنيف أجرام حزام كايبر الأخرى على أنها شيء مختلف. وعندما تم التأكد من أن كتلة وحجم الجرم إريس أكبر — على الأرجح — من بلوتو، كان من المنطقي إما أن تُسمى جميع الأجرام الوراء نبتونية كواكب، وإما ألَّا يُطلق على أيٍّ منها هذا الاسم. مع ذلك، جادل الكثير من الناس من أجل الإبقاء على بلوتو كوكبًا على أساس عاطفي أو تاريخي.
ومما أعاق عملية اتخاذ القرار أن مصطلح «كوكب» لم يتم قط تعريفه تعريفًا تامًّا. وفي النهاية، وفي اجتماع للاتحاد الفلكي الدولي، عُقد في براغ عام ٢٠٠٦، أثير خلاله جدل كبير، صوتت الوفود المشاركة على قبول بعض التعريفات التي سوَّت المشكلة إلى حد كبير. لم يَثُرْ جدل حول قاعدتين أساسيتين يتم على أساسهما اعتبار الجرم كوكبًا؛ أولًا: قرر الاتحاد الفلكي الدولي أن الكوكب يجب أن تكون له كتلة كافية حتى تتمكن جاذبيته الذاتية من التغلب على «قوى الأجرام الصلبة»؛ كي يتمتع بشكل يتَّسم بتوازن هيدروستاتيكي (شبه دائري)، وثانيًا: قرر أن الكوكب يجب أن يدور في مدار حول الشمس. وهذه القاعدة الثانية تستبعد الأقمار الكبيرة مثل القمر الأرضي من قائمة الكواكب.
أما القاعدة الثالثة فكانت حاسمة؛ فهي تنص على أنه كي يُعدَّ الجِرمُ كوكبًا، يجب ألا يكون في محيطه حول مداره أي جرم سوى أجرام أصغر حجمًا بكثير منه. وهذا هو الشرط الذي لا يستوفيه بلوتو؛ فهناك أجرام أكبر منه في محيطه؛ لأن محيطه هذا يشترك معه فيه العديد من الأجرام ذات الأحجام المشابهة لحجمه. وفي واقع الأمر، يشترك معه فيه أيضًا كوكب نبتون الأكثر ضخامة بكثير. أما نبتون، فتنطبق بالفعل عليه تلك القاعدة؛ لأنه أضخم آلاف المرات من أي شيء آخر في نفس المنطقة المدارية (مثل بلوتو).
وبعد أن أخذ الاتحاد الفلكي الدولي الخطوة الجريئة والمنطقية تمامًا باستبعاد بلوتو من قائمة الكواكب، يبدو أنه قد ندم فورًا على تلك الخطوة، ولم يكتفِ بابتكار فئة بل فئتين جديدتين لينتمي إليهما بلوتو؛ ففي اجتماعه المنعقد في براغ عام ٢٠٠٦، ابتكر مصطلحًا جديدًا هو «الكوكب القزم»، الذي عُرِّف بأنه: «جِرم سماوي يدور حول الشمس، وله كتلة كافية تسمح لجاذبيته الذاتية بالاحتفاظ بشكله شبه الدائري، وتوجد أجرام سماوية أكبر منه حجمًا بكثير في محيطه؛ وليس قمرًا.» وتحديدُ ما إذا كان شكله شبهَ دائري أم لا مِن على بُعد أمرٌ صعب، كما أنه يثير جدلًا، لكن الاتحاد الفلكي الدولي بتبنِّيه هذا التعريف ميَّز بلوتو وإريس وسيريس (أكبر الكويكبات) بأن أُطلق عليها «الكواكب القزمة». في ذلك الحين، تأكد تصنيف الأجرام الوراء نبتونية الضخمة الأخرى باعتبارها كواكب قزمة عندما قيس حجمها على النحو الملائم. وبالطبع في عام ٢٠٠٨، اجتاز جرم — ينتمي لحزام كايبر، ويطلق عليه ميكميك، ويقدَّر حجمه بنحو ثلثي حجم بلوتو — اختبارَ الشكل الخاص بالكواكب القزمة، واعتُرف بأنه الكوكب القزم الرابع، وأعقبه كوكب قزم خامس أطلق عليه هاوميا.
على ما يبدو أن الاتحاد الفلكي الدولي ندم على وضع أجرام صغيرة الحجم مشابهة لبلوتو في نفس القائمة التي وضُع فيها سيريس، وفي عام ٢٠٠٨، ابتكر الاتحاد مصطلحًا جديدًا هو «البلوتيات» (أشباه بلوتو) للدلالة على الكواكب القزمة الوراء نبتونية. ومِن ثمَّ، فإن سيريس هو الكوكب القزم الوحيد الذي لا يشبه بلوتو، وبالتأكيد لم يُكتشف أي كويكب جديد بقدر من الضخامة تسمح له بالانضمام إلى هذا الكويكب في هذه الفئة، بيْد أنه يوجد — على الأرجح — كثير من الأجرام الوراء نبتونية الضخمة غير المكتشفة أو الموثقة على نحو غير ملائم، التي سوف تنضم إلى بلوتو وإريس وميكميك وهاوميا باعتبارها شبيهة ببلوتو، وباعتبارها «أيضًا» كواكب قزمة. وبالمناسبة، سُمي إريس (وضعًا في الاعتبار الجدل الذي أثاره) على اسم إلهة من آلهة الإغريق القدماء؛ وهي إلهة النزاع، في حين سُمي ميكميك وهاوميا على اسم إلَهَتَيِ الخصوبة في جزر المحيط الهادي.
(٤) كيف حدث كل هذا؟
(٤-١) نشأة الكواكب
حتى وقت قريب، كان من الممكن الاعتقاد بأن الكواكب نادرة في الكون، لكن يبدو واضحًا الآن أن الكواكب ناتج ثانوي معتاد يَظهر إلى الوجود نتيجة تكوُّن النجوم؛ ومِن ثَمَّ فإن وجود مجموعتنا الشمسية ناتج عن نشوء الشمس نفسها.
ويُعتقد أن النجم يتكون عندما تنكمش سحابة بين نجمية شاسعة — تكون مكوَّنةً في الأساس من الهيدروجين الذي يكون ممزوجًا ببضعة غازات أخرى وجسيمات دقيقة صلبة تُعرف بالغبار — تحت تأثير جاذبيتها الذاتية. وبينما تنكمش السحابة، تصبح معظم المادة مركَّزة في المَرْكز، في جرم يزداد سخونة بسبب طاقة الجاذبية المتحولة إلى حرارة بفعل عملية السقوط. وفي النهاية، ترتفع درجة الحرارة والضغط المركزي بشكل بالغ، فتبدأ نويات الهيدروجين في الاندماج معًا لتكوين الهليوم، وفي هذه المرحلة يمكن أن يُسمى الجرم المركزي نجمًا. وتنشأ الكواكب من بعض المادة المتخلِّفة خلال المراحل النهائية من تلك العملية. ويسبب الاحتفاظُ بالعزم الزاوي تسريعَ أيِّ دوران مبدئي طفيف للسحابة خلال عملية الانكماش، والمادة غير الداخلة في تكوين النجم تصبح مركَّزة في هيئة قرص في المستوى الاستوائي للنجم، وتدور في نفس اتجاه هذا النجم.
هذا القرص الدوار هو الذي تتشكل فيه الكواكب. والسديم الشمسي هو القرص الدوار الذي نشأت منه مجموعتنا الشمسية، وكلمة السديم تعني السحابة، ويستخدمها علماء الفلك للدلالة على أي كتلة ضخمة من الغاز و/أو الغبار في الفضاء. ثمة أسباب قوية للاعتقاد بأن السديم الشمسي كان يتكون من نحو ٧١٪ هيدروجين، و٢٧٪ هليوم، و١٪ أكسجين، و٠٫٣٪ كربون، و٠٫١٪ لكلٍّ من النيتروجين والنيون والمغنيسيوم والسليكون والحديد. ويكاد يكون كلُّ الغبار الأصلي الموجود في السديم الشمسي قد تبخَّر بفعل الحرارة التي انبعثت من الشمس في بداياتها، لكن سرعان ما أصبحت الظروف في السديم باردة بما يكفي لتكاثف حبيبات غبارية جديدة، في صورة مركَّبات وليس عناصر، ناتجة عن عملية اتحاد كيميائي. ولم تحدث عملية اتحاد للهليوم ليشكِّل مركَّبات كيميائية؛ ومن ثَمَّ فإن أكثر المركبات وفرة، التي يمكن أن تتكاثف، تشتمل إما على الهيدروجين وإما على الأكسجين.
وبفضل العناصر المتوفرة، ودرجة الحرارة والضغط الموجودين في السديم، استطاع الأكسجين أن يتَّحد مع السليكون ومعادن مختلفة ليكوِّن مجموعة من المركبات التي تُعرف باسم السليكات في الجزء الداخلي من السديم. وهذه معادن شائعة في كوكب الأرض تتبلور عندما يبرد الصخر المنصهر، لكنها نشأت مباشرةً في السديم من الغاز. واندمج الهيدروجين مع جسيمات صلبة فقط عندما كانت درجة الحرارة منخفضة بما يكفي لتكوين مركبات حاملة للهيدروجين، ويبدو أن هذا قد حدث على بُعد نحو ٥ وحدات فلكية من الشمس. عند هذا الخط — الذي يطلق عليه «الخط الجليدي» — ووراءه، يمكن أن يتكاثف الماء (الذي يتكون من الهيدروجين والأكسجين) ليصبح ذرات ثلجية. وبالاتجاه بعيدًا عن الشمس، تكوَّنت المركبات الأكثر تطايرًا؛ حيث اتحد الهيدروجين مع الكربون لتكوين الميثان، ومع النيتروجين لتكوين الأمونيا، كما اتحد الكربون مع الأكسجين لتكوين أول أو ثاني أكسيد الكربون. على بُعد نحو ٣٠ وحدة فلكية، كانت هناك درجة من البرودة تكفي لتكاثف النيتروجين على هيئة جسيمات صلبة من النيتروجين النقي. من العجيب أن ثمة كلمةً ما في علوم الكواكب تستخدم للتعبير عن أي مادة صلبة تتكون من الماء أو الميثان أو الأمونيا، أو أول أكسيد الكربون، أو ثاني أكسيد الكربون، أو النيتروجين (أو، في واقع الأمر، أيِّ مزيج منها)، وهي كلمة «ثلج»؛ للدلالة على أوجُه التشابه في الأصل والخواص؛ وهذا يعني أنه لِتجنُّب الغموض، يتعين على علماء الكواكب أن يستخدموا مصطلح «ثلج مائي» عند الإشارة تحديدًا إلى الماء المتجمد؛ وهو نوع من التعقيد نادرًا ما يظهر عند الحديث عن كوكب الأرض؛ حيث تكون درجات الحرارة مرتفعة جدًّا لدرجة تمنع تجمُّد المركبات الأكثر تطايرًا من الماء على نحو طبيعي.
حدث التكاثف بحيث إن حبيبات الغبار الأولى — وهي ذرات دقيقة تتكون من سليكات قريبة من الشمس وثلوج (إضافة إلى بعض السليكات المتبقية) أبعد عن الشمس — لم تنشأ على هيئة ذرات كثيفة صلبة؛ فعوضًا عن ذلك، كانت لها أشكال «مرنة» معقدة، وعندما كان يصطدم بعضها مع بعض، غالبًا ما كانت تلتصق معًا بدلًا من أن ترتدَّ مبتعدةً كلٌّ منها عن الأخرى. وخلال فترة تبلغ نحو عشرة آلاف سنة أعقبت بدء عملية التكاثف، يمكن أن تكون الجسيمات قد تحولت إلى كريات يبلغ قطرها سنتيمترًا واحدًا من خلال التأثيرات المجمعة للتكاثف والتراكم (أي التصاق الجسيمات معًا) عند اصطدامها معًا. وربما بعد مرور ١٠٠ ألف سنة، تكون المجموعة الشمسية قد احتوت على حشود من الأجرام التي يبلغ عرضها نحو ١٠ كيلومترات أُطلق عليها «الكواكب المصغرة». وهذه الأجرام كانت تدور جميعها حول الشمس في نفس الاتجاه المعاكس لاتجاه عقارب الساعة، وكانت محاطةً في ضباب منتشر تكوَّن من الغاز والغبار المتبقيين.
نحن نعلم منذ متى حدث هذا؛ لأن بعض هذه الحبيبات الأولى ظل باقيًا كما هو داخل النيازك. ويمكننا قياس نواتج التحلل الإشعاعي داخلها لتحديد عمرها، وهو رقم جدير بأن يُذكر: ٤٥٦٧ مليار سنة. وأكثر النيازك «بدائية»، والتي هي عبارة عن بقايا كواكب مصغرة، لم تعانِ قَطُّ من السخونة أو التغيير، ويطلق عليها «الكوندريتات الكربونية»، وهي أهم الأدلة المباشرة على الظروف السائدة في المجموعة الشمسية في بداية نشأتها.
حتى هذه المرحلة، حدثت التصادمات في الأساس عن طريق الصدفة، لكن بمجرد أن بلغت الكواكب المصغرة نحو ١٠ كيلومترات من حيث الحجم، استطاعت قوة الجاذبية الأشد للكواكب المصغرة الأكبر حجمًا أن تمارس تأثيرها. عانت هذه الكواكب عددًا أكبر من التصادمات؛ ومن ثَمَّ فإن معدل نموها كان أسرع مقارنةً بغيرها. وخلال بضع عشرات الآلاف من السنين، نمَتْ أكبر الكواكب المصغرة بحيث أصبح قطرها ألف كيلومتر أو نحو ذلك، مستحوذة على معظم الكواكب المصغرة الأصغر حجمًا خلال ذلك.
وقد أُطلق على هذه الكواكب المصغرة الضخمة اسم جديد هو «الأجنَّة الكوكبية». وربما تَشكَّل بضع مئات منها في قلب المجموعة الشمسية. ربما كانت ضخمة بالقدر الذي يكفي لأن تجعلها جاذبيتها الذاتية تتخذ أشكالًا كروية. وربما كانت ساخنة بالقدر الذي يكفي داخليًّا لحدوث عملية انصهار، ما سمح للحديد بالغوص داخليًّا لتكوين لبٍّ مميز، لكن هذا ليس منطقيًّا بسبب ما حدث بعد ذلك.
وهذه الأجنة الكوكبية هي ما تَشكَّلت منه الكواكب الأرضية. والآن بعد أن اختفت أغلب الأجرام الصغيرة، لا يمكن أن يكون قد حدث نمو ملحوظ إلا عندما تصادَم جنينان كوكبيان معًا، وهذا التصادُم يُطلق عليه «اصطدام عملاق»، وهو يُطلِق قدرًا كافيًا من الحرارة لصهر الجرم المدمج الذي تَشكَّل عن طريق الاصطدام. تَخيَّلْ كرة من الصخر المنصهر شديدة السخونة لدرجة الاحمرار، باستثناء بعض الأجزاء الباردة الموجودة على سطحها، مع وجود «مطر» من قطيرات الحديد تستقر بداخلها عبر الماجما السليكية لتتراكم على اللب المركزي للصخرة. سوف يساعدك ذلك على تخيُّل حالة جنين كوكبيٍّ في أعقاب اصطدام عملاق.
هذا يفترض أن الاصطدام لا يحطم كلا الجِرْمينِ إلى شظايا، لكن سوف يُلقي دون شك بقدْرٍ معين من الحطام إلى الفضاء باعتباره مقذوفًا ناتجًا عن عملية التصادم. والأرجح أن هذا الأمر استغرق نحو ٥٠ مليون سنة لتشكيل كوكب بحجم الأرض عن طريق سلسلة من الاصطدامات العملاقة بين الأجنة الكوكبية. وبسبب عشوائية التصادمات و«شجرة العائلة» المُعقَّدة لتصادُمات الاصطدام العملاق، التي حدثت بين الأجرام التي هي ذاتها تشكَّلت بفعل اصطدامات عملاقة؛ من غير المعقول النظر إلى أي جنين كوكبيٍّ في مرحلة مبكرة من هذه العملية باعتباره «كوكب أرض أوليًّا» أو «كوكب زهرة أوليًّا».
ووراء مدار المريخ، كان تأثير جاذبية كوكب المشتري الناشئ قويًّا بما يكفي لجعل الكواكب المصغرة الصخرية تدور في مدارات لا تراكزية، بحيث إن التصادمات المتبادلة كانت في أغلب الأحيان شديدة القوة لدرجة لا تسمح بحدوث نمو في الحجم عن طريق التراكم. وعوضًا عن ذلك، كان التفتُّت نتيجة شائعة؛ ومِن ثَمَّ فإن الأجنة الكوكبية الضخمة التي ربما كانت قد تصادمت في نهاية المطاف لتكوين كوكب أرضي خامس لم تكن قادرة على النمو هنا. اليوم، في هذه المنطقة، نجد معظم الكويكبات، وهي تمثل فقط قدرًا ضئيلًا من الكتلة التي كانت موجودة في ذلك المكان؛ فقد بعثر كوكب المشتري أغلبها في مدارات لا تراكزية على نحو واضح، بحيث إن معظمها اصطدم في نهاية المطاف مع كوكب المشتري، أو كوكب عملاق آخر، أو طُرد من المجموعة الشمسية تمامًا.
احتوت الأجرام التي تشكَّلت منها الكواكب العملاقة في داخلها على نسبة عالية من الجليد والصخور. وهناك، خلف «الخط الجليدي»، كانت الكواكب الناشئة تحتوي على مادة أكثر بكثير تعتمد عليها. إن دور تصادمات الأجنة الكوكبية بعضها مع بعض ليس مؤكدًا، وكذلك الحال بالنسبة للآليَّة التي اكتسبت بها قدرًا كبيرًا جدًّا من الغاز. تشير إحدى النظريات إلى أنه بعد أن تجاوزت كتلتها ١٠ أو ١٥ ضعفًا من كتلةِ كوكب الأرض، كانت قوة جاذبيتها تكفي لامتصاص كميات ضخمة من جميع الغازات التي ظلت موجودة في السديم المتبقي؛ ومِن ثَمَّ أصبحت نواتها الصخرية الجليدية محاطة بأغلفة غازية عميقة. ذهب تيار فكري آخر إلى أن حالة عدم ثبات الجاذبية في السديم أدَّت إلى نمو كل كوكب عملاق داخل عقدة كثيفة جدًّا؛ حيث احتُجز الغاز بطبيعة الحال حول الكوكب الناشئ.
حدث أيضًا انقسام في الرأي حول المعدلات النسبية لنمو الكواكب في الأجزاء الداخلية والخارجية من المجموعة الشمسية، ومن غير الواضح ما إذا كان كوكب المشتري تَشكَّل قبل أو بعد كوكبَيِ الأرض والزهرة. ومع ذلك، إذا كانت كواكب زحل وأورانوس ونبتون قد نمت بفعل التصادمات بين الأجنَّة الكوكبية، فإنها لا بد أن تكون قد نشأت على نحو أبطأ من كوكب المشتري؛ لأن التصادمات من المفترض أن تكون أقل حدوثًا مع الابتعاد عن الشمس.
انتهت عملية امتصاص الغاز من السديم عندما دخلت الشمس في مرحلة «تي تاوري»، التي سميت على اسم النجم «تي تاوري»، الذي يتعرض لهذه العملية اليوم. ولمدة ربما تبلغ نحو ١٠ ملايين سنة، حدث اندفاع قوي للغاز من النجم يُطلق عليه «رياح تي تاوري»، وهذا الاندفاع عصف بجميع ما تبقى من الغاز والغبار. ثمة سبب محتمل لوجود كمية من الغاز في أورانوس ونبتون تقل نسبيًّا عن الكواكب العملاقة الأخرى؛ وهو أن هذين الكوكبين استغرقا وقتًا أطول في النشوء، تاركَين وقتًا أقل لتجميع الغاز قبل أن تضع رياح تي تاوري نهاية لهذه العملية.
(٤-٢) الكواكب المهاجرة
ثمة مسألة أخرى أُثير الجدل حولها، وهي الطرق التي يمكن أن تتغير بها المدارات بمرور الزمن، وإلى أي مدًى يحدث هذا، لا سيما فيما يتعلق بالكواكب العملاقة. فإلى أن انتشر السديم الشمسي، من الوارد أن تكون قد أدت التفاعلات الجذبوية بين المادة السديمية والأجرام الدوارة الضخمة إلى إنقاص نصف قطر مداراتها على نحو تدريجي؛ مما جعل الأجنة الكوكبية والكواكب الناشئة تهاجر نحو الداخل. وبعد الانتشار السديمي، من الممكن أن تكون قد لعبت التفاعلات الجذبوية بين الكواكب والأجرام الأصغر حجمًا دورًا أكثر تأثيرًا؛ فالبعض يشير إلى فترة نصف مليار سنة أو ما شابه عندما حرَّك أبعد كوكب عملاق عن الشمس مدارات الكواكب المصغرة الجليدية النائية نحو الداخل؛ حيث من الوارد أن تكون قد دُفعت أكثر نحو الداخل نتيجة التفاعُل مع الكوكب العملاق التالي، واستمر الوضع على هذا المنوال إلى أن مرَّت قريبًا بالقدر الكافي من كوكب المشتري الذي دفعها نحو الخارج. وهذه الكواكب المصغرة الجليدية التي تم دفعها نحو الخارج يمكن أن تكون أصل سحابة أورط الحالية. لا بد أن يكون كوكب المشتري قد تحرك على نحو طفيف ليقترب من الشمس في كل مرة يدفع فيها جرمًا نحو الخارج. لكن على النقيض، من الوارد أن تكون الكواكب العملاقة الأخرى قد زُحزحت نحو الخارج في كل مرة حرَّك كوكبٌ منها كتلةً من الجليد نحو الداخل. وهذا السيناريو يتضمن تحرك المشتري نحو الداخل، في حين أن زحل وأورانوس ونبتون تحركت نحو الخارج. ومن الوارد حتى أن أورانوس ونبتون تبادلا أماكنهما (ما أتاح فرصة انحراف محور أورانوس ليصبح في وضعه الحالي). والأجرام الوراء نبتونية الحالية هي تلك التي ظلت وراء النطاق الذي اكتُسح خلال تحرُّك كوكب نبتون نحو الخارج.
أرجو ألا يتشكَّل لديك انطباع بأن مدار أي كوكب يمكن أن يتغير سريعًا أو على نحو كبير؛ فمزاعم أن كوكب الزهرة و/أو كوكب المريخ مرَّ قريبًا من الأرض خلال العصور التوراتية، التي أدَّت إلى إطلاق العديد من الخرافات، والتي حدثت خلالها العديد من الكوارث الطبيعية؛ مزاعم واهية تمامًا. وتحرُّكات الكواكب الخارجية التي ذكرتها حدثت ببطء شديد للغاية، ونتيجة للتفاعلات التراكمية مع الغاز السديمي، وفي ظل وجود أعداد هائلة من الأجرام الصغيرة التي لم تَعُد متوفرة.
لكن الكواكب وقوى جذبها المتبادلة تُغيِّران باستمرارٍ الشكل. وتشير نظرية الفوضى إلى أنه يستحيل التنبؤ بمواقع الكواكب لأكثر من بضعة ملايين السنين المستقبلية. ومع ذلك، يمكن التأكيد على أن المجموعة الشمسية مستقرة على نحو كافٍ بحيث إنه من المستبعد أن يتصادم كوكب، أو يُقذف به خارج المجموعة الشمسية خلال بضعة مليارات سنة قادمة؛ فنحن — على الأرجح — في أمان لمدة ٥ مليارات سنة على الأقل، وهو الوقت الذي يتوقع فيه علماء الفلك أن تنتفخ الشمس لتصبح عملاقًا أحمر اللون؛ ومِن ثَمَّ سوف تكون تحرُّكات المريخ أقل المشكلات التي سيواجهها ساكنو كوكب الأرض في المستقبل.
(٤-٣) كيف نشأت الأقمار التابعة للكواكب؟
الأرجح أنك لن تندهش الآن إذا قلت لك إنه لا توجد إجابة مباشرة للسؤال المتعلق بما إذا كانت الأقمار التابعة قد نشأت بطريقةٍ ما جنبًا إلى جنب مع كواكبها، أم أن هذه الكواكب اجتذبتها لاحقًا. والأقمار الضخمة التي تدور عكس اتجاه عقارب الساعة، والتي تتبع الكواكب العملاقة هي الأسهل في تسليط الضوء عليها؛ فيُعتقد أنها تشكَّلت داخل سحابة من الغاز والغبار تحيط بكل كوكب عملاق خلال نشأته، والتي هي أشبه إلى حدٍّ ما بنسخة مصغرة من السديم الشمسي. والأقمار الصغيرة التي تدور عكس اتجاه عقارب الساعة، والتي يبلغ حجمها بضعة كيلومترات، وتدور قريبًا من الكواكب العملاقة؛ هي — على الأرجح — بقايا أقمار أكبر حجمًا اقتربت بشدة وتفتتت. والأقمار الخارجية التابعة للكواكب العملاقة يدور أغلبُها في مدارات على نحو عكسي في اتجاه عقارب الساعة، وهذه — على الأرجح — أجرام اجتُذبت كانت قد بدأت على هيئة كويكبات، أو أجرام وراء نبتونية، أو نوات مذنبات.
يكاد يستحيل نظريًّا على كوكبٍ أن يأسر جرمًا مارًّا به في مدار حول نفسه؛ فالجرم الأصغر الزائر سوف يتأرجح وهو يمر بالكوكب بفعل قوة جذب الأخير، لكن ليس من السهل أن يتم الإبطاء من حركته بما يكفي لأن يُأُسر في مدار. ومع ذلك، إذا كان الجرم الزائر ثنائيًّا (أي مكوَّنًا من جرمين متشابهين)، فإن أحدهما يمكن أن يتم أسرُه بفعل نقل كمية الزخم إلى الجرم الآخر الذي سوف ينطلق بسرعة أكبر بعد التقارُب الشديد. ثمة تفسير حالي يَلقى استحسانًا فيما يتعلق بالقمر الضخم التابع لكوكب نبتون، الذي يدور على نحو عكسي في اتجاه عقارب الساعة، والذي يُعرف باسم ترايتون. وهذا التفسير مفاده أن ترايتون كان في السابق نصف جرم وراء نبتوني ثنائيًّا اقترب من نبتون. هذا يبدو مقبولًا؛ لأن العديد من الأجرام الوراء نبتونية معروف عنها أنها أجرام ثنائية، لكن عليك أن تلاحظ أن هذا لم يُفسِّر سبب وجود أقمار تابعة للكثير جدًّا من الأجرام الوراء نبتونية (والكويكبات أيضًا، في واقع الأمر) في المقام الأول.
ثمة تفسير مختلف للقمر التابع لكوكب الأرض، ويبدو أنه قد تكاثف من الحطام الذي أُلقي في مدار حول الأرض بفعل التصادم بين الأجنة الكوكبية من المجموعة التي نشأت منها كواكب الأرض. والقمران الصغيران التابعان لكوكب المريخ (فوبوس وديموس) هما كويكبان لا يزال أسْرُهما في مدارين دائريين متقاربين أمرًا غير مفهوم.
(٥) التصادمات والنطاق الزمني لتكوين الفوهات
وسِجِل تكوُّن الفوهات على كوكب الأرض لم يُحفظ على نحو جيد؛ لأنه كوكب نشط تسير فيه العمليات التي تمحو أو تُواري الفوهات تقريبًا بنفس معدل تكوُّن فوهات جديدة. ولحسن الحظ، تسمح لنا المناطق الشاسعة القديمة التي ما زالت موجودة على سطح القمر بحساب كثافة الفوهات الصدمية التي أعمارها معلومة لدينا، وذلك بفضل العينات التي يمكن تحديد أعمارها، والتي جلبتها إلى الأرض بعثة «أبوللو» المأهولة التي قامت بالهبوط على سطح القمر، وقد أكملت مهمتها عدة بعثات سوفييتية غير مأهولة، وجلبت هي الأخرى عينات لفحصها. بذلك، نعرف تاريخ القصف الكثيف المتأخر، وأيضًا متوسط المعدل الذي يؤثر به تكوين الفوهات على القمر منذ ذلك الحين. لا بد أن كوكب الأرض وقمره قد تعرَّضا لنفس العدد من الصدمات، وثمة مبررات جيدة تدفعنا للاعتقاد بأن هذا أيضًا ينطبق إلى حدٍّ ما على عطارد والزهرة والمريخ؛ ومِن ثَمَّ فتحديد أعداد الفوهات هو أفضل طريقة لدينا لتقدير الأعمار على أسطح الكواكب. وإذا كان عمر سطح معين يعتريه شيء من الشك، فمِن الأسلم عادةً أن نفترض أن السطح الذي لديه فوهات ذات كثافة أقل يكون أصغر عمرًا من السطح الذي لديه فوهات ذات كثافة أعلى.
في الوقت الحالي، يضرب كوكبَ الأرض سنويًّا نحو ١٠ آلاف نيزك يزيد وزنها على كيلوجرام واحد، لكن معظم هذه النيازك يكون ضئيل الحجم لدرجة تجعله غير قادر على تحمل المرور عبر الغلاف الجوي؛ حيث يسخن ويتفتت بفعل الاحتكاك. وحدوث تصادم بفعل نيازك يبلغ وزنها ألف كيلوجرام لا يحدث إلا نحو ١٠ مرات، ومتوسط الفاصل الزمني بين التصادمات التي تحدث بفعل أجرام يبلغ قطرها ١٥٠ مترًا (والتي يمكن أن تُحدث فوهة يبلغ عرضها نحو كيلومترين) يُقدَّر بنحو ٥ آلاف سنة. والأجسام الصادمة التي يبلغ قطرها كيلومترًا واحدًا تصل عشوائيًّا بمعدل مرة كل ٢٠٠ ألف سنة، وتثقب الغلاف الجوي وتمرُّ عبره، كما لو كان غير موجود من الأساس، ضاربةً الأرض بنفس سرعتها، وبذلك تشكل فوهة قطرها نحو ٢٠ كيلومترًا. والتصادمات الأضخم والأكثر تدميرًا تكون حتى أقل حدوثًا.
تؤثر التصادمات على كل جرم في المجموعة الشمسية، لكن لا تبقى الفوهات إلا حيثما يكون هناك سطح صلب وقلة في النشاط بحيث لا يُمحى أثرُها. وقد حالف المراقبين الحظُّ إذ اكتشفوا مجموعة من بقايا مذنَّب مُدمر قبيل تصادمها مع كوكب المشتري في يوليو ١٩٩٤. وقد شوهدت العديد من التصادمات، وترك كلٌّ منها ندبة بنية اللون في الغلاف الجوي للكوكب العملاق ظلت موجودة لبضعة أسابيع، كما حدث لندبة عُثر عليها في يوليو ٢٠٠٩ ظهرت بفعل تصادم لم يتم رصده.
(٦) الكواكب كمَواطن للحياة
لو لم يكن كوكب الأرض على بُعدٍ مريح من الشمس لما استطعت قراءة هذا الكتاب؛ لأن الحياة حينئذٍ ما كانت لتبدأ، ولم نكن لنتطور هنا حتى وإن وُجِدَت حياة على ظهرها. يتحدث العلماء عن «نطاق قابل للسكنى» حول كل نجم، على مسافة تكون فيها درجة الحرارة على سطح كوكبٍ ما مناسبة؛ ليست بالغة الارتفاع ولا بالغة الانخفاض بما يعوق وجود حياة فيها. وقياسًا على تفضيل جولديلوكس — في قصتها الشهيرة مع الدببة الثلاثة — لعصيدة الدبِّ الصغير (التي كانت درجة حرارتها «مناسبة تمامًا»)، يطلق أحيانًا على النطاق القابل للسكنى اسم «نطاق جولديلوكس». وفي هذا السياق، تعني عبارة «نطاق قابل للسكنى» مكانًا ما يُمكن أن تَنشأ وتستمر فيه الحياة من أي نوع، حتى وإن كانت مظاهرها تقتصر على الميكروبات البسيطة. وهي لا تعني ضمنًا أن هذه البيئة ستكون صالحة لسكنى البشر.
ولأن البشر بحاجة إلى ماء من أجل الحياة، فإن المنطقة القابلة للسكنى تتحدد عادة بناءً على المسافة التي تفصل الكوكب عن نجم معين، بحيث تكون درجة حرارة الكوكب مناسبة لتوفر الماء في حالته السائلة على ظهره. وتؤثر كثافة وتركيب الغلاف الجوي لكوكبٍ ما على درجة حرارة سطحه، لكن العامل الحاسم هو الحرارة التي تصل الكوكب من النجم. ووفقًا للتقديرات، فإن النطاق القابل للسكنى حول الشمس يمتد من نحو ٠٫٩٥ إلى ١٫٥ وحدة فلكية. وتضع هذه التقديرات كوكب الزهرة (٠٫٧٢ وحدة فلكية) داخل الحافة الداخلية للنطاق القابل للسكنى، في حين تضع كوكب المريخ (١٫٥٢ وحدة فلكية) على الحافة الخارجية لهذا النطاق. ومن المرجح أن تكون قد تزايدت الطاقة المنبعثة من الشمس تزايدًا طفيفًا منذ أن تكونت الكواكب؛ مما حرَّك النطاق القابل للسكنى نحو الخارج بمرور الوقت؛ ومن ثمَّ فإن احتمال وجود حياة على كوكب المريخ سيكون ضعيفًا، لكنه ليس مستحيلًا.
وتُوجَّه انتقادات لفكرة النطاق القابل للسكنى الذي تقرره درجة حرارة سطح الكوكب بأنها ضيقة الأفق جدًّا؛ فثمة ظروف يمكن أن تهيِّئ فيها درجةُ الحرارة التي تتولد في كوكبٍ ما بيئةً مناسبة للحياة على سطحه، بالرغم من أن هذا السطح قد يبدو غير صالح للسكنى. وحتى على سطح كوكبنا الأرضي لدينا علم بكائنات محبة للعيش في الظروف المتطرفة؛ إذ تعيش في درجة حرارة أقل من صفر درجة مئوية، أو أعلى من ١٠٠ درجة مئوية؛ ومن ثم فإنه حتى وإن كانت جميع مظاهر الحياة — كما هو الحال على كوكب الأرض — تقوم على أساس سلاسل من جزيئات الكربون، وتعتمد على الماء باعتباره مادة مذيبة، فإن هناك أماكن عديدة في المجموعة الشمسية «من الممكن» أن تكون هناك حياة فيها (بالرغم من أننا لا نعرف حياةً سوى تلك الموجودة على كوكب الأرض)، وعدة ملايين — على الأقل — من المواضع القابلة للسكنى في أماكن أخرى في المجرة. سوف أعود إلى هذه النقطة قرب نهاية الكتاب.
(٧) ارتياد الفضاء
التليسكوبات مفيدة جدًّا؛ فمن خلالها يمكن مثلًا قياس درجة حرارة سطح كوكب معين وغلافه الجوي، كما يمكن التعرف على بنية كلٍّ منهما. واكتشف ويليام هيرشل — على نحو صحيح — الأغطية الجليدية القطبية الموجودة على كوكب المريخ منذ وقت طويل (عام ١٧٨١). وكوكب المشتري ضخم وقريب بما يكفي بحيث يمكن رصد العواصف الموجودة بين سحبه حتى باستخدام التليسكوبات المتواضعة الإمكانيات. ومع ذلك، كان هذا الكتاب سيصبح مملًّا وأكثر اعتمادًا على التكهنات لولا نصف قرن من ارتياد الفضاء، عندما زارت مسابيرُ فضائيةٌ أُطلقت من الأرض جميعَ كواكب المجموعة الشمسية؛ فقد وصلت مسابير سوفييتية إلى القمر في عام ١٩٥٩، وسار ١٢ رائد فضاء أمريكيًّا على سطحه فيما بين عامَي ١٩٦٩ و١٩٧٢. وقد مرَّ بكوكبَي الزهرة والمريخ مسابير أمريكية (تابعة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا)، وأخرى سوفييتية غير مأهولة، وذلك في فترة الستينيات من القرن العشرين، وحققت هبوطًا آمنًا على سطحيهما ومداريهما خلال فترة السبعينيات. وحدث أول مرور بجوار كوكبَي المشتري وزحل في فترة السبعينيات، وقد تمت زيارة الكواكب العملاقة الأخرى في فترة الثمانينيات. وبدايةً من عام ١٩٩٠، تم ارتياد الكواكب الأرضية بواسطة مركبات فضائية ذات إمكانيات أكبر، وسارت العربات الفضائية الروبوتية على سطح كوكب المريخ، وتمت جولات مدارية معقدة بنجاح حول كلٍّ من المشتري وزحل.
من بين أكثر البعثات الفضائية شهرة «فايكنجز» ١ و٢ اللتان هبطتا على كوكب المريخ في عام ١٩٧٦، و«ماجلان» التي رسمت خريطة لسطح كوكب الزهرة بواسطة الرادار في الفترة ما بين عامَي ١٩٩٠ و١٩٩٤، و«فويدجرز» ١ و٢ اللتان مرَّتا بالكواكب العملاقة بين عامَي ١٩٧٩ و١٩٨٩، و«جاليليو» التي دارت حول كوكب المشتري بين عامَي ١٩٩٥ و٢٠٠٣، و«كاسيني» التي بدأت جولة مدارية حول كوكب زحل في عام ٢٠٠٤، وأرسلت مسبارًا باسم «هايجنز» لسطح القمر تيتان في عام ٢٠٠٥.
ومن بين أبرز الأحداث في السنوات التي تلت ذلك العودةُ إلى الأرض بعيِّنات تم جمعها من كوكب المريخ والكويكبات والمذنبات، وهبوط الإنسان من جديد على سطح القمر. ولم تَعُد الولايات المتحدة وروسيا القوتين الفضائيتين الوحيدتين؛ فقد توجهت وكالة الفضاء الأوروبية منفردةً إلى كوكبَي المريخ والزهرة، وإلى زحل بالاشتراك مع وكالة ناسا، وسوف تتوجه قريبًا إلى عطارد مع اليابان. وقد أرسل اليابانيون مسابير فضائية إلى القمر وإلى أحد الكويكبات، وقد وصلت الصين والهند إلى القمر. وكان هناك قدر كبير من التعاون في المجال العلمي، والدليل على ذلك أن الكثير من المسابير تحمل معدات وأجهزة أسهمت بها دول عدة، لكن لا يمكن إنكار حقيقة أن بعض الدول ترى خروجها من هذا المجال يضع فخرها القومي على المحك، إضافة إلى مصالح استراتيجية وتجارية طويلة الأمد.