الكواكب الصخرية
الكتلة (١٠٢٤كجم) | القطر القطبي (كم) | الكثافة (١٠٣كجم متر−٣) | جاذبية السطح (متر ثانية−٢) | الضغط الجوي (بار) | متوسط درجة حرارة السطح | |
---|---|---|---|---|---|---|
عطارد | ٠٫٣٣٠ | ٤٨٨٠ | ٥٫٤٣ | ٣٫٧ | ١٠−١٥ | ١٧٠ درجة مئوية |
الزهرة | ٤٫٨٧ | ١٢١٠٤ | ٥٫٢٠ | ٨٫٩ | ٩٢ | ٤٨٠ درجة مئوية |
الأرض | ٥٫٩٧ | ١٢٧١٤ | ٥٫٥١ | ٩٫٨ | ١ | ١٥ درجة مئوية |
القمر | ٠٫٠٧٤ | ٣٤٧٦ | ٣٫٣٤ | ١٫٦ | ٢ × ١٠−١٤ | ١ درجة مئوية |
المريخ | ٠٫٦٤٢ | ٦٧٥٠ | ٣٫٩٣ | ٣٫٧ | ٠٫٠٠٦٣ | −٥٠ درجة مئوية |
(١) اللب
تتميز الكواكب الأرضية عن غيرها بامتلاكها أجزاءً خارجية صخرية تتكون في أغلبها من معادن السليكات. لكن كثافاتها كبيرة جدًّا بحيث لا تسمح لها بأن تكون صخرية بالكامل، ويُعتقد أن كلًّا منها يحتوي على لب غني بالحديد في مركزه. ولا يمكن رؤية لب أي كوكب أو أخذ عينة مباشرة منه، لكن يوجد العديد من الأدلة المستقلة. والكثافة أحد هذه الأدلة؛ إذ تشير إلى أن الجزء الداخلي لا بد أن يكون أكثر كثافة من الصخر بما يسمح حتى بانضغاط داخلي في ظروف الضغط المرتفع. وتشير تحليلات مسارات مركبات الفضاء التي تدور حول تلك الكواكب إلى أن الكثافة تزداد باتساق حول مركز كل كوكب. وتشير النماذج الكيميائية المتعلقة بما يحدث — على الأرجح — داخل الكواكب الصخرية إلى أن هناك قدرًا غير كافٍ من الأكسجين بحيث يمكن لكل الحديد الموجود أن يتأكسد ويتَّحد مكوِّنًا معادن السليكات؛ لذا، لو أن الجزء الداخلي من الكوكب قد انصهر، فإن هذا كان من شأنه أن يسمح للحديد المعدني الذي هو أكثر كثافة من الصخر، أن يغوص نحو المركز. وهذا مثال على عملية يُطلق عليها: التمايز الكوكبي.
والأجزاء الخارجية من اللب الغني بالحديد لكلٍّ من الأرض وعطارد لا بد أنها منصهرة اليوم؛ لأن كلا هذين الكوكبين لديهما مجال مغناطيسي قوي، تولَّد — على الأرجح — من حركة ديناميكية في مائع موصِّل للكهرباء. وبالنسبة لكوكب صغير مثل عطارد، فإن كثافته عالية جدًّا، ومن ثم فإنه لا بد أن يكون لبُّه ضخمًا على نحو استثنائي، يشغل نحو ٤٠٪ من حجمه، ويمثل نحو ٧٥٪ من كتلته. ولا تتولد مجالات مغناطيسية داخل كوكبَي الزهرة والمريخ والقمر الأرضي؛ ومن ثم فمن المرجح أن يكون لب كلٍّ من هذه الأجرام الثلاثة صلبًا بأكمله.
في حالة كوكب الأرض، حصلنا على المزيد من الأدلة المتعلقة باللب من دراسة الكيفية التي تنتقل بها الموجات الزلزالية — وهي اهتزازات تطلقها الزلازل (أو اختبارات نووية تتم تحت الأرض!) — في أرجاء الكوكب. وهذا يؤكد وجود لب داخلي صلب يبلغ نصف قطره ١٢١٥ كيلومترًا، ولب خارجي مائع يبلغ نصف قطره ٣٤٧٠ كيلومترًا. ويبدو أن كليهما في الأساس عبارة عن حديد ممزوج بنيكل بنسبة تتراوح بين ٥٪ و١٠٪، لكن افتراضات الكثافة تتطلب شيئًا أقل كثافة من الحديد أيضًا، يشكل من ٦٪ إلى ١٠٪ من اللب الخارجي، ومن ٢٪ إلى ٥٪ من اللب الداخلي. وأكثر التفسيرات ترجيحًا هو مزيج من نوعٍ ما من الأكسجين والسليكون والكبريت.
إجمالًا، يشغل لب كوكب الأرض نحو ١٦٪ من حجم الكوكب. وبالنسبة لكوكبَي الزهرة والمريخ، فإن اللب يشغل نحو ١٢٪ و٩٪ على الترتيب، وهذه التقديرات تعتمد في الأساس على متوسط كثافتهما. وهناك بعض البيانات الزلزالية المحدودة جدًّا التي أتت من القمر (من بعثة «أبوللو»)، والتي تلمِّح إلى وجود لب صغير نسبيًّا يتراوح نصف قطره بين نحو ٢٢٠ و٤٥٠ كيلومترًا (أقل من ٤٪ من الحجم الكلي للقمر). ويتكون نحو ١ في كل ٢٠ نيزكًا من مزيج من الحديد، ونسبة تتراوح بين ٤٫٥٪ و١٨٪ من النيكل، وهو ما يتوافق مع ألباب الكواكب المصغرة التي تنتمي لحزام الكويكبات، والتي تباينت داخليًّا قبل أن تفتتها التصادمات.
(٢) الدثار والقشرة
يُطلق على الجزء السليكي الذي يحيط بلب الكواكب الأرضية اسم الدثار، وهو يشكل أغلب الحجم الإجمالي لكل كوكب أرضي، ومعظم كتلته باستثناء كوكب عطارد. والقشرة هي وحدة ثانوية نسبيًّا تعلو الدثار، وهي أيضًا مكوَّنة من السليكات بالرغم من أنها تختلف اختلافًا طفيفًا في تكوينها عن الدثار.
وقد تطور الدثار الحالي للكواكب من الصخر المنصهر الذي من المحتمل أن يكون قد غطى هذه الكواكب بعد آخر عملية تصادُم ضمن الاصطدام العملاق، والمعروف للجيولوجيين باسم «محيط الماجما». وبينما يبرد محيط الماجما، فإن سطحه ينشر الحرارة في الفضاء، وتتكون مِن ثَمَّ قشرة صلبة. ومع ذلك، فإن هذه القشرة تتكسر وتتقلقل باستمرار بفعل الاضطراب الحادث تحتها والتصادمات من فوقها. وتستمر درجات حرارة محيط الماجما في الانخفاض، لكن على العكس من تجمُّد كرة من الماء، ليس هناك درجة حرارة محددة يصبح عندها المحيط بأكمله صلبًا؛ فطبيعة المادة السليكية المنصهرة تتَّسم بأن ما فيها من معادن ذات تراكيب متنوعة تتبلور في درجات حرارة وضغوط مختلفة. وعلماء الكواكب لا يعلمون على سبيل اليقين إلى أي مدًى تبلورت محيطات الماجما لتشكل طبقات، أو ما إذا كانت المعادن الأكثر كثافة من المعادن المنصهرة قادرة على الهبوط لأسفل، في حين أن تلك الأقل كثافة منها كانت قادرة على أن ترتفع لأعلى، وأن تلتصق معًا لتكوين «جبال صخرية» ضخمة تستطيع أن تشق طريقها بقوة لأعلى بمزيد من الفاعلية.
وتجمعات هذه المادة العائمة التي تختلف كيميائيًّا عن محيط الماجما تحتها قد شكلت أول قشرة حقيقية على سطح القمر، وهي لا تزال باقية إلى يومنا هذا هناك، وتعرف باسم «مرتفعات القمر» (المناطق التي تظهر في لون فاتح على وجه القمر). وعلى سطح الكواكب الأرضية الأكبر حجمًا، لم تتحدد طبيعة أقدم قشرة فيها بعدُ، ويرجع ذلك في جانب منه إلى أن هذه القشرة في الأساس حلَّت محلها (أو على الأقل غطَّتها) أنواع لاحقة من القشرة. ولمعرفة الطريقة التي ربما حدَث بها ذلك، يتعين علينا أن نتحول إلى الدثار مرة أخرى. فبينما يبرد كوكب ناشئ، يصبح دثاره في نهاية المطاف صلبًا تمامًا. وهنا تبرز أهمية خاصيتين للمواد السليكية. أما الخاصية الأولى، فتتمثل في أن المواد الصلبة الساخنة بقدر كافٍ لا تكون ساكنة تمامًا ولا ثابتة في شكلها تمامًا؛ فالصخر الساخن في الجزء الداخلي من الكوكب لديه القدرة على التدفق بسرعات تبلغ بضعة سنتيمترات في كل عام (وهو المعدل الذي تنمو به أظافرك)، بطريقة تشبه كثيرًا الطريقة التي يتغير بها شكل كتلة من القار بمرور الوقت. وفي داخل الدثار الصلب، سوف تحدث الحركة بمعدل بطيء لكنه مؤثر من الناحية الجيولوجية إذا كانت هناك قوًى قادرة على دفعه. وبداخل الكوكب، تمثل الحرارة القوة الدافعة المطلوبة. والدثار الأكثر سخونة الذي يأتي من العمق يكون أقل كثافة على نحو طفيف من الدثار الأبرد فوقه؛ ومن ثم فإن هناك احتمالًا كبيرًا لتبادُل الأماكن فيما بينهما. ويُطلق على الحركة من هذا النوع اسم الحمل الحراري، وهو ما يمكن أن نلاحظه في طبق من الحساء يتم تسخينه على شعلة موقد، غير أن «الحمل الحراري في الحالة الصلبة» داخل الكوكب يكون أبطأ كثيرًا.
تخيَّلْ أن عمودًا من الدثار الساخن يتدفق لأعلى مُزيحًا الدثار الأبرد لأسفل. وبينما يقترب من السطح، يقل الضغط الواقع تحته، وهنا تبرز أهمية الخاصية الثانية؛ فبينما يهبط الضغط، تبدأ السليكات في الانصهار. ويُطلق على هذه العملية اسم «الانصهار الجزئي»؛ لأن جزءًا فقط من المادة الصلبة ينصهر، والماجما التي تتشكل تكون أغنى بالسليكا بقدر طفيف من المادة الصلبة التي استُخرجت منها. وتكون الماجما الناتجة أقل كثافة أيضًا من المادة الصلبة؛ ومن ثم فإن قوى الطفو سوف تسحبها لأعلى نحو السطح، خصوصًا إذا كانت هناك مسارات يكون فيها الصخر الذي يعلوها تحت ضغط أو متفتتًا. وما لم تستقر الماجما في العمق كاسترساب، فإنها تثور من خلال البراكين.
والصخر الذي يتكون بهذه الطريقة يوصف بأنه صخر ناري، ويمكن أن تحل القشرة الناتجة عن نشاط الصخر الناري محل القشرة الأصلية للكوكب عن طريق التسريب أو الطمر. والبقع الداكنة على سطح القمر، المعروفة باسم «بحار القمر»، هي مناطق منخفضة طُمرت فيها القشرة الأولية الأشحب لونًا بواسطة تدفُّقات الحُمم البركانية التي أُنتجت بهذه الطريقة. ونتجت القشرة الحالية لكوكب الأرض من الانصهار الجزئي للدثار من أجل تشكيل قشرة محيطية، ومن انصهار وإعادة تدوير أجيال عدة من القشرة المحيطية من أجل تشكيل قشرة قارية. والقشرة المحيطية لكوكب الأرض تبلغ سُمكًا يتراوح بين ٦ و١١ كيلومترًا، في حين أن القشرة القارية تتباين بدءًا من نحو ٢٥ كيلومترًا في المناطق الرقيقة المنبسطة إلى ٩٠ كيلومترًا تحت سلاسل الجبال الكبرى. وإجمالًا، تشغل القشرة نحو ١٪ فقط من إجمالي حجم الأرض. ويبلغ متوسط سمك قشرة القمر الأرضي نحو ٧٠ كيلومترًا (أي ١٣٪ من حجم القمر)، ويتراوح هذا السُّمك بين أقل من ١٠٠ كيلومتر في بعض المناطق المرتفعة وأكثر من ٢٠ كيلومترًا تحت بعض الأحواض الصدمية الكبرى.
وإيجازًا، ترتبط القشرة كيميائيًّا بالدثار الواقع تحتها، لكنها تختلف بناءً على الكيفية التي استُخرجت بها منه؛ فالقشرة أقل في الكثافة، ويكون تركيبها — في المعتاد — أغنى بالسليكا من الدثار. وتتنوع القشرة أكثر من تنوُّع الدثار، وهي تشمل الصخر الذي تفاعل كيميائيًّا مع أي غلاف جوي أو ماء سائل، والذي تَفتَّت أو ذاب أو نُقل (بفعل الجاذبية أو الريح أو الماء أو الجليد) وتَرسَّب في مكان آخر. وتُشكِّل مثل هذه الرواسب صخرًا رسوبيًّا. ويمكن أن يؤدي الطمر والتشويه والتسخين إلى إعادة بلورة الصخر الرسوبي أو الناري، وفي كلتا الحالتين يُعرف بالصخر المتحول.
(٣) الحرارة الداخلية
ترجع سخونة الكواكب من داخلها جزئيًّا إلى الحرارة المتخلفة عن تكوُّنها. وبالنسبة للكواكب الأكبر حجمًا، الجزء المتبقي إلى يومنا هذا من هذه «الحرارة البدائية» أكبر حجمًا، ويرجع ذلك إلى أن المحتوى الحراري يرتبط بحجم الكوكب الذي يعتمد على مكعب نصف القطر، في حين أنَّ تسرُّب الحرارة يعتمد في مقداره على مساحة السطح التي تعتمد فقط على مربع نصف القطر.
وتتولد الحرارة أيضًا داخل الكوكب عن طريق تحلُّل النظائر المشعة. هناك العديد من تلك النظائر، لكن أربعة منها فقط هي التي تُصدر قدرًا كبيرًا من الحرارة؛ وهي: البوتاسيوم-٤٠، واليورانيوم-٢٣٨، واليورانيوم-٢٣٥، والثوريوم-٢٣٢. وبسبب الألفة الجيوكيميائية لتلك العناصر، فإنها أكثر وفرة في صخور القشرة منها في الدثار. وفي كوكب الأرض، يتولَّد نحو نفس المقدار من الحرارة الإشعاعية المنشأ (أي الناتجة عن طريق التحلل الإشعاعي) في القشرة، كما هو الحال في كل الدثار الأكبر حجمًا بكثير.
ويتوقف المحتوى الإجمالي من العناصر المنتجة للحرارة في الكوكب الأرضي على كتلة هذا الكوكب (ومِن ثَمَّ على حجمه). ومثلما هو الحال بالنسبة للحرارة البدائية، فإن الحرارة الإشعاعية المنشأ يتم الاحتفاظ بها بطريقة أكثر فاعلية في الكواكب الأكبر حجمًا. وبالنسبة للأرض، فإن نحو نصف الحرارة التي تتسرب إلى السطح اليوم هي حرارة بدائية، وبقية الحرارة بأكملها تقريبًا حرارة إشعاعية المنشأ.
(٤) الغلاف الصخري
يحدث التحول في الخواص من البارد والجامد إلى الدافئ والحملي (أي المتعلق بالحمل الحراري) عمومًا عند عمق معين تحت الحاجز الفاصل بين القشرة والدثار؛ ومن ثم فإن القشرة والجزء العلوي من الدثار يشكلان طبقة ميكانيكية، ما يشكل هيكلًا خارجيًّا جامدًا. وهذا الهيكل يُطلق عليه «الغلاف الصخري» أو الليثوسفير، ويوصف بأنه صخري للدلالة على أن الطبقة التي يشكلها تتمتع بالخواص الميكانيكية للصخر العادي. وأسفل الغلاف الصخري، يكون الدثار — رغم كونه صخريًّا في تركيبه — ساخنًا وضعيفًا بالقدر الذي يكفي لانتقاله بالحمل الحراري. ويُطلق على هذا النطاق أحيانًا اسم الغلاف المَوري أو الأسثينوسفير (المقطع الأول «أسثينوس» تمثيل صوتي لكلمة إغريقية تعني «بلا قوة» أي ضعيف).
ويبلغ سمك الغلاف الصخري لكوكب الأرض نحو ١٠٠ كيلومتر، وهو منقسم إلى عدد من الصفائح التي يمكن أن تُحرك بفضل هشاشة الغلاف الموري الذي تحتها. وكجزء من عملية تُعرف باسم «تشكل الصفائح التكتونية»، يتشكَّل غلاف صخري جديد حيثما تختفي الصفائح (غالبًا ما تتوارى عن الأنظار أسفل المحيط)، ويتدمر حيثما تسحب صفيحة تحت أخرى، في مناطق انغراز تتميز بوجود خنادق في قاع المحيط. وانزلاق إحدى الصفائح التكتونية بموازاة أخرى مجاورة لها هو سبب معظم الزلازل. فإذا أخبرك أحد بأن صفائح الأرض هي «قشرة تنزلق على الدثار»، فإنهم مخطئون؛ إذ يكررون مغالطة لا تزال تظهر في الكثير من الكتب والمناهج الدراسية. والحقيقة هي أن الصفيحةَ تتكون من قشرةٍ والجزءِ العلوي الصلب من الدثار، اللذين ينزلقان معًا عبر دثار الغلاف الموري الأكثر عمقًا والأقل صلابة.
ويبدو أن الأرض تنفرد بالصفائح التكتونية عن غيرها من الكواكب. ويرجع هذا بلا شك إلى السمك الأكبر للغلاف الصخري في الأجرام الأصغر حجمًا، التي تبرد بسهولة أكبر؛ كعطارد والمريخ والقمر، لكن ثمة عاملًا أكثر أهمية؛ وهو أنه كي تكون الصفائح قابلة للحركة، لا بد أن يكون الجزء العلوي من الغلاف الموري ضعيفًا. وفي كوكب الأرض، هذا متحقق بسبب وجود قدر صغير من الماء داخل الصخرة يُضعفها، ويساعد على تكوين قدر صغير من المادة المنصهرة التي تتسرب بين الحدود الحبيبية لمنع الاحتكاك. وقد فقد كوكب الزهرة ماءَه؛ ومن ثم فإن غلافه الموري جاف ولا يمكن أن تنزلق صفائح غلافه الصخري بحُرية خلاله.
يظهر الغلاف الموري الكوكبيُّ الذي يتَّسم بالجفاف أو العمق الشديد بفعل تأثيرين على السطح. أما التأثير الأول، فهو ارتفاع الجبال وعمق الأحواض. فإذا كانت الأحواض والجبال ضخمة للغاية، فسوف يتدفق الغلاف الموري ويثني الغلاف الصخري الموجود أعلاه، وبذلك يقلل التباين الطبوغرافي إلى أن يصبح صغيرًا بالقدر الكافي لأن تتحمله قوة الغلاف الصخري وحدها. وأما التأثير الثاني، فيتمثل في نمط التفتت الذي تتسبب فيه الاصطدامات الكبيرة. ويصل الجسم الصادم الذي يبلغ قطره عدة عشرات من الكيلومترات بقوة تكفي الموجات الصدمية الناتجة التي تشكل الفوهات كي تشق الغلاف الصخري، وتأخذ الفوهة شكل حوض يميزه حلقات من الصدوع التراكزية. وفي الأغلفة الصخرية الأقل سمكًا، غالبًا ما تكون الحلقات أقرب بعضها لبعض؛ ومن ثم يمكن استخدام الأحواض الصدمية المتعددة الحلقات من أجل تقدير العمق وصولًا إلى الغلاف الموري وقت تكوينها. وبينما يبرد الكوكب ببطء، يصبح غلافه الصخري أكثر سمكًا على نحو تدريجي.
(٥) النشاط البركاني
الماجما أو العصارة هو الاسم الذي يُطلق على الصخر المنصهر قبل أن يثور، ويمكن أن تتولد الماجما داخل الكواكب، ويرجع ذلك في الأساس إلى ثلاثة أسباب مختلفة. وليس التأثير المباشر للحرارة سوى واحد فقط من تلك الأسباب، وهو في الغالب أقلها أهمية؛ فالتراكم البطيء للحرارة المحتجزة أسفل الغلاف الصخري للكوكب يمكن أن يفسر بعض الحوادث البركانية الواسعة الانتشار، والضغوط المدية القوية والمتنوعة داخل جرم كوكبيٍّ تعمل للحيلولة دون حدوث احتكاك داخلي؛ ما يؤدي إلى «التسخين المدي». على الجانب الآخر، يمكن أن يؤدي تناقُص الضغط في منطقة التدفق لأعلى في الدثار إلى حدوث انصهار جزئي (قد يؤدي مثلًا إلى تشكيل قشرة محيطية لكوكب الأرض). إضافة إلى ذلك، من الممكن أن يؤدي الانخفاض «المفاجئ» في الضغط — كما يحدث للدثار الذي يتشكل تحته حوض صدمي كبير — إلى حدوث عملية انصهار. والآلية الثالثة تتمثل في إدخال الماء إلى الدثار أو القشرة السفلى. ويقلل الماء من درجة الحرارة التي عندها تبدأ السليكات في الانصهار. وكوكب الأرض به سلاسل من البراكين فوق مناطق الانغراز (الهبوط)؛ لأن الماء الذي يكون قد تم سحبه لأسفل داخل صخور الصفيحة الهابطة يهرب لأعلى نحو قاعدة الصفيحة العلوية. وهنا، لا تكون الأجواء ساخنة بما يكفي للانصهار الجاف، ولكن يبدأ الانصهار الجزئي بمجرد أن يتم إدخال الماء حتى وإن لم يحدث ارتفاع في درجة الحرارة.
(٥-١) القمر الأرضي
بدأ الناس يتكهنون بشأن حدوث أنشطة بركانية على سطح القمر بمجرد أن رصدت التليسكوبات فوهات على سطحه. وقد جانبهم الصواب؛ إذ إننا متأكدون — إلى حدٍّ بعيد — الآن أن كل الفوهات الموجودة على سطح القمر، تقريبًا، سببُها حدوث اصطدامات. في الواقع، مناطق النشاط البركاني المهمة على سطح القمر هي تلك البقع الداكنة التي اعتُقد في وقت من الأوقات أنها قيعان بحار جفَّت. هذا ليس هو الحال بالرغم من أنها لا تزال يُطلق عليها اسم «بحار». وهي تغطي نحو ١٧٪ من سطح القمر، وأغلبها في الجانب القريب؛ وهو نصف القمر المواجه باستمرار لكوكب الأرض. وهنا الحمم المشابهة في تركيبها البازلت الموجود على سطح الأرض تدفقت لتغمر الأحواض الصدمية الكبيرة المتعددة الحلقات.
أربع من رحلات «أبوللو» الست التي هُبط فيها على سطح القمر (التي تمت فيما بين عامي ١٩٦٩ و١٩٧٢) كانت في بحار القمر، التي هي أماكن أكثر تسطحًا وأكثر أمنًا للهبوط عليها مقارَنةً بمرتفعات القمر. ويمكن تحديد أعمار عينات من بازلت بحار القمر، التي جلبتها هذه الرحلات، من أجل تحليلها على سطح الأرض، بدقة عالية، عن طريق قياس نواتج التحلل الإشعاعي المصاحبة لها (تقنية تحديد الأعمار بالإشعاع). وتشير عينات رحلات «أبوللو» إلى نطاق لأعمار بحار القمر يتراوح بين ٣٫٩ و٣٫١ مليارات سنة. وهذه المدة الطويلة للنشاط البركاني تضع نهاية لأبسط تفسير بركاني لبحار القمر، والذي كان يشير إلى أن النشاط البركاني حدث كنتيجة مباشرة للاصطدامات التي أدَّت إلى تكوُّن أحواض. وعلاوة على ذلك، أدَّت الجهود المبذولة منذ عام ٢٠٠٠ إلى التعرُّف على بعض بقع من بحار القمر تحمل عددًا كافيًا من الفوهات الصدمية الموجودة عليها؛ مما يعني أن عمرها يجب أن يكون أقل من نحو ١٫٢ مليار سنة. من ناحية أخرى، في عام ٢٠٠٧، وُجد أن شظية نيزكية من مادة قمرية عُثر عليها على سطح الأرض (بعد أن قُذفت في السابق من سطح القمر على هيئة مقذوف من فوهة صدمية) تحتوي على شظايا من البازلت يُقدر عمرها بنحو ٤٫٣٥ مليارات سنة؛ أي قبل انتهاء القصف الكثيف المتأخر بنحو نصف مليار سنة. ولم يَعُد ممكنًا رؤية بحار بهذا العمر الهائل؛ إذ إنها طُمرت بفعل مقذوف من اصطدامات لاحقة شكلت أحواضًا؛ لذا، نحن الآن نعلم أن النشاط البركاني القمري بدأ مبكرًا وانتهى متأخرًا.
(٥-٢) عطارد
وقد صوَّرت مركبة الفضاء «مسنجر» عددًا من الفوهات البركانية وبقعًا غريبة يبلغ حجمها ١٠ كيلومترات — بعضها ساطع وبعضها داكن — ربما تكون مواقع لثورات بركانية أحدث عمرًا. والأرجح أنه سيبقى الغموض يكتنف المدة التي ظل خلالها النشاط البركاني على كوكب عطارد قائمًا، إلى أن تتمكن مركبة فضائية من الدوران في مدار حول الكوكب، وتسجيل صور بانتظامٍ وبتفاصيلَ أفضل. وسوف تحين الفرصة الأولى عندما تبدأ مركبة الفضاء «مسنجر» المرحلة المدارية من بعثتها الفضائية في عام ٢٠١١، وإذا لم تَحسِم هذه المسألة، فإن بعثة «بيبي كولومبو» التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، التي من المفترض أن تصل إلى كوكب عطارد في عام ٢٠٢٠، سوف تحسمها. في الوقت الحالي، يمكن أن نقول إن مناطق الحمم الممتدة تشكلت خلال فترة امتدت — على الأقل — نحو ٣ إلى ٤ مليارات سنة، ومن الوارد أن تكون قد امتدت هذه الفترة لتشمل المليار سنة الماضية. وهذه الفترة الطويلة من النشاط البركاني على كوكب عطارد لم تكن متوقعة، وربما نشأت من نفس المصدر الحراري الغامض الذي يُبقي على جزء من لبِّه منصهرًا.
(٥-٣) الزهرة
كوكب الزهرة أكبر حجمًا بكثير من كوكب عطارد، وحجمه وكتلته يشيران إلى أن الحرارة الإشعاعية المنشأ المتولدة فيه تكاد تكون مساوية لتلك المتولدة في كوكب الأرض؛ ومن ثم فإن ذلك يرجح مستوًى مماثلًا من النشاط البركاني، لكن نظرًا لأن كوكب الزهرة يفتقر إلى الصفائح التكتونية، فإن نشاطه البركاني يتم بآلية مختلفة.
يطلق على الأنماط الدائرية أو البيضاوية للصدوع التراكزية اسم «الأكاليل»، وهناك أكثر من ٣٠٠ إكليل تم التعرف عليه على سطح كوكب الزهرة، ولا يُعتقد أن هذه الأكاليل يجمعها منشأ مشترك مع الأحواض الصدمية المتعددة الحلقات الموجودة على سطح كلٍّ من القمر وكوكب عطارد. ويتراوح قطر هذه الأكاليل ما بين ٢٠٠ متر وأكثر من ٢٠٠٠ كيلومتر، وهي تقترن عادةً بصورة من صور النشاط البركاني. والأرجح أن كل إكليل يميز موقعًا تصادم فيه عمود صاعد في دثار الغلاف الموري مع قاعدة الغلاف الصخري. وتبرز الأكاليل التي لا يزال هذا العمود موجودًا بها على هيئة قباب عريضة جدًّا، في حين هبطت الأكاليل الأقدم التي لم يعد يحملها عمود دثاري. وهذا الهبوط على نحو خاص يفسِّر الصدوع التراكزية.
وكان التفسير القياسي لهذا الأمر خلال فترة التسعينيات من القرن العشرين هو: أن الكوكب بأكمله، تقريبًا، قد تشكَّل له سطح جديد بفعل نشاط بركاني جامح بدأ من ٥٠٠ إلى ٧٠٠ مليون سنة، ولم يستمر أكثر من بضع عشرات الملايين من السنين. وهذا يمكن أن يتوافق مع عدم وجود الصفائح التكتونية على كوكب الزهرة؛ ما يؤدي إلى احتجاز معظم الحرارة المنبعثة من الدثار الأعمق أسفل غطاء الغلاف الصخري، إلى أن ينصهر جانب كبير من الجزء العلوي من الغلاف الموري. وفي النهاية، يمكن أن يتداعى الغلاف الصخري البارد الكثيف وتثور الماجما الطافية من أسفل، ويمكن أن يكون قد حدث شيء مُشابهٌ ستَّ مرات منذ تكون كوكب الزهرة، وربما يحدث مرة أخرى خلال المائة مليون سنة القادمة.
تم الاعتراض مؤخرًا على هذا النموذج الذي يتوقع حدوث نشاط بركاني كارثي على سطح هذا الكوكب. وبُني هذا الاعتراض على أساس أن إحصاء الفوهات لا يستبعد أن تتم العملية بالتدريج. وعلى نحو تدريجي، يمكن أن يكون قد تشكَّل لدى المناطق الأصغر سطح جديد بفعل الحمم البركانية، وذلك في فترات عشوائية خلال النصف مليار سنة الماضية.
(٥-٤) الأرض
على كوكب الأرض، يعمل النشاط البركاني جنبًا إلى جنب مع الصفائح التكتونية على تنظيم توازن الحرارة الداخلية (التوازن المثالي بين الحرارة التي تمتصها الأرض من الشمس والحرارة التي تفقدها الأرض في صورة إشعاع)؛ ومن ثم يمنعان حدوث انحرافات كبيرة في درجات حرارة الغلاف الموري من نوعية ما يُفترض أن يكون قد حدث على سطح كوكب الزهرة. ولا يتسرب إلا نحو ثلث الحرارة المتولدة أسفل الغلاف الصخري بفعل التوصيل الحراري. وتنتقل معظم الحرارة إلى قمة الغلاف الصخري بفعل الاندفاع عند النتوءات الموجودة وسط المحيط (حيث تضاف مادة جديدة للصفائح المتباعدة)، وعلى نطاق أضيق بفعل الاندفاع في براكين تثور فوق مناطق الانغراز وفي «بقع ساخنة» فوق أعمدة الدثار. ويبرد الغلاف الموري بأن تُدمج فيه من جديد الأجزاء القديمة الباردة من صفائح الغلاف الصخري في مناطق الانغراز.
ويُرجَّح أن تتمثل الطريقة التي يختلف بها النشاط البركاني على سطح كوكب الأرض عن غيره من الكواكب، في أن اتساع نطاق الغاز في الماجما الصاعدة غالبًا ما يُمثِّل نسبةً كبيرة من الاندفاعات ذات الطبيعة الانفجارية. ويَرجِع هذا لسببين: أما السبب الأول، فهو أنَّ ما يتسرب إلى مناطق الانغراز من الماء المعاد تدويره وثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت يزيد كثيرًا من التسرب الذي يحدث من الجزء الداخلي الأعمق من الغازات البدائية؛ ومن ثم يكون لدى كوكب الأرض مزيد من الغاز اللازم لجعل الاندفاعات انفجارية في طبيعتها. وأما السبب الثاني، فيتمثل في أن وجود قشرة قارية يعمل على تسهيل تشكيل الماجما بمحتوى سليكا أعلى من البازلت. وهذه الماجما الغنية بالسليكا أكثر لُزُوجةً من البازلت؛ ومن ثم فإنها تتفتت بسهولة أكبر. والبراكين المخروطية شديدة الانحدار التي نراها عادةً في الكتب المصورة، مثل بركان جبل فوجي في اليابان، نادرة الوجود على الكواكب الأخرى باستثناء كوكب الأرض؛ لأنها مظهر من مظاهر الاندفاعات الغنية نسبيًّا بالسليكا وذات الطبيعة الانفجارية جزئيًّا.
(٥-٥) المريخ
السبب الثاني وراء وجود براكين كبيرة على سطح كوكب المريخ هو أن الظروف عليه مهيَّأة لذلك؛ فالكوكب يمتلك غلافًا صخريًّا باردًا وقويًّا يبلغ سمكه نحو ضعف سمك الغلاف الصخري لكوكب الأرض. وإذا نقلت بركان أوليمبس مونس إلى كوكب الأرض أو كوكب الزهرة، فإن غلافيهما الصخريان الرقيقان نسبيًّا سوف ينخفضان تحت وطأة الحِمْل، ويقل ارتفاع البركان.
وما يزيد على ٣٠ شظية من المقذوفات الصدمية التي تنطلق من كوكب المريخ جُمعت على كوكب الأرض باعتبارها نيازك، وهي إما حمم بركانية بازلتية وإما حمم بركانية بلورية خشنة تشكَّلت عن طريق الاسترساب، ويمتد نطاق تبلورها العمري من ٤٫٥ مليارات سنة إلى ١٦٠ مليون سنة. ويمكننا أن نستنتج أن الصخور النارية تشكل جزءًا كبيرًا من قشرة كوكب المريخ في العمق، حتى بالرغم من أن بقعًا كبيرة من السطح بها طبقة خارجية من الرواسب المتنوعة.
(٦) عمليات السطح
(٦-١) الحطام الصخري والتجوية الفضائية
في حال عدم وجود غلاف جوي، فإن الضوء الشمسي فوق البنفسجي يمكن أن يصل السطح؛ حيث يمكن أن يكسر الروابط الكيميائية بمرور الوقت. والاصطدامات التي تحدث مع النيازك الشديدة الصغر، والجسيمات المشحونة التي تأتي من الرياح الشمسية (وذلك في حال عدم وجود مجال مغناطيسي) يمكن أن تؤثِّرا أيضًا على كيمياء السطح، بحيث تخوض الأجرام المنعدمة الهواء مجموعة من العمليات التي توصف مجتمعةً باسم «التجوية الفضائية»، والتي تغير ببطء تركيب السطح. على سبيل المثال، يمكن أن تُكسر الروابط التي تربط بين ذرات الحديد والأكسجين، وهذا يسمح للأكسجين بالهروب، ويترك حُبَيْبِات دون مجهريةٍ من المعدن الخالص يُطلق عليه «الحديد في المرحلة النانويَّة».
عندما يمتلك الكوكب غلافًا جويًّا، لا يمكن أن يصل إلى سطحه بسرعة كبيرة سوى أكبر الأجرام الصادمة، وعلى نحو نادر. على سبيل المثال، في الغلاف الجوي لكوكب الأرض، يُحتمل أن تتحول الكويكبات الصخرية التي يقل حجمها عن ١٥٠ مترًا إلى شظايا، وهذه الشظايا الناتجة تكون صغيرة بما يكفي لأن يعمل الاحتكاك على الإبطاء من سرعتها؛ ومن ثَمَّ بحلول الوقت الذي تصل فيه إلى السطح تكون قد فقدت كل سرعتها الأولية تقريبًا، ولا تشكِّل فوهات. والغبار النيزكي الذي يتألف في أغلبه من النيازك الشديدة الصغر، وأيضًا من الشظايا المفصولة بالاحتكاك من النيازك الأكبر حجمًا، يستقر على السطح بمتوسط معدل تراكم يتراوح بين ٠٫١ و١ ملِّيمتر لكل مليون سنة. ويشكل هذا الغبار إسهامًا ضئيلًا في المعدل الإجمالي للترسيب؛ حيث يتم غمره كليًّا بمادة رسوبية أخرى، باستثناء أن يكون على قاع محيط عميق بعيدًا عن السطح.
(٦-٢) التعرية والنقل
بخلاف التنسيق الصدمي، تشملُ العملياتُ التي يمكن أن تبلي الصخور وتنقل الشظايا الناتجة الريحَ، والماء المتدفق، والجليد المتحرك (الأنهار الجليدية). ويمكن أن يذيب الماء الصخر أيضًا من خلال عملية التجوية الكيميائية. والعناصر التي يحملها الماء خلال عملية الإذابة يمكن أن تظهر في مكان آخر مرة أخرى حيث تترسب في معادن جديدة. وهذا ينطبق — بوجه خاص — على الرواسب الملحية، وأيضًا على العديد من أنواع الصخور الكربونية. لكنْ على كوكب الأرض يتشكل معظم الحجر الجيري (كربونات الكالسيوم) من شظايا تأتي من هياكل كائنات بحرية؛ مما يسلط الضوء على مرحلة بيولوجية مهمة في تحويل الكربونات المذابة (أو غاز ثاني أكسيد الكربون المذاب) إلى مادة صلبة يمكن أن تصير صخورًا.
ويشتهر كوكب المريخ بالعواصف الغبارية التي رصدها التليسكوب للمرة الأولى في عام ١٨٠٩. وفي الحضيض، عندما يستقبل كوكب المريخ طاقة شمسية تزيد بنسبة ٤٠٪ على الطاقة التي يستقبلها في الأوج، يمكن أن ترفع الرياح التي تزيد سرعتها على ٢٠ مترًا في الثانية كمًّا هائلًا من الغبار في السماء بحيث يُحجب السطح عدة أسابيع. وأحيانًا قلما يُرى شيء سوى قمة بركان أوليمبس مونس. وبسبب السحب التي كثيرًا ما تتجمع هناك، غالبًا ما تبدو هذه القمة بيضاء، وهذا هو السبب الذي كانت من أجله تحمل هذه القمة في السابق اسم «نيكس أوليمبيكا» (ثلوج أوليمبس)، الذي عُدِّل لاحقًا عندما أظهرت صور من مركبة الفضاء حقيقة الأمر.
الغلاف الجوي لكوكب الزهرة أكبر كثافة بكثير من الغلاف الجوي لكوكب الأرض؛ إذ يمتلك ضغطًا جويًّا سطحيًّا أكبر بنحو ٩٢ ضعفًا من الضغط الجوي السطحي لكوكب الأرض. حتى الرياح البطيئة يمكن أن تحرك ذرات الرمل، ويمتلك كوكب الزهرة العديد من حقول الكثبان الرملية. لكنْ عندما تضرب حُبَيْبَةٌ حرَّكتْها الريحُ صخرَ أديمٍ مكشوفًا، تكون قدرتها على التعرية محدودة، ويرجع ذلك في جانب منه إلى قيام الهواء الكثيف بتقليل سرعة الضربة وتخفيفها، ويرجع في جانب آخر إلى أن درجة حرارة السطح المرتفعة التي تبلغ ٤٨٠ درجة مئوية تجعل المادة تتشوَّه تشوهًا لدنًا بدلًا من أن تبلى عن طريق التفتت.
(٧) تسمية سمات سطح الكواكب
لقد استخدمت بالفعل أسماء لسماتٍ في سطح الكواكب الأخرى عدة مراتٍ حتى الآن: بركان أوليمبس مونس، وأودية مارينر، ووادي هادلي ريل، وغير ذلك. ومن دون هذه الأسماء، كنت سأضطر إلى الإشارة إليها على النحو التالي: «أكبر بركان على كوكب المريخ.» و«نظام الأودية العملاق على كوكب المريخ.» و«الوادي الكبير الذي هبطت بالقرب منه مركبة الفضاء «أبوللو ١٥».» بل سيكون حتى من الأصعب وصف السمات الأقل بروزًا ما لم يتم ذلك عن طريق استخدام نظام إحداثي يصعُب تذكره.
لكن لا أحد يعيش هناك، فمن إذن يحدد الأسماء؟ وإلى أي مدًى تكون هذه الأسماء رسميةً ومتفقًا عليها؟ عندما بدأ علماء الفلك للمرة الأولى في رسم خرائط عن طريق تليسكوباتهم، بعضهم كان يميل لابتكار أسماء بأنفسهم، بغض النظر عن أي أبحاث سابقة. وكانت إحدى المهام الأولى للاتحاد الفلكي الدولي (الذي تأسس عام ١٩١٩) هو وضع حدٍّ لفوضى الأسماء، والوصول إلى أسماء رسمية موحدة للسمات التي تحمل أكثر من اسم، ووضع معايير وأسس لتحديد الأسماء المستقبلية. انطبق هذا على أسماء الأجرام المكتشفة حديثًا، وأيضًا أسماء السمات الموجودة على أسطح الأجرام الكوكبية التي يمكن أن يصبح من المرغوب فيه تسميتها، أو تصبح مرئية بفضل التطور الحادث في تقنيات التصوير. في الأساس، عُنِي التطوُّر في تقنيات التصوير التي يتم بها استكشاف سمات أسطح الأجرام الكوكبية باستخدام تليسكوبات أكبر حجمًا وأفضل من حيث الإمكانيات، ويمكن أن يكون قد أدرك بعض مؤسسي الاتحاد الفلكي الدولي أنهم وضعوا وسيلة للإشراف على طريقة تسمية السمات التي تكشف عنها رحلات مركبات الفضاء.
انتقد البعض طريقة تعامل الاتحاد الفلكي الدولي لعملية إعادة تصنيف كوكب بلوتو، لكنني لا أعرف أحدًا يستاء من الطريقة التي تتم على أساسها عملية التسمية من جانب هذا الاتحاد؛ فهي عملية منصفة وغير مُسَيَّسة تسعى لتمثيل كافة ثقافات العالم؛ ليس بالضرورة على كوكب واحد، ولكنها تكون متوازنة عبر كواكب المجموعة الشمسية بأكملها.
وبناءً على ما أصبح بالفعل إجراءً شائعًا فيما يتعلق بالسمات القمرية، يخصص الاتحاد الفلكي الدولي لكل فوهة من الفوهات اسمًا دون إضافة أي وصف له، في حين يُعطي معظم السمات الأخرى اسمًا، إضافةً إلى مصطلح لاتيني توضيحي يدل على نوعية هذه السمة؛ ومن ثم تستطيع أن تفهم على الفور من مصطلح أوليمبس مونس (مونس باللاتينية تعني جبلًا) أن السمة المذكورة هنا جبل يُطلق عليه أوليمبس. لاحظ أنه بالرغم من أنه لا أحد يشك في أن أوليمبس مونس هو بركان، فإن الكلمة التوضيحية المضافة (مونس أي جبل) لا تُبيِّن ذلك؛ فالمصطلحات التوضيحية تتجنب عن قصد «التفسير» (الذي ربما يتبين خطؤه فيما بعدُ) وتلتزم «بالوصف».
المصطلحات الوصفية الشائعة التي يمكن أن تقابلها هي: تشاسما (منخفض عميق مستطال ومنحدر الجوانب)، فلاكتس (منطقة مغطاة بتدفق بركاني)، فوسا (منخفض طويل ضيق قليل العمق)، منسا (بروز مسطح من أعلاه له حواف أشبه بحواف المنحدر)، بلانيشيا (سهل منخفض)، بلانوم (سهل مرتفع أو هضبة)، روبيس (منحدر)، وفاليس (وادٍ متفرع). على القمر الأرضي هناك أيضًا مير (والجمع ماريا) وترجمتها «بحر» ولكن هذا المصطلح أضحى شديد الرسوخ بحيث لا يمكن استبداله بآخر أكثر ملاءمة للوصف.
تنطبق أسس مشابهة على أسماء الكويكبات والأقمار التابعة للكواكب الأخرى. فعلى سبيل المثال، القمر التابع لكوكب المشتري، والمعروف باسم أوروبا، به فوهات تحمل أسماء أبطال وآلهة سلتية، ومعظم السمات الأخرى تحمل أسماءً مأخوذة من الأسطورة الكلاسيكية التي دارت أحداثها حول شخصية أوروبا ابنة أجينور؛ مَلك فينيقيا.
(٨) الأغلفة الجوية
بعد نشأة كل كوكب أرضي، لا بد أن يكون قد تشكَّل لديه غلاف جوي عندما تسربت الغازات الداخلية من محيط الماجما. وهذه الأغلفة الجوية البدائية ليست موجودة اليوم، بالرغم من أن الغازات التي تنبعث من البراكين تبين الخصائص التي ربما كانت تتَّسم بها تلك الأغلفة. وجاذبية كلٍّ من القمر وعطارد ضئيلة بدرجة لا تمكنهما من الاحتفاظ بغلاف غازي حولهما، و«الغلاف الجوي» الذي قد يشار أحيانًا لوجوده في كلٍّ منهما، والذي يكون ضغطه أقل بكثير من ١ على مليار من ضغط الغلاف الجوي لكوكب الأرض؛ يتكون في الأساس من ذرات شاردة طُردت من السطح بفعل اصطدام النيازك الشديدة الصغر والأشعة الكونية. وهذه الذرات شحيحة جدًّا لدرجة أن كل واحدة منها تشرد — على الأرجح — في الفضاء بدلًا من أن تصطدم بذرة أخرى. وهذه الحالة توضح ما يُعرف باسم الإكسوسفير (الغلاف الخارجي) للكوكب. وهذا الغلاف يمثل النطاق الخارجي الرقيق من معظم الأغلفة الجوية، لكن القمر وعطارد لا يستطيعان الاحتفاظ بسواه.
كوكب الزهرة | كوكب الأرض | كوكب المريخ | |||
---|---|---|---|---|---|
ثاني أكسيد الكربون | ٩٦٫٥ | النيتروجين | ٧٨٫١ | ثاني أكسيد الكربون | ٩٥٫٣ |
النيتروجين | ٣٫٥ | الأكسجين | ٢٠٫٩ | النيتروجين | ٢٫٧ |
ثاني أكسيد الكبريت | ٠٫٠١٥ | الماء | حتى ٤ | الأرجون | ١٫٦ |
الماء | ٠٫٠١ | الأرجون | ٠٫٩٣ | الأكسجين | ٠٫١٣ |
الأرجون | ٠٫٠٠٧ | ثاني أكسيد الكربون | ٠٫٠٣٤ | أول أكسيد الكربون | ٠٫٠٧ |
الهيدروجين | أقل من ٠٫٠٠٢٥ | النيون | ٠٫٠٠١٨ | الماء | ٠٫٠٣ |
ضغط السطح | ٩٢ | ضغط السطح | ١ | ضغط السطح | ٠٫٠٠٦٣ |
وبانشطار جزيئات الغلاف الجوي بفعل الضوء فوق البنفسجي، يمكن أن تتحد هذه الجزيئات مع جزيئات أخرى عن طريق سلسلة من التفاعلات تندرج تحت «الكيمياء الضوئية». وهذا يحدث على وجه الخصوص في «الثرموسفير» (الغلاف الحراري) الذي يبدأ أعلى السطح بنحو ١٠٠ كيلومتر، والذي سُمي بهذا الاسم لأن هذه الطبقة يتم تسخينها بواسطة طاقة الضوء فوق البنفسجي الشمسي المستخدمة إما في شطر الجزيئات، وإما في نزع بعض من إلكتروناتها. وعملية نزع الإلكترونات هذه يُطلق عليها «التأيُّن»، والأيونات (التي هي أساسًا أيونات الأكسجين في حالة كوكب الأرض، وأيونات ثاني أكسيد الكربون في حالتَي كوكبَي الزهرة والمريخ) يمكن أن تكون أكثر وفرة في الأجزاء الخارجية من الغلاف الحراري، وتكون كافية لتكوين طبقة موصلة للكهرباء يُطلق عليها «الأيونوسفير» (الغلاف المتأين). وعندما تجلب عاصفة شمسية البلازما (الهيولي) من الشمس إلى كوكب الأرض، يؤدي هذا إلى تشويه المجال المغناطيسي، وإلى تدفق تيارات غير معتادة في طبقة الأيونوسفير؛ مما قد يؤثر سلبًا على الاتصالات اللاسلكية، بل حتى يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي.
والطبقات الأعمق من الغلاف الجوي التي لا يخترقها الضوء فوق البنفسجي ذو الطول الموجي القصير؛ تكون منيعة على تفاعلات الكيمياء الضوئية. ويحدث هنا تسخين للهواء عن طريق الاحتكاك بالسطح في أغلب الأحيان (يحدث للسطح تسخين مباشر عن طريق الشمس)؛ ومن ثم فإنه في الطبقة الدنيا التي يُطلق عليها التروبوسفير تتناقص درجة حرارة الغلاف الجوي مع الارتفاع. كذلك يتناقص الضغط الجوي والكثافة مع الارتفاع؛ وهو ما يعني أن طبقة التروبوسفير تشتمل على معظم كتلة الغلاف الجوي. وفي طبقة التروبوسفير، يمكن أن يتغير التركيب بسبب التفاعلات الكيميائية بين الهواء والصخر (وهذا يعد نتيجة مباشرة للتجوية الكيميائية)، خصوصًا (وربما فقط) في حالة كوكب الأرض بسبب وجود حياة عليه. فهنا تستخدم النباتات والكائنات البدائية الأحادية الخلية الطاقة الشمسية وثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي من أجل بناء أجسامها، وتُطلِق غاز الأكسجين الذي كان نادرًا جدًّا في الغلاف الجوي الأصلي. ومن دون النباتات، لا يمكن أن تتواجد الحيوانات التي تتنفس الأكسجين (مثلنا نحن البشر). ودرجة الحرارة يمكن أن تكون مختلفة أيضًا كما سأُبيِّن بعد قليل.
(٨-١) تأثيرات الدفيئة وثقب طبقة الأوزون
كثير من الناس لديهم علم «بثقب طبقة الأوزون» و«تأثير الدفيئة»، لكنهم عادة ما يجمعون بينهما باعتبارهما العاملين المسئولين عن تغير المناخ، لكن هناك اختلافًا كبيرًا بينهما.
لا توجد طبقة الأوزون إلَّا في طبقة الستراتوسفير من كوكب الأرض، وهي المكان الذي يُمتص فيه ٢٣٠ إلى ٣٥٠ نانومترًا من الضوء فوق البنفسجي. ولهذا الأمر أهميته البالغة بالنسبة لنا ولغيرنا من الكائنات الحية التي تعيش على سطح الأرض؛ لأنه إن لم يتم حجب هذا الضوء، فمن الممكن أن يتسبب في سرطانات جلدية وأضرار جينية بالغة. والمثير للدهشة أن الأمر يحتاج لقدر قليل من الأوزون حتى ينجح. فإذا جمعت كل الأوزون المنتشر في طبقة الستراتوسفير في طبقة واحدة عند مستوى سطح البحر، فلن يتجاوز سمكها نحو ٣ ملِّيمترات. هذه طبقة هشة؛ لذا عندما أصبح من الواضح — في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين — أنه فوق القارة القطبية الجنوبية ربما تكون طبقة الستراتوسفير فقد فقدت نصف الأوزون الذي فيها؛ سادت حالة من القلق، وكثُر الحديث عن وجود «ثقب في طبقة الأوزون». وقد عُزِي ذلك — في الأساس — إلى تفاعلات تتضمن مركبات كيميائية صناعية يُطلق عليها «الكلوروفلوروكربونات» التي تم، نتيجة لذلك، حظْرُ استخدامها في بخاخات الأيروسول ومواد التبريد؛ كي لا تتسرب إلى الغلاف الجوي. و«ثقب الأوزون» فوق المنطقة القطبية الجنوبية وثقب أخف فوق القارة القطبية الشمالية أصبحا مستقرين حاليًّا. لم تُستنزف سوى نسبة ضئيلة من الأوزون خارج المناطق القطبية، ولا يمكن معرفة مقدار استنزافه فوق المنطقة الاستوائية.
ليس هناك علاقة واضحة بين تركيز الأوزون ومتوسط درجة حرارة كوكب الأرض؛ فحدوث استنزاف كبير لطبقة الأوزون يمكن أن يؤثر سلبًا على حياتنا، لكن ليس له علاقة كبيرة بتغير المناخ أو الاحترار العالمي؛ إذ تخضع درجة حرارة طبقة التروبوسفير في الكواكب لمدى فاعلية امتصاص الغلاف الجوي السفلي للأشعة تحت الحمراء. ويرجع ذلك إلى أن ضوء الشمس المرئي يعمل على تسخين سطح الكوكب؛ ومن ثم ينطلق من هذا السطح أشعة تحت حمراء. وتعتمد درجة حرارة الغلاف الجوي على عاملين: الحرارة التي يكتسبها الغلاف الجوي من خلال احتكاكه بالسطح، ومقدار الأشعة تحت الحمراء التي بمقدوره امتصاصها.
ونظرًا لأن هذا يشبه احتجاز الحرارة داخل صوبة أو دفيئة، أُطلق على هذا التأثير «تأثير الدفيئة». يوجد تأثير دفيئة طبيعي في الغلاف الجوي لكواكب الزهرة والأرض والمريخ. وفي الأساس، بفضل احتواء الغلاف الجوي لكوكب الزهرة على كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، يعمل تأثير الدفيئة في هذا الكوكب على رفع درجة حرارة سطحه بنحو ٥٠٠ درجة مئوية فوق ما كانت ستصبح عليه لولا ذلك. ويعمل بخار الماء وثاني أكسيد الكربون على رفع درجة حرارة كوكب الأرض بنحو ٣٠ درجة مئوية، ولا يتجاوز الارتفاع في درجة الحرارة نتيجة تأثير الدفيئة في كوكب المريخ — الذي له غلاف جوي رقيق غني بثاني أكسيد الكربون — إلا نحو ست درجات مئوية.
منذ بداية الحقبة الصناعية، أثَّر النشاط البشري على الغلاف الجوي بطرق شتى؛ مثل استنزاف الأوزون والضباب الدخاني الصناعي وغير ذلك. ومع ذلك، أهم ما يجب أن يشغلنا هو إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، أو بالأحرى «عودته» مرة أخرى إلى الغلاف الجوي؛ إذ إن معظمه هو في الأساس ثاني أكسيد كربون استُخلص سابقًا من الغلاف الجوي عن طريق الكائنات الحية واختُزن في صورة فحم أو نفط. ومقدار ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي زاد بنحو ٢٠٪ خلال الخمسين عامًا منذ عام ١٩٦٠ (وذلك بمعدل أسرع من أي عملية طبيعية)، ولا يزال يزداد. وتأثير الدفيئة هذا، الناتجُ عن النشاط البشري، سوف يؤدي حتمًا إلى احترار مناخ الكوكب؛ فارتفاع درجة الحرارة بضع درجات سوف يؤثر على الأنظمة البيئية، وسوف يؤدي في الأغلب إلى جعل الطقس (بما يشمل تقلبات درجات الحرارة قصيرة الأمد) أكثر تطرفًا. ثمة نتيجة أخرى تتمثل في ارتفاع مستوى سطح البحر على ظهر الكوكب. ويرجع هذا — في الأساس — إلى أن الماء يتمدد كلما زادت درجة حرارته؛ لذا بالرغم من أن تأثير الدفيئة الطبيعي في غلافنا الجوي شيء جيد، فيمكن أن تؤدي الزيادات السريعة في حجم التأثير، الناتجة عن النشاط البشري، إلى نتائج كارثية على الحضارة الإنسانية.
وعلى خلفية تناقصٍ تدريجيٍّ عامٍّ في تأثير الدفيئة الطبيعي، الذي يقابل الزيادة البطيئة في سطوع الشمس، حدث العديد من التغيرات الملحوظة في مناخ كوكب الأرض. وتُعد العصور الجليدية التي تَجمَّد فيها جزء كبير من المياه السطحية (في ظروف متطرفة) أوضح وأبرز مثال على ذلك. وهذه التغيرات لا تخضع لتأثير الغلاف الجوي بقدرِ ما تخضع للتغيرات الحادثة في ميل محور الأرض ولاتراكزية المدار. وربما تفسِّر تأثيراتٌ مماثلةٌ التغيراتِ الشديدةَ الحادثةَ في درجة رطوبة سطح كوكب المريخ على مر الزمن.
(٨-٢) السُّحُب
السحب عاكسة بدرجة كبيرة؛ لذا كلما زادت درجة تلبُّد الغلاف الجوي بالسحب زادت كمية الطاقة الشمسية التي تنعكس مباشرة نحو الفضاء، لكن تزيد السماء الملبدة بالسحب قدرة الغلاف الجوي على احتجاز الحرارة من أشعة الشمس التي تصل إلى سطح الكوكب «فعليًّا»؛ ومن ثم فإن تأثير السحب على درجة حرارة الكوكب تأثير معقد؛ فالسحب المتصلة في كوكب الزهرة لم تنجح في حماية سطح الكوكب من الاكتواء بنار تأثير الدفيئة.
تتشكل السحب عندما تعمل درجة الحرارة والضغط معًا على جعل الظروف مواتية لمكوِّنٍ ما من مكونات الغلاف الجوي كي يتكثف على صورة قطيرات سائلة أو جسيمات ثلجية. وفي حالة الكواكب الأرضية، عادة ما يكون الماء هو هذا المكون. وبالرغم من أن الماء لا يمثل سوى جزء ضئيل من الغلاف الجوي لكوكب الزهرة، فيكفي هذا الماء لتشكيل طبقة متصلة من السحب أعلى طبقة التروبوسفير في هذا الكوكب بين نحو ٤٥ و٦٥ كيلومترًا أعلى السطح. في تلك المنطقة، يتكثف بخار الماء في صورة قطيرات يبلغ قُطرُها ميكرومترين. هذه القطيرات تظل معلقة لأنها تكون صغيرة جدًّا بحيث لا يمكن أن تسقط، ويُطلق عليها قطيرات الضبوب (الهباء الجوي)، ويذوب ثاني أكسيد الكبريت الجوي فيها، فتتحول إلى حمض كبريتيك، بيْدَ أنه إذا أخبرك شخص بأن السماء تمطر حمضًا كبريتيًّا في كوكب الزهرة، فاعلم أنه مخطئ؛ فحيثما تُسحب القطيرات إلى أسفل بمقدار ٤٥ كيلومترًا عن طريق دوران الغلاف الجوي، تؤدي الحرارة إلى تبخرها من جديد، ولا تحظى أبدًا بفرصة أن تصبح قطرات مطر كبيرة بما يكفي لسقوطها على سطح الكوكب.
وفوق ارتفاع نحو ٦ كيلومترات، تتكون سحب الأرض في أغلبها من جسيمات ثلجية صغيرة، وتحت هذا الارتفاع، تكون في الغالب عبارة عن قطيرات ماء. والسحب الممطرة ليست رمادية في حقيقة الأمر؛ إنها تبدو كذلك لأنها تكون سميكة بما يكفي لحجب قدر كبير من الضوء. ومن النادر نسبيًّا أن تتشكل السحب في كوكب المريخ؛ ففي أغلب طبقة التروبوسفير من هذا الكوكب، تكون السحب عبارة عن جليد مائي، لكن على مسافة نحو ٨٠ كيلومترًا بالقرب من الحاجز الفاصل بين طبقتَي التروبوسفير والميزوسفير، رُصدت سحب مكونة من ثاني أكسيد الكربون.
(٨-٣) الأغطية الجليدية القطبية والمحيطات
إضافة إلى تكاثف مكونات الغلاف الجوي من أجل تكوين السحب، يمكن أن تتكاثف هذه المكونات لتصبح ثلجًا أو سائلًا عند السطح. والمعروف إلى يومنا هذا أن كوكب الأرض هو الوحيد بين الكواكب الأرضية الذي به محيطات، والتي هي بطبيعة الحال مكوَّنةٌ من ماء. وبالقرب من القطبين، يتجمد الماء من أجل تشكيل أغطية جليدية قطبية. وربما يكون كوكب الزهرة الناشئ قد مرَّ بحقبة قصيرة غطَّت فيها المحيطات سطحه، قبل أن يزيد بخار الماء المتطاير (الذي تَبدَّد بعد ذلك بفعل التفكك الضوئي) من تأثير الدفيئة المتنامي؛ ما أدى إلى موقف الجفاف الحالي.
وتتفاعل الأغطية القطبية لكلٍّ من كوكبَي الأرض والمريخ مع الغلاف الجوي. وهذه الأغطية في الواقع عبارة عن رواسب من الغازات التي تنفصل عن الغلاف الجوي؛ إما بالسقوط من السحب على هيئة ثلج، وإما تتكاثف مباشرة على السطح. وعندما ترتفع درجة الحرارة، تعود مادة الأغطية القطبية إلى الغلاف الجوي؛ إما عن طريق الانصهار والتبخر بعد ذلك (فيما يتعلق بالماء على سطح الأرض، أو ربما على سطح المريخ في الماضي)، وإما عن طريق التحول مباشرة من ثلج إلى بخار (بالنسبة لثاني أكسيد الكربون والماء على سطح المريخ اليوم).
لا يمكن أن تحدُث توازنات كهذه على الأجرام السماوية العديمة الهواء مثل القمر وكوكب عطارد؛ ومن ثم لا يُتوقع أن يحتوي هذان الجرمان على مثل هذه الأغطية القطبية، بيد أنه خلال فترة التسعينيات من القرن العشرين، لوحظ أن إشارات الرادار تنعكس بقوة غير معتادة من مناطق ظليلة دائمًا داخل فوهات بالقرب من قطبَي كلا الجرمين. وهذا يتسق مع الجليد المائي المتناثر على شكل حبيبات داخل الحطام الصخري. ثمة تفسير محتمل، وهو أن أسطح هذه الفوهات تكون باردة جدًّا، لدرجة أن أي جزيئات ماء شاردة بالجوار تميل للالتصاق في الغالب بالسطح في «مصائد مبردة». ولا يحتاج هذا الماء لأنْ يكون جزءًا أصيلًا من هذه الأجرام؛ فمن الممكن أن يكون قد تم توريده لاحقًا عن طريق المذنبات الصادمة. والعثور على مصدر ماء على سطح القمر أمر له أهميته البالغة إذا أُريد لمستعمرة بشرية، أو حتى مجرد قاعدة بشرية دائمة، أن تتواجد هناك. واحتمالات وجود ماء في القطبين هي الأقوى. وفي عام ٢٠٠٩، تم التأكد من وجود ماء في عمود مقذوفات تَشكَّل عندما اصطدمت مركبة فضاء بفوهة قطبية ظليلة دائمًا؛ فالأطياف تحت الحمراء التي تم الحصول عليها بواسطة مركبة فضاء أخرى أظهرت وجود ماء وأملاح معدنية مُمَيَّهة على نحو متفرق في الحطام الصخري في مناطق أوسع نطاقًا، وذلك بتركيزات بسيطة، إلا أن هذا يحيي الآمال باحتمال وجود حياة على سطح القمر، وذلك على خلافِ ما كان يُعتقد في السابق.
(٩) الدورات
التفاعل بين لب الكوكب وسطحه وغلافه الجوي ودوران المكونات بينها أمر مهم للغاية. و«الدورة الهيدرولوجية» (دورة الماء) لكوكب الأرض هي أوضح مثال على ذلك. وهي ليست دورة واحدة، لكنها مجموعة من الدورات المترابطة. عمومًا، يتبخر الماء الموجود في المحيطات ليكون سحبًا، ثم يتكثف لاحقًا ليسقط على هيئة مطر أو ثلج؛ ليشق طريقه عائدًا إلى المحيطات مرة أخرى (من خلال الأنهار أو الأغطية القطبية الموسمية). ويمكن أن يُسحب الماء إلى لب الكوكب (إما أن يصل إلى العمق في مناطق الانغراز، وإما أن يكون ضحلًا عندما يتسرب من السطح للداخل) ويخرج من جديد عن طريق البراكين. ويمكن أن يتفاعل كيميائيًّا أيضًا مع الصخر (التجوية الكيميائية) ويُختزن داخل المعادن. هناك أيضًا «دورة كربونية» مهمة ذات مراحل مترابطة تتعلق بثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي، والنباتات والحيوانات الحية، وثاني أكسيد الكربون المذاب، والحجر الجيري البحري، والرواسب الهيدروكربونية، والغازات البركانية، وما إلى ذلك.
من المؤكد أن كوكب المريخ تحدُث به دورات مماثلة، بالرغم من أنها تحدث على نحو متقطع أكثر، وعلى نطاقات زمنية مختلفة، وبأهمية نسبية مختلفة لكل مرحلة من مراحل الدورة. الأرجح أنه توجد حتى دورات أبطأ تتعلق بثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت على كوكب الزهرة، وفيها يعمل الغلاف الجوي على تجوية صخور السطح التي تُطمر في نهاية المطاف بتدفقات الحمم البركانية لأعماق تُحرَّر فيها الغازات من جديد، وتعود إلى الغلاف الجوي من خلال الفوهات البركانية. وإلى أن نستكشف ونوثق التعقيدات والنطاقات الزمنية لهذه الدورات المتعددة المراحل والمترابطة، سوف يظل فهمنا لطبيعة كل كوكب قاصرًا.