أقمار وحلقات الكواكب العملاقة
تشترك جميع الكواكب العملاقة الأربعة في امتلاكها حلقات ومجموعة كبيرة من الأقمار التابعة، وتوجد تنويعات من تلك الحلقات والأقمار بناءً على الأهمية والحجم، لكن أوجه التشابه بين الأنظمة الحلقية القمرية تفوق أوجه الاختلاف.
(١) الأنظمة الحلقية القمرية
تتحرك معظم الأقمار الخارجية التابعة لكل كوكب عملاق في مدارات لا تراكزية، وتكون حركتها عادةً في الاتجاه المعاكس لدوران الكوكب الذي تتبعه. والعديد من هذه المدارات يكون مائلًا بدرجة تزيد على ٣٠ درجة بالنسبة إلى خط استواء الكواكب التي تتبعها تلك الأقمار. وقد أطلق على هذه الأجرام اسم «الأقمار غير النظامية» نظرًا لأن مداراتها تكون في المعتاد لا تراكزية ومائلة، وتدور في الاتجاه العكسي، فضلًا عن حقيقة أن جاذبيتها ضئيلة لدرجة لا تمكِّنها من أن تحتفظ بشكل كروي (يبلغ أقصى قطر لها نحو ١٠٠ كيلومتر، وفي أغلب الأحيان لا يتجاوز بضعة كيلومترات). والأقمار غير النظامية هي الفئة الأكثر عددًا؛ فوفقًا لآخر التقديرات، يتبع كوكبَ المشتري ٥٥ قمرًا بأنصاف محاور رئيسية مدارية تتراوح بين ١٠٥ إلى ٤٠٠ ضعف نصف قطر المشتري، ويتبع كوكبَ زحل ٣٨ قمرًا بمدارات تتراوح بين ١٨٤ و٤١٧ ضعفًا من نصف قطر زحل، ويتبع كوكبَ أورانوس ٩ أقمار بمدارات تتراوح بين ١٦٧ و٨١٨ ضعفًا من نصف قطر أورانوس، ويتبع كوكبَ نبتون ٦ أقمار بمدارات تتراوح بين ٢٢٣ و١٩٥٤ ضعفًا من نصف قطر نبتون.
«الأقمار النظامية» الكبيرة الحجم تدور في مدارات في عكس اتجاه عقارب الساعة، وتكون هذه المدارات أقرب إلى الكواكب التابعة لها تلك الأقمار، وبدرجات ميل منخفضة جدًّا. ويتبع كوكبَ المشتري أربعةُ أقمار نظامية (تلك التي اكتشفها جاليليو) تتراوح أنصاف محاورها الرئيسية المدارية بين ٥٫٩ إلى ٢٦٫٣ ضعفًا من نصف قطر المشتري. وهذه عوالم كبيرة، وهي تشترك في الكثير من الخصائص الجيولوجية مع الكواكب الأرضية، بالرغم من أنها لا تفي بمتطلبات الاتحاد الفلكي الدولي المؤهلة لها كي تُصنف ضمن الكواكب. ويتبع كوكبَ زحل ثمانيةُ أقمار نظامية (جميعها باستثناء واحد فقط أصغر حجمًا بكثير من أقمار المشتري، وتتراوح مداراتها بين ٣ و٥٩ ضعفًا من نصف قطر زحل)، ويتبع كوكبَ أورانوس ٥ أقمار نظامية (تتراوح مداراتها بين ٥ و٢٣ ضعفًا من نصف قطر أورانوس). ويتبع نبتون قمرٌ نظاميٌّ واحدٌ كبيرٌ يطلق عليه تريتون يبلغ مداره ١٥ ضعفًا من نصف قطر الكوكب. وبالرغم من أن هذا القمر «نظامي»، فإنه يتميز بدورانه العكسي. ثمة سمة مهمة تجمع بين الأقمار النظامية كافة (بما فيها تريتون)، وهي أن قوى المد تتحكم فيها بحيث تدور حول محورها دورانًا متزامنًا، بمعدل دورة حول نفسها مرة كل دورة حول الكوكب الذي تتبعه، وبذلك تجعل وجهها مواجهًا دائمًا لكوكبها (مثلما هو الحال في القمر الأرضي).
وبالاقتراب أكثر، نجد كتلًا من حطامٍ ذاتَ أشكال غير منتظمة يكون من السهل تمييزها باعتبارها «قميرات داخلية». وهذه القميرات تدور في مدارات دائرية استوائية في عكس اتجاه عقارب الساعة. وهكذا الحال بالنسبة للجسيمات التي تتشكل منها الحلقات. ونظرًا لأن بعض مدارات القميرات الداخلية تقع ضمن الحلقات، لا يوجد — على الأرجح — فارق جوهري بين جسيم حلقة كبيرة وقمير داخلي صغير. ولا يتبع كوكبَ المشتري سوى أربعة قميرات داخلية معروفة، لكن زحل يتبعه ١٤ قميرًا، منها سبعة قميرات تقع مداراتها بين مدارات أقماره النظامية الداخلية. ويتبع كوكبَ أورانوس ١٣ قميرًا، وأما نبتون فيتبعه ٦.
ويتباين عرض وعدد الحلقات من كوكب إلى آخر، مع كون حلقات كوكب زحل هي الأبرز والأكثر إبهارًا إلى الآن، لكن بوجه عام لا يتجاوز سمكها بضع عشرات الكيلومترات. وفي الأغلب تكون هذه الحلقات أقرب إلى كوكبها من مسافة تُعرف باسم «حد روش»، وهو حد تدمِّر فيه قوى المد أيَّ جرم كبير يدخل في نطاق الكوكب. ويُنظر إلى معظم الحلقات باعتبارها حطامًا متخلفًا من التدمير المدي لقمر أو مذنب شرد مقتربًا بشدة من الكوكب، لكن من الواضح أن بعض الحلقات الأصغر حجمًا يكون مصدرها أقمارًا قريبة، وتتشكل من جسيمات تذرَّى بقوة في الفضاء أو تلقي بها اصطدامات.
وبوجه عام، تكون الحلقات أقرب إلى كوكبها منها إلى الأقمار النظامية التابعة، لكن كوكب زحل يعد استثناءً؛ إذ إن له حلقة خارجية غير منتظمة تتكون من مادة قاتمة غبارية تتمركز حول مدار فوبي؛ وهو أحد الأقمار الداخلية غير النظامية. والمادة التي تشكلت منها هذه الحلقة التي اكتُشفت عام ٢٠٠٩، باستخدام تليسكوب يعمل بالأشعة تحت الحمراء موجود في الفضاء، يُعتقد أن مصدرها القمر فوبي، وإن كانت الكيفية التي حدث بها ذلك ليست مفهومة إلى الآن.
(٢) أقمار مثيرة للاهتمام
في وقت من الأوقات، كان الجميع تقريبًا يتوقعون أن تكون حتى أكبر الأقمار التابعة للكواكب الخارجية أجرامًا موحشة، فكان يُعتقد أن الكرات الجليدية القديمة المليئة بحفر كثيفة نتيجة الاصطدامات ربما تسجِّل تاريخ قصف الكواكب الخارجية من المجموعة الشمسية، لكنها لم تكن مثيرة للاهتمام ما لم يكن المرء يرغب في دراسة التطور المداري المشترك لتلك الكواكب. كانت هذه هي الرؤية الشائعة حتى ٢ مارس ١٩٧٩، عندما نشر ستانتون بيل؛ من جامعة كاليفورنيا (بالتعاون مع زميلين آخرين)، بحثًا يُبيِّن أن الرنين المداري الذي نسبته ٢ : ١ بين آيو وأوروبا؛ قمرَي جاليليو الداخليَّيْن التابعَيْن لكوكب المشتري، لا بد أنه يؤدي إلى قدر هائل من التشوُّه المدي في شكل القمر آيو إلى الدرجة التي يصبح عندها محتواه الداخلي مصهورًا. وبناءً على تقديرات الكثافة إضافة إلى التحليل الطيفي لأسطح الأقمار التابعة للمشتري، تَبين بالفعل أن القمر آيو له قشرة صخرية على العكس من الأقمار التابعة الأخرى التي يسودها الجليد. وافتراض وجود محتوًى مصهور داخل جسم صخري (ترتفع فيه درجة حرارة الانصهار ارتفاعًا شديدًا) كان بمنزلة خطوة شديدة الجرأة. وربما لم يكن سيصدِّق هذا الزعمَ سوى قلة قليلة لولا قيام مركبة الفضاء «فويدجر ١» برحلة بعد ذلك بعدة أيام، وبثها صورًا لبراكين ثائرة تعلوها أعمدة الرماد البركاني بارتفاع ٣٠٠ كيلومتر.
وبالرغم من أن التسخين المدي للقمر آيو هو الأقوى إلى الآن، تؤثر نفس العملية على الكثير من الأقمار الأخرى، بل وهناك عدد أكبر منها يحمل دلائل لحالات تسخين مدِّي وقعت لها في الماضي. وهذا يجعلها متنوعة ومثيرة لاهتمام الجيولوجيين الذين لا يُمانعون في الاعتقاد بأنه في أغلب هذه الأقمار يكون اللب وحده مكونًا من الصخر، والذي يحاط بدثار جليدي سميك يحتمل أن يكون مزودًا بقشرة جليدية متمايزة كيميائيًّا عند السطح. وفي ظل درجات حرارة السطح المنخفضة التي تسود الكواكب الخارجية (التي تتراوح بين ١٤٠ درجة مئوية تحت الصفر بالنسبة لأقمار المشتري و٢٣٥ درجة مئوية تحت الصفر بالنسبة لأقمار نبتون)، تكُون الخواص الميكانيكية وسلوك انصهار الجليد مشابهَين إلى حدٍّ بعيدٍ للكيفيةِ التي يكون عليها سلوك الصخر في الكواكب الداخلية من المجموعة الشمسية. بعبارة أخرى، يكون لدى هذه الأجرام نفس سلوك وتركيب الكواكب الأرضية مع إحلال الصخر محل الحديد في اللب، والجليد محل الصخر في القشرة والدثار.
ويعد القمر آيو استثناءً لكونه خاليًا من الجليد، ولامتلاكه قشرة ودثارًا صخريين يحيطان بلب حديدي، وكان من الممكن أن يُصنف باعتباره كوكبًا أرضيًّا لو أنه كان يدور حول الشمس وليس حول كوكب المشتري. والقمر أوروبا هجين؛ إذ يمتلك تركيبًا مماثلًا للقمر آيو، وهو مطمور تحت ما يتراوح بين ١٠٠ إلى ١٥٠ كيلومترًا من الجليد. وفيما يلي سأتناول هذين القمرين وبعض الأقمار الأخرى التي هي مثار إعجابي، مع التركيز على الأمثلة الأكثر حيوية، بالرغم من أنه حتى الكرات الجليدية التي بها فوهاتٌ اتضح أنها أكثر إثارة للاهتمام من الأجرام الكروية الكئيبة المتخيَّلة في السابق.
(٢-١) آيو
ويقع القمر آيو ضمن حزام من الجسيمات المشحونة يحدها المجال المغناطيسي لكوكب المشتري، ويكون الإشعاع هناك قويًّا بشدة إلى الحد الذي جعل مراقبي بعثة «جاليليو»، التابعة لوكالة ناسا، لا يسمحون للمركبة بتكرار عملية المرور عن قرب من قمر آيو؛ ومن ثم لم تُلتقط صور جيدة إلَّا لجزء صغير من القمر آيو، بحيث أظهرت تفاصيل لمساحة لا يتجاوز حجمها بضع مئات الأمتار. وفي أكثر الصور تفصيلًا، لم يَزِدْ قطر البكسلات عن ١٠ أمتار، وحتى في هذه الصور لم يُعثر على أي فوهات صدمية.
وإذا كان معدل النشاط البركاني الحالي على قمر آيو معبرًا عن نشاطه على المدى الطويل، فلا بد أن قشرته ودثاره بالكامل قد تغيرا عدة مرات؛ فتغطية الأسطح الأقدم بتدفقات حمم بركانية وغبار متساقط من أعمدة الانفجار البركاني، التي تصل إلى متوسط معدل طمر عامٍّ يُقدَّر ببضعة سنتيمترات في العام، تطمس معالم الفوهات الصدمية بسرعة شديدة إلى الحد الذي لا تظهر عنده أيٌّ منها. وإذا فُرض وكان للقمر آيو طبقة خارجية من الجليد، فإن النشاط البركاني أدى إلى تبخرها منذ وقت طويل، لتتبدد في الفضاء؛ لأن جاذبية هذا القمر تكون ضعيفة إلى الحد الذي لا يمكِّنها من الاحتفاظ ببخار ماء أو أي غاز خفيف آخر. وقمر آيو كان سيصبح مكانًا مذهلًا يزوره علماء البراكين، لكن البيئة الإشعاعية القاسية جعلت سطحه غير ملائم تمامًا للاستكشاف البشري.
(٢-٢) أوروبا
أوروبا هو القمر المفضل لدي، وهو قمر يبلغ قطره ٣١٣٠ كيلومترًا. والصور التي التقطتها مركبة الفضاء «فويدجر» من خلال تحليقها بالقرب من القمر في عامَي ١٩٨٠ و١٩٨١ أظهرت سطحه على شكل قشرة بيض مشقوقة، مع وجود عدد قليل جدًّا من الفوهات الصدمية. من الواضح أن التسخين المدي جدَّد الطبقة الخارجية الجليدية للقمر، بالرغم من أن هذا لم يحدث بنفس السرعة الهائلة التي حدث بها في حالة القمر آيو. والصور العالية الوضوح التي التقطتها بعثة «جاليليو» أظهرت تاريخًا لسطح معقد، وأثارت جدلًا شديدًا؛ فقد كان معلومًا بالفعل أن سطح القمر أوروبا مكون في الأساس من جليد مائي. وتُبين الكثافة الكلية لهذا القمر أن سمك هيكله الجليدي لا بد أنه يتراوح بين ١٠٠ و١٥٠ كيلومترًا، وهو يعلو محتوًى داخليًّا صخريًّا أكثر كثافة، لكن الجدل بشأن الكثافة لا يمكن أن يميز بين الجليد الصلب والماء السائل؛ فجليد السطح قوي وسهل التفتُّت بفضل انخفاض درجة حرارته. والجدل الذي ثار تمحور حول حالة «الجليد» أسفل السطح. فهل كان في حالة تجمد وصولًا إلى الصخر، أم أن الجزء السفلي منه سائل مغطًّى بهيكل جليدي طافٍ؟
وحتى إن كانت هذه القصة تحمل قدرًا ضئيلًا من الصحة، فإنها تنطوي على بعض التبعات المثيرة للتفكير؛ فالتفاعلات الكيميائية مع الصخر الباطني ستجعل المحيط مالحًا — بالرغم من أن أكثر الأملاح المذابة وفرةً قد تكون كبريتات المغنيسيوم وليس كلوريد الصوديوم — كما في المحيطات الموجودة على كوكب الأرض. فأي محيط من نوعية المحيطات التي تعلو صخرًا ساخنًا بفعل التسخين المدي يوفر موطنًا ملائمًا لقيام حياة يماثل الموطن الذي يُعتقد أن تكون قد بدأت فيه الحياة على كوكب الأرض. وعدم وصول ضوء الشمس ليس عائقًا؛ لأن «الكائنات المنتجة الأولية» عند قاعدة السلسلة الغذائية يمكن أن تستمد طاقتها من اختلال التوازن الكيميائي، الذي يحدث للمحيط في ينابيع حارة مغمورة (مَنافس مائية حرارية). وهذه الحياة توصف بأنها تتعلق بالتمثيل الكيميائي في مقابل التمثيل الضوئي. وفي قيعان المحيطات على كوكب الأرض، يُطلق على أكثر المنافس سخونة اسم «المداخن السوداء»؛ بسبب عمود جسيمات الكبريتيد المعدنية الذي يتشكل عندما يمتزج مائع المَنفس بماء المحيط. وهذه المنافس بمنزلة واحات مذهلة للحياة؛ حيث تتغذى مجتمعات الكائنات الحية (بما يشمل بعض الكائنات المتقدمة مثل الجمبري وسرطان البحر) على ميكروبات تعتمد على التمثيل الكيميائي، وتكتسب طاقتها عن طريق تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى ميثان. وإذا كانت الحياة على كوكب الأرض بدأت في مثل هذه الظروف، فلماذا إذن لا يرجح حدوث ذلك على القمر أوروبا أيضًا؟
من الصعب جدًّا العثور على حياة مغمورة تحت الجليد الذي يبلغ سمكه عادةً عدةَ كيلومترات؛ وهو الأمر الذي يتطلب من الهابطين على القمر أوروبا ثقب أو صهر حفرة في الجليد لإدخال مسبار روبوتي يمكن أن يستقر في عمود «مدخنة سوداء». ومع ذلك، مثل هذه البعثة الطموحة قد لا تدعو إليها الحاجة بالضرورة إذا كانت النتوءات الموجودة على أيٍّ من جانبَي الشق الناشئ تَشكَّلت من الوحل الذي سُحب لأعلى من المحيط. وأثناء انفتاح الشق، يمكن أن يوفر موطنًا ملائمًا لقيام حياة تعتمد على التمثيل الضوئي لكائنات مثل النباتات أو الطحالب البحرية (وهو الأمر الأكثر معقولية). ومثل الحياة على كوكب الأرض، من الممكن أن تكون تلك الكائنات قد تطورت من أسلاف تعتمد على التمثيل الكيميائي. ويمكن أن يجعل الإشعاعُ بضعةَ السنتيمترات العليا من عمود الماء المكشوف غيرَ ملائمة للحياة، لكن يمكن أن يتوفر قدر كافٍ من ضوء الشمس لحدوث تمثيل ضوئي في بضعة الأمتار التالية. وإذا كانت هناك كائنات منتجة أولية (النباتات والطحالب) تعتمد في عيشها على ضوء الشمس، فمن المحتمل أن تكون هناك حيوانات تتغذى عليها. ولِتَبيُّن هذا الأمر، تتمثل الخطوة الأولى في فحص عينة من النتوء الذي يظهر خارج الشق.
والتعاون الكبير التالي الذي يمكن أن يتم بين وكالة ناسا الفضائية ووكالة الفضاء الأوروبية في مجال استكشاف الكواكب الخارجية من المجموعة الشمسية، من المرجح أن يكون بعثة فضائية إلى منظومة كوكب المشتري. وسوف يكون هدف تلك البعثة الأساسيُّ التحققَ من وجود محيط بالقمر أوروبا، باستخدام رادار مخترق للجليد، وعن طريق قياس مقدار الانحناء المدي (الذي قد لا يتجاوز نحو متر واحد في حالة الجليد السميك المستقر في القاعدة، وقد يصل إلى نحو ٣٠ مترًا بالنسبة لهيكل جليدي «رقيق» يطفو على سطح محيط). والمؤسف أنه لا يمكن التفكير في هبوط إحدى المركبات الفضائية على سطح القمر أوروبا بعدُ، لكن سوف يكون هناك على الأقل مطياف عالي الوضوح من المدار للبحث عن جزيئات بيولوجية المنشأ في مادة النتوء.
(٢-٣) إنسيلادوس
وشبه مؤكد أن التسخين المدي (الذي يحفزه رنين مداري نسبته ١:٢ للقمر بعد التالي التابع لزحل، الذي يُطلق عليه اسم ديون) يحفز على تشكيل الشقوق ويعطي زخمًا للأعمدة المائية الحرارية. ومع ذلك، لم يتوقع أحد أن القمر إنسيلادوس بهذه الدرجة من النشاط. وهذا أمر محير على اعتبار أن ميماس، وهو القمر المجاور له والمشابه له في الحجم، عبارة عن كرة جليدية نمطية بها فوهات، وليس بها دلائل تشير إلى وجود تاريخ من النشاط. ومن غير المحتمل أن يكون بالقمر إنسيلادوس محيط كبير مخبوء أسفل سطحه، لكن ربما توجد أخاديد من الماء السائل أسفل منابع الأعمدة. والماء السائل مهم لوجود حياة، لكنَّ توفُّر المواد المغذية داخل إنسيلادوس يكون بالتأكيد أكثر محدودية بكثير منه داخل جرم كبير مثل القمر أوروبا؛ ومن ثم فإن إنسيلادوس لا يبدو موطنًا واعدًا للحياة.
(٢-٤) تيتان
تيتان هو القمر الوحيد التابع لكوكب زحل الذي ينافس أقمار جاليليو التابعة لكوكب المشتري من حيث الحجم (حيث إن قطره يبلغ ٥١٥٠ كيلومترًا). وقد أظهرت مركبة الفضاء «فويدجر» هذا القمر في هيئة كرة برتقالية ضبابية؛ لأنه — من بين كل الأقمار — يمتلك غلافًا جويًّا كثيفًا. ويحتوي هذا الغلاف الجوي على ٩٧٪ نيتروجين، لكن السببَ في عتامته الميثانُ، إضافة إلى مشتقاته الكيميائية الضوئية التي تحوِّل طبقة الستراتوسفير إلى دخان ضبابي معتم. ويمتلك هذا القمر قشرة ودثارًا مكونين من الجليد (أغلبه جليد مائي)، ويشغلان الثلث الخارجي من نصف قطر القمر، ويعلوان لبًّا صخريًّا. وربما يوجد لب داخلي حديدي، وفي هذه الحالة من المفترض أن تكون قاعدة الدثار الجليدي أكثر عمقًا لتعادل متوسط الكثافة العامة. وفترة دوران تيتان حول محوره تتأثر بالرياح الموسمية؛ ما يبين لنا أن الغلاف الصخري لا بد أن يكون مفصولًا عن المحتوى الداخلي، والأرجحُ أن الحاجز الفاصل بينهما هو محيط داخلي يكون في أغلبه ماءً، أو مزيجًا من الماء والأمونيا (الذي يمكن أن يظل سائلًا في درجة حرارة أقل بشكل ملحوظ مقارنة بالماء النقي). ومعظم النماذج تعتبره طبقة «ضمن» الدثار الجليدي وليس على قمة الصخر الداخلي مباشرة.
غير معلوم إلى أي مدًى تسهم البراكين الجليدية والعمليات التكتونية في نحت وإعادة تجديد سطح القمر تيتان، بيد أنه من الواضح أنَّ تآكُل القاعدة (وهي الجليد في هذه الحالة بالطبع) متبوعًا بنقل وترسيب الرواسب هما العاملان المؤثران الرئيسيان في هذا الشأن. والمطر الذي يسقط على القمر تيتان لا بد أن يكون محتويًا على قطيرات من الميثان الذي يتخلل السطح، كما هو الحال مع سقوط الأمطار على كوكب الأرض، ويغذي ينابيع تَملأ جداول وأنهارًا به. ومن غير المعروف على سبيل اليقين مدى قدرة الميثان على التفاعل كيميائيًّا مع «القاعدة» الجليدية، ومدى قدرته النحتية ومعدل تبخُّره مرة أخرى إلى الغلاف الجوي، والمدة التي يظل خلالها هناك قبل أن يتساقط مطرًا مرة أخرى. وكل هذه لا بد أن تكون عوامل في دورة ميثان تشبه دورة الماء على سطح كوكبنا الأرضي. ومنذ وقت طويل، كان بكوكب المريخ هطول أمطار وأنهار وبحيرات، لكن القمر تيتان هو المكان الوحيد بخلاف كوكب الأرض الذي تحدُث فيه هذه الأشياء اليوم. في يومٍ ما، سوف نرسل مسبارًا آخر لاستكشاف القمر تيتان على نحو أكثر دقة، وربما تشتمل الرحلة حينها على منطاد ينجرف أسفل الدخان الضبابي بقابلية متنوعة للطفو؛ بحيث يستطيع أن يهبط في أماكن مثيرة للاهتمام. ومثل هذه البعثة يمكن أن تأخذ عينات من سائل بحيرة من بحيرات هذا القمر، وتحصل على صور للموجات التي تتكسر على شاطئ شديد الغرابة.
(٢-٥) ميراندا وأرييل
بالرغم من أن البراكين الجليدية الموجودة حاليًّا على القمر تيتان لا تزال موضع جدل، فلا يمكن التشكيك في البراكين الجليدية القديمة الموجودة على اثنين من الأقمار النظامية الخمسة التابعة لكوكب أورانوس، وهما أرييل وميراندا؛ حيث تكون درجة حرارة السطح ٢٠٠ درجة مئوية تحت الصفر. ويمكن رؤية تأثيراتها في صور التقطتها بعثة «فويدجر ٢» التي زارت منظومة أورانوس في يناير ١٩٨٦.
والقمر أرييل هو أكبر القمرين حجمًا؛ إذ يبلغ قطره ١١٥٨ كيلومترًا، وهو جرم كروي معقد يقطع أرضه القديمة المليئة بالفوهات العديد من التصدعات التي تحيط بكتل صخرية مرتفعة. ومعظم هذه التصدعات تشكل حدودًا لأودية ذات أرضية منبسطة من النوع الذي يعبِّر عنه المصطلح الوصفي «تشاسما». ومع ذلك، بدلًا من أن تكون أرضيات معظم هذه الأودية منخفضة، فإنها غُطيت بمادة ملساء أو — على الأقل — بشيء يبدو أملس في صور بعثة «فويدجر».
الأرجح أنه في الماضي السحيق (منذ أكثر من مليارَي سنة)، أدَّى التسخين المدي إلى تحطيم سطح القمر أرييل وانبثاق الحمم البركانية الجليدية. وقد غطَّت هذه الحمم أرضيات الأودية، ويمكن أن نراها في بعض الأماكن وقد امتدت فيما وراءها لتطمر جزئيًّا بعض الفوهات الصدمية الأكثر قِدَمًا. ونتيجة لبعد كوكب أورانوس عن الشمس، يُتوقع أن يكون الجليد المتكون عليه عبارة عن مزيج أكثر تعقيدًا من الجليد المالح، بدرجة طفيفة، الذي عُثر عليه في الأقمار التابعة لكوكب المشتري. والناتج الذي يستخلص — على الأرجح — من عملية الانصهار الجزئي هو مزيج من الماء والأمونيا بنسبة ٢ : ١، وهو عبارة عن مائع بدرجة حرارة ١٠٠ درجة مئوية تحت الصفر، ويمكن أن ينتج عن طريق التسخين لدرجة أقل بكثير مما هو مطلوب لانصهار جليد الماء النقي.
ويمكن أن تُرى أيضًا تدفقات حمم بركانية «متفرقة» على القمر ميراندا؛ وهو أصغر الأقمار النظامية التابعة لكوكب أورانوس (حيث يبلغ قطره ٤٧٢ كيلومترًا). ورغم صغر هذا القمر، فإنه يمتلك سطحًا متنوعًا على نحو لافت، ربما يكون أكثر تنوعًا حتى من القمر إنسيلادوس، بالرغم من أن عدد الفوهات الصدمية العلوية يشير إلى أن آخر نشاط له كان — على الأرجح — منذ مليارات السنين. ولم ترصد «فويدجر ٢» سوى نصف هذا القمر. ونصف هذه المنطقة المصورة كثيف الفوهات، لكنه مختلف في أن معظم فوهاته (الفوهات الأقدم) تبدو ملساء كما لو أن شيئًا سقط عليها من أعلى وغطَّاها، والفوهات الأحدث فقط هي التي تحتفظ بشكلها الأصلي. أما النصف الثاني من المنطقة المصورة، فيشتمل على ثلاث وحدات أرضية حادة الحافة تُعرف باسم «الأكاليل». وكل إكليل منها مختلف، لكنها جميعًا تحتوي على أرضية ذات حافة حادة أو ذات نمط منتظم، بما يشمل سمات عُرفت بأنها تدفقات حمم بركانية جليدية (الأرجح أنها حمم من الماء والأمونيا كما هو الحال على القمر أرييل)، مع وجود فوهات في حالتها الأصلية تُقابل تلك الموجودة في الأرضية الكثيفة الفوهات.
وقد استُبعدت واحدة من أولى النظريات التي تمحورت حول القمر ميراندا، والتي كانت ترى أن كل إكليل يمثل شظية ناتجة من عملية انحلال كارثي عامٍّ وإعادة تراكم. والأرجح أن الأكاليل عبارة عن مواقع لبراكين جليدية خلَّف فيها طور الاضمحلال دون غيره آثارًا مميزة تشبه التدفقات. وتغطية الفوهات الأقدم في الأرضية خلْف الأكاليل قد يُثبت حدوث ثورات بركانية ناثرةً جسيمات جليدية في الفضاء؛ ليستقر بعضها في صورة أشبه بالجليد لمنع تكرار طبوغرافية كانت موجودة من قبل. نحن لا نعلم متى ولماذا حدث هذا، ومن غير المحتمل أن نتبين الحقيقة إلى أن تقوم بعثة أخرى برحلة فضائية إلى كوكب أورانوس، وهو الأمر الذي لن يتم — على الأرجح — قبل منتصف القرن.
(٢-٦) تريتون
تريتون هو أضخم أقمار نبتون (حيث يبلغ قطره ٢٧٠٦ كيلومترات)، والجزء الخارجي منه جليدي، لكنه يكون كثيفًا بدرجة تكفي لأنْ يكون له لب صخري كبير. وعندما مرت بعثة «فويدجر ٢» بالقرب من تريتون في عام ١٩٨٩، اكتشفت أغطية قطبية من جليد النيتروجين المتجمد (اكتشف سابقًا من كوكب الأرض بواسطة التحليل الطيفي). ومثل ثاني أكسيد الكربون في الأغطية الجليدية على كوكب المريخ، تنكمش هذه الأغطية في فصل الصيف — على الأرجح — عن طريق التصعد وليس الانصهار، وتضيف محتواها إلى الغلاف الجوي الرقيق للقمر تريتون، الذي يتكون في الأساس من النيتروجين. وجليد القاعدة الثابت الذي يشكل قشرة تريتون عبارة — على ما يبدو — عن مزيج من الميثان وثاني أكسيد الكربون والماء. وقد يحتوي هذا المزيج على الأمونيا أيضًا، وهو ما يكاد يكون غير مرئي لمنظار التحليل الطيفي.
ولم ترصد بعثة «فويدجر» سوى الغطاء القطبي الجنوبي؛ لأن معظم نصف الكرة الشمالي كان في ظلام. ولفصول تريتون طبيعة خاصة؛ نظرًا لميل محور نبتون بمقدار ٢٩٫٦ درجة، ولميل مدار تريتون بمقدار ٢١ درجة. وعلاوة على ذلك، يميل المستوى المداري للقمر تريتون حول محور نبتون بحيث لا تساوي الدورة الموسمية الكاملة على تريتون الفترة المدارية لنبتون حول الشمس التي تبلغ مدتها ١٦٤ سنة، ولكن تساوي ٦٨٨ سنة، مع دورات فرعية مدتها ١٦٤ سنة. وخلال الدورة الكاملة، تتراوح زاوية العرض تحت الشمسي على تريتون بين ٥٠ درجة شمالًا و٥٠ درجة جنوبًا. وبالمصادفة، عندما حلَّقت مركبة الفضاء «فويدجر ٢» بالقرب من تريتون، كان يقترب من الصيف الجنوبي المتطرف حيث كان متعامدًا تمامًا مع الشمس عند ٥٠ درجة جنوبًا؛ ومن ثم فإن جزءًا كبيرًا من نصف الكرة الشمالي كان في ظلام، ولم يكن ممكنًا رصده. وقد أظهر الغطاء القطبي الجنوبي المضاء بالشمس علامات على انكماشه، وتم التحقق من تصعُّده إلى غاز عن طريق عمليات رصد له من كوكب الأرض، في عام ١٩٩٧، أظهرت أن الضغط الجوي كان قد تضاعف في السنوات الثماني التي مرت منذ زيارة بعثة «فويدجر» لتريتون. وأثناء ذلك، كان الغطاء القطبي الشمالي غير المرئي يتنامى على الأرجح؛ حيث تكاثف النيتروجين الجوي على السطح البارد.