الأجرام الوراء نبتونية
يتواجد عدد قليل نسبيًّا من الكويكبات المعروفة باسم «القنطوريات» بين كوكبَي المشتري ونبتون، وبعض هذه الكويكبات مظلم وأحمر اللون مثل كويكبات النوع «دي» القطرانية (المغطاة بالثولينات)، لكن بعضها الآخر أكثر زرقة؛ ما يوحي بأن جزءًا كبيرًا من أسطحها يمكن أن يكون عبارة عن جليد مكشوف حديثًا. ولأن مداراتها تَعْبر الكواكب العملاقة أو تقترب منها، فإنها لا تكون ثابتة ولا تبقى على حالها أكثر من نحو عشرة ملايين سنة. الأرجح أن القنطوريات أجرام وراء نبتونية بُعثرت باتجاه الداخل، ربما نتيجة لاقترابها الشديد من كوكب نبتون، وربما يؤدي المزيد من التفاعلات بينها وبين الكواكب العملاقة إلى دفعها نحو الداخل إلى أن تصبح مذنبات دورية تقضي فترة الحضيض في قلب المجموعة الشمسية؛ لتزداد سخونة بفعل حرارة الشمس، ولتفقد أجزاءها المتطايرة في ذيول رائعة تُرى أحيانًا.
اكتُشفت ستة أجرام طروادية بالقرب من نقطة لاجرانج الأمامية لكوكب نبتون، وتوحي النقاشات المستمرة بأن ثمة أعدادًا ضخمة بانتظار مَن يكتشفها (في كلتا نقطتَي لاجرانج)، وبأن عدد الأجرام الطروادية النبتونية يمكن أن يكون عشرات أضعاف تلك الخاصة بكوكب المشتري.
(١) بلوتو وشارون
معرفتنا بخواص معظم الأجرام الوراء نبتونية ليست جيدة. ومع ذلك، فإن كوكب بلوتو وقمره شارون كبيران وقريبان بما يكفي لخضوعهما للدراسة التليسكوبية على مدار عدة عقود. من خلال التحليل الطيفي، اكتُشف النيتروجين والميثان وثاني أكسيد الكربون في حالة تجمد على كوكب بلوتو، وتُظهِر أكثرُ الصورِ التليسكوبية وضوحًا بقعًا داكنة يُرجح أن تكون بقايا غنية بالثولينات. وتوحي كثافة بلوتو بأنه لا بد أن الصخر يمثل نحو ٧٠٪ من كتلته الإجمالية، والأرجح أن لبه صخري (يُرجح أنه لب داخلي غني بالحديد) الذي يعلوه دثار يتكون في معظمه من جليد مائي تعلوه قشرة غنية بالمواد الأكثر تطايرًا.
وقرب الحضيض (الذي حدث مؤخرًا في عام ١٩٨٩)، يمتلك بلوتو غلافًا جويًّا غنيًّا بالنيتروجين، وربما يكون هذا الغلاف أكثر كثافة من الغلاف الجوي للقمر تريتون. ولأن جاذبية كوكب بلوتو ضعيفة جدًّا، فيمكن أن يمتد هيكل تخيلي يحيط ﺑ ٩٩٪ من غلافه الجوي لنحو ٣٠٠ كيلومتر فوق السطح، في حين أن الارتفاع المقابل في حالة كوكبنا الأرضي لا يتعدى ٤٠ كيلومترًا. ومن المتوقع أن جزءًا كبيرًا من الغلاف الجوي لكوكب بلوتو سيتكثف على السطح، مع زيادة المسافة بينه وبين الشمس من ٤٫٥ مليارات كيلومتر في الحضيض إلى ٧٫٤ مليارات كيلومتر في الأوج في عام ٢١١٣. من المؤسف أن تفوتنا فرصة دراسة كوكب بلوتو من موضع أقرب خلال الحضيض. سوف تنطلق بعثة «نيو هورايزونز»، التابعة لوكالة ناسا، في رحلة تمر خلالها بكوكب بلوتو في عام ٢٠١٥، وبحلول هذا الوقت ربما يكون قد تكثف جزء كبير من الغلاف الجوي للكوكب وأخفى السطح «الدائم» أسفل غطاء موسمي من الجليد النيتروجيني.
وفترة دوران كوكب بلوتو حول محوره التي تبلغ ٦٫٤ أيام هي نفس الفترة المدارية لأكبر أقماره، وهو شارون، الذي يدور بالتزامن معه. وهذه العلاقة ناتجة عن نوبات مد قوية، وهي تعني أن كوكب بلوتو وشارون يواجه كلٌّ منهما الآخر بنفس الوجه دائمًا.
وكوكب بلوتو أكثر توافقًا في الحجم والكتلة مع شارون من توافق أي كوكب آخر أو كوكب قزم مع أكبر أقماره التابعة؛ فكتلة شارون تبلغ نحو ١٢٪ من كتلة كوكب بلوتو، وهو يدور حول كوكب بلوتو على مسافة لا تتجاوز نحو ١٧ ضعفًا من نصف قطر بلوتو قياسًا من مركز بلوتو. وللمقارنة، كتلة القمر الأرضي لا تتجاوز ١٫٢٪ من كتلة كوكب الأرض، ونصف قطر مداره يبلغ ٦٠ ضعفًا من نصف قطر كوكب الأرض. ويفسر قرب شارون من كوكب بلوتو السبب وراء عدم اكتشافه حتى عام ١٩٧٨. والقمران الأصغر حجمًا التابعان لكوكب بلوتو، وهما نيكس وهيدرا، تم اكتشافهما في عام ٢٠٠٥. وهذان القمران يدوران حول بلوتو في المستوى المداري للكوكب في رنين مداري يقترب من ٤ : ١ و٦ : ١ مع القمر شارون.
وأغلب سطح القمر شارون مكون من الجليد المائي مع كميات ضئيلة من الأمونيا. وكثافة شارون أقل من كثافة بلوتو، لكنها تظل كافية لأن تشكل لبًّا صخريًّا لا بأس به. وربما يتضح أن شارون قمر قليل النشاط نسبيًّا وكثيف الفوهات في حين قد يُبْهِرنا جميعًا بلوتو بكونه نشطًا من الناحية الجيولوجية، كما يوحي بذلك التنوُّعُ في مواد سطحه.
من جهة أخرى، ربما يوجد سبب وراء كون شارون أكثر نشاطًا من بلوتو الأكبر حجمًا منه. يرجع ذلك إلى ميل محور بلوتو بمقدار ١١٩٫٦ درجة (كون هذا الميل أكبر من ٩٠ درجة معناه أن دوران الكوكب حول محوره يكون عكسيًّا). يقع مدار شارون بالضبط في المستوى الاستوائي لكوكب بلوتو؛ ومن ثم فهو يشاركه الميل المرتفع فيما يتعلق بمدارهما المشترك حول الشمس. وقوى الشد المدي المتنافسة التي تمارسها الشمس وبلوتو على القمر شارون من الوارد أن تكون قوية بالقدر الذي يكفي لأن تتسبب في حدوث انصهار في مكانٍ ما من الدثار الجليدي للقمر شارون. وإذا كان الوضع كذلك، فإننا نواجه احتمالًا مثيرًا بأن يكون سطح شارون مشابهًا لسطح القمر أوروبا، بل ويحتمل أن يكون تحته محيط قد يشتمل على مظاهر حياة. وأفضل معلومات لدينا حتى الآن مصدرها الأطياف تحت الحمراء للقمر شارون، التي تم الحصول عليها عام ٢٠٠٧، والتي عثرت على جليد مائي على سطح شارون لا يزال في شكله البلوري الأصلي مقارَنةً بالحالة غير المتبلورة دون المجهرية للجليد، الذي تَعرَّض للأشعة الشمسية فوق البنفسجية وقصف الأشعة الكونية لأكثر من بضع عشرات آلاف السنين. وأبسط تفسير لهذا هو الينابيع الحارة التي تُطلِق جليدًا حديثًا من الداخل، والتي تشبه الأعمدة المائية الحرارية على القمر إنسيلادوس.
(٢) بقية الأجرام الوراء نبتونية
الاسم | القطر (بالكيلومترات) | متوسط بُعده عن الشمس (بالوحدات الفلكية) | الفترة المدارية (بالسنوات) | الأقمار المعروفة وقطرها |
---|---|---|---|---|
إريس | ٢٤٠٠ | ٦٧٫٧ | ٥٥٧ | ديسنوميا (أقل من ٢٥٠كم) |
بلوتو | ٢٣٠٦ | ٣٩٫٤ | ٢٤٨ | شارون (١٢٠٥كم)، |
نيكس (١٤٠كم)، | ||||
هيدرا (١٧٠كم) | ||||
ميكميك | ١٣٠٠–١٩٠٠ | ٤٥٫٨ | ٣٠٩٫٩ | — |
هاوميا | ١٤٠٠ | ٤٣٫١ | ٢٨٣٫٢ | هاياكا (٣١٠كم)، |
ناماكا (١٧٠كم) | ||||
سِدنا | ١٤٠٠ | ٥٢٥٫٩ | ١٢٫٠٥٩ | — |
2007 OR10 | ٩٠٠–١٤٠٠ | ٦٧٫٣ | ٥٥٢٫٥ | — |
2002 TC302 | ٨٥٠–١٤٥٠ | ٥٥٫٢ | ٤١٠٫٦ | — |
كواور | ١٠٠٠ | ٤٣٫٦ | ٢٨٨ | وايوت (١٠٠كم) |
أوركس | ٩٥٠ | ٣٩٫٢ | ٢٤٥٫٣ | فانث (٢٥٠كم) |
فارونا | ٥٠٠–١٠٠٠ | ٤٣٫١ | ٢٨٣٫٢ | — |
إكسيون | ٦٥٠–٨٢٠ | ٣٩٫٧ | ٢٤٨٫٩ | — |
وبخلاف بلوتو، أحجام هذه الأجرام ليست معروفة جيدًا (حتى بالنسبة لتلك التي ورد رقم تقريبي لها في الجدول)، وأبعادها عبارة عن تقديرات تقوم على افتراضات تتعلق بوضاءتها (أي نسبة ضوء الشمس التي تعكسها عند سقوطه عليها)؛ فإذا كانت أقل انعكاسية مما هو مفترض، فلا بد أن تكون أكبر حجمًا، لكن إذا كانت أكثر انعكاسية، فلا بد أن تكون أصغر حجمًا. ويمكن أن تتحسن تقديرات الحجم عن طريق قياس الإشعاع الحراري من أسطحها، لكنها تكون باردة جدًّا (٢٣٠ درجة مئوية تحت الصفر أو أقل) لدرجة أنه لا يمكن إجراء تلك التقديرات إلا باستخدام تليسكوبات في الفضاء أعلى الغلاف الجوي لكوكب الأرض. ونظرًا لحالة عدم التيقن هذه، من غير المحتمل أن تظل جميع هذه الأجرام ضمن قائمة «العشرة الأهم والأكبر» مستقبلًا.
تتدرج الأجرام الوراء نبتونية في لونها من الأحمر (الأرجح أن يكون مصدره ثولينات منتشرة عبر أسطحها) إلى رمادي مُزْرَقٍّ (مصدره جليد مكشوف أو كربون غير متبلور). وهاوميا هو أحد الأجرام الرمادية المُزْرَقَّة، وتشير كتلته (المشتقة من مدارات أقماره) إلى أن كثافته أكبر من كثافة بلوتو؛ لذا لا بد أن يكون به محتوًى عالٍ نسبيًّا من شيء آخر غير الجليد. وعلى سطح كواور، اكتُشف الجليد البلوري وهيدرات الأمونيا عن طريق التحليل الطيفي؛ ما يوحي بتجدد السطح حديثًا (باستخدام حجج مشابهة لتلك المُقدَّمة بشأن شارون). هذا يمكن أن يتطلب إما نشاطًا جيولوجيًّا، وإما اصطدامًا كبيرًا لتوليد مقذوفات يتسع نطاقها بما يكفي للهيمنة على الطيف.
إن نسبة تتراوح بين ٢٪ و٣٪ من الأجرام الوراء نبتونية هي التي يُعرف أن لها أقمارًا تابعة، وهو ما يشبه وفرة الكويكبات التي لها أقمار تابعة، والنسبة تكون أعلى بين الأجرام الوراء نبتونية الأكبر حجمًا، وهي تطرح تحديات أمام محاولات تفسير مَنْشَئِها.
إذا أَتَمَّتْ بعثةُ «نيو هورايزونز» الفضائية، التابعة لوكالة ناسا، مهمتَها في المرور بالقرب من بلوتو وشارون عام ٢٠١٥، فسوف يتم توجيهها إلى الأمام نحو جرم وراء نبتوني أكثر بعدًا. لم يتحدد الهدف بعدُ، لكن سيكون وضعًا مثاليًّا إذا ما عثرت البعثة على جرم بلون رمادي مُزْرَقٍّ لمقارنته بطبيعة كوكب بلوتو المائلة للحمرة.
(٣) هل يوجد كوكب وراء نبتون؟
يتفق معظم علماء الفلك على أننا قد اكتشفنا جميع الأجرام الكبيرة التي تنتمي للمجموعة الشمسية؛ فبالتأكيد ليس هناك شيء بحجم الكواكب لم نكتشفه في حزام كايبر، فلو كان هذا الجرم موجودًا، لَمَا استقر حزام كايبر. ومع ذلك، يبقى احتمالان لوجود كوكب أبعد من نبتون (يشاع الإشارة إليه باسم «الكوكب إكس») لم يتم استكشافهما بعدُ: يتمثل الاحتمال الأول في وجود جرم بنفس كتلة كوكب الأرض في مدار مائل لاتراكزي يبعد عن الشمس بمسافة تتراوح بين ٨٠ و١٧٠ وحدة فلكية. ولعل وجود جرم كبير كهذا (ربما أُبعد أكثر عن الشمس بفعل اقتراب شديد من كوكب نبتون) يفسر ما رُصد من انخفاض مفاجئ في عدد الأجرام التي تتبع حزام كايبر فيما وراء ٤٨ وحدة فلكية، والذي يُعرف باسم «منحدر كايبر»، كما أنه قد يفسر حالة التبعثر الشديد الذي دَلَّت عليه أجرام مثل سِدنا.
ويأتي الاحتمال الثاني من الاعتقاد بأن المذنبات غير الدورية تأتي — في أغلب الظن — من منطقة معينة في السماء وليس من اتجاهات عشوائية. وقد افتُرض أن هذه المذنبات زحزحت من سحابة أورط عن طريق جرم بنفس كتلة كوكب المشتري يبعد عن الشمس مسافة تقدَّر بنحو ٣٢ ألف وحدة فلكية. اكتشاف هذا الأمر عن طريق التليسكوب أمر صعب لكنه ليس مستحيلًا. «كوكب» بهذه الدرجة الشديدة من البعد لا يحتاج لأن يكون مرتبطًا بتأثير الجاذبية بالشمس، لكن قد يكون مجرد جرم متجول بين النجوم في الفضاء، ومن الوارد أن يكون قد أفلت من مجموعة كواكب تتبع نجمًا آخر.