الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية
لم يعد هناك شك في أن الكواكب شائعة حول النجوم الأخرى. وحتى وقت قريب نسبيًّا، كان هذا الأمر محض افتراض، لكن بحلول عام ٢٠١٠ كان قد تجاوز عدد النجوم التي ثبت أن كوكبًا واحدًا على الأقل يدور حولها ٤٠٠ نجم. وبوضع مدى صعوبة إجراء عمليات الكشف هذه في الحسبان، يتضح أن أغلب النجوم الشبيهة بالشمس لا بد أن تصاحبها كواكب. ولتجنُّب الخلط، عادة ما يشير إليها المتخصصون باسم «الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية». ويُستثنى من الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية الأجرام المعتمة الغريبة التي تتجاوز كتلتها ١٣ ضعفًا من كتلة كوكب المشتري، وهو الحد الذي يمكن أن يحدث بعده الاندماج النووي للديوتيريوم (الهيدروجين الثقيل). هذه الأجرام يُطلق عليها «الأقزام البنية»، وهي تُعَد أشبه بالنجوم منها بالكواكب.
(١) طرق الاكتشاف
بدأت تتزايد الأدلة على أن معظم النجوم الأحدث عمرًا تحيط بها حلقة غبارية، وذلك في أواخر فترة السبعينيات من القرن العشرين. وأتت الدلائل الأولى من تأثير الغبار على الطيف تحت الأحمر لنجم معين، ثم بدأ الحصول على صور أقراص الغبار في فترة الثمانينيات من القرن العشرين. وبغض النظر عما إذا كانت هذه الأقراص تشبه السديم الشمسي قبل أن تتشكل الكواكب، أو تمثل بقايا من الغبار، ظلت موجودة ضمن ما يقوم مقام حزام كايبر في هذا النجم، فمجرد وجودها أثبت أنه لا بد أن يكون هناك كَمٌّ وافر من الكواكب أيضًا. وقد تم أول اكتشاف أكيد لكوكب خارج المجموعة الشمسية في عام ١٩٩٥، بعدها بدأت تتوالى الاكتشافات عامًا بعد عام.
(١-١) السرعة الشعاعية
الاكتشاف الأول لكوكب خارج المجموعة الشمسية وأغلب الاكتشافات التي أعقبته (أكثر من ٣٠٠ كوكب بحلول عام ٢٠١٠) تحققت عن طريق رصد تغيُّرات طفيفة في السرعة الشعاعية لنجم معين، ويقصد بالسرعة الشعاعية السرعة التي يسير بها نجم باتجاه كوكب الأرض أو بعيدًا عنه، بغض النظر عن أي حركة عبر خط الرؤية. ويمكن أن تتحدد تغييرات السرعة الشعاعية حتى مقدار دقيق ملحوظ، يبلغ مترًا في الثانية، عن طريق قياس الانزياحات الحادثة في الطول الموجي المحدد، الذي تظهر عنده الخطوط الامتصاصية في طيف النجم. تحدث الانزياحات نحو أطوال موجية أقصر («الانزياح نحو الأزرق») إذا كان النجم يتحرك نحونا، في حين تحدث نحو أطوال موجية أطول («الانزياح نحو الأحمر») إذا كان النجم يتحرك بعيدًا، وذلك في ظاهرة تُعرف باسم «تأثير دوبلر». والتباينات في السرعة الشعاعية استُخدمت لوقت طويل في قياس السرعات المدارية للنجوم المزدوجة (ومن ثم في استنتاج كتلتها)، لكن التأثير الطفيف لكوكب يقع خارج المجموعة الشمسية وأقل ضخامة بكثير على نجم يُعدُّ نسبيًّا أكثر ضخامة بكثير يتطلب أجهزة حديثة حساسة للغاية. ويتعين تفسير التغييرات الحادثة في السرعة الشعاعية، التي تتسبب فيها الحركة المدارية لكوكب الأرض، قبل أن تُفسر التغييرات الأكثر خفاءً، التي تُعزَى إلى سحب الكوكب الواقع خارج المجموعة الشمسية في اتجاه نجمه.
وتعتمد الجاذبية بين نجم وكوكب خارج المجموعة الشمسية على مجموع كتلتيهما. لحسن الحظ أنه بالنسبة للنجوم الشبيهة بالشمس، توجد علاقة معلومة جيدًا بين النمط الطيفي للنجوم وكتلتها. استنادًا إلى ذلك، يمكننا استخدام فترة ومقدار التغييرات الحادثة في السرعة الشُّعاعية لتحديد كتلة الكوكب الواقع خارج المجموعة الشمسية المسئول عن حركة النجم للأمام وللخلف. ولا يوجد عادةً مقياس مستقل لتحديد اتجاه المستوى المداري لكوكب خارج المجموعة الشمسية، وإذا لم يكن المستوى المداري مواجهًا بزاوية لخط رؤيتنا، فإن التغيير الحقيقي في السرعة لا بد أن يكون أكبر مما نكتشفه. ومع ذلك، فإن المجادلات الإحصائية (القائمة على أساس افتراض مستويات مدارية موجهة عشوائيًّا) تشير إلى أن أغلب الكتل يمكن ألَّا تزيد على ضعف الرقم المُقدَّر بافتراض أن المدار مواجه بزاوية لخط رؤيتنا.
وتتناسب طريقة السرعة الشعاعية على أفضل نحوٍ مع الكواكب الضخمة التي تدور بالقرب من نجمها؛ لأن ضخامة الكتلة والقرب الشديد يؤديان إلى حدوث أكبر تغييرات في السرعة الشعاعية للنجم؛ لذلك لا داعي للعجب من أن الكواكب الأولى المكتشفة خارج المجموعة الشمسية غالبًا ما كانت أكثر ضخامة من كوكب المشتري، لكنها تدور في مدارات لا تبعد سوى جزء من وحدة فلكية عن نجومها.
واكتشاف هذه الكواكب التي يُطلق عليها كواكب «المشتري الحار» أثارَ نوعًا من الجدل؛ لأنها تقع داخل الخط الجليدي لنجومها، ولا يمكن أن تكون قد تَشكَّلَت في المكان الذي نراها فيه الآن. ومن المسلَّم به حاليًّا أنها كبُرت أكثر ثم هاجرت نحو الداخل. وهذا أثار الجدل من جديد حول نطاق هجرة الكواكب في مجموعتنا الشمسية في بداية تاريخها. فلو أن كوكب المشتري استمر في هجرته نحو الداخل، لكان قد دمَّر أو بعثر جميع الكواكب الأرضية واحدًا تلو الآخر. لفترة قصيرة من الوقت، فتَحتْ كواكب «المشتري الحار» الباب أمام افتراض أن مثل هذه النتيجة كانت طبيعية، وأن المجموعات الكوكبية كمجموعتنا نادرة للغاية، لكن التقنيات المطورة والإضافية لاكتشاف كواكب خارج المجموعة الشمسية بدأت تتوصل إلى كواكب صخرية؛ ما يشير إلى أن كثرة عدد كواكب «المشتري الحار» في الاكتشافات الأولى كانت ناتجةً عن تفضيل في الاختيار بسبب سهولة عملية الاكتشاف.
(١-٢) العبور
الطريقة الثانية من حيث الفاعلية لاكتشاف كواكب واقعة خارج المجموعة الشمسية، التي من المرجَّح أن تتفوق قريبًا على طريقة السرعة الشُّعاعية؛ تتمثل في البحث عن حالات «عبور» تحدث عندما يُحجب جزء ضئيل من ضوء نجم خلال عبور كوكب واقع خارج المجموعة الشمسية أمامه. وتُكتشف معظم حالات العبور عن طريق عمليات مسح متكررة لنجوم محتملة تتم من خلال تليسكوبات مُؤَتْمَتَة موجودة على كوكب الأرض، أو تليسكوبات متخصصة موجودة في الفضاء.
ولا يمكن أن تحدث حالة عبور إلا إذا كان المستوى المداري للكوكب الواقع خارج المجموعة الشمسية يقع على نفس خط رؤيتنا تقريبًا، وهو الأمر الذي لا بد أن ينطبق إحصائيًّا على نحو نصف في المائة فقط من جميع مجموعات الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية. وتعتيم ضوء النجم يكون طفيفًا، لكنه يكون أكبر ما يمكن بالنسبة لأكبر الكواكب حجمًا خارج المجموعة الشمسية، ويحدث بمعدل أكبر (ومن ثم يزيد احتمال رصده) بالنسبة للكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية التي تدور بالقرب من نجمها. ومن جديد، اكتشاف كواكب «المشتري الحار» مفضل على أي نوع آخر من الكواكب. ويمكن استخدام مقدار التعتيم الذي يحدث لضوء النجم في استنتاج حجم الكوكب مقارنة بنجمه. ومدة العبور تعطينا دلائل على السرعة المدارية ونصف القطر المداري، لكن قياسات السرعة الشعاعية التالية يمكن أن تعطينا فكرة أفضل عن خصائص المجموعة الكوكبية. ولأن حدوث حالة عبور يبين أن المستوى المداري يقع في خط رؤيتنا، تعتبر الكتل المستنتجة من خلال طريقة السرعة الشعاعية قيمًا صحيحة وليست تقديرات للحد الأدنى.
(١-٣) التصوير والطرق الأخرى
تصوير الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية أمر صعب للغاية؛ لأن هذه الكواكب تكون أكثر خفوتًا بكثير من نجومها. وقد تم تصوير كواكب تقع خارج المجموعة الشمسية حول عدد ضئيل من النجوم. وكما قد تتوقع، كانت جميع هذه الكواكب بحجم كوكب المشتري أو أكبر، كما كانت تدور — في الغالب — حول نجم على بُعد عشرات أو حتى مئات الوحدات الفلكية. في عام ٢٠٠٨، أظهرت صورة — تم الحصول عليها بإحدى تقنيات التكييف البصري باستخدام تليسكوبات تعمل بالأشعة تحت الحمراء في هاواي — ثلاثة كواكب خارج المجموعة الشمسية تدور حول نجم أحدث عمرًا يشبه الشمس (أطلق عليها «إتش آر ٨٧٩٩»)، وذلك على بعد ٢٤ و٣٨ و٦٨ وحدة فلكية. ويوجد وراء هذه الكواكب الثلاثة قرص غباري على بعد ٧٥ وحدة فلكية.
طريقة أخرى لاكتشاف الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية يُطلق عليها «القياس الفلكي»، وهي طريقة واعدة للغاية تقوم على أساس قياس دقيق جدًّا لموقع النجم في السماء. وأي رفيق دوار غير مرئي سوف يشد النجم من جانب إلى آخر، والقياس الفلكي يسعى لاكتشاف هذا، بدلًا من تغييرات السرعة الشعاعية على طول خط الرؤية. وتكون الحركة في أعلاها إذا كان سبَّبَها كوكبٌ ضخمٌ في مدار كبير؛ ومن ثم فإن هذه الطريقة مكمِّلة للطرق الأكثر حساسية للمدارات الصغيرة. وأول نجاح مؤكد لطريقة القياس الفلكي تحقق في عام ٢٠٠٢، عندما وثَّق تليسكوب هابل الفضائي تأرجحات جانبية للنجم المسمى «جليزا ٨٧٦»؛ ما عدَّل معرفتنا بشأن كوكب تُعادل كتلته ٢٫٦ من كتلة كوكب المشتري يدور حول نجم على بُعد ٠٫٢٠ وحدة فلكية، كان قد اكتُشف فعليًّا عن طريق تغييرات السرعة الشعاعية. وأول اكتشاف بالقياس الفلكي لكوكب كان مجهولًا في السابق تحقق في عام ٢٠٠٩، عندما تم العثور على نجم قزم أحمر اللون، أُطلق عليه «في بي ١٠»، يضطرب في موقعه بسبب كوكب تُعادل كتلته ستة أضعاف كتلة كوكب المشتري.
وهناك أسلوب مختلف تمامًا يستفيد من الاصطفاف الدقيق العشوائي (الذي لا يتكرر أبدًا) بين نجم أمامي ونجم خلفي؛ حيث يقوم النجم الأمامي مقام «العدسة الدقيقة الجذبوية» التي تضخِّم الضوء الصادر من النجم الخلفي. والسطوع المكتشف للنجم الخلفي يزيد ثم ينقص على مدار عدة أسابيع. فإذا تصادف وكان لدى النجم الأمامي كوكب، فإن هذا سيسبب زيادة وجيزة في السطوع (تستمر بضع ساعات أو أيام) على خلفية حالة الزيادة والنقصان الأكثر بطئًا. بحلول عام ٢٠١٠، كانت تقنية العدسة المستدقة قد اكتشفت عشرة كواكب خارج المجموعة الشمسية.
(١-٤) تسمية الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية
لا تُعطى أسماء للكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية، ويتم تحديدها بإضافة حروف بعد اسم النجم التابعة له، أو الرمز المعطى لها. فأول كوكب يُكتشف خارج المجموعة الشمسية أُعطى له الحرف ب، والثاني ج وهكذا (لا يستخدم الحرف أ)؛ ومن ثم فإن الكوكب «جليزا ٨٧٦» هو «جليزا ٨٧٦ ب»، ويوجد كوكبان تم اكتشافهما لاحقًا في نفس المجموعة الكوكبية هما «جليزا ٨٧٦ ج» و«جليزا ٨٧٦ د». هذا الأسلوب يعيبه أن الحروف لا تعطي أي فكرة عن مواقع الكواكب في الأنظمة التي تحتوي على العديد من الكواكب خارج المجموعة الشمسية، لكنه أسلوب لا بأس به على أي حال، وربما يكون من الحكمة عدم إعطاء أسماء محددة لتلك الكواكب؛ فربما سكان تلك الكواكب لديهم أسماء مناسبة تمامًا لكواكبهم.
(١-٥) الأنظمة المتعددة الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية
النجم | الكوكب الواقع خارج المجموعة الشمسية | الكتلة (مقارنة بكتلة المشتري) | نصف القطر المداري (بالوحدة الفلكية) | الفترة المدارية (بالأيام) |
---|---|---|---|---|
٥٥ كانكري | ﻫ | ٠٫٠٢٤ | ٠٫٠٣٨ | ٢٫٨٢ |
ب | ٠٫٨٢ | ٠٫١٢ | ١٤٫٧ | |
ج | ٠٫١٧ | ٠٫٢٤ | ٤٤٫٣ | |
و | ٠٫١٤ | ٠٫٧٨ | ٢٦٠ | |
د | ٣٫٨ | ٥٫٧٧ | ٥٢١٨ | |
جليزا ٨٧٦ | د | ٠٫٠٢١ | ٠٫٠٢١ | ١٫٩٤ |
ج | ٠٫٧١ | ٠٫١٣٠ | ٣٠٫١ | |
ب | ٢٫٣ | ٠٫٢٠٨ | ٦١٫١ | |
ﻫ | ٠٫٠٤٦ | ٠٫٣٣٤ | ١٢٤ | |
جليزا ٥٨١ | ﻫ | ٠٫٠٠٦١ | ٠٫٠٣ | ٣٫١٥ |
ب | ٠٫٠٤٩ | ٠٫٠٤١ | ٥٫٣٧ | |
ج | ٠٫٠١٧ | ٠٫٠٧ | ١٢٫٩ | |
د | ٠٫٠٢٢ | ٠٫٢٢ | ٦٦٫٨ | |
يو آند | ب | ٠٫٦٩ | ٠٫٠٥٩ | ٤٫٦٢ |
(أبسيلون | ج | ١١٫٦ | ٠٫٨٣ | ٢٣٧٫٧ |
آندروميدا) | د | ١٠٫٣ | ٢٫٥٥ | ١٣٠٣ |
إتش دي ١٦٠٦٩١ | ج | ٠٫٠٣٣ | ٠٫٠٩١ | ٩٫٦٤ |
د | ٠٫٥٢ | ٠٫٩٢ | ٣١١ | |
ب | ١٫٧ | ١٫٥ | ٦٤٣ | |
ﻫ | ١٫٨ | ٥٫٢ | ٤٢٠٦ | |
إتش آر ٨٧٧٩ | ب | ١٠ | ٢٤ | ٣٦٥٠٠ |
ج | ١٠ | ٣٨ | ٦٩٠٠٠ | |
ب | ٧ | ٦٨ | ١٧٠٠٠٠ |
وأقرب نجم خارج المجموعة الشمسية معلوم أن له كوكبًا هو «إبسيلون إريداني» الذي لا يبعد إلا بمسافة ١٠٫٥ سنوات ضوئية فقط. والكوكب «إبسيلون إريداني ب»، المُكتشَف باستخدام طريقة السرعة الشعاعية، هو كوكب عملاق له نفس كتلة كوكب المشتري، ويدور في مدار على بعد ٣٫٤ وحدات فلكية. والتليسكوبات التي تستخدم الأشعة تحت الحمراء تُظهر أن النجم تصاحبه نطاقات من الحطام الصخري (أحزمة كويكبات) تتمركز على بُعد نحو ٣ و٢٠ وحدة فلكية، إضافة إلى قرص غباري خارجي يمتد من ٣٥ إلى ١٠٠ وحدة فلكية. وقد استُشهد بالهيكل الموجود في القرص الغباري باعتباره دليلًا على وجود كوكب غير مؤكد تبلغ كتلته عُشر كتلة كوكب المشتري، وهو الكوكب «إبسيلون إريداني ج» على بُعد نحو ٤٠ وحدة فلكية.
(١-٦) الدراسة
المعلومات المباشرة التي لدينا عن أي كوكب واقع خارج المجموعة الشمسية محدودة، فإذا حددنا الكتلة (عن طريق السرعة الشعاعية أو القياس الفلكي)، يمكننا أن نستنتج الحجم بافتراض كثافة محتملة. وحدوث حالة عبور سوف تكشف الحجم الذي يمكن استنتاجه أيضًا عن طريق التصوير (بناءً على السطوع والوضاءة المفترضة). ويمكننا أن نستنتج الكتلة من الحجم إذا افترضنا الكثافة. وبُعد الكوكب عن نجمه يعطينا فكرة جيدة عن درجة حرارة السطح (أو الغلاف الجوي)، لكن هذا يعتمد أيضًا على الوضاءة ومزيج غازات الدفيئة في أي غلاف جوي؛ لذا فإن هناك هامشًا كبيرًا للخطأ.
التطور الرئيسي التالي في دراسة الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية سوف يتحقق — على الأرجح — مع تطوير قدرتنا على تحليل تركيب أغلفتها الجوية. ويمكن القيام بذلك على أكمل وجه عن طريق التليسكوبات الموجودة في الفضاء؛ فهي قادرة على عزل وتحليل الأطياف المرئية تحت الحمراء للكواكب المختلفة خارج المجموعة الشمسية، لا سيما الكواكب التي تشبه كوكب الأرض. ويمكن التعرف على العديد من أنواع غازات الغلاف الجوي الكثيرة عن طريق خواصها الامتصاصية. واكتشاف زوجين من الغازات لا يفترض أنهما يتواجدان معًا في ظروف كيميائية بسيطة، مثل الأكسجين والميثان؛ قد يكون أول دليل نحصل عليه يثبت وجود حياة تؤثر على الغلاف الجوي لكوكب خارج المجموعة الشمسية بنفس الطريقة التي تغير بها الغلاف الجوي لكوكب الأرض تغيرًا جذريًّا.
(٢) الحياة على الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية
والسؤال عن عدد الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية التي قد تصلح للحياة سؤال محير. لنكن متحفظين جدًّا في تقديراتنا ونقول إن ١٪ — في المتوسط — من النجوم الشبيهة بالشمس يدور حوله كوكب شبيه بالأرض في نطاق قابل للسكنى لأمد طويل. هذا يعطينا ١٠٠ مليون كوكب شبيه بالأرض وقابل للسُّكنى في مجرتنا. والمرجح أنه يوجد — على الأقل — نفس العدد من الأقمار القابلة للسكنى التي تدور حول الكواكب العملاقة الواقعة خارج المجموعة الشمسية.
الخطوة التالية في التسلسل المنطقي أبعد بكثير من هذا عن حد التيقن؛ فاستنادًا إلى الظروف التي تتطلبها الحياة: ما مدى احتمالية أن تبدأ حياة؟ إن أساسيات قيام حياة ليست عائقًا؛ فنحن نعلم أن الفضاء مليء بجزيئات عضوية وبكَمٍّ وفير من الماء أيضًا؛ ومن ثم فإن معظم الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية في نطاق قابل للسكنى سوف يتوفر بها جميع المتطلبات الضرورية لقيام حياة أساسها الكربون. هذا يعني «الحياة كما نعرفها» — تلك العبارة الشهيرة التي وردت في فيلم «ستار تريك» — دون الانخراط في التكهن بشأن أشكال الحياة الأخرى المعتمدة على كيميائيات غريبة.
وسهولة أو صعوبة نشأة الحياة تلقائيًّا تمثل فجوة كبيرة في فهمنا؛ فالكثيرون (وأنا من بينهم) يرون أن التريليونات التي لا تحصى من الجزيئات العضوية الملائمة في محيط كوكب خارج المجموعة الشمسية، والتفاعلات التي تتم بينها على مدار ملايين السنين كفيلتان ببدء الحياة على سطحه. وبمجرد أن تنتشر الحياة، يكون من الصعب معرفة الكيفية التي يمكن أن تختفي بها تمامًا، لكن إذا حدث واختفت، يفترض أن تظهر من جديد بنفس السهولة.
نعلم أن الحياة على كوكب الأرض لم تستغرق أكثر من ٥٠٠ مليون سنة كي تتوطد دعائمها. ووجود حياة في المجرة (وفيما وراءها بطبيعة الحال) سوف يظل غير مؤكد إلى أن نكتشف دلائل حياة على كواكب واقعة خارج المجموعة الشمسية. وحتى إن وجدنا حياة قائمة (أو سابقة) على سطح كوكب المشتري أو القمر أوروبا أو القمر إنسيلادوس، فلا يمكننا القفز إلى النتيجة التي مفادها: أن الحياة كانت قد بدأت هناك على نحو مستقل؛ لأن الأجرام في المجموعة الشمسية ليست معزولة تمامًا بعضها عن بعض؛ فالميكروبات قادرة على البقاء حية عند انتقالها من جرم لآخر داخل شظايا من المقذوفات الصدمية، ومن الممكن أن تكون الحياة على القمر أوروبا قد أتته من كوكب الأرض؛ ويُعتقد أن الحياة على كوكب الأرض وصلت إليها بفضل نيزك أتاها من كوكب المريخ.
(٢-١) هل من أحد هناك؟
إذا كانت توجد حياة حول النجوم الأخرى، فماذا عن الكائنات الذكية؟ لنتكهن بعقلانية. وفقًا لما لدينا من معلومات، تحتاج الكائنات البيولوجية الذكية إلى حياة عديدة الخلايا. وإذا بدأت الحياة الميكروبية، فما احتمالات أن يؤدي التطور اللاحق إلى كائنات عديدة الخلايا؟ لديك حرية الإجابة عن هذا السؤال؛ فلقد استغرق الأمر عدة مليارات من السنين كي تظهر هذه الكائنات عديدة الخلايا على سطح كوكبنا الأرضي.
وبعد ظهور الحياة العديدة الخلايا، هل ستؤدي المنافسة إلى تطور دارويني كما حدث على كوكبنا الأرضي؟ ووجود كائنات ذكية أحد العوامل التي تمنح ميزة، فما مدى حتميته إذن؟
وحتى استنادًا إلى الرقم المُتحفِّظ الذي فرَضته للكواكب القابلة للسكنى الشبيهة بكوكب الأرض في مجرتنا؛ وهو ١٠٠ مليون، إضافة إلى الرؤية المتشائمة بأن احتمالات بدء الحياة لا تتعدى نسبتها ١٪؛ فإن هذا يترك مليونًا من العوالم التي بها حياة، وكوكب الأرض من بينها. قد يكون غريبًا (ومذهلًا) إذا تبين أن كوكب الأرض هو الوحيد من بين هذا العدد من الكواكب الذي تعيش على ظهره كائنات ذكية، لكن إذا كانت الحياة متوفرة بهذا القدر، وإذا كانت الكائنات الذكية ترتبط دومًا بوجود حياة، فأين تلك الكائنات إذن؟ إذا لم تكن الحياة نادرة الظهور، وإذا لم تكن تستمر لوقت طويل (على سبيل المثال، حضارتنا قد تندثر بسبب الحروب، أو وقوع كوارث طبيعية، أو بسبب تغير المناخ بفعل النشاط البشري)، فلا بد أن مجرتنا تعج بالكائنات الذكية.
وقد لا يشترط أن تكون الكائنات الذكية في نفس المكان الذي نعثر على حياة فيه؛ فبالرغم من أن المسافات بين النجوم شاسعة، فمن الممكن عمليًّا السفر بينها. لست بحاجة إلى سفر أسرع من الضوء؛ كل ما تحتاج إليه هو التصميم والصبر. تخيَّلْ سفينة فضاء كبيرة بما يكفي لأن تحوي مئات من البشر، وتستغرق ١٠٠ عام للسفر إلى كوكبٍ واقعٍ خارج المجموعة الشمسية قابلٍ للسكنى، يتبع نجمًا يبعد بمسافة ١٠ سنوات ضوئية. يمكننا إنشاء تلك السفينة بأنفسنا باستخدام تقنيات يمكن التوصل إليها في العقود القليلة القادمة. قد يعيش ويموت جيل أو جيلان من الطاقم وهو في الطريق (ما لم يُستخدم نوعٌ ما من تعليق الحياة، وهو تعطيل الوظائف الحيوية لفترة من الزمن مع بقاء الكائن على قيد الحياة)، وتكون الرحلة — على الأرجح — رحلة ذهاب دون عودة. وإذا أرسلنا مثل هؤلاء المستعمرين إلى جميع الكواكب القريبة القابلة للسكنى الواقعة خارج المجموعة الشمسية (نتوقع أن نحدد ونعرف خصائص تلك الكواكب بحلول نهاية هذا القرن)، فلن يمضي وقت طويل قبل أن تصبح المستعمرات الناجحة قادرة على إطلاق سفن مستعمراتها الخاصة، وهكذا يستمر الحال. يبلغ عرض المجرة ١٠٠ ألف سنة ضوئية. وحتى إذا استغرقت موجة استعمارية ألف سنة للانتشار على مساحة ١٠ سنوات ضوئية، يمكن أن تُستعمر المجرة بأكملها في فترة لا تتجاوز ١٠ ملايين سنة. والكوارث التي تكتسح عوالم بأكملها أو إخفاقات مستعمرات معينة قد لا تكون كافية لجعل العملية تنحرف عن مسارها بمجرد أن تبدأ.
يبلغ عمر مجرتنا أكثر من ١٠ مليارات سنة. وإذا كانت الكائنات الذكية متوفرة، فلا بد أنه كان هناك متسع من الوقت لعدد لا حصر له من الأنواع السابقة كي تستعمر المجرة. هذه هي مفارقة «فيرمي» التي سُميت بهذا الاسم بناءً على تعليقات الفيزيائي الأمريكي إنريكو فيرمي عام ١٩٥٠. لا بد أن الحضارات خارج كوكب الأرض عديدة، لكن ليس هناك دليل عليها: لم تُكتشف بعدُ إشارات من الفضاء صادرة عن كائنات خارج الأرض (بالرغم من عمليات مسح السماء التي تجريها فِرَق تعمل تحت شعار «البحث عن ذكاء خارج الأرض»)، كما أنه ليست هناك دلائل على أعمال عظيمة في مجال هندسة الفلك، ولم يتم توثيق زيارات فعلية قامت بها كائنات فضائية إلى كوكب الأرض. فهل الحياة الذكية أمر نادر الوجود، أم أننا على درجة عالية من الغباء أوصلتنا إلى عدم اكتشاف الأدلة؟ آمل أن نتبين حقيقة الأمر في يوم من الأيام.