(١) مبادئ التاريخ
ويتحول تاريخ الأديان إلى فلسفة في التاريخ في المقالة السادسة، الفصلين الثاني
والثالث من كتاب «النبوات» للسجستاني. وتعتمد كلها على الموروث دون الوافد. بها
أكبر قدر من الشواهد النقلية وأسماء الأنبياء خارج الآيات وداخلها. وتكثر أسماء
الأعلام من الأنبياء والأوصياء والأئمة مما يحد من استقلال الفكرة ومسار التاريخ.
ومع ذلك يمكن إخراج هذا المسار كفلسفة مستقلة في التاريخ عن حواملها التاريخية.
وأحيانًا تذكر أسماء الأعلام بلا دلالة كلية بل في إشارات جزئية مثل سليمان
والنملة، وقصة نوح في الصلة بين الناطق والصامت.
وتاريخ الأنبياء هو تاريخ الأمة، من القصص إلى الوعي التاريخي، من الماضي إلى
الحاضر، من التاريخ كميدان تحقق إلى المجتمع كميدان صراع. فلسفة التاريخ مثل مدينة
الله، تثبت انتصار الحق على الباطل، والعدل على الظلم، والثورة على التسلط. القصد
منها خلق مدينة مثالية عادلة بدلًا من المدينة الأرضية الظالمة. لذلك يهاجم
السجستاني علماء العامة، أهل الظاهر، لا علماء الشيعة ولا القاضي النعمان والذين
يريدون تفسير النصوص لتبرير المدينة الأرضية، دولة الظلم والطغيان. فلسفة التاريخ
تعويض عن النظم السياسية في التاريخ من أجل التشبث بالحق في الخيال بعد أن ضاع على
الأرض، انتصار الماضي الدائم بدلًا من هزيمة الحاضر المؤقتة. وتاريخ الأديان تأصيل
للعمق التاريخي ضد دعاة نهاية التاريخ، وتحقيق مرحلته النهائية، مرحلة الأمويين
الظلمة. ينشأ الفكر الشيعي، مثل الفكر الصوفي دولة في الماضي تعويضًا عن فقدان دولة
الحاضر، دولة في السماء بعد أن ضاعت دولة الأرض. فتعويض الحاضر إما أن يتم في
الماضي عند الأنبياء والأئمة والنطقاء وإما في المستقبل عند المهدي المنتظر.
استدعاء تاريخ الأنبياء كله أقوى من الاعتماد على آخر مرحلة ولإثبات قانون للتاريخ،
ثابت ومطرد يجرف الانحراف الأخير.
١
ويصعب عرض الصلة، بين تاريخ الأديان وفلسفة التاريخ في قانونها العام أو في
حلقاتها السبع، المنطق أم التطبيق، الجدل أم الخطابة؟ ويمكن الجمع بين الاثنين، بين
العام والخاص. ويمكن التفصيل في الفترة الأولى آدم ثم قياس الفترات الست الأخرى
عليها. كذلك ارتبط موضوع النبوة بفلسفة التاريخ عند الشيعة أكثر من ارتباطها عند
أهل السنة بالرغم من أن التاريخ في علم العقائد عند أهل السنة ملحق الإمامة إما في
حديث الفرقة الناجية أو في انهيار التاريخ طبقة وراء أخرى. وكلاهما يدل على سقوط
التاريخ على عكس الشيعة وتحول النبوة إلى إمامة مما يدل على تقدم التاريخ.
يعاد توظيف العقائد كلها كأسس نظرية الفلسفة التاريخ ويعاد تفسير آياتها أيضًا
كآيات في فلسفة التاريخ مثل السؤال عن الملكين هاروت وماروت وذي القرنين ومريم
وإبراهيم وذريته من الأنبياء، وعدم نيل الظالمين العهد، وعن رفع القواعد من البيت،
وعن الأربعة الحرم لكل نبي وإمام وحجج الليل والنهار، والفجر والليالي العشر،
والشفع والوتر، والليل والبلد.
وهناك ألقاب أخرى أقرب إلى أوصاف الأئمة. منها أوصاف علمية مثل: المستودع وهو
الذي يحتفظ بالعلوم بعد أن ضاعت في فقه السلطة، والباقر وهو الذي دخل العلوم
وبقرها، والمجتهد وهو الذي يفكِّر مستقلًّا عن السلطان، والحجة وهو الذي يقيم
البرهان ضد الخصوم، وروح الله بدلًا من الحاكم صاحب الهوى الذي يبغي التسلط وروح
الشيطان. ومنها أوصاف عملية قيادية إمامية مثل الوصي وهو الحافظ للرسالة الأمية
عليها بعد أن انحرفت عن مسارها، والمهدي وهو الذي اختارته العناية الإلهية لقيادة
الثورة، والهادي وهو الذي يقود الناس ويهديهم إلى الطريق القويم، والأمين وهو
المحافظ على الأمانة ضد خيانتها. وهناك صفات أخلاقية مثل الصادق ضد الكذب وخراب
الذمة والميل بالهوى عن الحق، والرضا وهو المصالحة مع النفس، وإتيان الله بقلب
سليم، والنفس الزكية ضد أهواء البشر وفساد الأخلاق.
بل إن عقائد الشيعة نفسها يمكن فهمها في إطار أوضاعهم النفسية كمجتمع الاضطهاد
مثل الغيبة نظرًا للاضطهاد وحماية للأئمة حتى تحين الظروف فتكون الرجعة أو التقية
وهو التخفي الإرادي وإخفاء شخصية الإمام حماية له من الاضطهاد وكنوع من الكذب
الأبيض، والعصمة نظرًا لسيادة أهواء البشر على حكام الظلم والطغيان، والقول بتعيين
النص للأئمة ضد اختيار البشر القائم على الأهواء والمصالح المتبادلة.
ويستمد الفكر الشيعي ألقابه ومصطلحاته من أصل الوحي مثل الباب والقائم والجناح
والجد والإمام والقائم والأساس، والمتمم وليست ألفاظًا وافدة معربة أو منقولة، مما
يدل على قدرة إبداعية على وضع المصطلحات اعتمادًا على الموروث وحده. بل إن بعض
مصطلحات فلسفة التاريخ جديدة للغاية مثل الفترة والدور والكور. كما تظهر المصطلحات
المستقاة من العلوم مثل العدد من الحساب، والخط والسطح من الهندسة، والجرم من
الفلك، والمكان والزمان من الطبيعة، والقول من اللغة، ولا شأن لها بالمصطلحات
اليونانية الوافدة التي يستعملها الخاصة وحكماء البلاط.
وذلك على الضد ألقاب المطلقة عليهم من الخصوم مثل الشيعة أي الذين يتشيعون.
والتشيع أتباع الهوى والانحراف عن الصراط المستقيم، أهل السنة والجماعة. والأفضل
لقب الرافضة الذين يرفضون ويثورون ويغضبون في عصور أصبح الرفض فيها خروجًا على
النظام وعلى الجماعة وعلى الإيمان. والألقاب المحايدة مثل الإمامية الذين يقولون
باتباع الأئمة، الإمام المنتظر كعادة مؤرخي الفرق في تسمية الفرق بأسماء مؤسسيها
مثل الأشعرية والسبئية والواصلية والنجارية والمذاهب الفقهية مثل المالكية والحنفية
والشافعية والحنبلية.
وهذه الألقاب ليست ثابتة ساكنة بل هي كالمقامات متحركة ارتقائية. كل لقب يؤدي إلى
الآخر. والغاية الوصول إلى سدرة المنتهى كما هو الحال في مقام الفناء عند الصوفية،
من المؤمن إلى الداعي إلى الحجة إلى الإمام إلى الأساس إلى الناطق الذي بعده وسائط
يستطيع الوصول إلى سدرة المنتهى. وفي هذه الحالة تكون الحركة رأسية تصاعدية وليست
أفقية تاريخية. وربما تكون الحركة في كلا الاتجاهين من أسفل إلى أعلى أو من الخلف
إلى الأمام، وليست من الأعلى إلى الأدنى كما هو الحال في نظرية الفيض أو من الأمام
إلى الخلف. لقد حول الفكر الشيعي. مراتب الفيض إلى مراحل التاريخ.
٢
وكل إمام له دور. وكلما انقضى دور أتى بعده دور آخر. فتطور التاريخ على مراحل،
قانون عام ينتظم النبوة والإمامة في فلسفة للتاريخ والمراحل السابق يثبت التالي.
الأنبياء ممهدون للنطقاء، والعلم مقدمة للسر. كل نبي دور، وكل ناطق أو أساس دور: لا
فرق في ذلك بين التوراة والإنجيل. ويعنيان النفس. الكتابة في النفس، والتدوين في
الشعور. لذلك يصعب التمييز بين الإمامة والنبوة. الإمامة استمرار للنبوة والنبوة
إرهاص للإمامة.
وإذا كان الأئمة ستة فالسابع يتحول إلى كيف. فالتراكم الكمي يؤدي إلى تغير كيفي.
كما أن الأدوار والفترات لا يبدأ كل منها من الصفر لحدوث تراكم في وعي الإنسانية
بذاتها مستقلة عن الطبيعة والأهواء. فالتقدم حلزوني إلى الإمام حتى ينتهي المسار،
وتتحقق غاية الوحي في التاريخ.
والتطور في النبوة تطور في الخلق مثل تطابق الصورة والمادة الروح والبدن. فخلق
الصور الروحانية يكمل بالنطقاء الست. آدم والطين، نوح والنطفة، إبراهيم والعلقة
موسى والمضغة، عيسى والعظام، محمد واللحم، والقائم والخلق الآخر. فيتطابق الفرد مع
التاريخ، والفكر مع الواقع، والنور مع الظلمة، ويتضح أثر ثنائيات فارس ما قبل
الإسلام في الفكر الشيعي. ومراتب النبوة كمراتب الطبيعة. ولا تنتقل النبوة من نسل
إلى نسل بل تظل في نسل مصطفى. وقد لا يكون الاصطفاء هنا الذرية العرقية بل بمعنى
الذرية الروحية
ذرية بعضها من بعض، تعني أن الكلمة
تبقى في أعقابهم. الذرية لها معنيان جسماني وروحاني. وكل رسول لاحق يمثل تقدمًا
بالنسبة للرسول السابق على نحو رأسي لكن بلغة العلو، والمرتبة والدرجة على نحو
أفقي. وتختلف المراحل فيما بينها في التقدم بين الطول والقصر أو في العلو بين
الارتفاع والانخفاض. والمتأخر أفضل من المتقدم أي إن اللاحق أفضل من السابق.
٣
وتقوم فلسفة التاريخ على تصور تطوري للوحي والعالم والبشر مثل ابن عربي في «فصوص
الحكم»، فالحقيقة تتجلى فصًّا فصًّا.
٤ ويتحول التصور الرأسي للعالم المعروف في الفلسفة الإشراقية خاصة نظرية
الفيض التي تتجلى فيها فيضًا من أعلى إلى أدنى، من الواحد إلى العقل إلى النفس إلى
البدن إلى التصور الأفقي من الخلف إلى الأمام، ومن الماضي إلى الحاضر. تاريخ النبوة
شهادة على كل عصر لأن كل نبي يعبر عن عصره. وخاتم الأنبياء للناس جميعًا بعد اكتمال
النبوة. هناك رنة تفاؤل في الفكر الشيعي نظرًا لتوجهه نحو المستقبل، والثقة بانتصار
الخير على الشر، والنور على الظلمة، والحق على الباطل؛ لذلك كانت مشكلة الشر
والأضداد أكثر حضورًا في الفكر الشيعي، فكر المعارضة، منه في الفكر السني، فكر
الدولة الرسمي المتوجه نحو الماضي وعصر الخلافة الأول يستمد منه شرعيته في الماضي
نظرًا لنقص شرعيته في الحاضر.
وكل نبي لاحق يُتِّم رسالة النبي السابق ويكملها. نوح أتم رسالة آدم بالشريعة،
وبتحول الرسالة من الملائكة إلى البشر. وإبراهيم أتم رسالة نوح، وموسى أتم رسالة
إبراهيم، وعيسى أتم رسالة موسى. وكل نبي لاحق يعتد بأحد الأنبياء السابقين، فله
الخيار، فقد صلى موسى إلى الغرب اقتداء بنوح وليس اقتداء بآدم، فالابتداء دور ثانٍ
له استقلاله. واقتدى عيسى بآدم ولم يقتدِ بنوح وهو بعد موسى. وقد أتم محمد أمر آدم
ونوح بإبراهيم. فالتاريخ تطور من آدم إلى القائم واقتداءً من القائم إلى آدم. تخرج
الثمرة من البذرة، وفي نفس الوقت تقتدي بها، حركة إلى الأمام وحركة إلى الخلف، سبق
إلى الأمام ومراجعة إلى الخلف.
والعلة في تواتر الرسل هو برودة الحرارة الأولى، ونسيان الأوامر والنواهي نظرًا
لطول العهد، وبداية الانهيار والاضمحلال، فيأتي نبي آخر لعودة الحرارة الأولى ودفع
حركة التاريخ خطوة أخرى إلى الأمام. لقد بعث الله في كل أمة نذيرًا منها، وهذا هو
البعث الأصغر قبل البعث الأكبر وهو الحشر. العلة في تواتر الرسل التجديد، فالتواتر
هنا يعني التنجيم أي توالي الأنبياء. تجديد الشريعة واجب على الله لرحمته نظرًا
لتغير الزمان والمصالح، وهبوط الدافع الحيوي الأول. تنهض النبوة وتدفع التاريخ. ثم
تفسد الشريعة وينهار التاريخ في دورات متتالية.
وهذا هو معنى تفاضل الأنبياء وتفاوتهم في المرتبة والدرجة. فهو ليس تفاضلًا
رأسيًّا في سلم، بل تفاضلًا أفقيًّا في دور النبوة السابقة ونهايتها وبداية النبوة
اللاحقة. ومن هنا أتت ضرورة التسليم بمراحل النبوة كلها؛ إذ إن كل حد يسلم إلى الحد
التالي تلقائيًّا في سلسلة متصلة واحدة. والدعوة واحدة، دعوة الحق، دعوة النجاة،
والفوز بالجنة. جوهر الرسالات واحد وهو الإسلام أي التحرر من عبودية الأفراد
والطبيعة والاستسلام الله وحده الذي يتساوى أمامه الجميع. يتفاضل الأنبياء بعضهم
على بعض كما تتفاضل الأمم فيما بينها في الصفاء. وهو تفاضل راجع إلى تطور الوحي
وليس إلى أشخاصهم ودرجاته من الاكتمال في آخر مراحله. كما أن تفاضل الأمم في أدائها
رسالتها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس لأشخاصها أو لصفات أبدية فيها.
ولا ضير أن يكون هناك تفاضل وتفاوت بين الأنبياء والرسل. وعلى المؤمنين التصديق بهم
جميعًا على حد سواء. إن أصحاب القدس متفاوتون فيما بينهم، يدرك الأعلى الأدنى.
اللاحق يدرك الأتم. والمتمم يدرك الأساس. والأساس يدرك الناطق وهو محمد بدليل
الإسراء، وكأن المسجد الأقصى موجود أيام الرسول. ويركز السجستاني على فلسفة التفاوت
والتفاضل والمراتب وليس على فلسفة المساواة خارج الزمان والمكان.
ويتداخل التاريخ مع المعاد، بداية العالم ونهايته، كور الماضي وكور المستقبل،
الخلق والبعث، آدم والقيامة. فقد فارق الملائكة الأشباح من لدن آدم إلى يوم القيامة
بالنفخة الثانية. فيقبل كل منهم مادة النفخ حسب طاقته فيصيرون أنسابًا بالفعل،
النفخة الأولى عند انقضاء كل دور، والثانية عند انقضاء الدور العظيم، وهي مجمع
أدوار الرسل، انتهاء الكور الماضي وبداية الكور المستقبل. وكل واحد من الخلفاء
الستة في دور القائم وهو المهدي له درجة من الدرجات الست، للصور الجسمانية. آدم
المعدن، ونوع النبات، وإبراهيم الحيوان، وموسى البشر، وعيسى الجن، ومحمد وآله
الملائكة، والقائم الإنس بالعقل وهم أهل الجنة.
٥ بل تتفاضل الملائكة كما تتفاضل الأنبياء على ست طبقات: أناس عالمون،
وأمناء مربون، ورسل مصطفون، وخيرة روحانيون، وملائكة مرسلون، وعباد مكرمون. وكل له
مقام معلوم.
وقد اشتق اسم الفترة من الفتور والملل، عندما يبرد الدافع الحيوي الأول. وهو معنى
سلبي أي الانهيار والانحطاط، بداية النهاية عندما يصيب الإعياء النفوس الجزئية من
العالم الجسماني فتعجز عن قبول التأييد، ثم يزول هذا العناء بظهور نفس زكية يتصل
بها التأييد، وهو انهيار جماعي أيضًا عندما يعود الضرر على كافة الناس بعصيانهم
وإعراضهم عن الأساس والأئمة من ذريته في عصرهم وميلهم إلى الأضداد. عندئذٍ ينقطع
مدد الإمامة، ويزول التأييد عنهم. ويتسلم الأمر اللواحق ثم الأجنحة فتظهر الأسقام،
ويعم القحط والبلاء، وتقع الفتن والهلاك للتكبر على أولياء الله، وتنقطع الأمانة عن
العالم مدة انقطاع الناطقة. واللواحق ليسوا أواخر الأئمة بل بيعتهم التي يسكنونها
ويأوي الخلق إليها. والإمامة لا تنقطع عن العالم طرفة عين لأنها الحجة على الخلق.
والحجة لا تنتهي بفساد العصر وإلَّا عمَّ الهلاك مما يدل على أمل في المستقبل
وإيمان شديد بالنصر حتى يظهر إمام جديد يقيم الشريعة ويهدى الناس. هاتان الحركتان،
النهضة والسقوط، في الروح والبدن والطبيعة، الهداية والضلال، العلم والجهل، الصحة
والمرض، النماء والقحط، الإصلاح والإفساد، الطاعة والمعصية، السقوط والخلاص كما هو
الحال في اللاهوت المسيحي. ولا فرق في جدل التاريخ بين النهضة السقوط والنهضة من
جديد ثم السقوط بين النبوة والإمامة داخل كل منهما بل وخارجهما، فانهيار النبوة
إيذان بنهضة الإمامة.
وتحديد الفترة الزمنية بين ناطق وناطق بألف وخمسمائة علم موزعة على سبعة أئمة أو
متمين يكون لكل منهم مائة عام، ويكون المجموع سبعمائة عام. وهي أقل المدة. ولا يجوز
زيادة الأئمة عن سبعة. المهم الاتساق حتى يبدو الفكر متسقًا مع نفسه. والدور من آدم
إلى إبراهيم دور كبير. وأدوار موسى وعيسى ومحمد أدوار صغيرة. أول السبعة آدم وآخرهم
القائم. إبراهيم ثالث ثلاثة في دوره فسمي وافيًا وكذلك القائم كان الختام.
٦
ولكل نبي شعيرة من الشعائر. الولاية لآدم، والطهارة لنوح، والصلاة لإبراهيم،
والزكاة لموسى، والصوم لعيسى، والحج لمحمد، والجهاد للقائم. وماذا عن الشهادة؟ هل
هي الولاية؟ ولماذا انقسمت الصلاة إلى طهارة لنوح وصلاة لإبراهيم؟ والزكاة لموسى
تنقية الشعور بني إسرائيل من أسر المادة، والصوم لعيسى دليلًا على روحانيته. والحج
لمحمد جمعًا لأمته. والجهاد القائم من أجل مقاومة الحاكم الظالم. وكل ناطق له سماته
وخصائصه. لآدم الاصطفاء الذي عم التالين له نوح وآل إبراهيم. ولنوح النداء الذي عم
من بعده من النطقاء إبراهيم وموسى، والخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والكلمة والروح
إلى عيسى، والرؤية لمحمد، والمجازاة والمحاسبة للقائم علي. وكما هو الحال في
المسيحية واستمرار الوحي في الكنيسة بعد المسيح، سلسلة من الخلفاء، وكأنها دراسة
على نمط الرومانية والبيزنطية. ولكل سمة دليل نصي إلا السمة الأخيرة. هذه مدينة
السماء مجتمعات لها قواد فضلاء، رد فعل على مدينة الأرض وقوادها الطغاة.
والشريعة سياسة دينية لمصلحة العباد. والطب سياسة بدنية لحفظ الصحة. ولما اختلفت
الأمراض حسب البيئات والبقاع لزم أن يكون الأطباء أكثر من واحد نظرًا لتعدد
الأمراض، واختلاف طرق العلاج. فطب الهند والسند قد يختلف في الممارسة عن طب الترك
والخزر. وكذلك تختلف الشرائع حسب الأمكنة والأزمنة. لذلك وجب تعدد الرسل. هناك إذن
تطابق بين طب الأبدان وطب النفوس. وبالرغم من الاعتراض على ذلك بوحدة الطب النظري
وتعدد طرق العلاج والممارسة إلا أن مراحل التاريخ وتبدل الشرائع تقتضي هذا التصور
التعددي نظرًا لبعدي الزمان والمكان في تطور الوحي والشريعة على عكس التصور الأحادي
الطرف الذي يتصور الوحي والشريعة في المطلق خارج الزمان والمكان وبالتالي خارج
التاريخ. ومن رحمة الله تجديد الشريعة بشريعة أخرى على يد ناطق آخر بألفاظ غريبة
ومعانٍ تؤدي إلى طريق الحق.
٧ لا يجوز إذن وجود شريعتين في وقت واحد لأن لكل شريعة عصرها. ولو انقضت
الشرائع كلها لما وجب البحث عنها أو فيها فيبقى الناس في تيه وحيرة. تعدد الشرائع
من أجل البحث عنها والمقارنة بينها ومعرفة قانون تطورها. جوهرها واحد. تقوم على
الإيمان بالله وبالرسول وباليوم الآخر كما أن التراكيب بها طول وعرض وعمق. تعدد
الشرائع بتعدد النبوات كما تعددت النبوات بتعدد العصور واختلاف الأزمان. فالاختلاف
أساس النبوات والشرائع والعصور. كل شيء خاضع للزيادة والنقصان؛ لذلك وجد النسخ في
الشريعة والتغير في الكون، لكن الكيف واحد، استقلال الوعي الإنساني وتحقيق المصالح
العامة.
ولكل ناطق هجرة، انتقالًا من دور الستر إلى دور الكشف، هجرة آدم وهبوطه إلى
الأرض، وانتقال القائم من الستر إلى الكشف، ومن حد الإمامة إلى حد الناطقية. وسمات
الانتقال في أدوار النطقاء سبعة: انتقال آدم من دور الكشف إلى دور الستر في هبوطه
من الجنة إلى الأرض، وانتقال نوح من حد الإمامة إلى حد الناطقية هبوطًا من السفينة
إلى الأرض، وانتقال الخليل من هجرته ومسقط رأسه إلى أرض تهامة، وانتقال الكليم من
الشام إلى بيت المقدس ومجاورته التيه، وانتقال المسيح، رفع الله إياه إلى السماء،
وانتقال محمد من حد الإمامة إلى حد الناطقية، هجرته من مكة إلى المدينة، وانتقال
الناطق من هذا الحد إلى الحد الأعلى لإقامة الأساس عليه. فلما هبط آدم من الجنة
قُبلت توبته وأقام الوحي. ولما انتقل نوح من السفينة أمن من الغرق. ولما هاجر
الخليل إلى أرض تهامة ولد له إسماعيل. ولما نزل المسيح به ما نزل رفعه الله إليه.
وأقام شمعون بالإشارة والإيماء وصيًّا. ولما هاجر محمد من مكة إلى المدينة أقام
عليًّا بغدير قم على رءوس الأجهار. وأقام القائم بعد الغيبة خلفاؤه.
والنطقاء السبعة عند الشيعة هم أولو العزم من الرسل الستة عند السنة بالإضافة إلى
الناطق. وانقضى دور آدم بانقضاء العزم وتوبته هو ظهور الناطق. أدرك الشيعة العلاقة
بينهم وحولوها إلى فلسفة في التاريخ، تطورية حركية. وجعلها السنة ثوابتًا لا حركة
فيها فغابت لديهم فلسفة التاريخ. وهي سبعة عند الشيعة. آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى،
وعيسى، ومحمد، والقائم. ولا يقر أهل السنة بالأخير. ليس قبل آدم وليس بعد القائم
نبي. فالطرفان يمثلان الأول والأخير، البداية والنهاية.
والأدوار في التاريخ، دورًا وراء دور مثل مقامات الصوفية، مقامًا بعد مقام، حركة
من الكشف إلى الستر منذ البداية عند آدم، ومن الستر إلى الكشف في النهاية عند
القائم. وكما أن الانتقال من مقام إلى مقام عند الصوفية له علامات، فكذلك الانتقال
من دور إلى دور له سمات. فمثلًا سمة انتقال المسيح رفع الله إياه إلى السماء. منذ
كان وجيهًا ومن المقربين. وسمة انتقال محمد من حد الإمامة إلى حد الناطقية هجرته من
مكة إلى المدينة. وسمة انتقال القائم من دور الستر إلى دور الكشف غيبته ثم ظهوره
بعد الغيبة. وهذا هو معنى تبديل الأرض غير الأرض، والسموات غير السموات، وبروز
الواحد القهار.
٨
وعلاقة الأدوار علاقة الأعداد والحروف والطبيعة. فأول النطقاء وهو آدم العدد.
والخط نوح، خط تأليف الشريعة. والسطح إبراهيم لأنه سطح في عقبه الإمامة. والجرم
موسى المتوسط بين النطقاء السبعة، ثلاثة قبله وثلاثة بعده. والزمان المسيح، علاقة
القائم المستعان على الأزمنة. والمكان محمد، صاحب الشرائع والأديان. والقول هو
القائم. ولما كان من الصعب قسمة الدائرة سبعة أقسام فقد انقسمت السادسة إلى قسمين،
محمد والقائم نظرًا لارتباط الستر بالكشف والنبي بالإمام.
وهناك تقابل بين الأنبياء السبعة والأعداد العشرية. آدم هو الآحاد، ونوح العشرات،
وإبراهيم المئات، وموسى الألوف، وعيسى عشرات الألوف، ومحمد مئات الألوف، والقائم
ألوف الألوف. ولا يطرح سؤال وماذا عن الصفر قبل الآحاد؟ ولا سؤال ماذا بعد ألوف
الألوف إذا كانت الأعداد متناهية من الطرفين وكان التقابل بين منطق العدد وفلسفة
التاريخ تطابقًا تامًّا؟ ويرفض صاحب «المذهبة» مقالة أن القائم سابع سبعة من آدم،
وثامن ثمانية من على أنها إبطال السنة الله في الكون. الحساب هو المثل والأنبياء
السبعة الممثول.
وهناك تقابل بين الأنبياء السبعة وعدد أيام الأسبوع السبعة. آدم يوم الأحد هو
الابتداء، والبعث الأول للناطق الأول. آدم أول من عبد الله في الستر. وقام
بالرسالة. وعلم الله لعدد النطقاء والأئمة والأيام الستة. والاثنين الناطق الثاني
نوح. أعطاه الله الحكمة. والثلاثاء الناطق الثالث إبراهيم، جمع الله فيه العلوم.
والأربعاء الناطق الرابع موسى. والخميس الناطق الخامس عيسى من أولي العزم. تكلم
بالتأويل وضرب الأمثال. والجمعة الناطق السادس محمد جمع علم ما مضى من أولي العزم
والرسل والأوصياء إلى يوم القيامة. ويملكه الأرض بظهور القائم، والسبت الناطق
السابع القائم من نسل محمد. وبه تختتم الدنيا، وتفتتح الآخرة، ويتم الاستحقاق. وتدل
الأيام السبعة وضعفها العدد أربعة عشر على منتصف الشهر القمري ليلة البدر لموسى.
والجمعة لمحمد وسط بين سبت موسى وأحد عيسى. وقد يتطابق هذا مع الواقع مثل محمد
والجمعة وقد لا يتطابق. فالأولى بموسى السبت وليس القائم. والأولى بالأحد عيسى وليس
آدم. ربما كان الأحد لآدم لأنه أول أيام الأسبوع في الإسرائيليات كما أن آدم
أبو البشر وأبو الأنبياء. ويستشهد صاحب «المذهبة» بأقوال موسى في التوراة، حجة
نقلية لا عقلية. ومدح موسى ليوم السبت كان سببًا لتخصيصه للقائم ونزعه من موسى.
عرفت إسرائيل المثال، يوم السبت، دون الممثول، القائم. وكذلك يستشهد بالانتقام من
المسيح يوم السبت. وتطابق الأصوات الأعداد. الأحد واحد، والاثنين اثنان حتى الخميس
خمسة. وتبقى الجمعة ستة والسبت سبعة لا يتطابقان.
٩
ويأتي منطق الأعداد ليتحكم في جدل التاريخ. والعدد طبقًا لأيام الأسبوع وطول
الدورة. فآدم يوم الأحد وغير معروف مدة دورته لأنه بداية تاريخ الإنسان على الأرض،
ونوح يوم الاثنين ودوره ٨٥٠ سنة، وإبراهيم يوم الثلاثاء ودوره مئات غير محددة إذا
يصعب أحيانًا المغامرة بالتحديد دون يقين. يكفي اتفاق التاريخ مع المذهب. وموسى يوم
الأربعاء ودوره ألوف غير محددة أيضًا. وعيسى يوم الخميس، ودوره عشرات الألوف. ومحمد
يوم الجمعة ودوره مئات الألوف. والخلفاء أول دور، وهو تمام المثاني، والقائم يوم
السبت، ودوره عشرات الألوف. ويتضح أن فترة الدور تطول من الآحاد إلى العشرات إلى
المئات إلى الألوف إلى عشرات الألوف إلى مئات الألوف إلى ألوف الألوف. مع أن العكس
هو الأعقل لأن البشرية تتعلم، ويرتقى الوعي الإنساني. ومن ثم تحتاج إلى فترات أقصر
حتى اكتمال النبوة ويستقل الوعي الإنساني عقلًا وإرادة، ويعتمد على اجتهاده حتى
نهاية التاريخ. كما يحدث تقابل أو توازي بين أيام الأسبوع وفترات التاريخ. فالتاريخ
له إيقاع زماني، الثواني والدقائق والساعات والأيام والأسابيع والشهور والسنون
والقرون والعصور. التاريخ هو الزمان المتحقق والزمان هو التاريخ الممكن. وقد وقعت
في دور نوح أربع فترات، وفي دور إبراهيم ثلاث فترات، وفي دور موسى فترتان، وفي دور
عيسى قترة واحدة. ولم تقع في دور محمد أية فترة. فلا يوجد توازٍ أو تقابل بين الدور
والفترة. وتقصر الفترات كلما تطور التاريخ مما يدل على اقترابه من الكمال وارتقاء
الوعي الإنساني واكتماله، عقلًا وإرادة. وبالرغم من رتابة النص وتكرار النمط، دورًا
وراء دور وكأنها آلة حاسبة إلا أن هذه طبيعة فلسفة التاريخ التي تحكمها فلسفة
الأعداد.
القائم |
الأساس |
الضد |
أصحاب الفترات |
الأئمة |
العدد |
آدم |
شيث |
إبليس قابيل |
برد، ملائيل لاؤي |
هابيل، شيث، برد مهلائيل، فالغ |
الأحد آحاد |
نوح |
سام |
|
قابيل، تاريخ أفور، لوط |
سام، رافخشد، غابر، هود، شالح، صالح |
الاثنين عشرات |
إبراهيم |
إسماعيل إسحاق |
نمرود |
إلياس، يهوذا، لاؤي |
أرنموس، ناقور، لوط، إسماعيل، فيدار، إسحاق، يعقوب، يوسف، عمار،
بن يامين، شعيب
|
الثلاثاء مئات |
موسى |
هارون، يوشع، أولاد هارون |
فرعون |
يونس زكريا |
هارون، عمران، يونس، ذو الكفل |
الأربعاء ألوف |
عيسى |
شمعون الصفا |
يهوذا |
أصطيغانوس، مرقيا، إلياس، (اليا) |
المسيح، اليسع، فياليس، قس بن ساعدة، الآيادي |
الخميس عشرات الألوف |
محمد |
علي |
أبو جهل أبو لهب |
فتح دور القيامة ابتداء النشأة الأخرى |
علي، الحسن، الحسين، من ذرية إسماعيل، محمد بن إسماعيل |
الجمعة مئات الألوف |
القائم |
|
|
|
|
السبت ألوف الألوف |
وتقوم فلسفة التاريخ على التطابق، تطابق كل شيء مع كل شيء، تطابق الأعداد
والطبيعة والشريعة، تقابل الحروف والأصوات والأسماء، تطابق مراحل العمر وفترات
التاريخ. هناك تطابق بين الحروف وأسماء الأنبياء، بين اللغة والتاريخ. فحروف آدم
ثلاثة. وحروف نوح ثلاثة. وحروف إبراهيم ستة (الألف زائدة طبقًا للنطق العربي الذي
لا يبدأ بساكن مثل النطق الحبشي براهيم). والكاف ثلاثة، والنون ثلاثة في
كن اجتمعا في ستة إبراهيم. وصلى آدم إلى الشرق أي الأمر.
وهو ثلاثة حروف: ألف ثلاثة حروف، وميم ثلاثة حروف، وراء حرفان. وهي ثمانية حروف،
حملة العرش. الكاف والنون على الأصلين العلويين والستة الباقية على الناطق والأساس
والإمام والداعي والمستجيب. والستة مقام الستة حروف دالة على الحدود.
١٠
(۲) أسس التاريخ
وقد تحول تاريخ الأديان إلى فلسفة في التاريخ تقوم على أسس ستة تجمع بين الثبات
والحراك، بين المنطق والجدل على النحو التالي:
- (١)
القائم، وهو النبي ابتداءً من آدم. عاش مائة عام. فترته ألفان
وثمانون شهرًا وخمسة عشر يومًا. ليس له شريعة وإن كان له أمة. ثم نوح.
وكانت قيلته المغرب، ونسخ الأمر. ثم إبراهيم وكانت قبلته البيت، ونسخ
نوح. ثم موسى، وكانت قبلته المغرب، ونسخ إبراهيم. ثم عيسى، وقد تكلم
بالتأويل وضرب الأمثال. ثم محمد وله أربعة عشر اسمًا، سبعة في القرآن،
وسبعة في الحديث. ثم القائم صاحب سدرة المنتهى. فالنبوة لم تنتهِ
بمحمد. والمجموع سبعة. القائم لم يمت بعد وما زال مستمرًّا. وهو خليفة
الرسول. ومنه تبدأ الثورة. والقائم لم يمثله أحد بعد.
- (٢)
الأساس، وهو الذي يقوم مقام النبي، شيث بعد آدم. عاش بالطائف. وسام
بعد نوح، وإسماعيل بعد إبراهيم للباطن وإسحاق للظاهر، وهارون بعد موسى،
ويوشع بن نون ثم أولاد هارون، شمعون الصفا بعد عيسى، وعلي بعد محمد.
وعليه تقوم الدعوة بعد أن ضاعت بفتاوى فقهاء السلطان.
- (٣)
الضد. لكل نبي ضد أو ضدان، إبليس وقابيل لآدم، ونمرود لإبراهيم،
وفرعون لموسى، ويهوذا لعيسى، وأبو لهب لمحمد. والقائم ليس له ضد لأنه
أقوى من الضد وبالتالي أقوى من النبي. الند هو المعارض والخصم والعدو
مثل الأموية مغتصبي السلطة معاوية وآله، ويزيد وعصابته.
- (٤)
صاحب الفترة. لكل نبي أصحاب فترات أي علامات ومؤشرات عليه، شخصيات
تنبؤ بقدومه أو تحمل ضوئه مثل برد ومهلائيل ولاؤي بالنسبة لأدم، وقابيل
وتارخ أخو لوط بالنسبة لنوح، وقيدرا (إلياس) ويهوذا ولاؤي بالنسبة
لإبراهيم، ويونس وزكريا بالنسبة إلى محمد. فهناك فترة فتح دور القيامة،
فترة ابتداء النشأة الأخرى، الفترة بنفسها علامة دون شخص. فالتاريخ قد
اكتمل وانتهى. أما القائم فليس له أصحاب فترات. فالتاريخ قد بدأ على
الإطلاق.
ولا توجد فترة في محمد نظرًا لوجود الخلفاء لإكمال السبع المثاني.
ولا يكون في دوره انقطاع عن الأئمة كما كان في الأدوار الماضية. ليس
بعد شريعته شريعة أخرى تحدد نهاية الدور. وعلامة هذه الفترة استتار
الأئمة لوقوع الشر والانتقام من الأشرار وعصيانهم والخروج عليهم. وقد
يضاف إليه المتم وهو الذي يكمل الدورة بعد أن تتحقق الدعوة في التاريخ.
صاحب الفترة هو المؤشر على البداية والمتم هو العلامة على
النهاية.
- (٥)
الإمام هو الذي يؤم الناس إلى الهدى. فبعد كل نبي أئمة سبعة. بعد آدم
هابيل ثم شيث ثم برد ثم مهلائيل ثم فالغ، وهم خمسة. وبعد نوح سام ثم
أرمخشد ثم غابر ثم هود ثم ثالخ ثم صالح ثم أرغوس ثم ثامور ثم لوط، وهم
تسعة. ولإبراهيم إسماعيل ثم قيدار ثم إسحاق، ثم يعقوب ثم يوسف ثم عمار
ثم ابن يامين ثم شعيب، وهم سبعة. ولموسى هارون ثم عمران ثم يونس ثم ذو
الكفل وجرجس آخرهم، وهم أربعة. ولعيسى اليسع (فياليس) وقس بن ساعدة
الأيادي، وكلهم من ولد إسحاق، وهما اثنان. ولمحمد علي ثم الحسن ثم
الحسين وكلهم من ذرية إسماعيل حتى إسماعيل بن محمد، وهم ثلاثة. وواضح
صعوبة العد والعثور على سبعة. فالتاريخ لا يسير طبقًا للأعداد. وواضح
أيضًا تكييف الواقع التاريخية طبقًا للنسق، وإدخال قس بن ساعدة كإمام
مسيحي عربي من الأئمة السبعة بعد المسيح. وإذا بلغ الإمام السابع انتقل
من الإمامية إلى النطقية في الدور التالي.
- (٦)
اللاحق وهو من يتلو الإمام أو يكون مصاحبًا له. وهم اثنا عشر مما
يتطلب وجود لاحقين لكل إمام. وربما أراد السجستاني أن يجمع بين
الإسماعيلية التي تقول بالأئمة السبعة والاثني عشرية التي تقوم بالأئمة
الاثني عشر.
وشرف آدم في أساسه شيث، هبة الله إليه. وينتقل الدور من هابيل إلى شيث إلى برد
إلى مهلائيل إلى فالغ حتى نوح صاحب الدور الثاني فينسخ ما جاء به آدم من الأمر وإن
لم يكن لأدم شريعة. فالنسخ قد يكون للأمر وليس فقط للشريعة. وجعل نوح قبلته المغرب
ثم استرق منه نوره في أساسه سام ثم إلى أرفخشد إلى غابر إلى هود إلى شالح إلى صالح
إلى أرثمو إلى نافور ولوط وغيرهم وحتى ظهور إبراهيم. فالمغرب يشرق النور طبقًا
لمنطق التضاد. وتظهر الأسماء الفارسية مثل أرفخشد والعبرانية التي تدل على مصادر
الفكر الشيعي، ثقافة فارس ودين إبراهيم. ثم نسخ إبراهيم شريعة نوح وجعل قبلته
البيت. ثم انتقل النور إلى أساسه إسماعيل إلى قيدار إلى يامين وشعيب. وأصبحت فترته
أولاد يعقوب إلى قيدار ويهوذا ولاؤي. وواضح من هذا التسلسل للنور الدفاع عن
المعارضة ضد رواية أهل السنة للأحاديث الموضوعة دفاعًا عن السلطة. وتتفاوت الفترات
بعد نوح. ثم ظهر موسى وهو صاحب الدور الرابع فنسخ شريعة إبراهيم، وتوجه إلى المغرب
اقتداء بنوح. ثم انتقل إلى يوشع كفيلًا لأولاد هارون. وبعد ستة أئمة رجع الأمر إلى
أولاد هارون لأن أولاد يوشع كانوا غير مستقرين، فالاستقرار ضروري للنبوة. ولا تكفي
الحياة الرعوية المتنقلة.
١١ وأصحاب الفترات منهم عمران ويوسف وذو الكفل. الفترة أصغر من الدور،
والدور أكبر من الفترة. الدور بين نبيين، والفترة مراحل صغرى داخل كل نبوة. وعيسى
مثل آدم، انتقل الأمر منه وصية إلى شمعون الصفا. وأصحاب الفترات بعده إصطفانوس
ورقيا وإلياس. وأحيانًا يبدو شمعون الصفا هو الوحي وأحيانًا الأساس مما يدل على
ضرورة اتفاق التاريخ مع المذهب حتى ولو على أنحاء مختلفة. ومحمد صاحب الدور السادس.
نسخ شريعة من تقدمه من النطقاء، وجعل قبلته مثل جده إبراهيم، وأظهر بواطن شرائع من
تقدمه. والأئمة من بعده متممين لشريعته ومحبين لسنته. لا تنسخ شريعة أخرى شريعته.
أساسه علي بن أبي طالب الذي كان له بمنزلة شعيب من آدم وسام من نوح، وإسماعيل من
إبراهيم، وهارون من موسى، وشمعون الصفا من عيسى. وهم أصحاب النطق إلى ظهور الأشهاد.
ودوره هو دور القرآن العظيم، وهو الدور السابع. والسؤال الآن: ما هي الفترات بعد
محمد؟ هل يمكن معرفتها حتى القائم والقائم بنفسه غير معروف؟ وإذا كان القائم غير
معروف وقت ظهوره ولا وقت عودته فكيف يمكن تحديد فترته؟ وإذا كان محمد أتى ببواطن
الشرائع فهل يأتي الأئمة ببواطن بواطن الشرائع؟ ومن هم الأئمة بعد محمد؟ ويتضح
مفهوم سلالة الأنبياء ليس فقط روحيًّا بل أيضًا جسمانيًّا. ولا عجب أن يكون الحكم
ملكيًّا وراثيًّا فيما بعد. وهو أكبر رد فعل على ظلم البيعة والاختيار كما حدث في
السقيفة.
ويتم وصف هذه الأدوار والفترات على نحو كلي مضافًا إليها الشريعة. فأول دور دور
آدم، أول مرتبة النطقاء، وأول وراء الستر. ليس له شريعة لما فيه من قوة الفطرة
والحكمة وسجود الملائكة له. لذلك كان القائم تمامه وآخره وصاحب دور الكشف لما استتر
من أدوار النطقاء. آدم يستر، والقائم يكشف. وأحيانًا آدم يكشف، والقائم يستر. بدأ
الخلق بآدم كي يعيده القائم فيظهر البيان، ويزول المستور. أساسه شيث، وسبعة من
بعده، واثنا عشر من اللواحق. ومرتبته في العدد الآحاد. ليس له شريعة كشرائع النطقاء
من بعده. والمستور أكبر رد فعل على الظاهر، والحق الضائع المستور أقوى رد فعل على
الظلم الظاهر، الدولة القائمة. أما نوح والأئمة السبعة ولواحقهم الاثنا عشر فله قوة
الرفع وابتداء الشرائع. قوته العشرات. وأساسه ولده سام. ودوره ألف سنة إلا خمسة
أعوام. وإبراهيم الدور الثالث. وأساسه إسماعيل الباطن وإسحاق الظاهر. والأئمة
السبعة من ولد إسحاق ولواحقهم الاثني عشر. وقوته من المائة. وعيسى صاحب الدور
الخامس. وأساسه شمعون الصفاء والأئمة السبعة من ولد إسحاق. وآخرهم جرجس. وقوته من
عشرات الألوف. ومحمد صاحب الدور السادس. يصل إليه النور من الدور السابق وأساسه
علي. ولواحقه الاثنا عشر. وقوته مئات الألوف. ومحمد بن إسماعيل صاحب الدور السابع
من ذرية علي. ولواحقه الاثني عشر. وقوته ألوف الألوف. أول دور الخلفاء الأمجاد.
ومنه تمام الثاني، وابتداء النشأة الأخرى، وفتح دور القيامة. وصاحب سدرة المنتهى
الذي هو القائم. وقوته ألف ألف. وقام وراءه ثلاثة أئمة. ولا تتحدد فترة القائم
الموجود حاليًّا أم أنه لم يظهر بعد؟ والسابع هو الوحيد الذي له اثني عشر حجة وليس
ستة أئمة، أي النصف. نكص ثلاثة. يهوذا واحد منهم. واستمر تسعة آخرون، ثلاثة في
ثلاثة. وبعد محمد أئمة ستة، والسابع محمد بن إسماعيل. وهو ليس القائم بل الإمام
السابع، أول الكهف والاستتار. وقام بعده ثلاث أئمة مستورون من ولده أصحاب الأدوار.
وبين كل ناطق مستودعون يسبقونه.
١٢
وهذا كله قراءة التاريخ طبقًا للمذهب. فتحديد دور نوح ألف سنة إلا خمس أعوام ليس
تحديدا تاريخيًّا بل مذهبيًّا. ودور موسى غير مذكور لأنه يكفي أمثلة من باقي
الأدوار. وتزوج الرسول اثنتي عشر زوجا ومات عن تسعة. فالحقائق العددية واحدة،
والعدد هو الذي يتحكم في التاريخ. والوفاة ليست مسئولية الأزواج. كما أن الموضوع
ليس استقامتهن بل إشارة متضمنة إلى عائشة وقوفها ضد علي.
ويمكن قراءة الجدول ليس فقط رأسيًّا: القائم، والأساس، والضد، وأصحاب الفترات،
والأئمة، واللواحق بل أيضًا أفقيًّا طبقًا للأنبياء السبعة. فآدم هو القائم، وأساسه
شيث، وضده إبليس وقابيل، وأصحاب الفترات برد ومهلائيل ولاؤي، والأئمة هابيل ثم شيث
ثم برد ثم ملائيل ثم فالغ. واليوم الأحد والعدد الآحاد. ونوح أساسه سام، وأصحاب
الفترات قابيل وتاريخ أخو لوط. والأئمة سام ثم أرفخشد ثم غابر ثم هود ثم شالخ ثم
صالح ثم أرغوس ثم نافور ثم لوط. واليوم الاثنين، والعدد عشرات، والدور تسعة وخمسون
سنة. وإبراهيم أساسه إسماعيل الباطن وإسحاق للظاهر. والضد نمرود، وأصحاب الفترات
قيدار (إلياس) ويهوذا ولاؤي من أولاد يعقوب. والأئمة إسماعيل ثم قيدار ثم إسحاق ثم
يعقوب ثم يوسف ثم عمار ثم ابن يامين ثم شعيب. واليوم الثلاثاء والعدد المئات. وموسى
أساسه هارون، يوشع بن نون ثم أولاد هارون، والضد فرعون. وأصحاب الفترات يونس
وزكريا. والأئمة هارون ثم عمران ثم يونس ثم ذو الكفل. واليوم الأربعاء، والعدد
الألوف. وعيسى أساسه شمعون الصفا. والضد يهوذا. وأصحاب الفترات إصطفانوس ومرقيا
وإلياس (اليا). والأئمة المسيح أليسع (فياليس)، قس بن ساعدة، الأيادي، واليوم
الخميس وعشرات الألوف. ومحمد أساسه علي، والضد أبو جهل وأبو لهب. وأصحاب الفترات
فتح دور القيامة وابتداء النشأة الأخرى. والأئمة علي ثم الحسن ثم الحسين ثم من ذرية
إسماعيل حتى محمد بن إسماعيل. واليوم الجمعة. والعدد مئات الألوف. وأول دور الخلفاء
ثم تمام الثاني. والقائم لا أساس له، ولا ضد، ولا أصحاب فترات، ولا أئمة. اليوم
السبت، والعدد آلاف الألوف. وهو رسول مثل محمد. ربما هو المهدي المنتظر. فالتاريخ
لم ينته بعد. لذلك وصل حد الشرك بالإمام إلى حد الشرك بالله. نهاية التاريخ استنتار
بالسلطة ودفاع عن الأمر الواقع، واستمرار التاريخ حركة للمعارضة ورغبة في تغيير
الوضع القائم إلى ما هو أفضل. هؤلاء هم صفوة الصفوة من العالمين الجسماني في
النطقاء السبعة وهم أصحاب شرائع وأحكام، حلال وحرام. وبينهما ثلاثون نبيًّا أي في
كل فترة خمسة أنبياء مبشرون ومنذرون لما شرعوه. لم يغيروا شيئًا بل تابعوا النطقاء.
وبين الناطق السادس والقائم السابع أئمة ظاهرون عاملون بالشريعة. لم يغيروا شيئًا
فيها. ومع السادس سنة الله الجارية.
١٣
ويبدو من هذه القراءة الأفقية أن الركن والأساس أو الضد قد يكون واحدة أو أكثر،
اثنين أو ثلاثة. وقد يكون أصحاب الفترات أيضًا اثنين أو ثلاثة. أما الأئمة فسبعة،
واللواحق اثنا عشر دون زيادة أو نقصان. ولا يوجد تحديد الزمن الدورة إلا لنوح.
ويظهر النصارى العرب مثل قس بن ساعدة والأيادي كأئمة لعيسى. والقائم لا أساس له ولا
ضد ولا أصحاب فترات ولا أئمة. إنما له يوم وعدد لأنه مفتوح على المستقبل. ويتم
تحديد عمر آدم بالسنة والشهر واليوم، وتحديد دور نوح بمثل هذه الدقة دون تحديد باقي
أعمار الأنبياء ودوراتهم.
١٤
وفي تصور آخر تختلف ألفاظ الأركان الستة. ويصبح الأساس هو الوحي، وأصحاب الفترات
هم الأوصياء. ويظل الأنبياء سبعة.
١٥ ويلاحظ غياب العدد كلية في كل الأنبياء، وغياب الأئمة باستثناء عيسى.
ويشترك البعض في الأوصياء والأئمة مثل دحية الكلبي ونوفل وسطيح الراهب في عيسى.
ويظهر أوصياء عرب مثل سطيح ونوفل (بحيرا الراهب) وجرجس. كما يظهر أئمة عرب مثل دحية
الكلبي ونوفل وسطيح الراهب في الحجاز، وبحير الراهب وصهيب المرقوني وكعب في الشام
وسلمان الفارسي في فارس وزرقاء اليمامة وسيف بن ذي الحزن في اليمن، مع تعريب تاريخ
بني إسرائيل. كما يظهر أضداد ومن آلهة العرب مثل يفوت ويعوق ونسرى. ويأخذ بعض
الأئمة ألقابا مثل الحسن المستودع والحسين المستقر. والقائم لا وصي له ولا ضد ولا
أئمة ولا عدد ولا دورة له. وأحيانًا تذكر الفترة أو العمر بالدقة المتناهية، السنة
والشهر واليوم، كالسجل المدني. وأحيانًا لا يذكر شيء على الإطلاق أو يكتفي بالسنة
أو السنة والشهر دون اليوم. وتدل كثرة أسماء الأئمة على وفرة القيادة السياسية ضد
أئمة الظلم والتسلط، وتظهر الأعداد الرمزية مثل العددين ١٢، ٧. وتكمل التصورات
بعضها بعضًا. فاللواحق الاثنا عشر، والأيام وحدة الدورات وتفضيل الأئمة وفترة
القائم وعمره ومكان ولادته ودفنه وقبلته ليست مطردة في كل الأدوار. ويختلف أهل
الظاهر وهم العامة عن أهل الباطن وهم الخاصة داخل الشيعة. وتكثر الأضداد عند على
نظرًا لكثرة أعدائه وتجمع أهواء البشر كلها ضده. وينشأ به تاريخ الأمة مع تاريخ
الأنبياء، جعفر مثل يعقوب الذي انتقل الأمر إلى ولده ناقور، ويخرج إخوان الصفا من
الإمام السابع محمد بن إسماعيل مما يدل على أنهم سابقون على الفكر الشيعي، وأنه كان
فكرًا جماعيًّا قبل أن يتبلور في أفراد مثل السجستاني. ويذكر ذو القرنين ليس
باعتباره وافدًا يونانيًّا بل باعتباره أحد الأئمة بعد نوح.
ويظهر حساب دقيق لكل فترة من أصحاب الفترات داخل الدور الواحد. دور آدم ٢٠ سنة +
٤ أشهر + ١٥ يومًا بهذه الدقة المتناهية ربما من أجل إنهاء الفترة إذا ما ظهر
القائم من أجل الإيذان بالثورة. كما يتم تحديده ضده، إبليس وعمره ١٠٠ سنة ومكان
دفنه، سطح جبل أبي قبيس بمكة المشرفة على خلاف ما يرى أهل الظاهر من إطالة عمر
النبي حتى ألف عام تعبيرًا عن الخيال الشعبي. كان وصيه هابيل وبعده شيث الذي كتم
الأمر وأخذ العهود والمواثيق. وأول من ظهر بالشر في دور آدم. فمسار التاريخ من
التجلي إلى الستر عند آدم في البداية ثم من الستر إلى التجلي عند المقام في
النهاية. ودفن بالطائف. ويكفي تحديد المكان دون الزمان لربط الخيال بالواقع. ثم أتي
بعده آنوش، وكان ضده بقيانوس من ولده قابيل. فالشر متوارث مثل الخير دون تحديد
زماني أو مكاني اكتفاء بالسلالة. ثم قام من بعده فينان وهو مهبائيل. وكان ضده
سقاري، وأيامه أيام فترة. فالوحي له اسمان تضخيمًا للعظمة دون تحديد للمكان أو
الزمان. ثم أتي بعده متوشالح ثم فحائيل وهو فالغ، وكان عمره ١٥٠ عامًا. وهنا يأتي
وصيان في فترة واحدة. والثاني له اسمان. وعمره محدد في الزمان. ثم قام بعده يزد،
إمامًا لفترة، وعمره ٧٨ عامًا. وهنا يتناقص العمر. ثم قام بعده إدريس عند علو
العظمة وهو أخنوخ. نزلت عليه ثلاثون صحيفة. وأول من خط القلم، سمته الفلاسفة هرمس
المثلث بالحكمة. وهذه هي الإشارة الوحيدة ربما لهرمس باعتباره إدريس عند المسلمين،
وأختوخ عند اليهود، إحالة للآخر إلى ثقافة الأنا. وهنا يبدو موقف الشيعة من تاريخ
الأديان موقف المتمثل وليس الرفض. فالفرق غير الإسلامية جزء من الفرق الإسلامية.
وتتداخل الأسماء العبرانية مع الأسماء العربية نظرًا لأن تاريخ الأديان هو تاريخ العبرانيين.
١٦
وتتفاوت الأدوار من حيث طول الفترة وقصرها. فالدور الكبير يبدأ من آدم إلى
القائم. كل الوحي وكل التاريخ. والدور الصغير بين كل ناطق وناطق أي نبي ونبي.
ويتخلل الدور سبعة أئمة مستقرون في الفترات التي تحدث لعلل وأسباب. فالأئمة خلفاء
الرسل كالأحوال بين مقامين عند الصوفية.
١٧
الرقم |
النبي |
الاسم الصامت |
الأئمة الستة |
السابع |
١ |
آدم |
شيث |
٦ |
يرتقي إلى الناطق الثاني |
٢ |
نوح |
سام |
٦ |
يرتقي إلى الناطق الثاني |
٣ |
إبراهيم |
إسماعيل |
٦ |
يرتقي إلى الناطق الثاني |
٤ |
موسى |
هارون |
٦ |
يرتقي إلى الناطق الثاني |
٥ |
عيسى |
شمعون |
٦ |
يوشع أم هارون |
٦ |
محمد |
علي |
كثيرون |
يوشع أم هارون |
وكل نبي له أساسه الصامت.
١٨ الإمام الأول بعده ستة أئمة. ودور محمد هو دور القرآن، خاتم الدائرات
العظمى. فمحمد، خاتم الأنبياء، بعده القائم. ومحمد مثل باقي النطقاء لا يتميز بشيء.
وواضح أيضًا قبول الأئمة بعد عيسى مثل قبول الأئمة بعد محمد. شمعون الصفا (بطرس)
بعد عيسى، وعلي بعد محمد. لكل ناطق صامت يكون قريبًا منه وأساسًا له مثل موسى
وهارون. وفي كل دور اثنان صامت وناطق. الناطق ينسخ شريعة من قبله ويأتي بشريعة
جديدة. والصامت ينسخ تأويل ما قبله ويأتي بتأويل جديد.
(٣) مراحل التاريخ
وتكرر نفس الأفكار من أجل التحول من تاريخ الأنبياء إلى فلسفة التاريخ مرة في
سلسلة متصلة واحدة، ومرة متقطع دورًا دورًا. فهناك سبعة أدوار: آدم، ونوح،
وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، والقائم.
(أ) آدم
أهم الأنبياء كما يبدو ذلك من حجم الإشارة إليه وظهوره حتى في الفهرس في
مقدمة الكتاب. هو أبو البرية. لم يكن هناك شيء قبله كما تدعي الهندوسية، ربما
مرحلة الصفر قبل الآحاد ما دام العدد لا نهائيًّا من البداية والنهاية. آدم هو
المختار والمستوفي وصاحب الاستحقاق. وآدم لا من أنثى ولا من ذكر، في حين أن
عيسى من أنثى دون ذكر. هناك إعجاز في الخلق منذ البداية. تبدأ النبوة بآدم
خليفة الله في الأرض، سيد الكون. دله على الأسماء، وأمره بالكشف عنها للملائكة.
ضعف عزمه لما أضله ضدُّه الذي استكبر على السجود. فكل شيء له ضد. وهو جدل
الصراع بين الحق والباطل، ومِن ثَم ضرورة الجهاد. والأسماء ليست هي العلوم كما
يقول علماء العامة، أهل العمى والتيه أو أسماء أئمة الحق وأئمة الجور كما يقول
بعض علماء الشيعة، وإنما أسماء من اختص من عباده ليقيم عليهم الحجة البالغة.
وقد تكون هي الأسماء التي علمها الله له، أي اللغة الإشارات إلى الطبيعة
وإشارات الطبيعة له. وربما هي المعاني تأكيدًا على دور العقل في فهم المعاني،
علاقة الإنسان بالطبيعة كما فعل حي بن يقظان. وربما تكون هي الأسماء التسعة عشر
التي تاب الله عليه والملائكة التي سجدت لآدم اثنا عشر. وهم في الستر.
يتغيَّبون ويظهرون بغياب القائم وظهوره. وحروف النطقاء السبعة ثمانية وعشرون:
آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، والقائم، وكذلك حروف أسماء الأوصياء
السبعة: شيث، وسام، وإسماعيل، ويوشع، وشمعون، وعلي، ومهدي. وأسماء الأئمة
السبعة: علي، وحسن، وعلي، ومحمد، وجعفر، وإسماعيل، ومحمد. لم تكن له شريعة لأنه
لم يكن هناك قوم بل كانت نبوته على الملائكة وكأن الملائكة مكلفون، لهم إرادات
حرة تختار بها الحسن دون القبيح حتى تستحق الثواب دون العقاب. الملائكة مجبرة
على الخير والطاعة وبالتالي الثواب. النبوة مرتبطة بالإنسان وليس بالملائكة أو
بالطبيعة. العقيدة سابقة على الشريعة في الزمان والتاريخ. لذلك لم تكن لآدم
شريعة. وأول من شرع هو نوح. يمكن للنظر أن يكتفي بذاته، حقيقة بلا شريعة، تصور
بلا نظام. ويرمز آدم للغرب لأن الذي شرق غرب. والمغرب تسع ركعات. آدم يرمز
للمغرب في حين أنه للفجر أولى، فجر النبوة. وقد يعني العشاء لأن منه تغشى
الرحمة. بداية آدم الكشف الروحاني والجسماني. وآدم أول «الكلمة».
١٩ بعده ستة نطقاء وستة أوصياء، مد من حجة القائم سبعة أحرف. وكل ناطق
والأئمة ستة حروف إلا محمد فإنه أربعة وعشرون حرفًا. حجج القائم ثلاثة حروف ثم
ستة وسبعون حرفًا لحجج نوح وأئمته من دور آدم لأنه لم يكن له حجج ولا دعاة تسعة
وعشرون حرفًا لأياديه وحججه. وصعبت أيام دعوته من أجل هابيل. فمجموع الخلق وبدأ
الحروف والأيادي ٧٣٠ حرفًا حدثت منها حروف الخلق إلى يوم القيامة وكشف الستر
وظهور الكشف. فما هي هذه الحروف؟ وما دلالة العدد ٧٣٠حرفًا؟ هل هذا تفسير لنزول
القرآن على سبعة أحرف؟ ليس الحرف هنا فقط حرف اللغة المقروء أو المسموع بل هو
الطبيعة والكون، «الكلمة المتجسدة». ولماذا الاختلاف بالزيادة المتدرجة من ستة
حتى ستة وسبعين؟ كل ذلك من سمات فكر المعارضة مقابل فكر السلطة، الغموض ضد
الوضوح، الباطن ضد الظاهر، الخيال في مقابل الواقع، الوهم في مقابل
الحقيقة.
هبط آدم وحواء وإبليس من الجنة إلى الأرض نتيجة لتفاعل الأضداد ولقيام
الدعوة، من الصامت للبيان والهداية مثل آدم وحواء، وكلمتي الشهادة. وتعني
التوبة الرجوع إلى الحالة التي افتقدها آدم، العودة إلى دور الستر، وانقضاء دور
النطق وظهور القائم. لذلك أتت التوبة بعد السبع الطوال بإزاء الفاتحة. وقبول
توبته بظهور القائم بعد مضي أدوار النطقاء. هناك رؤية مأساوية في حياة آدم
وباقي الأنبياء تشبه وضع الشيعة النفسي كمجتمع المضطهدين: صراع الأضداد، ظهور
الأوصياء والأئمة لاستمرار المقاومة، وانتصار القائم في التاريخ إن عاجلًا أو
آجلًا. آدم أول جسماني عبد الله وأظهر أمره. وكان أعلم من الملائكة وأفضل منهم
بالعلم الذي أطلعه الله عليه. لذلك وجب له سجود الملائكة. وهم حجج دور الكشف.
وهم اثنا عشر، وأصحاب المراتب والمنازل. خرج عن طاعة إبليس وقابيل لحسده
وتكبُّره على هابيل ظانًّا أنه يرقى منزلة آدم. فخالف أمره وعصاه. وأصحاب
الفترات في دوره، برد مهلائيل ولاؤي. وواضح أثر الإسرائيليات في إطلاق الأسماء.
أمره الله أن يسكن هو وزوجه الجنة. ووجه محبته، والجنة دعوته، والشجرة بيانه.
عند البعض حد القائم الذي أراد آدم التطاول عليه. وعند البعض الآخر البر الذي
لا يجوز كشفه لأهل دعوته وهو الأرجح. وتتدخل رمزية الألوان في التصوير، لما هبط
آدم من الجنة مسخوطًا كان أسودَ ثم أصبح أبيضَ لما تاب الله عليه تدريجيًّا على
ثلاثة أيام، ثلثًا كل يوم، تأكيدًا على التطور والنماء. وقد كان الله قادرًا
على بياضه في يوم واحد بل وفي طرفة عين. فلكل مثل ممثول، ولكل ظاهر باطن. وهي
رمزية مستمدة من القرآن في جدل الأبيض والأسود.
٢٠ وهي جماليات عربية خالصة لأن الأسود جميل في الجماليات الإفريقية
في المجتمع الأبيض. وواضح أن الفكر الشيعي يحكمه منطق الهوية والاختلاف. إذ
يتطابق كل شيء مع كل شيء، الحروف والأعداد والأفعال والأكوان. وفي نفس الوقت
يقع التفاوت والاختلاف والتضاد في كل شيء.
(ب) نوح
من النطقاء الخمسة. فالكلمات خمسة أحرف دلالة على النطقاء الخمسة. الكاف نوح
لكون الشريعة وكون السفينة، واللام إبراهيم الذي لمعت النبوة والإمامة في عقبه.
والميم موسى الذي به تربعت الرسالة. والميم بحساب الجُمَّل أربعون، والألف عيسى
الذي لم ينسب إلى أحد من البشر. كما أن الألف لا تتصل بحروف. والتاء محمد الذي
به تمت الشرائع. وتلاه صاحب اليوم الآخر، ويبدأ ظهور نوح بتوبة آدم ورجوعه إلى
الستر الأول. فيظهر الناطق الثاني. أول من خرج من السفينة، وغرس الكرم لإيجاد
الخمر كما هو في التوراة، أي إنه نبي الشرائع التي منها مخامرة العقول ومدهشة
الأذهان. نوح هو أول من شرع الشريعة. ومدة الدور الثاني ٧٤٢ عامًا + ٧ أشهر +
١٥ يومًا. وهو أصغر من الدور الأول، دور آدم. عاش ٩٥٠ عامًا أكثر مما عاش آدم.
ويتدخل الخيال الشعبي في الحالتين إذا طالت المدة إلى ألف عام، ويختفي إذا قصرت
المدة إلى مائة عام وهي حدود الخيال الشعبي الآن إذا ما دعي لأحد بطول العمر
والبقاء. ونوح أول رسول من أولي العزم مع أن آدم مثله. ضده حام أي الغرب.
والساميون هم الأوصياء. فمعاداة الغرب واجبة، الشرق ضد الغرب، واليهود ضد
الغرب. وقيل إن الضد يفوت ويعوق ونسرى، آلهة العرب. الضد له أكثر من اسم. وقد
دفن بالجودي. وصية سام، وضده أنوش بن كنعان أو يفوث الذي يقال إنه عاش ١٦٨
عامًا. ثم قام بعده أرفخشد وهو آريل. ويقال له غابر. منه إلى فالغ ويقال له ذو
القرنين الذي وصل إلى علم الظاهر والباطن. ثم من بعده هود وهو ميخائيل ثم صالح
ثم لوط. وكان عمره ١٢٠ عامًا. وكان صاحب فترته قابيل وتارخ أخو لوط. وقد ساح
عند اشتداد الظلمة. وقام فالغ بن عابر بالسيف، وهو ذو القرنين بن هود. ويلاحظ
تكرار الأضداد وعدم شهرتها مثل فرعون ونمرود ويهوذا وأبو لهب. وبعض الأوصياء
لهم أكثر من اسم مثل أرمخشد أي آريل أي غابر، وفالغ أي ذو القرنين، وهود أي
ميخائيل. وبعض الأسماء ثقيلة على الأذن مثل أرفشخد بها أصوات فارسية. والبعض له
رصيد عبراني مثل ميخائيل خاصة وأن العبرانيين يعيشون نفس فكرة الاضطهاد،
وتأصيلًا تاريخيًّا للفكر الشيعي في فكر المضطهدين. وهل ذو القرنين الذي نال
علم الظاهر والباطن هو الإسكندر وهو معاصر في القرن الرابع الميلاد بالنسبة إلى
الفترة ما بين نوح وإبراهيم من القرن الأربعين حتى القرن العشرين قبل الميلاد.
ومن الصعب ضبط هذه التواريخ زمانيًّا. وكيف تنتشر الدعوة بالسيف، والأئمة دعاة
هدًى إلا أن يكون الصراع قد بلغ أشده؟
٢١
(ﺟ) إبراهيم
ولقبه الخليل كما أن آدم الخليفة، وموسى الكليم، وعيسى كلمة الله وروح منه،
ومحمد المصطفى، وهو ليس فقط أبو الأنبياء بل هو أبو الشعوب. ينتمي إليه العرب
والعجم، الناطق والمستور، الظاهر والباطن. ولا تعني العجم هنا الفرس بل كل غير
العرب مثل البربري بالنسبة إلى اليوناني. فإسماعيل أبو العرب، وإسحاق
أبو العجم. وهذه هي القرابة، أن يكون الأب عربيًّا، وأن يكون الابن أبا العجم،
ولا غرابة في ذلك لأن دور الكشف للعرب، ودور الستر للعجم. العرب العاربة أهل
الباطن، والعجم العاجمة أهل الظاهر. إسماعيل مبدع، وإسحاق مقلد. والإمامة
للمبدعين لا للمقلدين. لذلك خرج موسى وعيسى من صلب إسحاق المقلد للظاهر حتى أتى
محمد من صلب إسماعيل فأظهر الباطن. وقد أخبر الله في التوراة وفي الإنجيل أنه
يكون له من ولد إسماعيل اثنا عشر ملكًا عظيمًا، ولم يكن له من ذرية إسماعيل إلا
محمد. والعجيب أن إعطاء العرب دور الكشف، والعجم دور الستر يدل على خلو الفكر
الشيعي من الشعوبية التي لزمته في الدراسات الشائعة.
الدور الثالث دور إبراهيم ١١٥٠ عامًا + ٧ أشهر + ٨ أيام. وهو دور أكبر من
الثاني، وأصغر من الأول. وضده نمرود بن كنعان أول ملوك الجبابرة. عاش ١١٣
عامًا، ودفن في بيت القدس. كان وصيه إسماعيل وعمره ٩٠ عامًا وقبره بمكة. ثم قام
من بعده أخوه إسحاق ثم ولده يعقوب ثم ولده يوسف ثم ناقور أو يامين ثم عمران
بن شعيب وأصحاب الفترات إلياس وهو قيدار ويهوذا ولؤي. ويلاحظ هنا أن المقصود
ليس التحديد الزماني أو المكاني بل الترتيب الذهني والنسق الخيالي. فكيف يدفن
إبراهيم ببيت المقدس وقد عاش بمكة؟ وكيف يدفن إسماعيل بمكة وأبوه ببيت المقدس؟
ويلاحظ الأسماء العبرية وأصولها التوراتية.
وإسماعيل وصي إبراهيم، والإمامة في عقبه حتى ظهور محمد. ثم تخرج منه إلى علي
وولده من بعده. واختفى أبناء إسحاق تقية من غلبة الفراعنة والأضداد، ودخلوا في
دور الستر. إسماعيل الكشف، وإسحاق الستر. إسماعيل الباطن، وإسحاق الظاهر. ثم
صار أولاد إسحاق لواحق وأبواب لولد إسماعيل بالرغم من خلاف البعض. الإمام من
قيدار بن إسماعيل لا من ولد يعقوب. وما زالت الإمامة في ولد قيدار بن إسماعيل
حتى عدنان فحسده أخوه على المرتبة. وكانت العرب تستشيره لحكمته. ثم أخفى أمره،
وخرج إلى الشام كما خرج الرسول مهاجرًا إلى المدينة. وهو الإمام في عصر موسى.
وكان شعيب لاحقه وحجته وصاحب عترته. وهو المخاطب لموسى من الشجرة. واستتر أولاد
إسماعيل تقية من فرعون والأضداد. وظهر أولاد إسحاق. ويذكر يوسف في تأويله
الأحلام. فالخمر في الحلم الظاهر، والباطن هو الحقيقة.
أعلن إبراهيم وصايته لولده إسماعيل في دور إسحاق ثم إلى يعقوب ثم إلى يوسف.
ثم وقعت فترة طويلة إلى أن اتصلت الإمامة بأيوب ثم إلى يونس ثم إلى شعيب. وهو
مقياس موضوعي لطول الفترات وقصرها. كما توجد بعض اختلافات بين حكماء الشيعة في
وصف تفصيلاتها. كما يوجد بعض التعسف في الواقع كما هو الحال في كل فلسفات
التاريخ حتى تتفق مع الرؤية العامة. ويرفع إبراهيم القواعد من البيت أي الأربعة
أركان: إسماعيل ومحمد والقائم وليس لإسحاق فيه شيء، ركنان متقدمان إبراهيم
وإسماعيل وركنان متأخران محمد والقائم من ولد إسماعيل. كما تقوم صلاة الظهر على
أربعة أركان بتسليم واحد. الفرض مثل إبراهيم وإسماعيل، والسنة مثل محمد
والقائم. وموسى وعيسى من ولد إسحاق. وهنا تتحول الشريعة إلى نبوة، والنبوة إلى تاريخ.
٢٢
ولما كان كل دور يبدأ لينهار كما حدث لأدوار آدم ونوح من قبل فإنه يحدث الآن
لدور إبراهيم. فقد خرقت شريعة إبراهيم. وتهاون أهلها. وتقاعسوا عن القيام
بفروضها، وفرطوا فيها مما أدى إلى تبديلها بشريعة أخرى على أيدي ناطق آخر
يقيمها. فالنطقاء أطباء النفوس. يظهرون في الوقت المناسب بأمر الخالق، ويقيمون
السياسات الإلهية والأحكام التشريعية مما يصلح لذلك الزمان فتصلح النفوس وتزال
عنها الأدران. النطقاء مثل الأنبياء أطباء النفوس. وهو تشبيه شائع عند إخوان
الصفا والفارابي وابن سينا. يظهرون بأمر الخالق أي بقوانين التاريخ ونضج
الثورة. والإصلاح تطهر فردي قبل التغير الاجتماعي، والداخل قبل الخارج كما هو
الحال عند الحكماء.
٢٣
الإمامة في نسل إبراهيم بناءً على طلبه واستجابة الله له. وهي نظرة عرقية
تجعل النبوة وقفًا على بني إسرائيل في حين عممها القرآن
وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ. ليست الذرية
حقًّا مكتسبًا
قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي
الظَّالِمِينَ. وفرق بين ولادة الدنيا وولادة الدين بين الولادة
الظاهرة والولادة الباطنة. والنبوة من الولادة الدينية لا من الولادة الدنيوية،
من الولادة الروحية وليست من الولادة البدنية، النسب والقرابة والذرية. بل إن
ذرية إبراهيم تسود دورته أكثر من إبراهيم ذاته مؤسس الدين الطبيعي.
٢٤
(د) موسى
ولقبه هو كليم الله. فقد تكلم مع الله ولم يرَه. وهو أوسط النطقاء. قبله آدم
ونوح وإبراهيم. وبعده عيسى ومحمد والقائم. فهو أقواهم. ما قبل موسى يمهد له.
وما بعد موسى مستمد منه مثل سليمان. كان قويًّا ضد خصومه. ولما كان لكل نبي
خاصية فإن خاصية موسى شريعته ووضع سياسة تميزه عن غيره من الرسل. كما حظر أمته
دخول السكن زمنًا والجلوس على المائدة في حين رخص ذلك لنفسه ولأولاد أخيه هارون
مما يكسر عموم القانون. كانت شريعته خاصة باليهود وبمن لهم الفضل عن غيرهم.
شريعته ناسخة لشريعة إبراهيم. جاء موسى للنهوض بالشريعة من جديد بعد ضياع شريعة
إبراهيم بعد أن طهر نفسه واتفق مع عدنان إمام عصره وحكيم دهره على ذلك ضد تغلب
الفراعنة والأضداد. نسخ موسى شريعة إبراهيم وألف شريعة جديدة، وبين فرائضها
وسننها، وجاهد ضد من تخلف عن قبولها. وأقام أخاه هارون وصيًّا وعينًا
ومُؤَوَّلًا فأظهر حقائق التأويل، وأبان معاني التنزيل. وأشرق العالم بنور
الهداية. موسى أول ناطق من بيت إسحاق، وأول الأنبياء والأركان وذلك لأن إبراهيم
بنى الكعبة وجعلها أربعة أركان دليلًا على من يأتي بعده من النطقاء، ركنان
لموسى وعيسى من بيت إسحاق على اليسار، وركنان لمحمد والقائم على اليمين ثم
أصبحت الإمامة في عقب عدنان إمام موسى ولدًا عن ولد حتى خزيمة فقام بالإمامة.
وهذا هو معنى رفع إبراهيم القواعد من البيت.
ويمثل موسى العلم الظاهر في قصته مع الخضر وعدم صبره على الدخول إلى الباطن
لمعرفة سبب قتل الغلام وغرق السفينة وإقامة الجدار، دلالات الملك الغاضب وذي
القرنين والسدان والقوم الذين لا يفقهون. العلم بالأسباب الخفية لأهل الصفوة.
السفينة دعوة شعيب إلى موسى وتسلم موسى منه عهد الفتح ولم يكن بعد نبيًّا. وكان
موسى عيسى صاحبة العبد الصالح. الخضر هو سببه إلى الارتقاء. والسفينة دعوة
منصوبة بغير إذن. لم يعرف موسى السبب لأنه لم يصل إلى مرتبة النطق. وكذلك قتل
الغلام الذي عرف موسى سببه فيما بعد واعتذر عن جهله. أما الملك الذي يأخذ كل
سفينة غصبًا فيشير إلى صاحب الدور موسى الذي تجب طاعته. أما الجدار الذي يريد
أن ينقض فهو موسى الذي يريد أن ينطق دون أجر. ثم قص موسى حلمًا على العبد
الصالح كأنه في البحر قصبة طويلة عليها طير أبيض ينزل إلى البحر ليأخذ قطرة.
فالبحر سادس النطقاء. والقصبة العبد الصالح، والعصفور موسى.
ويستدعى الشيعة ذاكرة الأمة، قصة موسى وفرعون لإثبات نضال الإمام ضد القهر.
فلا فرق بين الحاضر والماضي. والتاريخ يعيد نفسه، مصعب بن الوليد هو فرعون موسى
في استكباره. أراد موسى من بني إسرائيل وكلهم ١٦٢٤٠٠٠ إخراجهم من الظلمات إلى
النور. فدخل في الإيمان ما بين ٢٠–٥٠ من الرجال والكهول، الأقلية الصالحة. وكان
علماء فرعون ٤٢٠. حاجهم موسى وانضموا إليه. وهذا ما يفعله الإمام كل عصر وزمان،
الواحد المؤيد من الله. وكل من جعل ندًّا للإمام أو بديلًا عنه فقد أشرك.
فالإيمان بالإمام يعادل الإيمان بالله.
٢٥
وموسى هو الناطق، بالنسبة إلى السابق كما أن الأساس هو الإمام بالنسبة إلى
اللاحق. هكذا كان يخاطبه هارون. وسليمان خامس الأتماء في دور موسى. وسليمان
حامل الكتب. موسى هو الناطق من الأب. وهو السابق. وهارون هو الأساس من التالي
وهو الإمام. فإذا ما غاب الناطق صار الأساس هو الذكر الناكح الوارث توكل إليه
جميع الحدود العلوية.
ودوره الدور الرابع ومقداره ١١٣٦ عامًا + ١٧ شهرًا + ٢٨ يومًا، بهذه الدقة.
عاش ١٠٧ أعوام. ودفن في جبل الطور وليس في بيت المقدس لأنه تاه في سيناء مما
يكشف عن الصراع على بيت المقدس في الإسرائيليات. وهو موسى بن عمران من ولد
إسحاق بن إبراهيم، وضده فرعون ثاني ملوك الجبابرة. وصيه هارون الذي عاش ٨٠
عامًا. وقام بعده يوشع بن نون كفيلًا على ولد هارون الذي عاش ٦٤ عامًا. ثم قام
من بعده كالب بن هارون وأشعيا ودانيال وداود وسليمان الذي قام منه على الظالمين
بالسيف. وكان من أصحاب فتراته يونس وزكريا. فهل قاوم سليمان بالسيف أم داود مثل
فالغ بن غابر، وهو اسم كريه يصور الغبار والقتال. وكان شعيب لاحقه وحجته وصاحب
فترته. وهو المخاطب لموسى من الشجرة بلسان حجته وهو العبد الصالح. قام
بالرسالة، وألف شريعة جديدة، وأبان فرائضها، وجاهد من تخلف عنها. ومن لم يستجب
لها كان كافرًا. أقام أخاه هارون وصيًّا له ومعينًا في نبوته وتأويل شريعته
فأظهر حقائق التأويل، وبين معاني التنزيل. موسى أول ناطق من بيت إسحاق. والركن
الأيمن دليل على محمد والقائم المنتظر وهما من ولد إسماعيل. علاقة موسى بهارون
مثل علاقة التنزيل بالتأويل، الظاهر بالباطن، الناطق بالصامت، المكشوف
بالمستور، محمد بعلي. ولكل ناطق أربعون حدًّا طبقًا للمنقول. لذلك قد يخطئ
التنظير العقلي وقد يصيب نظرًا لاعتماده على المنقول.
٢٦
(ﻫ) عيسى
ولعيسى وضع خاص مثل آدم فيما يتعلق بخلقه وغيبته. خلق عيسى من أنثى وليس من
ذكر كما خلق آدم لا من أنثى ولا من ذكر. خلق بفعل الروح في بطن مريم. وقد أتى
بعد دعاء زكريا ألَّا يبقى وحيدًا فوهبه الله يحيى. وهذا حال كل داعية تطول
بلواه وتشتد محنته. ألقابه المسيح عيسى. مرتبته أنه وجيه عند الله ومن
المقربين. مسيح السماء، ومسيح آل محمد. وقد أخطأت الغلاة فجعلته عبد الله
بن الصادق. فالتأليه والتعظيم إذن عاطفة إنسانية تنطبق على أي شخص كما هو الحال
في تحقيق المناط. ويستعمل لفظ «الأيس» الشهير عند الكندي أي الوجود، والأيسيات
أي الموجودات، وفعل يتأيس أي يوجد، والأيسية أي الوجودية، لتصوير شخص عيسى.
فكلمة الله علة الأيسيات وبقاؤها. والناطق محل الكلمة في العالم الجسماني. فقيل
عن عيسى كلمة الله وروح الله. وكل منكر للرسل تزول أيسيته.
٢٧
وهو صاحب الدور الخامس، ومدته ٥٧ عامًا دون تحديد شهر ويوم. من ولد إسحاق
بن إبراهيم. وصيه شمعون الصفا. ضده يهوذا الذي سلَّمه إلى اليهود. حاول تغيير
شريعته والتكبر على وصيه. الإمام في عصره خزيمة. فلما استتر كان زكريا الذي كفل
مريم فأصبحت حجته وبابه. اجتمع بها رسول الإمام خزيمة وفاتحها بظهور المسيح من
دعوتها، وأعلمها أنه صاحب العصر وناطق الوقت. قيل إن حمله قد تم في ثلاث ساعات
أو سبعة أيام أو ستة أشهر، والحقيقة تسعة أشهر كالمعتاد. عاش ٣٢ عامًا. وتسلم
الأمر من بعده مرقص ويقال له حزقائيل وحزقيل وبختنصر وإرميا الصديق. أصحاب
فتراته إصطفانوس، المسيح أليسع، وربما فياليس وهو قس بن ساعدة الإيادي ثم أليا.
وكان بين ثلاثة: دحية الكلبي وسطيح ونوفل، ويقال بحيرا الراهب. حجاب آليًّا لأن
متمم الزمان جرجس، آخر متمم لدور عيسى. كان لديه في الحجاز دحية الكلبي ونوفل
وسطيح الكاهن، وفي الشام بحيرا الراهب وصهيب المرقوني وكعب. وفي فارس سلمان
الفارسي. وفي اليمن زرقاء اليمامة وقيل سيف بن ذي يزن لأنه ينادي بظهور محمد
ويبشر بقيامه.
٢٨
والفترة بين موسى وعيسى ستة أئمة: اليسع، عزير، داود، سليمان، زكريا، يحيى.
ووقعت الفترة من أولها بعد وصيته. فلما بلَّغ الأمر شعيبًا آل داود واتصلت
الإمامة بعده في سليمان ثم زكريا ثم يحيى قام عيسى الناطق الخاص في حد التمام
والنطق. ثم وقعت فترة طويلة إلى أن اتصلت في جرجس آخر متمم في دور عيسى.
فالفترات بين الأئمة الستة حتى يتم الانتقال إلى الناطق التالي تختلف فيما
بينها طولًا وقصرًا. ويلاحظ على هذا الوصف التاريخي الاضطراب الزماني، وجعل
بختنصر في القرن السابع قبل الميلاد مع خلفاء عيسى وأوصيائه في القرن الأول
الميلادي. كما يتدخل الخيال الشعبي في مدة حمل مريم من ثلاث ساعات إلى سبعة
أيام وفي جرجس متمم الزمان. ويتضخم دور يهوذا ليس فقط تسليمه عيسى لليهود بل
تغيير شريعته ووصيته، فالشرير يكون كذلك إلى أقصى حد. وتتعدد أسماء مرقس
وحزقائيل، وإصطفانوس يبدو أحيانًا هو المسيح اليسع وفياليس. ويتدخل التراث
العربي كبديل للأسماء مثل قس بن ساعدة الإيادي ودحية الكلبي وبحيرا الراهب
وصهيب الرومي وكعب. فالمسيحية دين عربي، في الشام وفي الحجاز وفي اليمن في شخص
زرقاء اليمامة وسيف بن ذي يزن. كما تظهر فارس كوسط للأوصياء والأتماء في شخص
سلمان الفارسي.
٢٩
لم يكن لعيسى دار هجرة دون الأنبياء بل كان وحده، صمد وضحَّى بنفسه. وقد نفى
الله عيسى عن القتل والصلب للدلالة على أن البعث للأرواح دون الأجساد. فالقتل
والصلب الأجسام. والهاء في آية
وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا
صَلَبُوهُ إشارة إلى الآنية والهوية التي رفعها الله إليه. فالبعث
للهويات أي للأرواح. والصليب اسم للخشبة التي يصلب عليها الإنسان. وتلك علامة
أخبر بها. والعجيب أن المسيح لم يرفع قتل الكافرين الجاحدين له رفعًا كليًّا
وإن كان لم يجاهد بنفسه لأن تلك علامته، مثل القائم الذي لا يحتاج إلى محاربة
أحد من أعدائه. تكفيه الروح. كما أن خُلقه، اللين والحلم، يمنعه من ذلك. رسالته
الحكمة. الدين والتراكيب والمواليد علة واحدة. في التراكيب سعدان ونحسان. وفي
الدين عيسى بين موسى ومحمد كما أن إبراهيم بين نوح وموسى في الأخلاق. وواضح
اللجوء إلى التنجيم مثل إخوان الصفا والفارابي كثقافة شعبية شائعة.
٣٠
ونبوة عيسى شريعته وسياسته، صور روحانية، وحقائق وعلوم وحكمة، ومتحررة من
شريعة موسى انتظارًا لدور محمد. ظهر المسيح عيسى ابن مريم لتجديد شريعة موسى في
عصر الفراعنة مثل فراعنة موسى. وربما المقصود الرومان والأحبار الذين أفسدوا
الشريعة وقتلوا الأولياء والقائمين عليها والعاملين بها. فاستتر خزيمة واختفى.
وقام مقامه زكريا الذي كفل مريم التي كانت حجته وبيانه. مريم الحجة، وزكريا
الباب. واجتمع بها رسول الإمام خزيمة وبشَّرها بالمسيح، وأعلمها أنه صاحب
العصر، وأنالها الله من تأويل ما لم ينله زكريا. وبعد نسخ شريعة موسى أظهر
الرحمة والرأفة والحكمة لأنه كان ببيت إسحاق وقائم دوره. لذلك سمي قائم
القيامات الذي هو بيت إسماعيل، وقائم دوره. وربما جاء ليبشر بمحمد. استبدل
بشريعة موسى اللطافة والأمنة والرحمة. فالقوة من الروح. والرهبنة قوة يخشاها
الناس. به حال آدم، وحسن يوسف، وخلق داود، وقوة عيسى. وقد أخطأ الجاهلون في
ربوبيته. فهو مثل أخلاقي. ضرب الأمثال للتأثير في النفوس من أجل الممثولات.
تنبأ بالناطق السادس، وأمر حوارييه بالإيمان به وهو الذي سيأتي بالممثولات.
وتلك مهمة التأويل. وواضح حسن الترجمات العربية القديمة للإنجيل.
(و) محمد
لما كان المركب الذي يتلو الأربعة هو السنة عددًا تامًّا لا تزيد أجزاؤه ولا
تنقص كانت الأدوار ستة من آدم إلى محمد. وفي كل دور تنشأ الصور الروحانية.
وكمال دعوتهم واستقامة أحوالهم بالقائم. أساس الأدوار الرياضيات، فلا فرق بين
علم الحساب وفلسفة التاريخ.
محمد هو الناطق، صاحب الدور السادس. ضده أبو لهب. عاش ٦٣ عامًا. وأقام بمكة
المكرمة، وهاجر وهو ابن ٥٣ عامًا. وكان إمامًا في المدينة عشر سنوات. وتوفي في
ربيع الأول في ليلة خلت من يوم الاثنين بهذه الدقة المتناهية. الدعوة السرية في
مكة ثلاث سنوات أطول من الدعوة العلنية في المدينة عشر سنين: تأسيس التصور أطول
من تشريع النظام. وكل رسول يفضل من تقدمه بدرجة أو درجتين. فقد أطلع محمد على
مراتب النطقاء ليلة الإسراء والمعراج. ورأى آدم في السماء الدنيا. وكل ناطق في
سماء أعلى من صاحبه إلى أن بلغ سدرة المنتهى. وهي السموات السبع التي تقابل
الحروف السبعة، تقدُّمًا رأسيًّا وليس تقدُّمًا أفقيًّا. محمد دور ناطق له دور
صامت كما هو الحال بين موسى وهارون.
٣١
ولمحمد أسماء وألقاب وكنًى. له أربعة عشر اسمًا، سبعة من القرآن، وسبعة من
الحديث. من القرآن محمد، أحمد، يس، المزمل، المدثر، الضحى، عبد الله. ومن
الحديث الفاتحة التي فتح الله به الإسلام، الخاتم الذي ختم النبوة، الكافي الذي
أرسله الله إلى الثقلين كافة، المقتفي الذي اقتفى آثار الأنبياء، المعقب الذي
عقب الأنبياء، الحاشر الذي يحشر يوم القيامة على طاعة ولده. ويلاحظ تداخل بعض
الأسماء مثل المعقب والمقتفي. وهناك أسماء خفية معانيها مثل: طه، يس، الضحى،
أصبحت أعلامًا. وله أسماء يشارك فيها غيره من الأنبياء مثل النبي، الرسول،
البشير، النذير، السراج المنير، الشاهد، الشهيد. وله أسماء يشارك فيها غير
الأنبياء مثل الإمام، الداعي لأنه بين علم من مضى ومن بقي، يوم الجمعة الذي جمع
الله فيه الفضائل. وتكرر بعض الأسماء مثل الشاهد والشهيد. وهي كلها ليست أسماء
للنبي باستثناء محمد وأحمد. والباقي صفات أفعال وحالات معينة وقت نزول الوحي
مثل المزمل المدثر. والبعض لا أسماء ولا أفعال مثل الضحى، مجرد صورة فنية تنطبق
على أي إشراق أو إصباح، وعبد الله صورة فنية لكل البشر وللمسيح. والماحي
والفاتح والخاتم وظائف مشخصة متضخمة للنبي تجعله يقوم ببعض أفعال الله كما حدث
للإمام. والبعض مجرد حروف مثل طه، يس. والبعض غير صحيح مشتق افتعالًا مثل
الفاتح، الماحي، الكافي، المعقب، المقتفي. والبعض يدل على الاستمرار التاريخي
وتاريخ الأنبياء، السابق واللاحق. والبعض صورة تشبيهية مثل البشير والنذير
والسراج. والبعض يشارك فيه باقي الأئمة. وفي إطار البسملات والحمدلات والصلوات
على محمد تظهر بعض الألقاب الأخرى بناءً على عواطف التعظيم والتفخيم التي تصل
إلى حد التأليه مشاركة الله في أسمائه. فهو الغفور الودود، خاتم النبيين، إمام
المتقين، رسول رب العالمين، الصادق الأمين، صاحب الشريعة، محمد المصطفى، سيد
الأوائل والأواخر. وبهذه الطريقة تصبح الأسماء والألقاب لا نهاية لها مثل أسماء
الله الحسنى.
٣٢
ومنزلته الخامس من الأئمة طبقًا لبعض المتقدمين على القاضي النعمان مثل منزلة
الخامس من أولي العزم من النطقاء. وله غيبة كغيبته، وظهور كظهوره. يعلي أمر
الله، وينصر الناطق، ويمكن له في البلاد، وينصره على الأضداد، ويتم به أمره.
نصر السماء في مقابل هزيمة الأرض.
٣٣ ودعوته عامة للناس جميعًا. وقد بلغ الرسول دعوته إلى كسرى في الشرق
والمقوقس في الغرب. وتنبأ بفناء الأضداد. لما شرح الله صدره من المستغلقات قام
بنشر ذلك بين أمته كي يهديها من الحيرة والضلال، ويذهب عنها ضيق الصدر وحمل وزر
الاستغلاق، ويرفعه إلى أعلى المراتب. وبعد كل مستغلق منفتح. فإذا فرغ من إقامة
الشريعة يلتفت إلى الأساس والخوض الروحاني المنفعة الأمة. ومن خصائص الرسول
ألفة الناس له وألفته لهم. استطاع الرسول تأليف القلوب وتطهيرها من الكراهية
والشحناء والعداء والبغضاء. فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأرواحهم، والصبر
على ما يقول الأضداد والمنافقون وهجرهم وإمهالهم إلى أن يأتي القائم. فعلى يديه
يهلكون. وقد غفر الله له من ذنبه ما تقدم وما تأخر. ما تقدم مشروط بالتوبة، وما
تأخر مصادرة على المعصية إلا إذا كان حسن النية والقصد فهما يدفعان إلى ذلك أو
أن الحكم بالموازنة، موافاة الحسنات السيئات كما يقول المعتزلة أو على الجوهر
وليس الأعراض، على الكيف وليس الكم. وله الفتح والنصر المبين. وله الزي المميز
لكل من الديانات الثلاث. الإسلام والنصرانية واليهودية.
٣٤
وقد خصه الله بالشريعة، الصلاة واحد وخمسون ركعة في كل يوم وليلة. خمس صلوات
أولهن الظهر دليل محمد. كما خص بالسبع المثاني والقرآن العظيم، وهي الأدوار
السبعة. وقد يضاف الحديث ليفيد نفس المعنى. وقد تزوَّج الرسول باثنى عشر زوجًا
ومات عن تسع. فلم يستقم الثلاث على الطريقة. والخطاب الموجَّه إلى نساء النبي
يبين تفرُّدهن وعدم مشابهتهن لباقي النساء. وهو موجه إلى الاثني عشر انتقالًا
من الأزواج إلى الأئمة والأخيرة منهن هي الأساس بالرغم من أن إحداهن في الظاهر.
لما آلت إليه الحدود العلوية صار ذكرًا وارثًا مستحقًّا قبل أن يتوجه الخطاب
إلى آخر الأنبياء كشاهد ومبشر ونذير وداعٍ وسراج منير. والسابع لا يسبق بالقول،
وهو الأمر وهم الباقون ولخاتم الأنبياء رخصته في الشريعة مثل نكاح فوق الأربعة،
ومن تهب نفسها له وهو الناطق. وقد زالت المتعة بنكاح الرسول. كما خص الرسول
بتغيير الشريعة إرضاءً لزوجاته. ولأمته ترخيص ترك الصلاة في الليل وتحريم ذلك
على النبي. وقد اختلج في قلبه من المنافقين من يكون أشد وطأة عليه من الليل.
وله في النهار سبح طويل في الظاهر. تجمع النبوة مكارم الأخلاق. ويضع الأنبياء
شرائع عامة لأمتهم لزجرهم عن الشهوات وكأن مهمة النبوة الزجر والمتع والتحريم
وليس الإشباع وإعطاء الحقوق.
٣٥
ولا يذكر محمد إلا وصيه عليًّا، ابن عمه وصهره، زوج فاطمة الزهراء، إمام بمكة
سنة واحدة أو ١٢ سنة؛ لأنه أول من آمن من الصبية. عاش ثلاثًا وستين سنة مثل
النبي وتوفي في تمام الأربعين من الهجرة. واستشهد ليلة الجمعة لأربع عشرة خلت
من رمضان وفي العشر الأخير منه. أضداده ثلاثة ممثلهم موسى والعجل والسامري،
فرعون وهامان وقارون، يفوت ويعوق ونسرى، تجسد الأضداد السابقة كلها. تولى الأمر
بعده ولده الحسن المستودع. عاش ٧٤ عامًا وقبره بالبقيع. ثم قام بعده أخوه
الحسين المستقر. استشهد في كربلاء في العاشر من محرم. ثم قام من بعده ولده زين
العابدين. عاش ٥٧ عامًا وقبره بالبقيع. وبعده ولده محمد الباقر دفن بالبقيع. ثم
ولده جعفر الصادق عاش ٦٥ عامًا، وقبره بالبقيع. ثم ولده محمد بن إسماعيل في
حياته وبين يديه حجته. حياة جعفر مثل حياة يعقوب عند انتقال الأمر إلى يوسف ثم
إلى ناقور. وخرج دعاته وحججه مبشرين إلى اليمن والمغرب وكافة أقطار الشرق مثل
عبد الله المبارك، عبد الله بن حمدان، عبد الله بن ميمون، عبد الله سعد
بن الحسين. وكان إسماعيل أكمل أولاد جعفر وأعلمهم. وأقام دعاته في كل مكان.
وأخذوا العهد باسمه ثم أوحى إلى محمد ولده فقام جده مقام أبيه كما قام نافور
مقام يوسف في حياة جده يعقوب. وعظمت دعوته حتى قيل إنه صاحب القيامة. وبعده
تسلم الدعوة ولده المستور عبد الله بن محمد. ستر نفسه من الأضداد من أهل عصره
لأن زمانه كان زمان محنة. والمتغلبون من بني العباس يطلبون من يشاء إليهم حسدًا
وبغضًا من أولياء الله. ونظرًا لاستتار الأئمة قيل إنهم من ولد محمد
بن إسماعيل، عبد الله بن ميمون القداح، قداح الحكمة أو عبد الله بن سعيد الحسين
أو عبد الله بن المبارك أو عبد الله بن حمدان. وهم الذين كتبوا رسائل إخوان الصفا.
٣٦ ويلاحظ دلالات ألقاب الأئمة مثل المستودع للحسن والمستقر للحسين.
فاللقب يعطي الجوهر والدعوة والرسالة. وكيف يكون الحسن كذلك وقد بايع يزيد؟ هل
بايعه تقية؟ وهل يليق لقب المستودع له؟ لماذا لقب المستقر للحسين الشهيد؟
والبعض تذكر أعماره، وليلة استشهاده، وعمره وسنة وفاته والبعض لا مما يتطلب
منطقًا للعموم والخصوص. والنسل ليس مطلقًا على التوالي. فقد يأتي الحفيد بدلًا
من الابن مثل محمد بن إسماعيل من جعفر الصادق. وقد يكون الأخ مثل الحسين والحسن
وليس الابن. وإذا كان الوصي ولدًا فأين تذهب الوصاية؟ هل في أكملهم؟ النسل إذن
ليس عاملًا مطلقًا، والعامل الحاسم في الولاية والوصاية. فجعفر أكمل أولاد
إسماعيل. الفضائل مكتسبة وليست فقط موروثة. ويشبه الجديد القديم، والتاريخ يعيد
نفسه، تاريخ دعاة الشيعة مثل تاريخ أنبياء بني إسرائيل، وصاية إسماعيل مع والده
جعفر مثل وصاية يوسف مع يعقوب. ويتم الإقرار بأن إخوان الصفا من الشيعة
الإسماعيلية، وإن فكرهم نابع من ولد إسماعيل بعد ضياع الأثر والنسل بعد محمد
بن إسماعيل، وانتشارها في اليمن والمغرب مما يفسر وجود الرسائل هناك. كما تدل
أخطاء اللغة العربية على مصدرها الشعبي واستخدامها العامي.
وللأئمة أيضًا ألقابهم. فعلي بن أبي طالب صاحب اليوم الموعود والحوض المورود
والمواثيق والعهود. وهو مجرد سجع وتفخيم للتأثير على النفس. وهناك ألقاب للأئمة
وألقاب للفرق، الحسن والحسين السبطان الشهيدان. ذريتهما حجج على كل موجود، زين
العابدين الإمام الطاهر المحمود، محمد الباقر الإمام صاحب اللواء المحدود، جعفر
الصادق الإمام صاحب النور الموجود، إسماعيل الإمام صاحب المقام المورود. وألقاب
الفرق مثل الأئمة المستورين عن أعين كل حاسد مطرود، والذرية الفاطمية الطاهرة
المتسلسلة من نسلهم إلى اليوم المشهود الذي عدته ٥٠٠٠٠ عام معدود. والقائم
الحجة صاحب الزمان بالأمر، صاحب الزمان والعصر. امتد منه سائر الدعاة. والإمام
الحاضر الموجود، صاحب العهد منه سائر الدعاة. والإمام ولي الأمر الحاضر
الموجود، صاحب العهد المعهود، الغفور الودود. وكلهم من الإسماعيلية الباطنية
دون النزارين في سرمين والنيرب. والقائم مفتوح تحديدًا بالاسم تركًا للمستقبل
بلا تحديد. كل ذلك في إطار الصلاة والسلام على محمد وآل البيت.
٣٧
وقد قام الشيعة بتخريج كل هؤلاء الأئمة عن طريق تحقيق المناط على طريقة
الأصوليين في شرح آية قرآنية مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ
… وقد ساعد القرآن على ذلك لأنه حمَّال أوجه. كما أنه يدعو صراحة
إلى التأويل مثل جَدُّ رَبِّنَا الذي أفاض فيه
ابن عربي. وقد صرح القرآن بالتأويل. فالحرم معناه الإغراء بالدخول فيه كالنساء.
ويتكرر نفس الشخص أكثر من مرة في تحقيق المناط. ويكون السؤال: هل وظيفة الآية
تثبيت المناط بتحقيقه أم إبقاؤها على عمومها وحركتها دون تحديد لمناطها في واقع
معين وعلى أشخاص محددين حتى يظل الاجتهاد قائمًا في كل عصر. فالتأويل اجتهاد
أيضًا، ربط الفرع بالأصل. والواقع بالنص. وقد ترك النص الواقع غير محدد إلا
بكناية، رسمًا لا اسمًا مُحَمَّدٌ هو الرسول، وهو
الوحيد المذكور باسمه، وَالَّذِينَ مَعَهُ علي
بن أبي طالب، أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ هم
الحسين بن علي رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ أي الحسين
بن علي، والركع علي بن الحسين، والسجود محمد بن علي، والمبتغون فضلًا من الله
هم الصادق والرضوان المبارك. واﻟ «سيماهم في وجوههم من أثر السجود» القائم
والمثل في التوراة والإنجيل كالزرع هو الأساس، والذي أخرج شطأه الحسن بن علي،
والذي آزر الحسين بن علي، والذي استغلظ علي بن الحسين، والذي استوى محمد
الباقر، والسوق الصادق، والذي يعجب الزراع المبارك ليغيظ بهم الكفار هو القائم.
ووَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ المغفرة الذين صدَّقوا بالأولياء وكذبوا بالأعداء،
والأجر العظيم الثواب. ويلاحظ ظهور التقابل بين الحروف والأسماء العين والميم
وعلي لينال مرتبة المعية. تشير الآية إذن إلى الرسول والناطق والأساس وهكذا
تقطع الآية لتشير إلى وقائع وأشخاص في الخارج وكما هو الحال في اللاهوت وليست
مجرد بواعث عامة تنطبق على أي وقائع. التأويل هنا تحويل العام إلى خاص، والمعنى
إلى واقع، والمجرد إلى محسوس. كما تتكرر بعض الأشخاص أكثر من مرة مثل الحسين
بن علي، وهو تفسير ظني لا دليل عليه يمكن للمعارض، أي الدولة القاهرة، اللجوء
إليه لحصار المعارضة واستئصالها.
(ز) القائم
وهو أول المتمين في دور الحسن القائم بالإمامة بعد الوصية. وقد أخبر الرسول
أن الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا، أي إنهما إمامان سواء أقاما الخلافة
الزمنية أم قعدا عنها. الحجة هنا نقلية وليست عقلية. والمتمم الثالث علي زين
العابدين، والرابع محمد الباقر لأنه أول من بقر العلوم وأظهرها وأحياها، وفرق
اللواحق في الجزائر، وأقام الأجنحة في البقاع، وجاهد الكفار. والخامس ولده جعفر
الصادق. والسادس إسماعيل صاحب الفترة لعلو عظمته من بني العباس. والسابع محمد
بن إسماعيل. ثم استتر الأئمة لتشريدهم شرقًا وغربًا. وهناك فرق بين هؤلاء
الأئمة في التاريخ ووجودهم في الوعي كما مثلتها الأساطير الشعبية ابتداءً من
الرسول وعلي بن أبي طالب والحسن والحسين، وباقي أئمة آل البيت. وتطول الفترة
عندما يعظم الاضطهاد ويشتد، ويغيب الإمام تقية، انتظارًا لعودته. والقائم متمم
النطقاء بعد انتهاء الأتماء في دور محمد.
ويصعب الحديث عن القائم، فترته، عمره، أضداده، أوصيائه، أتمائه لأنه يمثل
المستقبل، بين الحياة والموت، الحضور والغياب، المعلوم والمجهول. ليس له اسم بل
صفة ورسم، قائم حاضر، وليس قاعدًا غائبًا. ويمكن الحديث عنه سلبًا أي ما بعد
الناطق السادس. ويتداخل مع أتماء وأوصياء الناطق السادس. ما بعد الناطق السادس
هو ما قبل الناطق السابع.
ومِن ثَم يدخل علي وبنوه بين السادس والسابع. ليس له بداية إلا في الأئمة بعد
الناطق السادس، ولا نهاية إلا بنهاية الزمان. يقيم أيضًا بغدير قم. أفعاله
إنسانية إلهية كونية في آن واحد مثل تكوين الشمس، وانكدار النجوم، وخروج يأجوج
ومأجوج، في هذا العالم وفي نهاية العالم. مهمة القائم استمرار النبوة ليس في
صورة اجتهاد وقياس بل تأويل من المنطق الحسي العقلي إلى المنطق الشعوري، ومن
الأفعال إلى النفوس، ومن الجزء إلى الكل، ومن الفرد إلى الشعوب، ومن الواقع إلى
التاريخ، ومن الموضوعية التي يمكن مراجعتها إلى الذاتية والكشف.
٣٨