ويتركز الإبداع العملي في الإبداع الطبي أكثر من باقي العلوم الطبيعية كالطبيعة
والكيمياء والنبات والحيوان والمعادن. وقد بلغت شهرة الطب العربي الآفاق. والعلم
جزء من الفلسفة والعلماء هم الفلاسفة.
٢٧ ولم تكن الفلسفة علمًا مجردًا بل كانت تجارب حية للفلاسفة الذين كتبوا
سيرة ذاتية تعبر عن مسارهم الفلسفة أو كتبها تلاميذهم نيابة عنهم.
٢٨ وبالرغم من أن التأليف كان أقرب إلى الجمع ثم الإضافة، وضع الأدبيات
السابقة مع الموضوع، فتاريخ العلم جزء من العلم، إلا أن الإبداع العلمي واضح يتجاوز
الوافد والموروث المشخص في أسماء الأعلام والمصنفات إلى الحديث عن القدماء أو
المتقدمين. ليس العلم آخر مرحلة فيه بل هو تاريخه أيضًا لمعرفة تطور العلم ومراحله.
فلعل أزمة العلم في عصر تجد حلًّا لها في تاريخه.
٢٩ الجديد يخرج من القديم ويتجاوزه ولا ينقطع معه ويناقضه. وهو نمط تطور
الوحي ومراحله، المسيحية من اليهودية والإسلام من المسيحية، نموذج التواصل
والانقطاع في آن واحد. لذلك ضم الطب العربي طب الإغريق وطب باقي الشعوب مع طب
العرب.
(ب) ابن سينا
وتمثل أعمال ابن سينا الطبية الصغرى نماذج من الإبداع العلمي الطبي بالرغم من
صمت ابن سينا عن مصادره على نحو ظاهر في باقي المؤلفات.
٣١ تمثل هذه الرسائل الصغرى أعمالًا فلسفية إبداعية بالأصالة وليست
أعمالًا تجميعية كما هو الحال في «الشفاء». وصيغتها إما السؤال والجواب كما هو
الحال في النوازل في الفقه أو الشعر، شكل التعبير العربي الأول الذي جاء القرآن
لوراثته. وهو الذي بدأ التخصص في الطب كما وضح ذلك في «الاختصاص». وفي نفس
الوقت حاول إقامة الطب على أسس فلسفية كما فعل ابن رشد في «الكليات» فيما بعد.
فليس الطب مجرد علم عملي للعلاج. ألقابه كثيرة ومتعددة مثل: حجة الحق، رئيس
العقلاء، أمير الأطباء، أبقراط العرب، أرسطو الإسلام، المعلم الثالث، الشيخ
الرئيس، شرف الملك (بعد أن تقلد الوزارة). دخلت كثير من الأفكار الشرقية
والغربية في مؤلفاته بالإضافة إلى الموروث الشيعي إلا أنه كان قادرًا على تمثل
ذلك كله وتجاوزه إلى الإبداع الخالص. يغلب على أعماله الطب ثم الرياضيات ثم
اللاهوت ثم الفلسفة ثم علم النفس ثم المنطق ثم التفسير، بالإضافة إلى مراسلات
ومؤلفات في الزهد والقصص والعشق والموسيقى.
٣٢ ووضع نوعًا من «لسان العرب» لم يتم.
ففي رسالة «رفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية أو تدارك أنواع الخطأ
الواقع في التدبير» لابن سينا (٤٢٨ﻫ).
٣٣ يحصي الأمراض الكلية بداية بالكليات كما هو الحال في الفلسفة،
ويؤسس الطب على المنطق. ويدل تعبير «الأبدان الإنسانية» على النزعة الإنسانية
في الطب. فالأبدان ليست مجرد آلات عضوية صرفة. كما أن النصف الثاني من العنوان
يشير إلى الطب الوقائي السابق على الطب العلاجي. ويصف ابن سينا أنواع الخطأ في
الهواء والحمام والطعام والماء والمشروبات والحركات والاستفراغ. وتخلو الرسالة
من الوافد والموروث تمامًا، وابن سينا قادر على ذلك وهو المعروف بإخفاء مصادره.
يرجع في التفصيلات إلى الأدبيات السابقة. ويكتفى برصد الأمور الكلية تصنيفًا
وجمعًا. يبدأ بالقول. فهو المؤلف وليس الآخر، ويعبر في تركيز شديد، متوجها نحو
العمل، واضعًا الطب في بيئته، مكتشفًا الطب الجغرافيا أو الجغرافيا الطبية،
ومدركًا أهمية الحمام في العلاج. يحيل اللاحق إلى السابق، والسابق إلى اللاحق
لبيان وحدة الفكر. ويتحدد الغرض الكلي للرسالة ومسارها البرهاني دون تكرار ما
هو معروف سلفًا. وهو شرط الإبداع. وبين البسملة والحمدلة التقليديين يتم
الانتقال من مدح الله إلى مدح السلطان.
٣٤
وتخلو «رسالة الأدوية القلبية» له أيضًا من الوافد والموروث، باستثناء الحديث
عن الحكماء والأطباء على العموم. وتعتمد على العقل الخالص والرؤية الفلسفة
العامة التي يتأسس عليها علم الطب مثل نظرية الخلق، ومفهوم الحياة، ودور
الأفلاك والأجسام السماوية. وكل شيء في بدن الإنسان خلقه الله لوظيفة. فغائية
الله هي غائية الطبيعة.
٣٥ ويجد ابن سينا البرهان على ذلك، ويزيل تناقض الفكر، ويحدد معاني
الألفاظ، وينعى جهل الأطباء، ويتحدث بضمير المتكلم.
٣٦ ومع البسملة والحمدلة كالمعتاد يتم الانتقال بسهولة من مدح الله
إلى مدح السلطان.
٣٧
ولما كان الشعر هو ديوان العرب ووسيلتهم في التعبير، نظم ابن سينا «أرجوزة»
في ذكر الأمور الطبيعية وتقسيم الطب إلى علم وعمل. تحتوي على أكثر من الف بيت
تختصر كتاب «القانون» وتصوغه شعرًا حتى يسهل حفظه. وبحر الرجز سهل التعليم. لم
تكن أول قصيدة علمية. سيقتها قصيدة خالد بن يزيد في السيمياء. عيبها فقط ضرورة
الحفظ، والاختصار، وعدم الشاعرية، واستبدال الكلمات من النساخ، والانتحال
الجزئي. ومع ذلك شرحها كثيرون من الأطباء. لم يذكر فيها وافد ولا موروث إلا مرة
واحدة ذكر بقراط في بيت للحفاظ على الوزن والإيقاع ولضرورة الشعر وفي إطار من
تصحيح نظريته بعد مراجعتها دون الاعتماد عليها أو استعمالها. فابن سينا فيلسوف
وأديب يخضع الأدب للفلسفة نثرًا وشعرًا وينقد أدعياء العلم.
وتقسم الطب إلى علمي وعملي. ويشمل العلمي أربعة أمور: الأمور الطبيعية،
وأحوال البدن، والأسباب، والعلامات. ويشمل العملي أمرين: حفظ الصحة، ومعالجة المرض.
٣٨ وتبرز المصطلحات الفلسفية الطبيعية عند ابن سينا مثل العقل
والطبيعة والقيمة.
٣٩
وكما تبدأ الأرجوزة بالبسملة وتنتهي بالحمدلة يتم الانتقال كالعادة من مدح
الله إلى مدح السلطان، ومن طاعة الله إلى خدمة الملوك والأمراء، ومن دعاء الله
إلى طلب الحاجة عند الخلفاء. كما عبر ابن سينا عن الطب شعرًا حتى يزين به
المجالس ويطلع الموك على القوانين الطبية، والذين يفهمون الشعر أكثر مما يفهمون
الطب، لا فرق في ذلك بين سني وشيعي.
٤٠
أما «أرجوزة في تدبير الصحة في الفصول الأربعة» له أيضًا فهي أصغر من أرجوزة
الطب وأكثر تخصصًا في الطب الجغرافي أو الجغرافيا الطبية.
٤١ فقد نظم الله الفصول الأربعة، فأصبحت للأزمنة طبائع كما أن للأغذية
والأدوية فوائد. ويزيد الناسخ البسلمة والحمدلة، حوالي سبعة أبيات كعمل مشترك
بين المؤلف والناسخ.
٤٢
(ﺟ) ابن النفيس
وقد ساهم ابن النفيس (٦٨٧ﻫ) في الإبداع الطبي قدر مساهمته في أشكال التأليف
الأخرى ابتداءً من الشرح والتلخيص.
٤٣
ففي «رسالة الأعضاء» يغيب الوافد والموروث، باستثناء ابن سينا مرة واحدة
لبيان وحدة عمل ابن النفيس وشرحه لكتاب «القانون» في الطب إشارة خارجية وليست
في النص نفسه كإحالة داخلية.
٤٤ ويدل شرحه لعلم الحديث على وحدة المعرفة النقلية والعقلية. وتظهر
النزعة الإنسانية في تصوره للطب «في بيان احتياج الإنسان إلى الأعضاء الرئيسية
ومواضعها»، وأيضًا «في نواحي الإنسان والاستدلال على أخلاقه من بقية أعضائه»،
وفي «المقارنة بين الإنسان والحيوان». فالطب علم إنساني قبل أن يكون علمًا طبيعيًّا.
٤٥ ويبدأ ابن النفيس مثل ابن سينا وابن رشد بالقول الكلي قبل الأجزاء.
ويتصور الإنسان من أعلى إلى أسفل، من الرئيس إلى المرءوس، من القلب أو الدماغ
إلى الأعضاء الخادمة له. فهناك مركزان، القلب والدماغ، وربما أربعة: القلب،
والدماغ، والكبد، الأنثيان. والأسلوب دقيق واضح بلا حشو أو إنشاء لذلك جاءت
الفصول قصيرة التركيز على العلم وحده وليس سياقه الاجتماعي. ويستعمل ابن النفيس
ضمير المتكلم المفردة في أفعال القول. فهو الذي يدرس ويحلل ويصف الأشياء. دون
نقل وشرح للأقوال.
٤٦ ويقدم ابن النفيس فلسفة في الطب تقوم على وصف الأعضاء ووظيفة البدن
بلغة الوجوب أي ضرورة الطبيعة. تبارك الله أحسن الخالقين.
٤٧
وبعد البسملة والحمدلة يتم التحول من صفات الله إلى صفات السلطان بل تزيد
صفات السلطان عن صفات الله. وكلما زاد تعظيم الله والسلطان زاد تحقير العبد
الفقير إلى رحمته تعالى.
٤٨
وفي «المختار من الأغذية» له أيضًا يغيب الوافد والموروث على الإطلاق.
٤٩ ويتم التوجه إلى الموضوع مباشرة، الأغذية لأصحاب الأمراض على نحو
عملي رصدي إحصائي صِرْف دون أفكار أو تصورات أو دلالات، أقرب إلى القاموس منه
إلى الفكر مثل ديسقوريدس وابن البيطار. والعبارات الإيمانية قليلة للغاية لا
تتجاوز البسملة في البداية والحمدلة والصلاة على محمد وآله في النهاية.
وفي «الموجز الطب» لابن النفيس (٦٨٧ﻫ) يصل الإبداع الطبي إلى مداه.
٥٠ إذ يغيب الوافد والموروث كلية، لا جالينوس ولا ابن سينا.
٥١ ومع ذلك تظل بعض الكلمات المعرَّبة مثل كيموس، ديابيطس التي استقرت
في الطب مثل باقي الأسماء المعربة المستقرة مثل موسيقى وجغرافيا وهندسة. ومن ثم
فإنه يكون موجز لكتاب «القانون في الطب» لابن سينا باستثناء التشريح ووظائف
الأعضاء ومِن ثَم يكون أدخل في التلخيص لأن ابن النفيس لم يصرح أن الموجز
اختصار لا اسمًا ولا مقدمة كما هو الحال في باقي مؤلفاته الشارحة مثل «شرح
تشريح ابن سينا». بل إنه لا يعرض آراء ابن سينا، بل ينقده كما نقد جالينوس في
عمل القلب والرئتين. بل كان يفضي من كلام جالينوس ويصفه بالعي والإسهاب الذي
ليس تحته طائل.
٥٢ هو مؤلف إبداعي مستقل، يضم علم الطب في نسق عقلي محكم وبطريقة
القوانين الكلية حتى في الطب العملي. كان يكتب من الذاكرة وليس من مصادر طبية
سابقة. وكان الدافع مراعاة المشهور في أمر المعالجات من الأدوية والأغذية أي
القواعد الطبية العامة، اكتمال العلم بعد تطوره. وتدل كثرة الألقاب على تفرد
مؤلفه وإبداعه وشموله. فقد ألف في الفقه وأصول الفقه والحديث والسيرة والنحو والبيان.
٥٣
ويقوم على قسمة رباعية تبدأ من الكلي إلى الجزئي ثم إلى الكلي من جديد.
أكبرها الفن الثالث عن الأمراض الخاصة بكل عضو، ثم الثاني عن الأدوية والأغذية
المفردة والمركبة، ثم الرابع عن الأمراض التي لا تخص العضو، وأخيرًا الأول
قواعد الطب النظري والعملي.
٥٤
كما يجمع بين النظري والعملي. والنظري يقوم على تحليل الأمور الطبيعية ثم
أحوال البدن، فالبدن جزء من الطبيعة، الإنسان عالم أصغر، والعالم إنسان أكبر.
وبتفاعل البدن مع الطبيعة تظهر الأسباب والدلائل.
٥٥
وبالرغم من الطابع القاموسي للكتاب إلا أن منطق الاستدلال فيه واضح، وتدل
عليه أفعال البيان. يجمع بين القياس والتجربة. وتستعمل التشبيهات من أجل توضيح
المصطلحات الطبية بعد اشتقاقها اليوناني مثل «البحران»، وهو الوقت الذي يبلغ
فيه المرض شدته بحيث يتحول الإنسان من الصحة إلى المرض أو من المرض إلى الصحة.
٥٦ فالمرض هو العدو الباغي، والبدن هو المدينة، والطبيعة السلطان
المدافع عنها والبحران يوم القتال الفاصل.
٥٧
تقل فيه التصورات والموضوعات الدينية بل تغيب غيابًا شبه كلي. فالأرواح وهي
القسم الخامس من الأمور الطبيعية في الطب النظري لا تعني النفس كما يراد بها في
الكتب الإلهية بل تعني جسمًا لطيف بخاريًّا يتكون من لطافة الأخلاط كتكون
الأعضاء عن كثافتها وهي الحاملة للقوى، وأصنافها.
٥٨ وفي أقل القليل، وتظهر العبارات الإيمانية خلال الكتاب سؤال الله
التوفيق والعصمة وتنتهي بعض الأجزاء بالتعبير الشهير «والله أعلم» تواضعًا
وتركًا المجال مفتوحًا لتقدم العلم. ويروح العالم المؤمن بعض وصف القوى
والإحساس بالتوافق بين العقل والطبيعة والوحي
فَتَبَارَكَ
اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
٥٩
و«المهذب في الكحل المجرب لابن النفيس» (٦٨٧ﻫ) يمثل أيضًا نموذجًا للإبداع الخالص.
٦٠ يغيب فيه الوافد والموروث باستثناء جالينوس مرتين الأولى للمناطقة
والثانية اسم دواء، ولفظ اليوناني ثلاث مرات كألفاظ وإحالة إلى معنى قول الرسول
عن فوائد إثمد، إنه يحد البصر وينبت الشعر، وأيضًا إلى رؤيته وهو في يثرب نعش
النجاشي وهو في الحبشة وهي خارج الرؤية بالعين.
٦١
ومع ذلك تذكر أسماء الفرق دون الأشخاص مثل أصحاب الشعاع الرياضيون،
الطبيعيون، الفلاسفة، الأطباء، الآخرون. ولا تذكر أسماء الأعلام حرصًا على
التجريد، والتمييز بين النظرية وصاحبها، بين بناء العلم وتاريخ العلماء مثل
الإحالة إلى القائلين بالمخروطين المصمتين، والقائلين بالمخروطين غير المصمتين،
والقائلين بخروج خطين، والقائلين بورود والشبح.
٦٢ والمرة الوحيدة التي ذكر فيها اسم علم ابن البيطار إحالة إليه بعد
الاقتباس من كلامه من الناسخ، زيادة في أحد المخطوطات.
٦٣
والاسم نفسه يدل على المنهج «المهذب في الكحل المجرب». فالمهذب أي المختصر
المفيد، والكحل أي العين، فالكتاب في العين، والمجرب إشارة إلى منهج التجربة
وكيف أن ابن النفيس يعرض أقوال السابقين على التجربة للتحقق من صدقها دون
الاعتماد على سلطة جالينوس من الوافد أو ابن سينا من الموروث، وهو الذي كان
يحفظ القانون ظهرًا عن قلب.
ويعتمد ابن النفيس أيضًا على القياس. فالعلم بناء نظري عقلي متسق. وبتطابق
التجربة والعقل يصدق العلم، ولو كان الموروث ظاهرًا لصدق الوحي. يعرض المذاهب
العلماء في الرؤية، ويذكر حجج كل فريق. ثم يبطل آراء المخالفين، ويدحض حججهم
وينصر الحق الذي هو مذهبه، ويورد الأدلة على صحته، ويرد على الشبه التي تقال
حوله ويحل شكوكه.
٦٤ يبدأ بالتاريخ وينتهي بالبنية. تتوالى الآراء ثم تكتمل
الحقيقة.
العين هي بؤرة التحليل. ولا يكتفي بالعين العضوية بل أيضًا في اختلاف
الحيوانات بحسب العين، وفي خواص الإنسان في أمر العين، وأعين السودان كحل
جاحظة، وأعين الترك ضيقة، وأعين الأعراب نجل متسعة، وأعين المصريين صغار فوق
كبر الأنوف.
٦٥
وينقسم الكتاب إلى نمطين، القواعد والتفاريع أي الأصول والفروع. وينقسم كل
نمط إلى عدة جمل، الأول إلى جملتين وقواعد العمل. وتنقسم كل جملة إلى أبواب،
والجملة الأولى إلى أربعة: خلقة العين وفعلها، وأمراضها وأحوالها، وعلاماتها،
والثانية إلى بابين حفظ الصحة وعلاج الأمراض. وينقسم النمط الثاني، وهو الأكبر
كما إلى سبع جمل: الأدوية، الأصول العملية، الأمراض الخارجية، أمراض الوسط،
أمراض المقلة، أمراض القوة الباصرة، أحوال المقلة، أمراض باقي العين. ثم تنقسم
الجملة الأولى إلى ما بين الأصول العملية وأحكام الأدوية. وتنقسم الجملة
الثانية إلى بابين: أمراض الجفن وأمراض الموق، والجملة الثالثة إلى أربعة
أبواب: أمراض الطبقة الملتحمة، وأمراض القرنية، وأمراض العنبية، وأمراض الحدقة
وأمراض المقلة.
٦٦ فالقسمة عقلية تقوم على بنية عقلية مثل نظري-عملي، أصل-فرع،
أحوال-علامات، داخل-خارج، وقاية-علاج، مفرد-مركب، كلي-جزئي.
ويحيل السابق إلى اللاحق، واللاحق إلى السابق، بالتذكير والتقديم والتأخير والتنبيه.
٦٧ كما أنه يرد على الاعتراض مسبقًا، ويأخذه بعين الاعتبار في بنية العقل.
٦٨
وبالرغم من الطابع الإبداعي الخالص إلا أن العبارات الإيمانية كثيرة ومتنوعة.
فلا تعارض بين الإيمان والإبداع. الإيمان تقوى والإبداع عقل مثل: «والله تعالى
أعلم»، و«الله أعلم»، إن شاء الله»، «والله هو الموفق للصواب». وقد يكبر
التعبير ويصبح «مستعين بالله وحده لا شريك له وهو أعلم». وكثير من هذه العبارات
زيادة من الناسخ لأنها توجد في بعض النسخ دون الأخرى مما يدل على قلتها في نص
ابن النفيس لانشغاله ببناء العقل الخالص.
٦٩
(ﻫ) ابن شقرون
وتعتبر «الأرجوزة الشقرونية» لعبد القادر بن شقرون من القرن الثاني عشر آخر
محاولة في طب المغرب للتعبير عن الطب شعرًا دون إحالة إلى الوافد أو الموروث،
بل عودًا إلى ثقافة العرب الأولى كأداة للتعبير عمَّا اختزنته الذاكرة العربية
لما أبدعه العقل العربي سلفًا.
٧٢ وهي من وزن الرجز، إجابة بالشعر على سؤال بالشعر. العصر انتكاس في
الطب ولكن الشكل الأدبي إبداع خالص. تحول الشعر الغنائي العربي التقليدي إلى
شعر تعليمي. واستطاع الشعر قبل الوحي احتواء الحضارة بعد الوحي كأداة للتعبير.
ويغلب على الأرجوزة التوجه العملي، التغذية والصحة والعلاج بالأعشاب كما هو
الحال في الطب المتأخر. ومع ذلك يعتمد الطب في الأرجوزة على العقل والقياس حتى
يكون مفهومًا.
٧٣ ولا حرج من تخصيص فصول للجماع والذَّكر. والموضوعات كلها محلية،
الطب البيئي المباشر بمصطلحات عربية أصيلة كالخلق والطبع ومنهج التجربة
والمجريات على المأكول والمشروب والملبوس. وذلك مثل الأبيات عن فواكه الفصول.
٧٤ ويتم التعبير عن مضمون العبارات الدينية التقليدية شعرًا في
البداية والنهاية على أساس العقائد الأشعرية. فالله خالق كل شيء، والطبيعة تعمل
بأمره، الخير من الله، والشر من النفس، ودعوة الله للهداية. وتشتق صفات الله من
الطب والنبات والطبيعة، والنهاية بالصلاة والسلام على الرسول وخير الأتباع.
٧٥