(١) ابن غيلان
و«حدوث العالم» لعمر بن علي بن غيلان (القرن السادس الهجري) رد على قدم العالم
عند ابن سينا. فالتراكم الفلسفي يحدث في صورة شرح كما هو الحال في الأعمال الرياضية
لأبي العلاء بن سهل أو مناظرة مثل مناظرة فخر الدين الرازي والغيلاني أو رد ونقض
مثل «تهافت التهافت» لابن رشد ردًّا «تهافت الفلاسفة» للغزالي، و«حدوث العالم»
لابن غيلان ردًّا على «الحكومة في حجج المثبتين للماضي مبدأً زمانيًّا» لابن سينا،
و«مصارع المصارع» لنصير الدين الطوسي ردًّا على «مصارعة الفلاسفة» للشهرستاني. فلم
يسلم الفلاسفة من هذه الردود التي ابتدعها المتكلمون مثل «الرد على ابن الراوندي
الملحد» للخياط، والفقهاء مثل «الرد على المنطقين» لابن تيمية، بل والأدباء في
مناقضات الجرير والفرزدق.
ويشتمل على مقدمة «في بيان أن هذه المسألة من أمهات أصول الدين» وقسمين: الأول
«في الاحتجاج لإثبات حدوث العالم ومناقضة كلام ابن سينا»، والثاني «في ذكر شبههم
المؤدية إلى القول بقدم العالم». وقد لفق ابن سينا حججه ومِن ثَم فإنها لا تصمد للنقد.
١ يهدف الكتاب إلى إثبات حدوث العالم ومناقضة كلام ابن سينا في رسالة
الحكومة في حجج المثبتين للماضي مبدأً زمانيًّا.
٢ ومِن ثَم تحولت الفلسفة إلى كلام، والبرهان إلى جدل.
وهناك إحساس بتقدم التاريخ من المتقدمين إلى المتأخرين. فالفلسفة ليس لها نمط ثابت.
٣ ولكن التقدم أقرب إلى النكوص نظرًا لتكفير المؤلف الفلاسفة كما فعل
الغزالي من قبل، ومن ثم ضاع ابن رشد ولم تنجح حملته في الدفاع عن الفلسفة، والهجوم
مستمر عليها مع الغزالي في القرن السادس.
٤ ويحيل السابق إلى اللاحق واللاحق إلى السابق إثباتًا لوحدة الموضوع والقصد.
٥ وهناك بعض الرسوم التوضيحية لنقض الحجج.
٦
ويتصدر ابن سينا الموروث ثم أبو البركات البغدادي ثم حجة الإسلام ثم الفارابي.
وقد خالف ابن سينا أقاويل أرسطو التي لا تقول بقدم العالم كما يقول. كما أن النفوس
ليست متعددة على رأي أفلاطون. فابن سينا يسيء تأويل الوافد اليوناني.
٧ ومن الفرق الفلاسفة على العموم دون تخصيص بالوافد أو الموروث ثم
النظَّار المنطقيون والمتكلمون والمعتزلة والدهري والفيلسوف.
٨ ومن الأماكن المدرسة النظامية، بلخ، نيسابور. ومن المؤلفات «الإشارات
والتنبيهات» ثم «المعتبر» ثم «الشفاء» و«التهافت»، و«نهاية الأقدام»، و«الأيام
والشكوك»، و«رسالة الحكومة». وتدل أولوية «الإشارات» على المنحى الإشراقي عند شراح
ابن سينا وتلاميذه. يراجع ابن غيلان إلى مجموع مؤلفات ابن سينا للرد عليه في موضوع
قدم العالم ولا يكتفي بواحد منها ولإثبات أنها نظرية ثابتة ودائمة في فكره وليس في
عمل واحد.
٩
ومن الوافد أرسطو ثم أفلاطون ثم سقراط، وبرقلس، وجالينوس. وكلهم أساطين الحكمة
عند اليونان. تحدثوا عن المبدأ الأول وعنوا به الله تعالى، لا يعلم إلا ذاته، علم
ذاته وذاته علمه توحيدًا بين الذات والصفات كما هو الحال عن المعتزلة. وهي قراءة
إسلامية لليونان، ووضعًا للوافد في قالب الموروث. وقد استنكف الفارابي وابن سينا
إظهار هذا الاعتقاد. وهو ما نقله أيضًا أبو البركات عن أرسطو.
١٠ كما يحال إلى «طبائع الحيوان» و«منافع الأعضاء» بين الموضوعات والكتب.
١١
وينتهي الكتاب بآية قرآنية واحدة
رَبَّنَا لَا تُزِغْ
قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً
إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ تعبيرًا عن انحراف ابن سينا وحاجته إلى
الهداية والرجوع عن القول بقدم العالم إلى القول بحدوثه. وكما يبدأ الكتاب بالبسملة
وبه نستعين وتتخلل الفقرات تعبيرات إن شاء الله ينتهي بالدعوة للتوفيق للصواب واسم
الناسخ ونسبة النسخ.
١٢
وفي «المناظرة بين فخر الدين الرازي وفريد الدين الغيلاني في مسألة حدوث العالم»
التي تمت في القرن السادس الهجري عود إلى الموضوع ذاته، تكفير ابن سينا الذي بدأه الغزالي.
١٣ وتبدأ المناظرة بوصف المكان، سمرقند، والسمات الفاضلة للمناظر الأول
مثل استقامة الخاطر وحسن القريحة وعظم التواضع وحسن الخلق الفريد للغيلاني بالرغم
من أنه كان قليل الحاصل بعيدًا عن النظر تباطأ في الخروج للقاء الرازي الذي اعتبرها
إهانة فرد له الإهانة بأخرى. كان قد قرأ تصانيف الرازي «الملخص»، «شرح الإشارات»،
«المباحث المشرقية». وهو صاحب رسالة «حدوث العالم» للرد على ابن سينا وهي رسالة
ضعيفة. فالمناظرة بين سينوي وهو الرازي وغير سينوي وهو الغيلاني أو ابن غيلان.
والرازي هو الذي يبدأ بالهجوم والغيلاني دفاعه ضعيف. ويرفض الكلام في المسألة إلا
مع ابن سينا! وحُسمت المناظرة لصالح الرازي. وتوقف الغيلاني طويلًا وتلون وجهه
واضطربت أعضاؤه وبقي عاجزًا عن الكلام. ولكن ذلك لم يبعث ابن سينا من جديد بعد هجوم
الغزالي بالرغم من دفاع ابن رشد، وهجوم الغيلاني بالرغم من دفاع الرازي، وهجوم
الشهرستاني بالرغم من دفاع نصير الدين الطوسي.
ومن الموروث يتصدر بطبيعة الحال ابن سينا ثم الغيلاني ثم الرازي الطبيب. ومن
الوافد لا يظهر إلا أرسطو.
١٤ ويستعمل أرسطو في الجدل في وجوه احتمالية، أن الجسم في الأزل كان
متحركًا وهو رأي أرسطو وابن سينا، والثاني أنه كان ساكنًا ثم تحرك فإذا بطل الأول
صح الثاني. وبطبيعة الحال تظهر أفعال القول بين المتناظرين لأنها ليست خاصة بأرسطو
وحده، والرازي هو الذي يتكلم «قلت» والغيلاني أقل «قال».
١٥ وتنتهي المناظرة التي هي من تحرير الرازي بالحمدلة والصلاة والسلام على
محمد وآله أجمعين.
١٦
(٢) الخازن
وفي كتاب «ميزان الحكمة» للخازن (القرن السادس): يقوم تنظير الموروث قبل تمثل
الوافد على التجميع من مؤلفات سابقة مما يكشف على أن شعور الجامع أقرب إلى الموروث
منه إلى الوافد في هذه العصور المتأخرة. ويستمر هذا التجميع حتى قبل التأليف الحديث
منذ القرن الماضي. ويعترف الخازن بأن الكتاب تجميع وليس تأليفًا.
١٧ وقد قام بذلك عام ٥١٥ﻫ. ويدل العنوان على الموروث. فاللفظان قرآنيان:
«ميزان الحكمة» وفوق العنوان آية
اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ
الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ. وتكشف المقدمة الإيمانية بعد
البسملة والاستعانة والتوفيق أن الله هو الحكيم العدل. أقام الكون على نظام عادل،
والمعاد على قانون عادل. فبالعدل قامت السموات والأرض، جسم الإنسان لذلك ذكر القرآن
القسط والاستقامة. والعادل والقسط من صفات الله. والعدل في النفس والمجتمع، في
الأخلاق وفي السياسة، ومصادر العدل ثلاثة: الكتاب، والثاني الأئمة المجتهدون
والعلماء الراسخون نواب الرسول وخلفاؤه في كل عصر، حماة الدين «السلطان ظل الله في
الأرض يأوي إليه كل مظلوم». والثالث الميزان، لسان العدل وترجمان الإنصاف.
١٨ وتتعدد فوائد الميزان المطلق ومنافعه مثل الدقة والتمييز الصحيح
والمغشوش وتداخل الفلزات وتجاورها وجوهر الشيء الموزون والشعر ومعرفة حقيقة
الجواهر.
ويتضمن الكتاب ثلاثة أقسام: الأول الكليات والمقدمات مثل الثقل والخفة والنسب.
والثاني صنعة الميزان وامتحانه والتحقق من أعماله. والثالث التفصيلات، ميزان
الدراهم والدنانير والمسطحات والساعات ويقوم على البراهين الهندسية في الأوزان
والمقادير. وهو صناعة لها قواعد ومبادئ.
ومن الموروث يتصدر الموروث الأصلي القرآن والحديث ثم البيروني ثم الرازي
والاسفزاري ثم الخيام ثم الخازني الطبيب ثم أحمد بن الفضيل المسَّاح ثم سند بن علي،
ويوحنا بن يوسف وابن سينا وابن الهيثم وآل ناصر الدين والمأمون والكرماني لا فرق
بين العلماء والملوك. وقد ورثوا اليونان أيام السامانية. لا فرق بين المتقدمين
والمتأخرين. ففي المقالة الأولى عن المقدمات الهندسية والطبيعية سبعة أبواب يختلط
فيها الموروث بالوافد، ابن الهيثم المصري وأبو سهل القوهي أولًا ثم أرشميدس
وأوقليدس ومانالاوس وقوقس الرومي ثانيًا. وفي المقالة الثانية عن بيان الوزن يظهر
أولًا الاسفزاري وثابت بن قرة. وفي المقالة الثالثة عن النسب يظهر البيروني. وفي
الرابعة عن موازين الماء يذكر المتقدمون مثل أرشميدس ومانالاوس قبل المتأخرين مثل
الرازي والخيام. وفي الخامسة عن ميزان الحكمة، يذكر الاسفزاري وحده. وفي السادسة عن
الصنجات المخصوصة يذكر البيروني من جديد.
١٩
وقد كتب الرازي الميزان الطبيعي وسماه الاثني عشر، ونظر فيه ابن العميد أثناء
الدولة الديلمية، وابن سينا أيام آل ناصر الدين، والبيروني استخرج نسب الفلزات
وعمر الخيام وكان معاصرًا لأبي حاتم الاسفزاري. وفي الباب الأول يذكر أبو سهل
القوهي وابن الهيثم المصري في مركز الأثقال. وفي القسم الأول من المسألة الثانية
يذكر صفة الوزن واختلاله لثابت بن قرة ومراكز الأثقال وصنعة القبان للأسفرايني. وفي
النسب بين الفلزات والجواهر يذكر البيروني ورصدها بالتنبك وفي صنعة الآلة المخروطة
ونسبة الوزن الهوائي إلى الوزن المائي بالميزان وفي رصد الجواهر الحجرية وفي مقياس
الماء لتحصيل نسب الأثقال لتقدير المساحة، وحرز المال، وفي قيم الجواهر اعتمادًا
على «الجماهر في الجواهر». ويذكر حروف الجمل عند القاسم الكرماني، وعمر الخيام في
ميزان الماء والعمل به والبرهان عليه إذا كانت الكفتان أو إحداهما في الماء. ويذكر
أبو حامد أبو المظفر إسماعيل الاسفزاري في صنعة أعضاء ميزان الحكمة واتخاذ عاموده.
٢٠
ويذكر بعض أسماء فلاسفة الهند مثل صعصعة في دراهم تضاعيف بيوت الشطرنج والعمر
الذي يتفق فيه وشعرائهم مثل سمع وذكره العمر الذي تتفق فيه الدراهم وهو شعر منقول
إلى العربية.
٢١
ويستعمل الشعر العربي كمصدر للعلم.
٢٢ في العمر الذي تنفق فيه الدراهم. وتستعمل مقدمات الفكر ومساره ويظهر
اتساقه مع نتائجه ووحدة الموضوع.
٢٣ كما تستعمل كثير من الرسوم التوضيحية والجداول. وتظهر الأماكن المحلية
مثل جيجون وخوارزم بل والهند وسرنديب لقربها وأسماء الدول مثل الدولة القاهرة
المغيثة السنجرية.
٢٤
وتظهر الآيات القرآنية حول العدل والقسط والاستقامة والميزان وعدم الطغيان
والخيران فيه والوزن بالقسطاس المستقيم في الدنيا والآخرة. فالتوجه نحو الميزان من
القرآن وتعميمه من الميزان في الموضوعات إلى الميزان في العقول كما هو معمم إلى
الميزان في الكون.
٢٥ بل تصبح بعض الآيات القرآنية موضوعات لفصول مثل ملأ الأرض ذهبًا.
٢٦ ويستعمل القرآن للاعتراض على حصة الفيلسوف الهندي في البقاء في الدنيا
والآخرة والمبالغة في وصف الدنيا بأنها منزل الممدوح والدر على أنه عمره وكما هو
معروف في «خاويد زياد».
٢٧
وهناك تواصل بين المتأخرين والمتقدمين فقد ورث المسلمون اليونان.
٢٨ لم يبرز من اليونانيين إلا مانالاوس ثم بزه محمد بن زكريا الرازي. ومن
الوافد يتصدر مانالاوس ثم أرشميدس ثم إياورن، وقوقس الرومي، ثم الإسكندر، وأوقليدس
ثم ذو ماطيانوس، وملاوس يختلط في الأسماء أيضًا العلماء والملوك. مينالاوس هو الذي
وضع علم الميزان في رسالة إلى ذو ماطيانوس. كما استنبط أرشميدس المهندس للملك حيلة
يعرف بها قدر الذهب والفضة. وكان مانالاوس بعد الإسكندر بأربعة قرون استخرج طريقة
حسابية للموازين.
٢٩ وتذكر في الباب الثاني مسائل أرشميدس في الثقل والخفة، وفي الثالث
مسائل إقليدس في الثقل والخفة أيضًا وقياس الأجرام، وفي الرابع مسائل مانالاوس في
الثقل والخفة، وفي السابع مسائل الحكيم قوقس الرومي في صنعة قياس المائعات في الثقل والخفة.
٣٠ ويذكر ميزان أرشميدس وكيفية العمل به. وتفسير مانالاوس الحكيم في أوزان
الفلزات بالميزان المطلق الهوائي والمائي. ويذكر لفظ «الأسطقس» معربًا.
وبعد البسملة في البداية والاستعانة والتوفيق في أول الكتاب تظهر الحمدلة في آخر
كل مقالة والصلاة على النبي محمد وآله الطاهرين. وتتخلل الفقرات عبارات إيمانية مثل
إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق ويختتم الكتاب بالحمد والشكر واسم الناسخ (أبو
نصر محمد بن محمد) وزمان النسخ (٥٨٥ﻫ).
٣١
(٣) القلانسي
لم يتوقف التراكم الفلسفي عند ابن رشد بل استمر في عصره وبعد عصره. ففي القرون
الثلاث التالية ازدهر الطب والعلوم الرياضية والطبيعية بل والفنية مثل الغناء. ففي
«أقراباذين» القلانسي (٥٩٠ﻫ) وهو لفظ يعني الأدوية المركبة أو دستور الأدوية يظهر
النقل والتجميع. فالأدوية يكثر فيها النقل، ويقل الإبداع.
٣٢ الصيدلة جزء من الطب، والطب تشخيص وعلاج. وهي أقرب إلى العلم الدقيق.
وتقل المسائل الفلسفية باستثناء الزمان الموضوعي في تركيب الأدوية وليس الزمان
النفسي وإلا ضاع الدواء. كما يتم ترتيب الأدوية على ترتيب العلل.
٣٣ وترجع المادة إلى أصلها ومرجعها. وتفسر الأسماء باليونانية والعربية
بالرغم من استقرار المصطلحات، وتذكر خواص العقاقير، ويعمم رأي جالينوس بالإضافة إلى
الإبداعات الخاصة.
٣٤ ويوضع النص بين قوسين احترامًا لجمهور القدماء. وقد يذكر المصدر
والمؤلف أو المصدر وحده نظرًا لشهرته. ولقد أضاف المسلمون على أدوية ديسقوريدس
أدوية جديدة من البيئة المحلية.
ويظهر تنظير الموروث قبل تمثل الوافد.
٣٥ من الوافد يتصدر جالينوس ثم بليناس ثم الإسكندر، ثم ديسقوريدس،
وأركاغينس، وأطهورسقس، وقسطس ثم ثاوفرسطس، وماريوس، وأنتلس.
٣٦
ومن الموروث يتصدر الرازي الطبيب ثم الطبري الطبيب ثم ثابت بن قرة ثم ابن هندو ثم
أحمد بن مندويه الأصفهاني، ويوحنا بن سرافيون، وسلمويه، وحنين بن إسحاق، وابن سينا
ثم أبو نصر، والكندي، والبيروني، والقلعي، والقلانسي، والبلاذري الصغير.
٣٧ ومن أسماء الأدوية تتصدر الأدوية المشرقية الهندية والفارسية على
اليونانية والرومية والمصرية.
٣٨ وتكثر الإيمانيات في البسملة والحمدلة، والاستعانة بالله الذي بيده كل
شيء، الحكيم القاهر المعز دون ربطها بالطبيعيات.
٣٩
(٤) الجزري
وفي «الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل» للجزري (٦٠٢ﻫ) تزدهر
الرياضيات العملية في علم الحيل مع استمرار طريقة التجميع من المصادر السابقة. وقد
استمر علم الحيل من القرن الثالث (بنو شاكر) عبر السادس (الجزري) حتى العاشر (تقي
الدين).
يكثر النقل، ويقل الإبداع، وتكثر الألقاب.
٤٠ وبالإضافة إلى النقل من السابقين هناك بعض التجارب الشخصية. يغلب
الطابع العملي بالرغم من اعتماد العلم على بعض الأفكار الفلسفية في الخلاء والملاء
والمكان، يجمع بين الخبر والعيان، بين الأدبيات والممارسة. ويتم توضيح الأدبيات
بالصور ومراجعة البعض منها. وتكشف المادة المعروضة على درجة عالية من الرقي الحضاري
والفن الرفيع.
ويتصدر الموروث الوافد. من الوافد يتصدر أرشميدس ثم أبلينوس النجار وحده.
٤١ ومن الموروث يتصدر الجزري نفسه ثم أرسلان وهبة الله بن الحسين ثم آل
أرنق وبنو موسى والحصفكي.
٤٢ وتظهر الإيمانيات في البسملة والحمدلة وطلب اليسر والرحمة من الله
المبدع الصانع الحكيم مع الدعوة إلى السلطان.
٤٣
(٧) التيفاشي
وفي «أزهار الأفكار في جواهر الأحجار» للتيفاشي (٦٥١ﻫ) يظهر علم المعادن كجزء من
العلوم الطبيعية. فجواهر الأحجار هي الأحجار الكريمة. ويقوم أيضًا على التجميع من
التراث العلمي السابق بالرغم من الحروب والمخاطر في الأندلس وفي المشرق، والمنصور
في الأرك، وصلاح الدين في حطين. وبالرغم من التجميع في عصر الموسوعات إلا أن المنهج
يكشف عن نزعة واقعية، المعرفة التجريبية دون خرافات وأساطير، ومعاناة في تقصي
الحقائق والتجربة والمشاهدة الشخصية الدقيقة ودقة الوصف والقدرة على التصنيف
وابتكار المصطلحات العلمية وتأصيل البحث في أصل المعادن. فالنقل عن القدماء لا يعني
التخلي عن القياس أو التجربة.
٥٥ والجوهر اسم فارسي معرب يعني كل ما يخرج من البحر. وبالرغم من التجميع،
فللفكر مساره، مقدماته ونتائجه، إحالاته واستدراكاته.
ويتصدر الموروث الوافد. من الوافد يظهر أولًا أرسطو ثم بلينوس ثم الإسكندر ثم
دياسقوريدس، وليانوس الأنطاكي، وجالينوس، وأوفرسطس. ومن الكتب يذكر الأحجار
لثافرسطس، والحيوان لأرسطو، وسر الطبيعة لبلينوس.
٥٦
ومن الموروث يتصدر أحمد التيفاشي ثم الكندي ثم ابن الجزار ثم يوحنا بن مسويه
والمسيحي ثم المسعودي، والطبري، والرازي، والشريف الجوهري، وابن صهاربخت،
وأبو الفتح أحمد بن مطرق، وحنين، وعشرات الأسماء من الأمراء والقواد والوزراء.
٥٧ وتذكر عديد من المصادر الموروثة.
٥٨ كما تذكر عشرات من أسماء البلدان والأماكن تدل على البيئة المحلية.
٥٩
وتتصدر الصين ثم الهند ثم فارس. ويذكر من الفرق بعض الحكماء الأوائل وحكماء
الفلاسفة. وفي الإيمانيات تذكر الأماكن المقدسة مع البسملة والحمدلة وتفويض العلم
والصواب إلى الله. كل شيء بمشيئته، وكل ما في الأرض حكمته وآثار صنعته، مع الدعاء
إلى السلطان الأعظم الملك الكامل.
٦٠
(٨) الطوسي
ومن نفس النوع الأدبي «المناظرة»، «مصارع المصارع» لنصير الدين الطوسي (٦٧٢ﻫ)
ردًّا على «مصارعة الفلاسفة» للشهرستاني، محاولة لإحياء الفلسفة التي بدأها ابن رشد
ضد هجوم الغزالي عليها.
٦١ والمناسبة شغف الطوسي بالعلوم العقلية والمعارف اليقينية والنظر في كتب
علمائها في أوقات الفراغ واقتفاء كلام الناظرين للتمييز بين الحق والباطل حتى تسكن
النفس ويطمئن القلب. فوجد مصارعة الفلاسفة مملوءًا بالأقوال السخيفة والنظر الضعيف
والمقدمات الواهية والمباحث غير الشافية وتخليط في الجدل، وتمويه في المثال، وسفه
مازح يحترز منه العلماء، ورفث قوله لا يستعمله الأدباء. ولا يتوجه إلا إلى العوام.
وخرج من مصارعته مهزومًا. فأراد الكشف عن هويهاته دون الانتصار لمذهب ابن سينا.
فالطوسي هو القاضي النزيه بين خصمين، ابن سينا والشهرستاني كما فعل ابن رشد القاضي
من قبل بين ابن سينا والغزالي، والرازي الفيلسوف بين ابن سينا والغيلاني. وينقد
الطوسي انتقال الشهرستاني من الثناء على الله إلى مدح السلطان وهو السيد مجد الدين
أبو القاسم علي بن جعفر الموسوي نقيب ترمذ ووصف الشهرستاني نفسه بأنه أصغر خدمه،
يعرض بضاعته عليه وخدمته له، مطالبًا السلطان بالحكم بينه وبين خصمه وكأنه من أهل
العلم والمبرزين من الحكماء. ويرد الطوسي على المسائل السبع التي نقض فيها
الشهرستاني ابن سينا وهي: حصر أقسام الوجود، وجود واجب الوجود، توحيد واجب الوجود،
علم واجب الوجود، حدوث العالم، حصر المبادئ، ومسائل مشكلة وشكوك معضلة. وهو جزء
صغير من إلهيات الشفاء مع غفل للمنطق وهو آلة العلوم اليقينية والطبيعيات التي لم
يجارِها من أحد، والنفس والأدلة على تميزها عن البدن ومعادها، ثوابًا وعقابًا. هنا
يقود الفلسفة إلى الكلام الذي خرجت منه ويرجع البرهان إلى الجدل والذي أراد تجاوزه،
يقرأ الطوسي الشهرستاني قارئًا ابن سينا، عدسات ثلاث لآليات القراءة.
٦٢
ولما كان الموضوع هو نقد ورد فقد كثرت صيغ أفعال القول بين «قال» أي الشهرستاني،
«أقول» أي الطوسي، قوله غير مشخص بالضمائر. قد يأتي «قال» مقرونًا بالفاعل
«المضارع» تهكمًا. كما تظهر صيغ المبني للمجهول «قيل» تركيزًا على القول وليس على
القائل. كما تظهر صيغ الشرط كحالات افتراضية «إن قيل»، «لو قال قائل»، «إن قال» …
إلخ. كما يظهر فعل «اعترض»، ومخاطبة القارئ لإشراكه في الحوار «اعلم». فصيغ أفعال
القول ليست خاصة بأرسطو وحده.
٦٣
ولما كان ابن سينا هو نموذج الفلاسفة الذي يتم توجيه سهام النقد له فإنه بطبيعة
الحال يتصدر الموروث ثم الشهرستاني ثم أحمد بن حنبل والفارابي ومحمد بن كرام
السجستاني ويحيى بن عدي.
٦٤ ويعتمد الطوسي على شروح الفارابي لكتاب العبارة والبرهان والمغالطات.
فالوافد أصبح موروثًا، ويحيل إلى «الشفاء» والنجاة لابن سينا.
٦٥ كما يعتمد على قياس الفقهاء، القياس الشرعي وهو أكمل من القياس
الأرسطي. ويظهر المنطق الإسلامي الذي يعتمد على الفطرة.
٦٦
ومن الفرق تذكر الكرامية ثم الأشعرية ثم الباطنية والحشوية والرافضة والمعتزلة.
٦٧ والكرامية نسبة إلى أبي عبد الله محمد بن كرام السجستاني الذي كان في
أيام الطاهر أثبت مكانًا وزمانًا للأول تعالى بطريق الأدلة الكلامية وأثبتها السلف
بالنقل وحده. ومن الموروث الأصلي يستشهد بالآيات القرآنية أكثر من الحديث.
٦٨ ويبدأ الكتاب بالبسملة والحمدلة والصلاة على محمد وآله الطاهرين وتتخلل
الفقرات «إن شاء الله تعالى»، وبعض أدعية الصالحين.
٦٩
ومن الوافد يتصدر بطبيعة الحال أرسطو الذي ينتسب إليه ابن سينا ثم فيثاغورس، ثم
الإسكندر الأفروديسي، وبطليموس، وجالينوس، وفرفوريوس. ولا يذكر الوافد إلا في إطار
الموروث وداخل وعائه. فإذا كان ابن سينا قد ادعى على أرسطو منطقًا لم يضعه فإن
الشهرستاني قد ادعى على ابن سينا أيضًا منطقًا لم يضعه. وقد رجع الطوسي إلى
إيساغوجي فرفوريوس للتحقق من صدق نقد الشهرستاني.
٧٠ ويبين الطوسي أن جميع ما فعله أرسطو ليس من الأحكام والإتقان الموجودة
في الأعيان، المفارقة والمادية والأشياء المتجهة إلى غاياتها، وأحوال الأجسام
البسيطة والمركبة وخواص المعادن وأفاعيل النفوس، وما ذكره جالينوس في كتب التشريع
ومنافع الأعضاء وما أورده بطليموس من رصد الأجرام العلوية وحركاتها، ومع ذلك يمكن
الاستدلال بها على علم الله وإتقان الصنع كما يريد المتكلمون. فكيف يخرج ابن سينا
عن حظيرة النظار؟
ومن الفرق الطبيعيون والمشاءون، الملطية، وأصحاب الرواق.
٧١ وفرق بين المتقدمين منهم والمتأخرين. ويصنف الطوسي الآراء في العالم
إلى ثلاثة: الأول حدوث العالم بعبادتها ومركباتها وهو رأي جماعة من الأوائل، أساطين
الحكمة من الملطية وجماعة من المسلمين. والثاني قدم المبادئ مثل العقل والنفس
والمفارقات والبسائط لأنها فوق الدهر والزمان، بخلاف المركبات في الزمان فهي حادثة
وهو رأي جماعة من المسلمين يقولون بقدم المعاني وحدوث الحروف. والثالث قدم العالم
وسرمدية الحركة وهو رأي أرسطو وأتباعه من فلاسفة الإسلام.
٧٢ ويستشهد الطوسي في بيان معاني الألفاظ المشككة بالإسكندر الأفروديسي في
شرح قاطيغورياس نقل يحيى بن عدي.
ومن الوافد الشرقي يتصدر زرادشت ونمرود. الأول للقول بإلهين يزدان وأهرمن.
والثاني عندما حاججه الخليل في إثبات وجود الله من التغير إلى الثبات.
٧٣
(٩) شيخ الربوة
وفي «نخبة الدهر في عجائب البر والبحر» لشيخ الربوة (٧٢٧ﻫ) يظهر علم الجغرافيا
وكأنه هو العلم الشامل للتاريخ والحيوان والنبات والمعادن والكيمياء والفلك والحساب
وتاريخ الأديان والحضارة والتصوف واللغة والأدب والوحي والشعر. فهو أقرب إلى
الجغرافيا البشرية منه إلى الجغرافيا الطبيعية لا فرق بين علم الجغرافيا البشرية
وعلم العمران والتاريخ والسياسة. فالتاريخ جزء من العلوم الطبيعية لارتباطه
بالجغرافيا كما هو الحال عند ابن خلدون. والتجارة في الأحجار جزء من العلم أي
الاقتصاد مع الجغرافيا.
٧٤
ويضم العمران بناء المدن من قواد الجيش الفاتح للاستقرار. وتشتق الأسماء إما من
مضارب العسكر أو من مذهب السكان مثل الكوفة الصغرى لكثرة ما فيها من التشيع، والقدس
لقدسيتها. ونقلت عواصم المشرق إلى المغرب مثل حوض دمشق ونقل إلى الأندلس شام جديدة
تنافس الشام القديمة. وتم تدمير المدن على أيدي التتار.
ويؤرخ للتاريخ بالإسلام قبله وبعده، مركزية المكان مثل مركزية الزمان، وقلب
الجغرافيا مثل قلب التاريخ، والفرق بين العلمين ليس كبيرًا. تاريخ الأرض هو تاريخ
البشر من خلال العمران وتعمير الأرض. وكما أن الجغرافيا بشرية التاريخ بشري، الناس
والموضوع الساكن والمسكون.
٧٥
ويتضمن تسعة أبواب: الأرض وهيئتها، المعادن وطبائعها، المياه الجوفية مثل العيون
والآبار والينابيع والأنهار وهي المياه العذبة السيارة، المياه السطحية وهي
المحيطات وهي المياه المالحة، البحر الأبيض المتوسط وهو بحر الروم ومساحته وسط
العالم القديم، البحر الأحمر والمحيط الهندي وبحر الصين انتقالًا من أفريقيا
وأوروبا إلى آسيا، وأخيرًا أنساب الأمم على الأرض والانتقال من الجغرافيا الطبيعية
إلى الجغرافيا البشرية، والتحول من الجغرافيا إلى أخلاق الشعوب وتقسيمها حسب البقاع
والأمزجة، وذكر صفات سكان الأقاليم المنحرفة والمعتدلة.
٧٦
ويتم الحديث عن الغرب الحديث، الصقالبة في أوروبا الشرقية بعد فتح العثمانيين لها
والإحساس بوجود الإفرنج في الشمال بعد الحروب الصليبية. مع التفرقة بين اليونان
والرومان. ويتم الحديث عن الشرق الهند والصين وآسيا، وتشمل الصين كل ما وراء الهند
شرقًا. ويبرز العالم الإسلامي في قلب العالم القديم، وسطًا بين الغرب والشرق
والشمال والجنوب. فقد انطلق مركز القلب في عصر الفتوحات، من شبه الجزيرة العربية
شرقًا نحو آسيا، وغربًا نحو شمال أفريقيا وأوروبا، وشمالًا نحو تركيا والبلقان،
وجنوبًا نحو أفريقيا. والفراعنة عرب، والعروبة أصل الشعوب القديمة. وقد شارك
الإسكندر الأكبر في الفتوحات موحدًا العالم القديم، إرهاصًا للإسلام، نبيًّا من
أنبياء الله ومبلغًا رسالة التوحيد للغرب والشرق. وأحيانًا يعني لفظ الإسكندر صفة
العظمة، انتقالًا من الشخص إلى الدلالة.
٧٧
تنقص العلم مقدمة نظرية تضعه ضمن العلوم الطبيعية كما هو الحال في علم الطب
ونظريات العناصر الأربعة والأخلاط والاعتدال. ومع ذلك يقوم علم الجغرافيا القديم
على تقسيم العالم إلى أقاليم سبعة شمال خط الاستواء وكأنه في جنوبه لا يوجد عمران،
نظرًا لارتباط العمران بالبرد أكثر من الحر، مما يفسر عمران الشمال وخراب الجنوب،
أوروبا في مقابل أفريقيا. ويظل الدين موجهًا للتاريخ الجغرافي أو الجغرافيا
التاريخية، بل والدين في نزعته الصوفية التي تمكن من رؤية عجائب البر والبحر أو
الحكمة في مخلوقات الله عز وجل بتعبير الغزالي.
يعتمد على التراث القديم والموروث التاريخي ووصف الجغرافيا المحلية على اتساع
رقعة العالم الإسلامي في آسيا وأفريقيا للاستدلال على أن شكل الأرض كروي قبل الغرب.
المعرفة عن طريق الروايات والحكايات والمقابلات الشخصية بما في ذلك الشعر العربي
كمصدر للأخبار. ويحال إلى المسعودي وصاعد وغيرهم من المؤرخين.
٧٨ ويرد على أصحاب الكيمياء، ولا يكتفي بالنقل، ويبين أن الذي يصنعونه ليس
بذهب بل هو معدن مصنوع.
٧٩
ولا يكفي الاعتماد على المصادر المكتوبة بل يضاف إليها التحقق بالتجربة والمشاهدة
كما هو الحال في علم الطب ووصف الوقائع المشاهدات تكمل الروايات، والعين تكمل
الأذن. والبصر يضيف إلى السمع. لذلك تستمد المعارف التاريخية من السياحة
والأسفار.
وقد تتداخل الأساطير في فهم التاريخ رواية. إذ يقال إن أهرام مصر من بناء الجان
وكذلك تكوين بعض جزر البحر، وكذلك الاعتماد على جالوت ويأجوج ومأجوج كرواية وهرمس
والمسيح الدجال، مضافًا إلى ذلك قصص الأنبياء وما نقل عن نوح. التاريخ تاريخ أديان،
مجوس وصابئة ويهود ونصارى وهنود مع الحكم على ماهية كل دين. فإذا اجتمع في طريق
مسلم ويهودي وسامري ونصراني رافق السامري المسلم لقربه من الإسلام في العقيدة
والشريعة.
وبالإضافة إلى الواقع المحلي الجغرافي التاريخي يظهر المصدران الرئيسيان الوافد
والموروث. وفي الوافد يتصدر أرسطو ثم الإسكندر ذو القرنين ثم بطليموس ثم قسطنطين
بن هيلانة ثم جالينوس ثم هرمس وهيلاني، وأبقراط ثم أغاذيمون (سيت)، وأغسطس،
وأفلاطون، وإقليدس، وإيلاوس، وأقليمون، وفيثاغورس، وقرطيانس. ومن الفرق اليونان.
ومن أسماء الكتب المجسطي لبطليموس ثم الحيوان، ومنتحلان، الأحجار والمياه المالحة
والعذبة وكلها لأرسطو.
٨٠ ويكثر أرسطو تباعًا في مكان واحد وفي موضوع واحد ومن نص منتحل عن
الأحجار، وتبدأ أوروبا في الظهور، أوروبا وأراجون والأوروبيون وملك فرنسا وشرلمان.
٨١
ومن الموروث يتصدر المسعودي ثم البكري ثم الطيني وأخو ابن الأثير ثم ابن الأثير
وابن قدامة والإدريسي ثم ابن حشية والبلخي والخوارزمي ثم ابن الكلبي وابن عبد البر
وصاعد، وعز الملك ثم ابن دريد، وابن العربي، وابن لهيعة، وابن واضح، والسيرافي،
وأبو اليقظان، وبديع الزمان، والزنجاني، والسمرقندي، والسمعاني القزويني. ومن
الوافد المشرقي أنوشروان.
٨٢ وتفوق أسماء المؤلفات أسماء المؤلفين. وغالبيتها في التاريخ.
٨٣ ومن الأنبياء إسماعيل وإسحاق ثم إبراهيم.
٨٤ ومن أسماء الفرق الإسماعيلية ثم الإباضية والقرامطة والصابئة والأحمدية والدروز.
٨٥
وبالرغم من كثرة المصادر من الوافد أو الموروث إلا أن مسار الفكر يتضح من خلال
المقدمات والإحالات المستمرة إلى السابق واللاحق مما يدل على حضور الفكر وراء التجميع.
٨٦
ولما كان التنظير المباشر للواقع الذي يتحقق فيه تفاعل الوافد والموروث هو مناط
الإبداع فقد يتضخم ويتجاوز الرافدين الحضاريين. فتبرز الصين وأولها أقصى الأرض في
الشرق ثم الروم لقربها من المركز في المغرب ثم الشام في الشمال ثم مصر في الجنوب
الغربي ثم الهند في الجنوب الشرقي ثم خراسان في الوسط ثم الأندلس في أوروبا في أقصى
الغرب. ثم تدور الأماكن في الجهات الأربعة الرئيسية وجهات أربعة أخرى غير رئيسية.
تتداخل أسماء المناطق والمدن، المحيطات والبحار والأنهار، الشعوب والأقوام، الخلجان
والأحجار، الجبال والوديان،
٨٧ الأديان والمذاهب، الفرق والطوائف، الوقائع والخيالات، قارات وجهات،
توابل وبخور بلا نظام أو ترتيب. وقد يذكر المكان بأكثر من اسم ويمكن تجميع هذه
الأسماء التي تربو على ثلاثة آلاف اسم إلى مجموعات أصغر تتصدرها آسيا ثم مصر ثم
إسبانيا ثم شمال أفريقيا ثم العراق ثم الهند ثم آسيا الصغرى ثم فارس والشام ثم
أفريقيا السوداء ثم أرمينيا ثم فلسطين ثم الغرب واليمن ثم الصين والبحر الأبيض
المتوسط وصقلية ثم لبنان والروس والنوبة وتركيا والأردن ثم الصقالية والسودان وكريت
ثم عشرات من أسماء الأماكن المتفرقة المفردة.
٨٨
ويذكر الموروث الأصلي، الآيات القرآنية المستعملة بالجغرافيا، والقصص القرآني
كمصدر للأخبار، والأحاديث النبوية النصية أو المعنوية لوصف القبائل.
٨٩ تذكر آيات القرآن مرسلة كأسلوب عربي مثل
فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ،
وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ.
وتتجلى الحكمة الإلهية في الأرض، في الحيوان والإنسان والتاريخ، فلولا اقتضيت طبخ
الماء العذب بمخالفة الأرض المحرقة لأنتن وأجن وأفسد الحيوان. وخلق الله البحار
ملحًا أجاجًا لمصالح العالم، مفيضًا للأنهار ومعبرًا للسيول والأمطار ومركبًا
للبحار. وأرسل الله زلزلة في أيام الصيف فخرجت العيون وزادت الأنهار. ولا يمنع أن
يكون في الأرض جنات بنعمة الله. وخلق الأرض مقرًّا للحيوان بمنزلة التضاريس وجعل
البارز منها مقرًّا للحيوان البري. وجعل الله للفيل عدوًّا سلطًا عليه. وبث في
الأرض القنفذ وسلطه على الحيات يقتل ويأكل وكذا النمس المسمى العزيزا. وأرسل الله
طائرًا أبلق دون الحمام، وخلق في رأسه شوكة وفي كتفيه شوكتين ويقال له القطقاط.
وخلق الله الإنسان واخترعه اختراعًا من الطين. وتكوَّن الجنين بإذن الله. وجعل الله
السرة موطنًا للمسك. وألهم الله الإنسان والأقوام سبعًا وثلاثين لغة. واقتضت
العناية الإلهية اللطف بالعالم الإنسي فأبرز له الماء. وأصاب رجل امرأة في السفينة
فقدما على نوح أن يغير الله نطفة فجاءت بالسودان مكون حام ومبارك سام ويكثر الله
يافث. ولما كثر نسل نوح شاء الله أن يقسم الأرض بين أولاده الثلاثة فسجد نوح لله
شكرًا لسام جهة يكون فيها ثلاثة مساجد يعبد الله فيها.
٩٠
ويتدخل الله في التاريخ في قيام الدول وسقوطها، ونصرة المؤمنين وهلاك الكافرين
وكما هو واضح في قصص الأنبياء. والله هو فاتح البلدان وباقي المدن المقدسة مكة
والقدس وملك المسلمين البلاد ثم استخلف الله من بني عباس السفاح، ومصر إسلامية إلى
يوم الدين حماها الله وحرسها بعينه التي لا تنام وجعلها دار الإسلام إلى يوم
القيامة. وفسطاط مصر بناها عمرو بن العاص يحميها الله ويحرسها. وأنقذ جيشًا من
الديار المصرية من الترك وأيدهم بنصره، وهم العصابة المحمدية الظاهرون بالحق
المؤيدون إلى يوم القيامة.
وأغرق الله فرعون. وأرسل على الكافرين صيحة في جوف الليل. ولما عبدها دون القمر
من دون الله بعث إليهم هودًا فكذبوه فمنعهم الله القيت ثلاث سنين فخرجوا يستسقون
فأنشأ الله تعالى ثلاث سحائب بيضاء وحمراء وسوداء. فاختاروا السوداء فسخرها الله
سبع ليالٍ وثمانية أيام حسومًا حتى جعلهم الله صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية. ثم
كفروا بنعمة الله فأرسل إليهم صالحًا رسولًا. وضرب الله الصرع في بلدة بصيمة تبلبلت
بها ألسنة الناس من الدهشة وسميت أرض بابل من ذلك التاريخ.
ومن المباني العجيبة إرم ذات العماد والتي لم يخلق مثلها في البلاد وأخفاها عن
أعين الناس. دون السد تحقيقًا للوعد. وأصاب بالصواعق. ولم يعمر الأرض بعد أهلها إلا الجن.
٩١
ولا يفعل الله في الطبيعة والتاريخ بمفرده بل من خلال رسله الملائكة. إذ يرسل
الله السحاب والملائكة فتخرج السمك من البحر. ومنه سمكة طولها نحو شبرين مكتوب على
ظهرها بالعربية «لا إله إلا الله»، ومكتوب بين أذنيها من خلف «محمد رسول الله»، حول
مياه قسطنطينية. يتبارك بها الصيادون ولا يأكلونها ويعتبرونها من نسل موسى ويوشع.
فيرتبط الفعل الأهلي في الطبيعة والتاريخ بمظاهر الخرافة والخيال الشعبي، والإسقاط
من النفس على الطبيعة والتاريخ.
ويدعو المؤمنون الله. وإذا أراد لهم النجاة والنجاح من الشدة أراهم على رأس البغل
طائرًا أبيض. وعلى هذا النحو تبدو الحكمة في مخلوقات الله عز وجل، ويتجلى التوحيد
في الجغرافيا والتاريخ. لا فرق بين الإنسان والطبيعة ما من صورة من صور العالم إلا
من معاني الإنسان فهو صورة الصور، معنى المعاني، المركز والمحيط، الأول والثاني.
العالم صورة وجسده وهو روح العالم وحيويته. والشعر خير دليل على ذلك.
٩٢
وتستعار صفات الله من الطبيعة التي أودع الله فيها قوى العالمين، وجعلها سكن
الدارين، وجعل الإنسان فيها مركز الكون، كالحيوان في الشهوة والغذاء لعمارة الأرض،
وكالملك في العلم والعبادة والاهتداء. رشحه الله لعبادته وخلافته وعمارة أرضه وهيأه
لمجاورته في جنته. وتظهر الحكمة الإلهية في تخليقه. ركب الله بدن الإنسان من المني
والدم. فإذا صار إلى الكمال جلس مع الملائكة في حضرة الرب. الإنسان الكامل خليقة
الرحمن وزبدة الأكوان والقابل من المحسن أنواع الإحسان ولنعرف في الأزمان والمعلم
والقرآن والبيان والمراسل بالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان والله أعلم، وكل شيء
بإذنه ومشيئته. خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، وأوصى في كل سماء أمرها،
وأدار الفلك وفرش الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارًا ومن كل الثمرات، من كل زوجين
اثنين ومشى الأنهار وجعل فيها قطعًا متجاورات، ونخيل وأعناب وبث فيها من كل دابة
وقدر الأرزاق.
٩٣