فوق جزيرة الشيطان!
اندفع الموكب إلى قلب الجزيرة … وبعد أن اجتاز حاجز الأشجار الخارجي … ظهر قلب الجزيرة لمن يطئون أرضها أول مرة …
كان هناك عدد من المباني البيضاء الواطئة، لا ترتفع أكثر من طابقَين … وقد بدت كأنها مباني مستشفًى كبير … وإلى اليسار ظهر مبنًى عريض كان واضحًا أنه منزل الحراس المسلَّحين … وإلى الخلف ظهر مبنًى كئيب بلون أسود كالح يمتد بمحاذاة سور الأشجار العريض … وتحيط به الأسلاك الشائكة والحراس المسلَّحون من كل مكان …
ترامق الشياطين في صمت … كان واضحًا أن ذلك المبنى الكئيب الشكل هو مبنى السجن، الذي يحتفظون فيه بالبضاعة البشرية … قبل الاحتياج إلى أحد أعضائها. وقاد الحُراس المسلَّحون الأهالي البدائيين إلى السجن، واختفَوا بداخله … أمَّا الشياطين، فقادهم الحُراس إلى أحد المباني البيضاء المتناثرة في المكان، والذي كان يقع خلف محطة توليد كهربائية كبيرة، تستمد طاقتها من البحر.
واستقرَّ الشياطين في قاعة واسعة فاخرة … كأنها قاعة استقبال في أحد الفنادق الفخمة … ووقف الحُراس بأسلحتهم على جوانب القاعة، ورصدت عيون الشياطين شاشةً سينمائية عريضة … كأنما وجودهم في ذلك المكان بغرض عرض تليفزيوني أو سينمائي … ينتظر حضور شخصية هامة …
انفتح باب في مؤخرة القاعة، وظهر شخص أحمر الوجه في معطف أبيض كالأطباء … وكان يرتدي نظارةً طبية وضح فيها أن إحدى عينَيه … صناعية.
وتقدَّم ذو العين الصناعية قائلًا بالإنجليزية: مرحبًا بكم فوق جزيرتنا … يمكنكم أن تدعوني بالدكتور «ماكس».
أحمد: من العجيب أن تكون لك عين زجاجية في مكان صناعته هو استبدال أعضاء الإنسان التالفة.
ابتسم «ماكس» وقال: إنك دقيق الملاحظة أيها الشاب، وقد أخبروني أنكم مجموعة من الشبان الماهرين، ولكننا تمكنا من اقتناصكم بفضل ذكائنا وأجهزتنا الحديثة … لقد فقدت عيني في حادث سيارة، ولكنني لا أحب أن تكون لي عين غيرها … فلولاها ما فكَّرت في إقامة هذا المكان الذي يحتوي على كل ما يمكن أن يطلبه إنسان … من قطع غيار بشرية. لقد كانت حادثة السيارة هي طريقي إلى الملايين من الدولارات، والسعادة لكل من فقد عضوًا من أعضائه، واستطاع أن يستعيده من خلال مشروعي هذا.
كتم «عثمان» غضبًا جارفًا، وقال من بين أسنانه: هل تسمي هذا مشروعًا؟! إنه أبشع عمل يمكن أن يقوم به إنسان.
ماكس: ولماذا؟ … إنني أقدِّم خدمةً لكثير من الناس.
أحمد: ولكنك في المقابل تتسبَّب في موت آخرين بلا ذنب جنَوه.
ماكس: ومن هم هؤلاء الضحايا؟ إنهم بعض البدائيين الذين يعيشون على هامش هذه الحياة … فيولدون ويموتون بدون أن يشعر بهم إنسان، أو يؤثِّروا في هذه الحياة، فإذا كانت ولادتهم بلا هدف نبيل … وهو منح الحياة والسعادة لآخرين على وشك الموت … آخرين أكثر ذكاءً وتمدُّنًا.
أحمد: من المؤسف أننا ونحن في نهاية القرن العشرين نجد بعض الناس يفكِّرون بمثل طريقتك. إنه نوع جديد من الاستعمار، ولكنه استعمار بشع جدًّا … لقد استعبدتم الأفريقيين ونهبتم أرضهم وثرواتهم، والآن تعودون لتأخذوا حياتهم بلا مقابل غير سعادتكم أنتم … إن مَن يستحق الموت هو أنتم وليسوا هؤلاء الأبرياء المساكين الذين لا يملكون دفاعًا عن أنفسهم.
ابتسم «ماكس» ساخرًا وقال: محاضرة عظيمة، ولكن لا مكان لها هنا، وعندما تشاهدون هذا المكان والتقدُّم العلمي الذي يُسيطر عليه، سوف تدركون عظمة عملنا، ومدى خدمته للبشرية.
وضغط على زرٍّ بجواره، وفي الحال ظهر فوق الشاشة السينمائية فيلم يعرض بعض الأفارقة البدائيين وقد تمدَّدوا فوق طاولات العمليات، وقد راح الأطباء ينتزعون قلوبهم ورئاتهم وكُلياتهم، وحتى عيونهم … ثم يقومون بحفظ تلك الأعضاء في بنوك من الثلاجات، حيث تأخذ طريقها إلى أوروبا أو أمريكا؛ لتستقر في أجساد الأثرياء المحتاجين إليها، أمَّا الضحايا الذين انتُزعت أعضاؤهم، فيتم إلقاؤهم في المحيط … ليكونوا طعامًا للأسماك المتوحشة.
أغمضت «هدى» عينَيها في ألمٍ قائلة: هذا بشع … كيف يمكن لإنسان متحضِّر أن يقوم بمثل ذلك العمل الإجرامي؟!
قال «ماكس» في بساطة: إنه المال. المال الذي يدفعنا جميعًا لأن نعمل، وكنت أظن أن مشروعي سوف يُثير تعاطفكم وتشاركونني فيه.
هبَّ «عثمان» قائلًا: إنك أحقر مخلوق قابلته في حياتي.
واندفعت قبضته مثل طلقة الرصاص لتصيب «ماكس»، فتحطَّمت نظارته الطبية، ووقع على الأرض.
واندفع الحُراس نحو «عثمان» شاهرين سلاحهم، ولكن «ماكس» أوقفهم بإشارة من يده، ولم تعكس عينه الزجاجية مشاعره، ونهض من وقعته هذه … ثم قال في هدوء: كنت أطمع في تعاونكم معي، وأن تكونوا ضمن رجالي … ولكنني لا أقبل الإهانة بأي شكل من الأشكال. لقد حدَّدتم مصيركم بأيديكم …
وأشار إلى حراسه قائلًا: خذوهم إلى السجن مع الباقين.
لمعت عينه السليمة ببريق جنوني، وبصوت رهيب أضاف: سوف تكونون أول من أنتزع أعضاءهم اليوم، ولا شك أن ثمنكم سوف يكون مرتفعًا … وسأُشرِف بنفسي على إلقاء ما يتبقَّى منكم إلى الأسماك المتوحِّشة في المحيط … فلا يبقى منكم شيء بعدها.
واندفع «ماكس» مغادرًا المكان … أمَّا الشياطين، فارتسمت في عيونهم نظرات ذاهلة … وقد أحاط بهم الحُراس من كل مكان … وهم يقودونهم خارج المكان، باتجاه السجن الرهيب، والمصير البشع الذي ينتظرهم …