المعركة الأخيرة!
عندما خطا الشياطين إلى الخارج … كانوا قد تغلَّبوا على المفاجأة، واستطاعوا أن يتفقوا على خطة واحدة بلغة العيون … بدون أن ينتبه الحراس المسلَّحون إليهم.
وهكذا … فما كادوا يخطون إلى الساحة الواسعة، حتى تماسكت أيديهم، وفي لحظة واحدة قفزوا إلى الخلف في الهواء … وقبل أن ينتبه الحُراس إلى ما حدث، اندفعت أقدام الشياطين لتُصيبهم، فسقط الحُراس على الأرض، وأسرع الشياطين يلتقطون مدافعهم الرشاشة.
صاح «أحمد» في زملائه: ليذهب «مصباح» و«بو عمير» و«زبيدة» إلى السجن لإطلاق سراح السجناء الأسرى، أمَّا نحن فسنتعامل مع بقية الحُراس.
واندفعت المجموعة الأولى بقيادة «مصباح» إلى السجن وهي تُطلق رصاصاتها، وبادلهم الحُراس بإطلاق الرصاص من فوق الأسوار، فدار الشياطين الثلاثة حول المبنى، وبقفزة واحدة طاروا فوق أسواره، وصاروا بداخله، وفوجئ الحُراس بالشياطين الثلاثة أمامهم، ولكن دهشتهم لم تدُم طويلًا؛ فقد تكفَّلت رصاصات الشياطين بإرسالهم إلى جهنم.
اندفع الشياطين الثلاثة نحو عنابر الأسرى لإطلاق سراحهم، وهم يحصدون كلَّ من يصادفهم من الحراس … أمَّا المجموعة الثانية، فكان عملها أكثر صعوبة؛ فقد كان عدد الحراس فوق الجزيرة كبيرًا، واندفعت أول مجموعة من الحُراس نحو الشياطين الثلاثة، فتلقَّاهم «أحمد» و«عثمان» و«هدى» بالرصاص، ثم اندفعت مجموعة أخرى … وتبعتها مجموعة ثالثة … وانهال الرصاص على الشياطين من كل جانب، فأسرعوا يحتمون خلف أحد المباني، وقال «عثمان»: إننا مُحاصرون من كل جانب، ولن تستمرَّ مقاومتنا طويلًا. لمعت عينا «أحمد» وقال: إن لديَّ فكرة. انتظراني هنا.
اندفع «أحمد» جاريًا … فصاحت «هدى»: «أحمد» … إلى أين ستذهب؟!
ولكنه لم يلتفت إليها، واندفع يعبر الساحة الواسعة في قلب الجزيرة، وانهال عليه الرصاص من كل جانب، ولكن «أحمد» تفاداه بالقفز في الهواء، والارتماء على الأرض، حتى عبر الساحة المكشوفة، ثم اندفع إلى محطة الكهرباء التي تمد الجزيرة بالطاقة. وابتسم «عثمان» وهو يقول: لقد فهمت ما يريده «أحمد» … سوف ينسف محطة الكهرباء، فيشغل الحراس … وبذلك يقل الحصار حولنا.
واندفعت مجموعة من المسلَّحين خلف «أحمد»، ولكن «عثمان» و«هدى» أسرعا يُصوِّبان رصاصاتهما نحو المُسلَّحين … ومرَّت ثوانٍ بطيئة … قاتلة … وفجأةً دوَّى صوت هائل، وانبعث شرر كبير من محطة الكهرباء، ثم انفجرت في صوت مدوٍّ، وتحوَّلت إلى كتلة من نار، وأصاب الذعرُ الحُراسَ المسلَّحين، فاندفعوا في كل اتجاه لينجوا بأنفسهم … وامتدَّت النار من المحطة الكهربائية المتفجِّرة، وسقطت فوق بعض المباني القريبة، وصرخ أحد الحُراس: إن الجزيرة تحترق! فلنسرع بالفرار!
وبسرعة انتشرت النار لتُمسك بالأشجار الاستوائية المحيطة بالجزيرة والرياح تدفعها في كل اتجاه.
وظهر «أحمد»، فتنفَّس «عثمان» و«هدى» بارتياح، وقال «عثمان»: لقد تصرَّفت في اللحظة المناسبة.
وصرخت «هدى»: إن السجن يحترق!
التفت «عثمان» و«أحمد» نحو السجن، فشاهدا النار وقد امتدَّت إليه وحاصرته من جميع الاتجاهات. صاح «أحمد»: إن بقية الشياطين والسجناء بالداخل، فلنسرع بإنقاذهم.
واندفع الشياطين الثلاثة يقتحمون النار بلا رهبة، وفي الداخل كانت المجموعة الأولى من الشياطين قد نجحت في تحرير السجناء بدون أن يتمكَّنوا من اقتحام النيران.
هتف «عثمان»: فلنسرع إلى الخلف … واندفع نحو خلفية السجن … وكانت النار ممسكةً بالأسوار أيضًا من الخلف، وتلفَّت «عثمان» حوله، فلمح جذع شجرة ضخمًا كان يُستخدم كمتراس لغلق الأبواب. وصاح «عثمان»: فلنُحطم السور بهذا الجذع.
وأسرع الشياطين الستة نحو جذع الشجرة الضخم، ورفعوه من بين أيديهم، ثم دفعوا به السور الحجري الضخم، ولكن السور لم يتزحزح.
وكرَّر الشياطين عملهم، وفي المرة الثالثة تهاوى السور المحترق … وأسرع السجناء والأسرى يغادرون سجنهم، وقد تسلَّحوا بكل ما وصلت إليه أيديهم من أسلحة.
وفي الخارج كان «ماكس» واقفا في جنون، وقد تحوَّلت جزيرته إلى كتلة مشتعلة من النيران.
صاح «ماكس» في رجاله: اقتلوا هؤلاء الشياطين!
فاندفع ما تبقَّى من المسلَّحين نحو الشياطين والسجناء، وقبل أن يتمكَّن الحُراس المسلَّحون من استخدام أسلحتهم، اندفع الأسرى نحوهم، ودارت معركة رهيبة لم ينجُ منها أحدٌ من الحُراس …
تراجع «ماكس» ذاهلًا، ولكن … لم يكن هناك أي ملجأ يهرب إليه، وقد حاصره الأسرى الذين التمعت عيونهم بكراهية بالغة، ثم انقضُّوا عليه وراحوا يضربونه، وهو يصرخ مستنجدًا، إلى أن خفَّ صوته، ثم تلاشى تمامًا … راقب الشياطين المنظر في صمت وبلا مشاعر.
قالت «هدى»: لقد نال هذا المجرم جزاءه!
بو عمير: لم يَعُد هناك ما نفعله فوق هذه الجزيرة … فلنسرع بمغادرة المكان.
واتجه الشياطين إلى الشاطئ … وهناك كانت مفاجأة تنتظرهم؛ فقد تمكَّن بعض المسلَّحين من الوصول إلى الغواصة، وبدءوا يستعدُّون للإبحار بها.
تلفَّت الشياطين حولهم غير مصدقين. كان هرب بقية أفراد العصابة بالغواصة معناه بقاء الشياطين فوق الجزيرة إلى الأبد، بدون أن يدري أحد عن مكانهم شيئًا، ولا حتى رقم «صفر»!
اندفع الشياطين نحو الغواصة، وتمكَّنوا من دخولها قبل غلق أبوابها، وبعد معركة قصيرة استطاعوا الاستيلاء عليها، والتخلُّص من كل ما تبقَّى من رجال العصابة!
أشار «أحمد» للأسرى من الأهالي البدائيين، فأسرعوا إلى الغواصة في الوقت الذي تعالى فيه اللهب من الجزيرة المشتعلة وكأنها جرة نار. وأغلقت الغواصة أبوابها … ثم بدأت في الغوص في قلب الماء …
تساءلت «زبيدة» والغواصة الضخمة تشق طريقها في قلب المحيط: أين سنذهب الآن؟
أحمد: علينا أولًا أن نُعيد هؤلاء الأهالي إلى المكان الذي اختُطفوا منه …
مصباح: لقد علمت منهم أنهم يعيشون في نقطة الحدود ما بين «غانا» و«توجو».
أحمد: حسنًا … سنذهب بهم إلى هناك، وبعد ذلك سنذهب إلى غواصتنا فوق ساحل «غينيا بيساو» فنعود بها إلى بلادنا.
بو عمير: وهذا الغواصة التي استولَينا عليها، ماذا سنفعل بها؟
أحمد: ما رأيكم أنتم؟
تأمَّل «عثمان» الأهالي البدائيين الذين أحاطوا بهم، وعيونهم مليئة بالشكر، وهم يتحدَّثون بلغات هي خليط من اللهجات الأفريقية … وقال «عثمان»: لديَّ فكرة؛ هذه الغواصة التي استَولينا عليها تُساوي عشرات الملايين … فإذا طلبنا من رقم «صفر» أن يبيعها لأي دولة صديقة، على أن يُستغل ثمنها في الإنفاق على هؤلاء البسطاء، بإقامة منازل حديثة لهم، وتوفير سُبل معيشة أفضل … وتقريبهم من العالم المتمدِّن، وإرسال بعثات طبية وتعليمية إليهم … إن هذا يكون أقل تعويض ممكن لِمَا لاقاه هؤلاء المساكين من ظلم وعدوان عليهم.
قال «زبيدة» في حماس: فكرة رائعة.
ووافق بقية الشياطين، وبعد وقت وصلت الغواصة إلى الشاطئ الذي اختطفت منه الأسرى، وطفت الغواصة فوق سطح الماء على مساحةٍ من الشاطئ، وما إن رأى الأسرى شاطئ بلادهم وهم يعودون إليه، حتى قفزوا في سرور وسعادة، وأسرعوا يقفزون من الغواصة إلى قلب الماء، ويسبحون إلى شاطئهم، وهم يُلوِّحون بأيديهم للشياطين، على حين كان بقية الأهالي قد تجمَّعوا على الشاطئ، وهم لا يُصدِّقون عودة أسراهم المختطفين.
ومرةً أخرى غاص الشياطين بالغواصة الكبيرة، ثم اتجهوا إلى مكان غواصتهم الصغيرة، وعلى مسافة من مكانها ظهرت الغواصة على سطح الماء.
وقفز «عثمان» و«مصباح» إلى الماء، وسبحوا حتى مكان غواصة الشياطين الصغيرة، وما كادوا يدخلون إلى قلبها حتى كانت هناك رسالة في انتظارهم على جهاز الاستقبال بداخلها، وكانت الرسالة تقول: «تهنئتي بنجاح العملية. إن القارة الأفريقية كلها مدينة لكم بالشكر.»
وانتهت الرسالة التي كان مرسلها هو رقم «صفر» … وألقى الشياطين نظرةً أخيرة إلى الشاطئ، قبل أن تختفي بهم الغواصتان في قلب المحيط … وقد ملأت السعادة قلوبهم.