مناجاة
رب! سبَّحتْ لك الخلائق في الأزل، ونطقت بذكرك منذ الخلق الأول، ودارت الأفلاك بحمدك، وسطعت الكواكب بنورك، وسار القمران ثناء عليك، وتعاقب المَلَوانِ تقديسًا لك، وهبَّت الرياح بنفحاتك، وتلألأ البرق من سُبُحاتك، وسار السحاب بقدرتك، وهطل الغيث برحمتك، وتلاطمت البحار في جلالك، واطَّردت الأنهار من نوالك، والجبال راسيات بأمرك، مائلات لحكمك، والغابات رائعة بجمالك، مورقة بأفضالك، والرياض سطور نظامك الباهر، وإبداعك القادر، والطير ألسنة حمدك وشكرك، ونغمات مزاهرك، وأناشيد مآثرك.
والحيوان الأعجم مسيَّر بإلهامك، شاكر لإنعامك، سائر بهديك، ناطق بذكرك، مُسبِّح بحمدك تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ.
رب! والإنسان صنعك الرائع، وبرهانك القاطع، روح الخليقة المشوق إليك، وبصرها الطامح نحوك. رأى نورك فسار، وبهره جلالك فحار. أنت قصده وإن ضل، وَطِلْبته حيثما حل، يُبين عنك قاصدًا أو مُعتسفًا، وينطق باسمك صحيحًا أو محرَّفًا، وينشد شعرك موزونًا أو مضطربًا، ومعجمًا أو معرَبًا:
•••
ربِّ! وموسى إذ لاح له ضياؤك في الغلس، وخلع نعليه في الوادي المقدس، لمع له بصيص في الطور فاهتدى، ودعا الناس إلى الهدى. بنورك ضرب بحر الظلمات فانفلق، ثم بهره جلالك فصعق. وعيسى أمددته بروحك وبِرِّك، وأطلعته على ذرة من مكنون سرك، ومحمد خاتم أنبيائك، وصفي أصفيائك، آنسه ذكرك في الغار، فرأى في الظلمات النهار، فأملى دينك وفرقانك، وأوضح مَحجتك وبرهانك، وترك على الدهر أثرك الأغر، ودينك الأبر. ربِّ! ومن وراء ذلك سرك المكنون، وحماك المصون.
أنقِذنا من الحيرة بهديك، واهدنا إلى جنابك برحمتك. اللهم منك وإليك، أنت الأول والآخر، والظاهر والباطن.