أوراق مالية١ في القرن السابع الهجري
كيخاتو بن أباقاخان بن هلاكو، خامس ملوك المغول المسمَّين أيلخانية، كان كما يقول مؤلف «حبيب السير» أسخى بني هلاكو؛ كان يفيض جودًا في موائده، ولا يقف به حد في الإسراف واللهو.
وقد اختار لوزارته صدر الدين الزنجاني المعروف بصدر جهان. ولم يكن الوزير مخالفًا مولاه في التبذير، فخلت الخزائن، واشتدت الحاجة إلى المحال، وضاق بالملك الأمر، فبدا للوزير أن يأخذ عن أهل الصين سُنة كانت معروفة عندهم في ذلك العصر، هي التعامل بأوراق تغني غناء الحجرين الكريمين، أو المعدنين النفيسين: الذهب والفضة، وليس الفرق بين الورق والورق ذا خطر.
أمر الوزير بطبع أوراق للتعامل سميت «جاو»، وأنشأ في كل ناحية دارًا لطبع الأوراق سميت «جاوخانة»، وشرع قانونًا يحتم على الناس الإقلال من تداول الذهب والفضة جهد الطاقة.
وكانت الأوراق كما وصفها رشيد الدين الشيرازي في تاريخه المعروف بتاريخ «وصاف» والمؤرخون المعاصرون على هذا الشكل:
ورقة مستطيلة، عليها كلمات صينية، وفوقها باللغة العربية كلمة الإسلام «لا إله إلا الله محمد رسول الله» اتباعًا للمألوف في المسكوكات الإسلامية، وتحت هذا اسم الكاتب، ودائرة كتب فيها قيمة الورقة، وكانت القيمة تختلف من نصف درهم إلى عشرة دنانير، ومما كتب على هذه الأوراق هذه الكلمات الهائلة: «أصدر ملك العالم هذه الجاو المباركة سنة ٦٩٣ﻫ، فمن غيَّرها أو محاها يقتل هو وزوجه وأولاده، ويصادر ماله.»
وأرسلت إلى المدن منشورات تبين فوائد التعامل بهذه الأوراق، وتبشر الناس أن الفقر والبؤس سيزولان لا محالة إن دام التعامل بها، ومما جاء في هذه المنشورات هذا البيت:
وترجمته: «إذا راجت في العالم الجاو دام رونق الملك أبدًا.»
ومما جاء في قانون هذه الأوراق أن الورقة التي تمزق أو تبلى، ترد إلى الجاوخانة، ويعطى صاحبها ورقة أخرى تنقص عنها عشر القيمة.
ثار الناس على هذه الأوراق: يروى أنه جعل موعد تداولها في مدينة تبريز شهر ذي القعدة سنة ٦٩٣ﻫ، فلما جاء الموعد أقفلت الحوانيت ثلاثة أيام، ووقفت الأعمال، وأبى الناس أن يقبلوا «الجاو المباركة».
وكان أعظم رجال الدولة نصيبًا من سخط الناس وبغضهم: عز الدين المظفر، الذي وكل إليه إخراج الأوراق والقيام عليها، ومما قيل فيه:
وترجمتها: «أنت عز الدين وظل العالم، ولكن بقاءك شر على العالم، من أجل ذلك ترى المسلمين واليهود والمجوس بعد توحيد الله وتكبيره، يتضرعون إلى الحكم العدل: ربنا لا تجعله ساعة واحدة مظفرًا بمراده.»
انتشرت الثورة في مدن كثيرة، حتى ذهب كبراء المغول إلى السلطان «كيخاتو» فكلموه في أمر هذه الأوراق البغيضة، حتى رضي بإلغائها.