في مجلس رسول الله
دعوة الإسلام تخترق الآفاق، ونور الإسلام يمزِّق الظلمات، ورسول الله ﷺ ماضٍ في جهاده، دائب على إرشاده، يرى تباشير الصبح في أعقاب الليل، ويبصر بسمة الحق لهزيمة الباطل، ويتلقى وفود الإسلام بعد اثنين وعشرين عامًا لقي فيها هو وصحبه ما لقوا من جبروت الشرك، وكبرياء القوة، وعنت الظلم، ولجاجة الباطل، وهجوم الأهوال، وإحاطة المهالك.
وبنو سعد بن بكر في ديارهم شرقي الحجاز إلى الجنوب سمعوا الدعوة الإسلامية، وأحاطت بهم آياتها، وتريثوا حتى لم يبق للريث موضع؛ فأجمعوا أن يتعرفوا كنه هذا الأمر، وفيصل هذه القضية.
هذا رئيسهم ضمام بن ثعلبة يشد رحله إلى المدينة ليلقى صاحب الدعوة ويتبين أمره، وها هو ذا يسير في المدينة يسأل عن الرسول حتى يدخل المسجد راكبًا، وينيخ جمله في فنائه، فانظر إليه في صراحة الرجل الحر يتقدم إلى النبي وأصحابه غير متلجلج ولا متردد.
– إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تَجِد عليَّ في نفسك.
– سل عما بدا لك.
– أسألك بربك ورب من قبلك: آللهُ أرسلك إلى الناس كلهم؟
– اللهم نعم.
– أنشدك بالله: آللهُ أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟
– اللهم نعم.
– أنشدك بالله: آللهُ أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟
– اللهم نعم.
لم يطلب ضمام بن ثعلبة معجزة ولا آية ولا برهانًا، ولكنه رأى المعجزة والآية والبرهان في ذمة محمد وصدقه، فتقدم جريئًا حرًّا يسأل الرجل الحر الذي وثق به ويناشده الله؛ فلما أجابه آمن به غير متردد ولا مرتاب ولا متريث. سأل الرجل العظيم وناشده بربه فأجابه، وهو أكبر في نفسه وأعظم في رأيه من أن يكذبه أو يخدعه. هل وراء هذا للحر برهان؟ وهل بعد الثقة بيان؟ إن في هذا الحوار لعبرة للأحرار!