ملك وفيلسوف١
نشأ إسكندر بن فيليب ملك مقدونيا قويًّا شجاعًا عظيم النفس، بعيد الهمة، وتبوأ العرش في سن العشرين، فأرهق الجندَ بأسُه، وتصرفت بالجحافل همتُه، فلم يعجزه مطلب، ولا بعدت عليه غاية، وما ظنك بملك شاب عظيم طموح، كبير الهمة، يواتيه جند باسل، وجحافل جرارة؟
سار إسكندر فسقطت الممالك لبأسه، وخرت العروش لصولته، فإذا إسكندر ملك ما بين مقدونيا وليبيا والهند، وإذا إسكندر وارث اليونان والفرس وبابل وأشور ومصر.
أيها الملك الشاب، لقد بلغت ما لا يبلغه ملك على الأرض، لقد أتيحت لك السعادة غير منقوصة، وألقت إليك الأماني مقاليدها.
سار إسكندر الكبير يومًا فقيل له: أيها الملك العظيم، إن هذه الخشبة التي نرى من بعيد مسكن ديوجين الفيلسوف، يحملها على ظهره حيثما سار، ويأوي إليها. ديوجين الذي هجر تكاليف الحياة وضوضاء البشر، وقنع بالهواء والماء في الفلوات، يعيش مع الطير والوحش، ويقتات بما يقيم أوده مما تخرج الأرض.
أراد إسكندر تلميذ أرسطو أن يتواضع للفلاسفة، وأن يُؤثَر عنه أنه مشى في عزته وجبروته إلى ديوجين المسكين. أراد إسكندر أن يؤاسي الفيلسوف. مشى الملك العظيم حتى وقف على ديوجين الفقير.
ليت شعري ماذا يهم ديوجين من الملوك والدول؟ وماذا يعنيه من إسكندر وجيوشه؟ إن ديوجين الذي تنفذ نظراته إلى بواطن الأشياء كالأشعة لم ير في إسكندر وجنده إلا ظلالًا تمتد تحت الشمس وتنقبض، إلا صورًا ترسمها ليقة الشمس، ويخفيها ظلام الليل، إلا أخيلة تتراءى ثم تغيب في تضاعيف الزمان.
رفع ديوجين رأسه إلى الإسكندر فلم ير إلا ظلًّا سقط عليه، فحرمه ضوء الشمس، حرمه متاعًا منحه الله الناس جميعًا، ولم يجعل للملوك سلطانًا عليه.
فلما قال إسكندر العظيم: ما حاجتك يا ديوجين؟
قال ديوجين الذي لا يملك شيئًا ولا يملكه شيء: حاجتي أن تذهب فلا تحجب عني ضوء الشمس!