وصرتُ إلهًا بعد التاسعة
«أهَكذَا يَعيشُ المُلوك؛ مُنعَّمِينَ بِما لَذَّ وطَابَ مِنَ العَسلِ والخَمرِ واللَّبنِ والحِسانِ فِي سِجنٍ مُذهَبٍ وتَحتَ إِمرَةِ كَبِيرِ الكَهَنة؟ أتَعجَّبُ مِن تِلكَ العَلاقة؛ فمَلِكٌ يَجيءُ بكَبِيرِ الكَهَنةِ ويُنصِّبُهُ فِي المَعبَدِ وكَبِيرُ الكَهَنةِ يَجيءُ بالمَلِكِ ويُنصِّبُهُ بالمَعبَدِ. النَّاسُ تَرى المَلِكَ الرَّجُلَ الأوَّلَ وكَبِيرَ الكَهَنةِ هُو الرَّجُلَ الثَّانِي، وكِلاهُما يَعرِفُ أنَّ كَبِيرَ الكَهَنةِ هُوَ الرَّجُلُ الأَوَّل. يَزِيدُ الدُّوارُ كُلمَا حَاوَلتُ الفَهْم، الجَمِيعُ يَمتثِلُ للمَلِكِ لأَنَّهُ ابنُ الإِلَه، والمَلِكُ يَمتثِلُ للكَاهِنِ الأَعظَمِ لأَنَّهُ مُتَحدِّثُ الإِلَه … لَكِنْ هُناكَ مُلوكٌ ذَبَحوا كَاهِنَهُم الأَعظَمَ الذِي وَرِثُوهُ مَعَ العَرشِ؛ فلِماذَا لَم يَأتِ وَقتَها بكَلامٍ مِن آمون يَنفِى فِيهِ نَسَبَ المَلِكِ ويَقلِبُ الجَمِيعَ ضِدَّ المَلِك؟»
اقتَرنَ الحُكمُ فِي مِصرَ القَدِيمةِ بالقَداسَة؛ فَكانَ فِرعَونُ مِصرَ إِلهًا مُقدَّسًا مُحتَجِبًا عَنِ النَّاسِ بسُلطانِهِ وقُدسيَّتِه، يَحكُمُ مِن وَراءِ سِتارٍ يَعلُوهُ سِتارٌ آخَرُ لِكَبيرِ الكُهَّانِ (كاهن آمون)، والشَّعبُ يُسبِّحُ بحَمدِهِما. وفِي هَذِهِ الرِّوايةِ الرَّمزِيةِ استَطاعَ المُؤلِّفُ أنْ يَخلُقَ نَصًّا مُكثَّفًا يَجمعُ بَينَ السِّياسَةِ والتَّاريخِ والحُلم، وأنْ يَدمُجَ على مَسارِها السَّرديِّ أَحدَاثًا تَنتَمي إِلى أَزمِنةٍ مُختَلِفةٍ يُوحِّدُها المَكان؛ إذ تَجرِي الأَحداثُ جَميعُها عَلى أَرضِ مِصرَ فِرعَونيَّةً كانَتْ أم حَدِيثة، وتَدورُ في فَلَكِ عالَمَينِ مُختَلِفَينِ يَتَغازَلان؛ عالَمِ الحُلمِ وعالَمِ الوَاقِع، تُؤلِّفُ بَينَهُما الرَّمزيةُ كأدَاةٍ أدَبيَّةٍ فِي استِعراضٍ رَشِيقٍ لمُشكِلةِ السُّلطةِ والحُكمِ فِي مِصرَ مُنذُ القِدَم.