الحلم الأول
كنت أحلم بسيدة وابنتها، كِلتَاهما آية في الجمال، كنا في منزل، لا أعرف أي منزل، في البداية لم أتعرَّف على ملامح السيدة ولا ابنتها، كنا نتحدث، وكانت هناك طاقة غريبة تُحيط بغرفة الجلوس الإنجليزية الوثيرة، المكسوَّة حوائطها بالمكتبات من الأرض للسقف، لا يقطعها سوى باب الغرفة وشُبَّاك يقابله؛ مكتبة مليئة بعجائب الكتب، لا أذكر منها شيئًا، لكنِّي أذكر دهشتي كلَّما لمحت عنوانًا منها.
كانت السيدة برغم أَناقتها وعذوبتها، تُشعرني بأنَّها عرَّافةٌ غجريةٌ تقرأُ الطالع، وبرغم هذا الشعور لم أقاوم ابتسامتها وهي تقدِّم لي فنجان الشاي، ناولتني إيَّاه وعيناها مثبتتان في عينيَّ تُمسمرني في مقعدي الجلدي، كنت أراني وأندهش مني في الحلم، فقد كنت مسلوب الإرادة تمامًا، مَدَدْتُ يدي لتناول فنجان الشاي فلامست أصابعي طبقًا صينيًّا مزججًا باردًا تُشِعُّ من مركزه حرارة من قاع الفنجان، ولامست شيئًا آخر ربما أصابعها، فسَرَت رعشةٌ في جسدي تُشْبِه تنميلة الكهرباء الخفيفة، ولم يطرف جفني، شعرت بأن هناك قوةً شريرةً تُسيطر عليَّ، وكِدْت أجزم بأن الشاي مسمومٌ.
ظهرت ابنتها من خلفها مستندةً على باب الغرفة، فزعتُ من تقارُب الشَّبَه وتقارُب العمر أيضًا، توقَّف الزمن على تلك الصورة، كُلُّ شيءٍ توقف حتَّى الأنفاس، والفتاة تتحرك وحدها في الصورة بجسدها الذهبي المَمْشُوق والمُسدَل عليه ما يُشبِه الدِّثَار أو الشال من الكتان الأبيض الشفاف، لم تكن ترتدي أي شيء غيره، مفتوح من الجانبين، فكلَّما تحركت ظهرت ساقُها بِردْفِها، كانت تتمايل وتنظر لي بإغواء لم أرَ مثله من قبلُ؛ فكانت عيناها تمدُّ سلاسل الفولاذ لتُحيطني وتطرحني أرضًا، كنت أُحدِّق بها وما زالت يداي ممتدةً مُمسِكة بفنجان الشاي وملامِسةً لأصابع أمها، وأمُّها مُحدِّقة في نظرات الجوع بعيني بمنتهى الرضا.
لماذا تحاولان إغوائي؟ فأَنا لا أملك شيئًا يُذكر، صُعقتُ؛ فقد كانت أفكاري تتردد في الغرفة بدَويٍّ مذهل، أشعر بوجهي يحترق من الخجل، خفضت نظري بعيدًا عن تلك الحورية، لتتلقَّفني نظرات أمها التي زادت إشراقًا وتوهُّجًا قائلةً دون أن ينفرج ثغرها: «بل تملك.» وضحكت الفتاة بتقطُّع مبتذَل. أربكني صوت المرأة، بل قطعني لنصفين يملؤهما الارتباك، لتتلاعب بهما تلك الضحكات المتقطِّعة، وددت لو يحدث أي شيء يلملم ما تبعثر مني، وانتفضت على انهيار جدران الغرفة وظهور كائنين يشبهان المسخ الشيطانيَّ من وسط أدخنة ملوَّنة كالتي نستعملها في المؤثِّرات، الغريب أن شكلهما كان كرتونيًّا مُضحكًا إلا أنه أصابني بفزع رهيب، انتفضت من مقعدي برجفة، فعلوت عن المقعد وسقطت مرَّة أخرى على سريري فاتحًا عينَيَّ كفم ذئب يعوي.
وجدتُني أتنفَّس سريعًا فقمت من السرير بعصبية وغضب وخوف، هرعت للثلاجة، وفتحتها بعصبية، لا أعرف ماذا أوقعت وأَنا أسحب زجاجة الماء، لم أُفِق من فزعي حتَّى أفرغت الزجاجة بالكامل بجوفي.