«كاجان» يصرخ: «أربعة ملايين دولار!»
ابتسم «أحمد» وهو يتلقَّى رسالة رقم «صفر» التي يقول فيها: أُهنئكم، وأتمنَّى لكم إجازة طيبة؛ فهو يَعرِف أنَّ الإجازة الحقيقية للشياطين أن يقوموا بمغامرة. أما الأيام التي يَجلسون فيها في المقر السري فهي أيام قاتِلة، وهم كثيرًا ما يُردِّدون ذلك. فهم في المركز، إما أن يقوموا بتدريبات الرماية، أو يُمارسون ركوب الخيل أو السباحة أو الكاراتيه أو غيرها، وإما يقضُون وقتهم في القراءة. ورغم أنَّ كلها رياضات جيدة، إلا أنَّ حب المغامرة عندهم لا يُعادله شيء. كان سبب ابتسام «أحمد» أنَّه يعرف أنَّ الشياطين يخرجون من مغامرة ليدخلوا أخرى، وهم نادرًا ما يقضون إجازة، سواء في المقر السري أو خارجه. وذلك ما كاد ينقضي يوم، حتى كانت رسالة جديدة تصل إليهم تقول: «الاجتماع غدًا في العاشرة صباحًا.»
ابتسم «أحمد» مرةً أخرى؛ فهذه مسألة تتكرَّر كثيرًا. ما إن تصلهم رسالة تتمنَّى لهم إجازة، حتى تلحقها رسالة أخرى تدعوهم للاجتماع. غير أن ابتسامة «أحمد» لم تكن لذلك فقط. لقد كانت أيضًا من أجل المغامرة الجديدة التي سوف يَرحلُون من أجلها؛ فهذه هي الإجازة كما يعرفون. وعندما دقَّت الساعة العاشرة في المقر السري، كان الشياطين يجلسون في أماكنهم في القاعة الصغرى. ربما تكون هذه هي المرة الأولى أو الثانية، التي يُعقد فيها اجتماع في القاعة الصغرى؛ ذلك لأن القاعة الكبرى، كانت هي دائمًا مكان الاجتماع، لكنَّها الآن تُجهَّز تجهيزًا جديدًا، لتضم أحدث أجهزة الاتصال في العالم، ربما بما لا يَخطر على بال أحد.
وهذه كانت واحدة من الأشياء التي تشغل بال «أحمد»؛ فقد كان يتمنَّى أن تنتهي التجهيزات بسرعة، حتى يرى تلك الأجهزة الحديثة التي تُجهز بها القاعة. كانت القاعة الصُّغرى، تضمُّ ثلاثة عشر مقعدًا، كعدد الشياطين، لها نفس الخريطة الإليكترونية، وأجهزة اتصال داخلية فقط، بجوار أنَّها كانت ضد التصنُّت والحريق، فلا يستطيع أحد أن يضع فيها جهازًا لتسجيل ما يدور داخلها؛ لأنَّه ينكشف فورًا، ولا يُمكن لأحد أن يشعل فيها نارًا، أو يفجرها؛ لأنَّها مجهزة ضد كل هذا.
في العاشرة ودقيقة كانت أقدام رقم «صفر» تتردَّد، وهي تعلو شيئًا فشيئًا، حتى توقفت. ثم جاء صوت رقم «صفر» يُرحِّب بهم. سكت لحظة، ثم قال: إنَّ مغامرتنا الجديدة، فيها الكثير من المتعة الحقيقية. وأنا أعرف أنكم سوف تستمتعون بها تمامًا.
تردد صوت خافت، قطع استرسال رقم «صفر» في الحديث فقال: هناك رسالة من أحد عملائنا.
ثم أخذ صوت أقدامه يبتعد حتى تلاشى نهائيًّا. في نفس الوقت، كانت الخريطة الإلكترونية قد أضيئت، وظهرت إسبانيا. نظر الشياطين إلى بعضهم. وقال «قيس»: إننا لم نَبعُد كثيرًا؛ فالجو العربي موجود في إسبانيا. إنَّها بلا شك مُغامَرة ممتعة!
ردَّ «بو عمير»: من يُدريك؟ قد تكون هذه مجرد محطة، في الطريق إلى مكان آخر.
لكن لم يكدْ «بو عمير» يَنتهي من كلامه، حتى ظهرت خطوط الطول والعرض، تحدَّد المكان بالضبط. كان خط الطول ٧ درجات، وخط العرض ٣٨ درجة. لحظة، ثم ظهر خطٌّ رفيع أخذ يتعرَّج حتى توقف، وظهر اسمُه بجواره، وكان نهر «جواديانا». لحظة أخرى، ثم ظهرت دائرة حمراء وبجوارها اسم «باداجون» وهي مدينة إسبانية صغيرة، تقع على نهر «جواديانا» بالقرب من الحدود البرتغالية. وحول مدينة «باداجون»، ظهر اللون الأخضر فعرف الشياطين، أنَّ هذه مزرعة.
قالت «إلهام» مبتسمة: إنَّها إجازة طيبة إذن. مزرعة في إسبانيا بجوار نهر صغير. وطبعًا هناك خيول وطيور وصيد. بجوار أن إسبانيا لها شهرتها في المصارَعات المعروفة.
كان «أحمد» مُستغرقًا في تأمل الخريطة، وهو يُحاول أن يصل إلى استنتاج ما. فماذا تعني مزرعة؟ وماذا تعني مدينة صغيرة بالقرب من حدود دولة أخرى؟ هل هذا مقصود، حتى يكون الانتقال من دولة إلى دولة أخرى أسهل. ولماذا الانتقال؟ ظلَّ يطرح في فكره أسئلة كثيرة ويُحاول أن يجيب عليها، إلا أنَّ صوت أقدام رقم «صفر» قطع عليه فرصة الاستمرار في طرح أسئلة أخرى. وعندما توقَّف صوت الأقدام، قال رقم «صفر»: ها أنتم ترون الخريطة أمامكم. إنَّ مغامرتَكم الجديدة، تُحدِّد في هذا المكان، مدينة «باداجون» الواقعة على نهر «جواديانا». إنَّ هذا يعطي إيحاءً سريعًا بما تُشاهدونه في أفلام رعاة البقر. سكت رقم «صفر» قليلًا، فلمعت في ذهن «أحمد» فكرة: إنَّ المسألة ترتبط بنفس الجو. جو الخيول، والمطاردات وما إليها.
قال رقم «صفر»: إنَّ مغامرتنا تكاد تكون شيئًا من هذا.
ابتسم «أحمد»، حتى إنَّ رقم «صفر» قال على الفور: إنني أعرف أنك تستطيع التوصل إلى نوعية المغامرة بقليل من التحليل. نظر الشياطين إلى «أحمد» الذي كان يخفي ابتسامة.
أضاف رقم «صفر»: أنتم تعرفون أنَّ الحصان العربي الأصيل، هو أغلى حصان في العالم، وهو غالي الثمن؛ لأنه يَتمتَّع بمُميزات لا توجد في حصان غيره. وفي مكتبة المقرِّ السرِّي، دراسات جيدة عن الحصان العربي، وشهرته في المجال العالَمي، أنتم تَعرفون أيضًا أنَّ العرب اهتموا بالحصان من قديم التاريخ. وكان نزول الحصان في المنطقة العربية منذ حوالي ١٥٠٠ سنة قبل الميلاد. والشعراء العرب لهم قصائد شعرية بديعة في الحصان العربي. وهناك أسماء مشهورة، ومعروفة للحصان، يعرفها الذين يهتمُّون بدراسة الحصان العربي.
صمت قليلًا، ثم قال: لقد أقيم مزاد مؤخرًا، وعرض فيه حصان عربي للبيع، وصل التنافس على شرائه حتى ارتفع ثمنه إلى خمسة ملايين دولار. واشتراه أحد الأثرياء العرب، ممَّن يهتمُّون بالخيول العربية. والحصان اسمه «السهم». وهو يحمل إشارة دولية بأنَّه عربي أصيل، لم تختلط دماؤه، أو أنسابه، فهو سليل الحصان العربي الأول.
ظهرت الدهشة على وجوه الشياطين. فهذه أول مرة يدخلون فيها مغامرة من هذا النوع. بجوار أنَّ هذه أول مرة، يَسمعون فيها عن حصان ثمنه خمسة ملايين دولار!
كان رقم «صفر» قد سكت، حتى يرى تأثير ذلك على الشياطين. وكانت وجوههم تبدو واضحة أمامه فقد كان يراهم، ولا يرونه. قال: «مغامرة ممتعة بلا جدال». ثم أضاف بعد لحظة: إنَّ «السهم» يتميز بأوصاف لا توجد في غيره، وإن كنت أريد أن أشرح لكم أولًا الصفات العامة للحصان العربي، فهو يتميز بشيئين … غرة في جبينه، والغرة هي خصلة من الشعر الأبيض في جبهته. والثاني، هو الشعر الأبيض، فوق الحافر مباشرة، وكأنَّه يلبس حلقة بيضاء في قوائمه. فهو واسع العينَين، واسع الجبهة، مستقيم الظَّهر، مُنتظم القوائم، مقوَّس الرقبة، قوي العضلات. وهذه الصفات كلها تجعله من أسرع خيول السباق؛ فاتِّساع عينَيه، يعني تحديده للهدف بقوة. واتِّساع الجبهة يعني ذكاءه. واستقامة الظهر، تُريح الفارس الذي يمتطيه. وانتظام القوائم، تجعله رشيقًا لا يحمل شحمًا يثقل وزنه. وتقوس الرقبة، يجعله أكثر قدرة على الانطلاق، فلا يُعوِّقه الهواء. وقوة عضلاته، تعني أنَّه أكثر قدرة على الحركة والجري والقفز. وهذه كلها مواصَفات مطلوبة لخيول السباق، أو قفز الحواجز.
سكت رقم «صفر» قليلًا، وكان الشياطين يَستمعون باهتمام. فلم يكن الزعيم قد قال لهم ما حدَث للسهم، إلا أنَّ «أحمد» كان قد حدد في ذهنه ما حدث.
قال رقم «صفر»: لقد اختفى «السهم» بعد شرائه بأيام؛ فقد أُقيم المزاد في ولاية فلوريدا الأمريكية. واشتراه الثري العربي، ونقله إلى مزرعةٍ في «تكساس»، حيث تمتدُّ مساحات المراعي، وحيث تُحسن تربية الخيول. ولقد وُضعت حراسة مشدَّدة على «السهم»؛ فهذا السعر المرتفع الذي بيع به، يجعله عُرضة لأيِّ شيء. وهذا ما حدث. واختفاء «السهم» يعني عدة احتمالات: أن تكون عصابة ما قد سرقتْه، أو أن يكون بائعه الأصلي قد فعَل نفس الشيء. في نفس الوقت لا بدَّ أن يكون هناك اتِّفاق بين الحراس وبين من سرق «السهم». مع ذلك فإنَّ الحراس، لم ينقص منهم أحد، وهذه مسألة طبيعية. فإذا اختفى أحدهم، فإنَّ ذلك يعني، أنَّه داخل عملية السَّرقة. لقد حدثت عملية بحث واسعة. واشتركت جهات أمن كثيرة، على مستوى العالم، في عملية البحث، داخل أمريكا، وخارجها لكنَّهم في النهاية لم يتوصلوا لشيء.
سكت الزعيم، في نفس الوقت الذي كان فيه صوت أوراق تُقلب، وعرف الشياطين أنَّها تقارير عملاء رقم «صفر».
قال بعد قليل: إنَّ تقارير العملاء تقول إن «السهم» قد نُقل بطائرة نقل من «تكساس» إلى إسبانيا مباشرة. وأنَّ خطة خطفه كانت مجهَّزة قبل عملية المزاد. وقد نُقل ليلًا، حيث استقر في النهاية في مزرعة السيد «كاجان» بالقرب من مدينة «باداجون» التي تظهر على الخريطة.
إنَّ «كاجان» كان قد حضر مزاد البيع، واشترك فيه. كان المزاد قد بدأ بمبلغ ٧٥٠ ألف دولار، وظلَّ يرتفع حتى وصل إلى ثلاثة ملايين، فعرض «كاجان»، ثلاثة ملايين وربع. رفعها التاجر الفرنسي «دوديه» إلى ثلاثة ونصف. ثم رفعها تاجر أمريكي يُدعى «فوريد» إلى أربعة ملايين دفعة واحدة. صرخ «كاجان» يقول: أربعة ملايين ومائة ألف. فقال الثري العربي ارفعها إلى أربعة ونصف، فصرخ كاجان مرة أخرى: ارفعها إلى أربعة ملايين و٧٥٠ ألف. فقال العربي: إنَّ خمسة ملايين ليست كثيرة على «السهم» العربي!
ولم يَنطِق أحد بعدها، فلم يكن باستطاعة أحد أن يرفع السعر أكثر من خمسة ملايين، وهكذا أصبح «السهم» من حق الثري العربي.
صمت رقم «صفر» لحظة ثم أضاف: لعلَّ ما يلفت النظر في «السهم» أنَّ لونه أزرق. وهو لون لا يتميَّز به سوى الحصان العربي.
ظهرت الدهشة من جديد على وجوه الشياطين. أن يكون هناك حصان أزرق، فهذه مسألة غريبة. غير أنَّ الزعيم أضاف: «إنَّه ليس أزرق طبعًا كالسماء، أو البحر، لكنَّه يَميل في لونه إلى الأزرق الرمادي.» أضيف إليكم شيئًا: إنَّ «كاجان» قد انصرَف بعد المزاد، وقد ظهر الغضب على وجهه. وعندما انصرَف، ظلَّ ينظر في اتجاه السَّهم، وكأنَّه قد عزَّ عليه أن يخسر هذا الحصان النادر.
سكت رقم «صفر». وشعر الشياطين أنَّ المغامرة الآن قد اكتملَت، وأنَّه لم يَعُد أمامهم إلا أن يَنطلقُوا إلى حيث يعيش «السَّهم الأزرق» الآن، في مزرعة «كاجان». انتظر الشياطين أوامر رقم «صفر»، الذي قال بعد لحظة: إنَّ الوقت عامل هام في مُغامرتكم، فليس معنى وجود «السهم» في مزرعة «كاجان» أنَّه سيبقى هناك إلى الأبد، إنَّه يمكن أن ينتقل في أي لحظة إلى أي مكان آخر. في نفس الوقت، لا بدَّ أن يكون تفكيركم، أنَّ «السهم» يمكن أن ينتهي إلى الأبد، فقط، كنوع من الانتقام؛ لأنَّه لم يحصل عليه في المزاد. إنَّ المسألة ليست خمسة ملايين دولار، قيمة «السهم» أبدًا. إنَّ «السهم» نفسه لا يُقدَّر بثمن، لأنَّ نسله سوف يظل عربيًا؛ فأولاده سوف يكونون على نفس الدرجة من الأهمية!
صمت قليلًا، ثم قال: إنَّكم تُنقذون سلالة مهمَّة، من السلالات العربية. وهذه هي أهمية المغامرة. سكت لحظة، ثم سأل: هل لديكم أية أسئلة؟ انتظر قليلًا، لكن الشياطين لم يكن لديهم أي سؤال. ولذلك فقد قال بعد قليل: أتمنَّى لكم التوفيق في مغامرتكم الجديدة. إنَّ مجموعة المغامرة هي: «أحمد»، «رشيد»، «فهد» و«خالد»، «باسم»، عليكم بالانطلاق بسرعة. وإلى اللقاء!
بدأت خطواته تبتعِد قليلًا، قليلًا، حتى اختفَت. في نفس الوقت، الذي كان فيه الشياطين قد بدءوا يُغادرون القاعة الصغرى في طريقهم إلى حجراتهم. ولم تمضِ نصف ساعة، حتى كانت السيارة تُغادِر المقرَّ السريَّ، في طريقها إلى حيث يبدأ الشياطين مغامرتهم.