فيلم خاص عن «سهم»!
كان عليهم أن يَنزلوا «باريس» أولًا، ثم يأخذون طائرة أخرى، إلى «مدريد» عاصمة «إسبانيا». وعندما نزلت الطائرة في مطار «شارل ديجول» الكبير، كانت هناك ساعة حتى يحين موعد إقلاع الطائرة إلى «مدريد». وهذه لم تكن أول مرة ينزلون فيها باريس. كما أنَّها ليست أول مرة يهبطون في مطار «شارل ديجول». ولأنَّ الساعة كانت تُمثِّل بالنِّسبة لهم وقتًا طويلًا، أمام ضرورة سرعة التحرُّك. فقد أخذوا يتجولون في المطار حتى يقطعوا الوقت. ذهب «أحمد» إلى حيث تُباع الجرائد ومجلات اليوم. وقعت عيناه على غلاف مجلة عليه صورة حصان. أسرع يأخذ المجلة، ويقلبها بسرعة. كانت المجلة عن الخيول. اشتراها، واشترى جرائد اليوم، ثم عاد إلى حيث الشياطين؛ فقد جلس «رشيد» على أحد المقاعد، ولم يتحرك من مكانه. كان يتأمل حركة المُسافرين. لمح في يد «أحمد» المجلة والجرائد، فأخذ جريدة، واستغرق في قراءة ما بها من أخبار. نظر «أحمد» في ساعة يده. كانت نصف ساعة قد انقضَت. ألقى نظرة في صالة المطار الواسعة، التي كانت تعج بالنشاط، فلم يرَ أحدًا من الشياطين. قال في نفسه: إنَّهم يقومون بعملية بحث كالعادة. ومن يَدري، فقد يعثر أحدهم على شيء. فتح مجلة «هورس»، ومعناها الحصان، وأخذ يَقرأ. توقف عند موضوع محدَّد، وظهر الاهتمام على وجهه. كان الموضوع عن «السهم».
نظر «رشيد» إليه فرأى الاهتمام على وجهِه. ظل يتتبعُه لحظة، ثم همس إليه: هل هناك ما يجذب اهتمامك؟
ردَّ «أحمد» دون أن ينظر إليه: إنَّه «السهم»!
انتقل «رشيد» إلى جواره، وألقى نظرةً على المجلَّة. كانت صورة حصان رشيق تمامًا، جميل الصورة، له نفس المواصفات التي ذكرها رقم «صفر»: واسع العينين، واسع الجبهة، مستقيم الظَّهر، مقوس الرقبة، تبدو عليه القوة، وتحدد اللون أمام «رشيد». إنَّه فعلًا الأزرق المائل إلى الرمادي. همس: كم هو جميل. «إنَّه فعلًا يستحق السرقة!»
ابتسم «أحمد» دون أن يردَّ. فقد كانت عيناه تجريان على السطور، يُحاول أن يعرف المزيد عن «السهم». كانت المجلة تذكر البطولات التي اشترك فيها «السهم» والجوائز التي فاز بها. أيضًا ذكرت مسابقة أجمل حصان، كان «السهم» هو الفائز بالجائزة الأولى. كذلك عرضت المجلة تاريخ حياة «السهم» وموطنه الأول، وعائلته التي انحدَر منها، والذين اشتروه، الواحد بعد الآخر، حتى وصَل إلى الثري العربي. ثم تعرَّضت لحادثة اختفائه. وكان واضحًا اهتمامهم بأخبار «السهم».
قطع استغراقهما في القراءة صوت مُذيعة المطار، تطلب من المسافرين التوجُّه إلى الطائرة المتَّجهة إلى «مدريد»، في نفس اللحظة التي وصل فيها الشياطين إلى حيث يجلس «أحمد» و«رشيد»، اتجه الشياطين بسرعة إلى الطائرة … ولم تمضِ دقائق على جلوسهم على مقاعدهم، حتى كانت تشقُّ الفضاء. شرد «أحمد» قليلًا، ثم قدم المجلة إلى «خالد»، الذي انهمك في القراءة؛ فقد أشار «أحمد» إلى الموضوع الخاص ﺑ «السهم».
ألقى «أحمد» نظرة من خلال النافذة الصغيرة التي بجواره. كانت الطائرة، تمرُّ فوق سلسلة جبال عالية تمامًا. تذكر قليلًا، ثم عرف أنَّها سلسلة جبال «البرانس» التي تقع بين فرنسا وإسبانيا. كان المنظر بديعًا جدًّا. هذه الألوان الإلهية البُني والأبيض والأزرق والبنفسجي. كل هذه الألوان، مُتجاورة ومُنسجمة. قال في نفسه: إننا ندخل إسبانيا. وبعد قليل سوف تظهر سلسلة جبال «سيراجوادراما» الإسبانية. بعدها ننزل في «مدريد».
في نفس الوقت كانت مجلة «هورس» تنتقل من «خالد» إلى «باسم» ثم «فهد». نظر «أحمد» في ساعة يدِه، في اللحظة التي أعلنت فيها مذيعة الطائرة، أنَّهم يقتربون من مطار «مدريد»، ولذلك طلبتْ من الركاب ربط الأحزمة. ولم تمرَّ ربع ساعة، حتى كانت الطائرة تنزل في مطار «مدريد». دقائق أخرى، وكان الشياطين يأخُذون طريقهم إلى خارج المطار.
كان الغروب قد بدأ يَنشُر أضواءَه الرمادية خارج المطار. اتجه الشياطين مباشَرة إلى سيارتهم التي كانت تقف هناك. وعندما ركبوا وأغلق آخرهم الباب، كان صوت عميل رقم «صفر» في «مدريد» يرحب بهم، ويقول: إنَّ القطار المتَّجه إلى «باداجون» سوف يتحرَّك عند منتصَف الليل. ويصلها عند الفجر. يُمكِن أن تقضوا هذا الجزء من الليل، في فندق «آراب» أو «العرب».
رد «أحمد» يشكره وهو يقول: سوف نتجه فعلًا إلى هناك!
اتجهت السيارة إلى فندق «آراب»، حيث أسرعوا إلى حُجراتهم، لكنهم لم يبقوا فيها كثيرًا؛ فقد اتجهوا جميعًا إلى حجرة «أحمد»، يقضُون الساعات الباقية في رسم خطة عملهم. فجأة، أعطى جهاز الاستقبال إشارة. فعرفوا أنَّ هناك رسالة من رقم «صفر» لأنَّها إشارة خاصة. كانت رسالة شفرية، استقبلها «أحمد». كانت الرسالة: «٢٩ – ١٤ – ٢٣ – ٢٢ – ٢٤» وقفة «٣ – ١٢ – ٥ – ٢٩ – ٢٣» وقفة «٢٣ – ٢٤ – ١١ – ١ – ٨» وقفة «٢ – ٢٩ – ١٨» وقفة «١٢ – ٢٧ – ٢٤» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٣ – ٢٩ – ٢٣ – ٢٧» وقفة «١ – ٢٣ – ٦ – ٨ – ٢٩ – ٤» وقفة «٢٤ – ١٨» وقفة «١ – ٢٣ – ١٨ – ٢٤ – ٢٩ – ٢٣» انتهى. وكانت ترجمة الرسالة: يصلكم تسجيل لمزاد بيع السهم الليلة. الحديث مع العميل.
ظهرت الدهشة على وجه الشياطين. وقال «خالد»: هذا رائع، أن نرى كل الأطراف: «سهم» و«كاجان» «وفوريد» و«دوديه». لقد كنت مُتلهِّفًا لرؤية «سهم» بالذات.
قال «رشيد»: سوف نراه على الطبيعة في مزرعة «كاجان»!
«باسم»: من يدري. ربما يكون قد اختفى!
تعلق الصمت فوق رءوس الشياطين. فهل يمكن أن يختفي «سهم» إلى الأبد. أو هل يُمكن أن ينتقِل من مزرعة «كاجان» إلى أي مكان آخر؟ كانت هذه الاحتمالات موجودة، فأي شيء، يمكن أن يحدث.
فجأة دقَّ جرس التليفون. فأسرع «أحمد» إليه.
رفع السماعة، فجاءه صوت العميل: هل أنتم مستعدون؟
ردَّ «أحمد»: نعم.
قال عميل رقم «صفر»: سوف أبدأ عرض الفيلم الآن، افتحوا التليفزيون عندكم، مع تثبيت الجهاز «ص» في ظهر التليفزيون، سوف يكون العرض خاصًّا بكم، ولا يستطيع أحد أن يشاهده غيركم!
شكره «أحمد» ووضع السماعة، وبسرعة، كان يثبت الجهاز «ص» وهو جهاز إليكتروني دقيق، فوق ظهر التليفزيون. والجهاز «ص» هو عبارة عن جهاز استقبال تليفزيوني، يعمل على موجة خاصة لا يعرفها سوى الشياطين. بعد لحظة، ضغط زر التشغيل في التليفزيون، بينما كان الشياطين، يجلسون أمام الجهاز في اهتمام. لحظة، ثم ظهرت إشارة حمراء. تركزت الكاميرا على مساحة خضراء واسعة. لحظة أخرى، ثم ظهر حصان أسود، تبدو عليه القوة، كان يركبه «جوكي»، دار دورة هادئة داخل الملعب الأخضر. كانت الكاميرا تستعرض الحصان وهو يمشي مهتزًّا، وكأنَّه يرقص. لحظة ثم انتقلت إلى مدرج مُزدحِم بالمُتفرِّجين. وعلى حافة الملعب، كان يقف عدد من المهتمين بالخيول.
جاء صوت مُرتفِع يعلن: الحصان «رعد». البداية ٥٠ ألف دولار!
مرَّت لحظات صمت، وتقاربَت رءوس، ثم قال الصوت: السيد «كاجان» يعرض ستِّين ألفًا. ثم …
توالت الأرقام، حتى ٥٠٠ ألف دولار، ودفعها السيد «دوديه»، التاجر الفرنسي. عندما أعلن المذيع ذلك، تركزت الكاميرا على «دوديه» بوجهِه النحيل، وقامته الممشوقة كسيف. وتوالت الخيول، بين الأبيض والبني، والأسود البني، ثم في النهاية، أعلن صوت المذيع: والآن، نحن أمام أجمل حصان شهدته الملاعب. إنَّه ملك جمال الخيول. سكت لحظة، كان الشياطين يتابعون باهتمام، لكنهم الآن، أكثر اهتمامًا. جاء صوت المذيع يقول: «آرو!» ويعني «سهم». ثم قال: ««سهم» الفائز ببطولة العالم في السباق، وحاصل على لقب أجمل حصان.» لحظة، ثم ظهر «سهم»، وكان يَمتطيه فارس أسمر، يلبس ملابس «الجوكيه» ذات اللون الأبيض.
كان «سهم»، أزرق اللون كما قال رقم «صفر». وكما ظهر في مجلة «هورس». شديد الجمال، يَمشي في ثقة، وكأنَّه يعرف أنَّه أجمل حصان في العالم.
قال المذيع: إنَّ «سهم» لا يحتاج إلى تعليق كبير. فأنتم جميعًا تعرفون من هو «سهم» … سكت المذيع، بينما تركزت الأعين على هذا الحصان البديع. كانت الكاميرات تقدم «سهم» من كل الزوايا. لحظة، ثم أعلن المذيع: البداية نصف مليون دولار … يعرضها السيد «فوريد» من أمريكا. بعدها مباشرة قال: ٦٠٠ ألف … السيد «بوش» من ولاية «دالاس». وبدأت الأرقام: ٧٠٠ ألف دولار … «جوار» من هولندا.
– ٨٠٠ ألف دولار … من «فوشيه»، فرنسا.
– مليون من السيد عاص … عربي.
– مليون وربع من السيد «كاجان».
– مليون و٣٠٠ ألف من «دوديه».
ثم ارتفعت حمى الأرقام: ثلاثة ملايين من «كاجان»!
تركزت الكاميرا، على «كاجان». كان صلبًا، طويلًا يميل إلى سمرة خفيفة. عيناه ضيقتان كثعلب، يمسك في يده وردة حمراء، يقضم أطرافها. وعرف الشياطين أنَّها حالة عصبية. ثم فجأة أعلن المذيع: ثلاثة ملايين ونصف من «عاص»!
ارتفعت همهمة من الناس … بينما كانت الكاميرات، تتوقف عند «سهم» الذي كان يدبُّ الأرض بقدميه، وكأنه يعترض على الرقم.
ارتفعت الأرقام، حتى قال المذيع: أربعة ملايين و٧٥٠ ألفًا من «كاجان».
أعقبها مباشرة صوت المذيع يقول: خمسة ملايين من السيد «عاص».
ارتفعت الهمهمات أكثر، وتركزت الكاميرات على السيد «عاص» لأول مرة. كان يبدو كالفارس، له لحية صغيرة، وكان يبدو متوسط السن. وبسرعة انتقلت الكاميرا إلى وجه «كاجان» الذي كان يقضم الوردة الحمراء من غضبه، ثم ألقى بها إلى الأرض في عنف.
انتهى الفيلم. ونظر الشياطين إلى بعضهم.
فقال «رشيد»: إنَّ «كاجان» يبدو ضيق الصدر تمامًا.
أسرع «أحمد» ينزع الجهاز «ص» من ظهر التليفزيون. في نفس الوقت الذي ارتفع فيه رنين التليفون فردَّ «أحمد». كان صوت عميل رقم «صفر» يقول: أرجو ألا تنسوا نزع الجهاز «ص»!
ابتسم «أحمد»، وهو يقول: لقد نزعناه فعلًا.
قال العميل: هل من أوامر أخرى؟
شكره «أحمد»، فتمنَّى للشياطين رحلة طيبة، ثم انتهت المكالمة.
استغرق الشياطين في أحاديث شتى، فقد استقر رأيهم على أن يستغلوا رحلة القطار في النوم. ولذلك، ما إن دقَّت الساعة الحادية عشرة، حتى قال «أحمد»: ينبغي أن نتحرَّك الآن، حتى يكون الوقت ملكنا.
في دقائق، كانوا يُغادرون فندق «آراب» إلى السيارة التي أقلتهم إلى حيث محطة السكَّة الحديد، التي تقع في قلب «مدريد». كان الجو لطيفًا، ولم يكن هناك ركاب كثيرون. أسرع «فهد» بإحضار التذاكر من الشباك، ثم عاد إلى الشياطين، حيث كانوا يقفُون على رصيف المحطة. دقائق، ووصل القطار. تحركوا إلى حيث أماكنهم المحدَّدة، وكانت عربات نوم.
أخذ «أحمد» و«فهد» حجرة. وأخذ «خالد» و«باسم» حجرة.
فقال «رشيد»: أرجو أن يكون زميلي في الحجرة، في حاجة إلى النوم، فلا يضطرُّني إلى السهر، حتى «باداجون».
بعد ربع ساعة، أطلق القطار صفارة البداية. وعندما تحرك وهو يغادر المحطة، كان هذا يعني، أن الشياطين في طريقهم للقاء «كاجان» و«سهم» أيضًا.