أخيرًا … ظهر «سهم»!
أخرج «أحمد» مسدَّسه بيده الأخرى، وضرب الحارس فسقط ساكتًا.
قال «أحمد» ﻟ «باسم» بسرعة: استعد. إننا مقبلان على معركة كبيرة.
نظر «باسم» بسرعة، ثم هتف: إنَّها معركة غير متكافئة!
ردَّ «أحمد»: اختفِ بسرعة.
في قفزة واحدة، كان الاثنان، قد أصبحا خلف النباتات التي تقوم على جانبي المكان. وما إن استقرا، حتى كانت طلقات الرصاص تدوي في الفضاء، في نفس الاتجاه الذي سقطا فيه. إلا أنَّهما كانا يتوقعان ما حدث. ولذلك، فإنهما لم يستقرا مكانهما؛ فقد زحفا بسرعة مبتعدين عن الهدف، الذي يُطلق عليه الآخرون طلقاتهم. ولم يكن زحفهما بطيئًا كانا قد أسرعا في اتجاه مُضاد، لأنَّهما يعرفان أنَّ المهاجمين سوف يوسعون المساحة التي يطلقون عليها. وعندما ابتعدا بما يَكفي، أرسل «أحمد» رسالة إلى الشياطين. كانت رسالة شفرية: «١ – ٢٥ – ١٥ – ٢٤ – ٢٦ – ١» وقفة، «١ – ٢٣ – ٢٩» وقفة، «١ – ٢٣ – ٢٥ – ٢١ – ١٦ – ٢٧» وقفة، «٢٢» وقفة، «١ – ٢٣ – ٢٤ – ١٨ – ١٠ – ٢٢ – ٢٧» وقفة، «٢ – ٨ – ١ – ٣» انتهى … وكانت ترجمة الرسالة: «انضموا إلى النقطة «ك» المعركة بدأت.»
توقف «أحمد» و«باسم»، وألقيا نظرة في اتجاه المزرعة. قال «باسم»: هذه طبعًا مزرعة سرية.
ردَّ «أحمد»: بالتأكيد. ولا بدَّ أن «كاجان» يمارس فيها هواياته غير المشروعة.
كان صوت الطلقات قد تناقَص. حتى توقف، فقال «أحمد»: إنَّ ضربتنا لا بد أن تكون سريعة. فلو تأخَّر الوقت، فإن «سهم» قد يُفلت منَّا.
أكمل «باسم»: أيضًا. لا بدَّ أن أنباء سوف تخرج من هنا، إلى «كاجان» في مزرعته الكبرى. وهذا يؤكد، ضرورة أن نضرب ضربتنا، قبل أن تتعقد الأمور.
قال «أحمد» بعد قليل: أظن أنَّهم لن يلجئوا إلى «كاجان» الآن. فسوف لن يكشفوا ضعفهم بسرعة، إلا إذا فقدوا الأمل.
سكت لحظة، ثم أضاف: سوف يُفضلون القبض علينا وتقديمنا ﻟ «كاجان»، حتى يُثبتوا أنهم قادرون على حماية أعماله.
قال «باسم»: هذه وجهة نظر صحيحة. والمهم الآن، أن نصل إلى «سهم».
تحرَّكا من جديد، وهما يوسعان دائرة تحركهما، حتى يكونا في أمان. كانت وجهتهم مباني المزرعة، التي كانت تتركَّز في مُنتصفِها. اقتربا من شجرة ضخمة، فقال «باسم»: سوف أصعد لأكشف المكان جيدًا.
وفي خفَّة تسلَّق ساق الشجرة، حتى توقف بين أغصانها، وعن طريق جهاز الإرسال الذي يَحمله كان يتحدَّث إلى «أحمد»، حتى لا يرتفع صوته. فربما كانت هناك أجهزة تنصُّت أيضًا؛ فالموجة التي يُرسل عليها إلى «أحمد» موجة سرية، لا يَعرفها سوى الشياطين.
أرسل إلى «أحمد» يقول: إنَّ مجموعة الرجال تُشكل دائرة واسعة في نفس المنطقة هنا، فهم ما زالوا يبحثون عنا، وهذا يعطينا فرصة طيبة للتحرك.
صمت لحظة، ثم قال: مباني المزرعة قليلة. وهي لا تتجاوز ثلاثة مبان، موزعة في شكل حرف «ﻟ» الضلع الأكبر فيه مبنيان، والضلع الأصغر فيه مبنًى واحد. لا يوجد أيُّ أثر لخيول، أو حيوانات حتى على مدى البصر، المزرعة تمتدُّ امتدادًا كبيرًا، لكنَّها واضِحة أمامي تمامًا، اقترح الآن، أن نتَّجه إلى المباني. فالمؤكَّد أننا سوف نجد ضالتنا داخلها، خصوصًا وأنَّ الرجال مشغولون بالبحث عنَّا في مكان آخر. لحظة، ثم استقبل رسالة من «أحمد» تقول: «انزل. سوف نُنفذ اقتراحك.»
في رشاقة ترَك نفسَه مُنزلِقًا حتى أصبح بجوار «أحمد». وفي سرعة، تحرك الاثنان في اتجاه المباني، اقتربا من نهاية الزرع. وأصبح عليهما أن يقطعا الأرض المكشوفة، إلى حيث الهدف. لكن الأرض المكشوفة كانت متسعة، بما يكفي لأن تكشفَهما.
قال «أحمد»: ينبغي أن نلجأ إلى التمويه، حتى لا نَلفت نظر أحد.
بسرعة، كان كلُّ منهما ينتزع نباتًا محملًا بالأغصان، ثم يحمله، مختفيًا داخل هذه الأغصان. تقدَّما في بطء. كان «أحمد» يخطو عدة خطوات ثم يتوقَّف، فيتقدَّم «باسم» حتى يتجاوَزه ثم يتوقف، ليتحرك «أحمد» من جديد. وهكذا، ظلا يتبادَلان التحرك، حتى قطعا نصف المسافة.
قال «أحمد»: إننا هكذا مكشوفان في الأرض الخالية.
ردَّ «باسم»: إنَّنا أقل ظهورًا مما لو تحركنا بمفردنا.
قال «أحمد»: يجب أن نسرع، قبل أن نلفت النظر.
تحرك الاثنان بسرعة، حتى أصبحا قريبين من المباني، وحيث تبدأ النباتات مرة أخرى. لكن فجأة، دوى صوت طلقات الرصاص فوقهما. غير أنَّهما كانا أسرع إلى النباتات فقد قفزا قفزة واسعة، واستقرا داخل النبات. ناما منبطحين على الأرض، فهمس «باسم»: لقد انكشفنا مرة أخرى.
قال «أحمد»: لا بأس. من الضروري أن نَنكشِف، وأن نواجههم.
قال «باسم»: أقترح أن نُؤجِّل لحظة الصدام، حتى يصل الشياطين.
وكأن الشياطين كانوا يسمعون حوارهم. فقد وصلت رسالة من الشياطين تقول: نحن داخل المزرعة الآن. تجاوزنا النقطة «ك». نحن في المنطقة «ق»!
ابتسم «أحمد» وهو ينقل الرسالة إلى «باسم» الذي ابتسم هو الآخر، وهو يهمس: إنَّ الشياطين معًا دائمًا.
كان صوت الطلقات لا يزال يدوي، فقال «أحمد»: لا بدَّ أن هؤلاء مجموعة أخرى؛ فالمجموعة الأولى لا تزال بعيدة.
زحفا بسرعة في اتجاه المباني. في نفس اللحظة، سمعا صوت سيارة تقترب. ارتفع «أحمد» برأسه قليلًا، ثم هتف بصوت خافت: سهم.
تساءل «باسم»: ماذا هناك؟
قال «أحمد»: لقد عادت السيارة البيضاء، وهي تحمل «سهم».
ابتسم «باسم» وهو يقول: لو أنَّها تأخَّرت بعض الوقت لكنا فقدنا الأمل.
كانت السيارة تقترب من المباني، حتى توقفت بعيدة عنها. ارتفع صهيل «سهم»، فقال «باسم»: إنَّ صوته كالنغم بالنسبة لي.
كان «أحمد» لا يزال يراقب الموقف، وهو مختف بين النباتات. ولم يكن يظهر منهما أي شيء. فجأة وصلت رسالة من الشياطين: هل تَحدَّد موعد الصدام؟
ردَّ «أحمد» بسرعة: انتظروا بعض الوقت. الإشارة لمبة إضاءة.
وقف «باسم» في مكان مرتفع أيضًا، وبدأ يراقب. فجأة تحرَّكت السيارة البيضاء، في طريقها إلى مغادرة المزرعة.
أرسل «أحمد» رسالة سريعة إلى الشياطين: لا تدعوا السيارة تمر؛ فأنتم أقرب إليها.
اقتربت السيارة من البوابة. لكن فجأة، دوت طلقة رصاص ثم تبعها صوت انفجار. فقال «باسم»: لقد أصاب الشياطين الهدف.
ارتفع صوت «سهم»، وبدأت أقدامه تضرب صندوق السيارة. فقال «أحمد»: إنَّ سهم قد يصاب بهذه الطريقة. يجب إنزاله من السيارة.
ولم يكد ينتهي من كلماته، حتى كان «سهم» يقفز من السيارة فعلًا.
قال «باسم»: لقد تصرفوا بطريقة صحيحة!
قال «أحمد»: ينبغي أن يبتعد عن المكان، وإلا فقد يصاب بطلق ناري.
جاءت رسالة من الشياطين: هل نبدأ؟
رد «أحمد»: ليس الآن، حتى لا يصاب «سهم».
كان الرجال يأخذون «سهم» بعيدًا عن المكان، في اتجاه أحد الأبنية، بينما ظل الشياطين يراقبون الحركة، حتى دخل «سهم»، المبنى المنفرد.
همس «باسم»: لقد حقَّقوا ما نريد بالضبط. إن معركة الرجال، ليست شيئًا صعبًا.
أشار له «أحمد»: سوف نتحرَّك.
أرسل رسالة سريعة إلى بقية الشياطين: الاتجاه النقطة «س»!
تحرَّك هو و«باسم» في اتجاه المبنى المنفرد. في نفس الوقت، كانا يعرفان أنَّ الشياطين يتَّجهون نفس الاتجاه. اقتربا من المبنى تمامًا، كان الرجال يقتربون هم الآخرون من نفس المكان، في شبه دائرة كاملة.
قال «أحمد»: هذه فرصتنا. إنَّهم أوقعوا أنفسهم في خطأ قاتل؛ فهم الآن في شبه دائرة وهذا يعني، أنهم لا يستطيعون إطلاق النار. لأنهم سوف يصيبون أنفسهم. هذه فرصتنا.
أرسل رسالة سريعة إلى الشياطين: إطلاق الرصاص يبدأ بعد الصفارة. لحظة، ثم ضغط زرًّا في جهاز الإرسال الصغير، فأصدر صفارة هادئة. في نفس اللحظة، كان الشياطين جميعًا قد فتحوا النار على رجال المزرعة. وردَّ الآخرون بإطلاق الرصاص. لكن فجأة، صاح أحدهم: أوقفوا النيران. إنكم تُصيبوننا!
توقف رجال المزرعة عن إطلاق الرصاص، في الوقت الذي قال فيه «أحمد»: استمر في إطلاق الرصاص. ثم قدم له مسدسه، وهو يقول: أطلق الاثنين معًا، حتى لا يلفت انسحابي نظر أحد. سوف أتجه إلى مبنى «سهم»؛ فهذه فرصتنا وهم مشغولون بنا.
بدأ «باسم» يطلق المسدسين معًا. كان يطلق من مكان ثم يقفز ليطلق من مكان مختلف، حتى لا يعطي فرصة لأحد، كي يعرف العدد. في نفس الوقت كان «أحمد» قد اتَّجه إلى مبنى «سهم». قفز قفزة واسعة، فأصبح يقف أمام بوابة حديدية، مُغلقة تمامًا. حاول أن يبحث عن مكان القفل لكنه لم يجده. أخرج بسرعة جهاز الأشعة الصغير، ثم سلَّطه على البوابة، وضغط زرًا فيه. انطلقت الأشعة حتى اصطدمت بالبوابة، التي فتحت بعد لحظة. قفز إلى الدخل. كانت هناك مساحة واسعة، ثم سرداب مضاء بإضاءة خافتة. أسرع يقطع المساحة في حذر، وهو ينظر حواليه، ثم اندفع إلى داخل السرداب. كان يبدو مرتفعًا جدًّا. فكَّر لحظة، ثم قال: إنَّه يكفي لأن يجري «سهم» فيه، حتى نهايته … أسرع يجري بسرعة. فجأة، ظهرت بوابة أخرى. توقف عندها، وكما فعل مع الأولى فعل مع الثانية. أخرج جهاز الأشعة، ثم سلَّطه عليها. انفتحت بعد لحظة وتقدم في حذر؛ فقد كان يفكر: ربما تكون هناك حراسة عند كل بوابة. لكن أحدًا لم يظهر. أسرع أكثر. كانت نسبة الضوء قد بدأت تزداد. شعر ببعض الهواء، فقال في نفسه: لا بدَّ أنني اقتربت من النهاية. ركَّز سمعه واستمع. تخيل أنَّ هناك أصوات طيور، أو صهيل حصان. ثم تشمَّم رائحة زروع. فجأة، أظلمت الدنيا حوله، وانقطع الهواء والأصوات. قال في نفسه: لا بد أنَّ هناك بوابة أغلقت، ولا بد أنَّها البوابة الأخيرة. أخرج بطارية صغيرة من جيبه، ثم أضاءها، وتقدم كان يصطدم بالحائط، فقد انحرف السرداب فجأة. انحرف معه، ثم ركَّز ضوء البطارية أمامه. كان الظلام لا يزال كثيفًا. تقدم أكثر، ثم سدد الضوء إلى الأمام. فوقع على حديد البوابة. أسرع حتى اقترب. فكَّر لحظة: هل أفتح البوابة الآن؟ أو أنتظر بعض الوقت؟
انتظر قليلًا، لكنه خشيَ أن يمر الوقت، ويختفي «سهم»، أسرع بجهاز الأشعة، وفتح الباب. فجأة غمر الضوء عينيه، حتى إنَّه اضطر إلى وضع يديه فوق عينيه. فقد كان ضوء النهار قويًّا. وقبل أن يرفع يديه، بعد أن بدأت عينيه تألفان الضوء، رنت طلقة بجواره، جعلتْه يَنبطح على الأرض. إلا أنَّ الطلقة لم تكن الوحيدة؛ فقد توالت بعدها الطلقات.