المعركة الحاسمة!
ألقى نفسه منبطحًا على الأرض، وهو يتدحرج بعيدًا عن مرمى الطلقات. كان يفكر في نفس الوقت: كيف يمكن الخروج من هنا. إنَّ الوقت أصبح ثمينًا جدًا الآن. ﻓ «سهم» يمكن أن يختفي في هذه اللحظة!
لم يكن أمامه أي طريق للخروج؛ فقد كانت طلقات الرصاص ما تزال تدوي عند فتحة السرداب. بعد لحظة، أرسل إلى الشياطين: «١ – ٣ – ٥ – ٢٧ – ٢٦ – ١» وقفة، «١ – ٢٣ – ٢٩» وقفة، «١ – ٢٣ – ٢٥ – ٢١ – ١٦ – ٢٧» وقفة، «٢٥» وقفة، «١ – ١٣ – ٣ – ٢ – ٢٢ – ٢٦ –١» وقفة، «١٢ – ٢٧ –٢٤» وقفة، «٢٠ – ٢٩» وقفة، «٢٥ – ٢٠ – ٢» وقفة، «١ – ٢٣ – ٢٥ – ٢١ – ١٦ – ٢٧» انتهى.
وكانت ترجمة الرسالة: «اتَّجِهوا إلى النقطة «ن». اشتبِكوا. «سهم» في نفس النقطة.» انتظر قليلًا، ثم جاءه الرد: «تحرَّكنا إلى هناك. الاشتباك بعد «م»!»
زحف مقتربًا من فتحة السرداب. كانت الطلقات قد هدأت قليلًا، لكنها كانت تتردَّد بين كل لحظة وأخرى. عندما أصبح عند الفتحة تمامًا، أخرج مسدسه، ثم ألصق ظهره بالحائط، وأطلق طلقة واحدة، ما كادَت الطلقة ترن، حتى توالت الطلقات في اتجاهه. فكَّر: من الضروري، أن أشتبك معهم، حتى أُعطيَ فرصة للشياطين، كي يقتربوا بسرعة. بدأ في إطلاق النار. في نفس الوقت كان يفكر في خدعة، أخرج قنبلة دخان، ثم دحرجها بعيدًا بين النباتات التي تلي فتحة السرداب. قال في نفسه: يمكن أن أزحف تحت ستار الدخان، وأختفي في النباتات. انتظر قليلًا وهو يراقب الخارج. لحظة، ثم بدأ الدخان ينتشر. قال في نفسه مرة أخرى: إنَّ عدة قنابل دخانية، يمكن أن تثير الرعب في نفوسهم.
بسرعة أخرج ثلاث قنابل، ثم دحرجها كل واحدة في اتجاه. بدأ الدخان، يزداد، وينتشر، حتى كوَّن ستارًا كثيفًا. زحف في حذر إلى الخارج. كان صوت الطلقات متجهًا إلى اتجاه آخر، حيث كانت القنابل الدخانية تفعل فعلها. سمع صوت صهيل حصان، فقال في نفسِه: ربما يكون صوت «سهم». في نفس الوقت، تردد صوت سيارة. فكر «أحمد» لحظة: قد تكون هذه السيارة لنَقلِ «سهم» من المكان. غير أنَّه فكر في نفس الوقت، وكأنَّه يردُّ على نفسه: إنَّ الشياطين سوف يُراقبون هذا جيدًا.
ولهذا أرسل رسالة إليهم: أين أنتم الآن؟
جاءه الرد بسرعة: إننا نقترب من النقطة «ن» ونرقب كل شيء.
تحرك من مكانه، متجهًا إلى النهر. كانت النباتات كثيفة في هذا المكان، حتى إنَّ تحركه، أصبح صعبًا. فكَّر لحظة: هل يَشتبك معهم، حتى يُعطِّل تحرك «سهم». أو أنَّ هذا يُمكن أن يجعلهم يُعجِّلون بعملية تهريبه. قرَّر في النهاية، ألا يَشتبك. لكنه سمع صوت موتور يدور. استمع قليلًا، ثم قال: إنَّه موتور «اللنش». هل ينقلون «سهم» بواسطة «اللنش» إلى مكان آخر؟
في نفس الوقت، تردَّد صوت صهيل حصان … وقبل أن يُقرِّر شيئًا، كان صوت الطلقات قد بدأ. وقف وهو يركز سمعه، ثم ابتسم. لقد كانت هذه طلقات الشياطين. كان قد تجاوز منطقة الدخان، وأصبح قادرًا على الرؤية. ألقى بصره في اتجاه النهر، حيث كان صوت «اللنش» لا يزال يتردَّد، فرأى «سهم». كان أحد الرجال يجره بسرعة، في اتجاه النهر. في الوقت الذي اشتبك فيه آخرون مع الشياطين.
كانت هذه فرصته. قفز قفزة واسعة، قطع بها حوضًا من النباتات. كان النهر قد أصبح قريبًا منه وأصبح الرجل، و«سهم» أمامه مباشرة. تقدم في خفة. حتى أصبح على مرمى حجر، من الرجل. تقدم أكثر، حتى أوشك أن يصل إلى ضفة النهر. انتظر قليلًا؛ فقد كان الرجل يتراجَع بظهره، ووجهه في اتجاه «أحمد». فكَّر: هل يُصيبه بطلق ناري؟ إلا أنَّه لم يفعل؛ لأنَّ ذلك سوف يلفت نظر الآخرين. دار دورة سريعة، حتى أصبح في جانب الرجل، أمسك قطعة من الطين الجاف، ثم قذفها في ساق «سهم». صهل الحصان في ذعر، وشب على قدميه الخلفيتَين، حتى إنَّه كاد يفلت من الرجل، إلا أنَّ الرجل تشبث باللجام.
انتهز «أحمد» الفرصة، فهو يعرف الآن، أنَّ الرجل يركز كل قوته وانتباهه في «سهم». قفز قفزة واسعة، فسقط على الرجل، الذي لم يكن قد انتبه له، كما قدَّر تمامًا. وقع الرجل على الأرض، وقبل أن يُفكِّر في أي حركة يقوم بها، كان «أحمد» قد وقف فوق رأسه تمامًا. نظر الرجل في دهشة، إلا أنَّ شيئًا ثقيلًا، سقط فوق «أحمد»، فنزل به إلى الأرض، إلا أنَّه كان أسرع فكرًا، فقد تدحرج، وهو يُلقي نظرة سريعة، ليرى رجلًا ضخمًا قد سقط مكانه. في نفس الوقت الذي كان فيه الآخر قد أخرَج مسدَّسه، وقبل أن يضغط الزناد كانت طلقة قد استقرت في فوهة مسدَّسه فانفجر. لقد كانت الطلقة صادرة من مسدس «خالد» الذي كان قد اقترب.
قفز «أحمد» في سرعة، في الوقت الذي كان فيه العملاق الضخم قد استعاد نفسه. إلا أنَّ هذه لم تكن هي المُشكلة، إنَّ «سهم» قد انطلق في فزع، يَجري بلا هدف. فكَّر «أحمد» وهو يقف قريبًا من العملاق، في حالة تحفُّز: إنَّ «سهم» لن يَغيب في النهاية؛ فهو محكوم بسُور المزرعة. ولن يُفلت من الشياطين. صرخ العملاق، صرخة قوية مدوية، ليثير الفزع في نفس «أحمد» إلا أنَّ «أحمد» ابتسم، وهو يقفز في اتجاهٍ مخالف لاتِّجاه العملاق. حتى إنَّ الرجل ارتبك للحركة. فهو لم يَفهم لماذا فعل «أحمد» ذلك. غير أنَّه فهم متأخِّرًا.
فقبل أن تنتهي قفزة «أحمد» البعيدة عنه، كانت قفزة أخرى قد بدأت، لتصطدم قدما «أحمد» بالعملاق في قوة جعلتْه يسقط بعيدًا، تابعه «أحمد» بسرعة، ثم سدَّد له لكمة قوية. شعر «أحمد» بعدها أن يده تؤلمه، فعرف أنَّه أمام خصم قوي. ألقى نظرة سريعة في اتجاه «خالد» فرآه مشتبكًا مع آخر. كان «خالد» في هذه اللحظة يُسدِّد يمينًا خطافية إلى خصمه، فجعله يطير في الهواء.
كان العملاق قد ترنَّح نتيجة قبضة «أحمد»، إلا أنَّه عاد في غضب، وهو يحاول أن يمسك بالشيطان الرشيق. مدَّ «أحمد» يده إليه، فقبض عليها العملاق في وحشية، وجذب «أحمد» في عنف. غير أنَّ «أحمد» استغل اندفاعه في اتجاه العملاق، فطار كالسهم، وارتطم بصدره فاهتز، ثم سقط على الأرض. وفي لمح البصر كان «أحمد» يقفز في اتجاهه، ثم يُسدِّد إليه سيلًا من اللكمات المُتتالية، حتى فقد الرجل وعيه. وفي سرعة كان يشدُّ وثاقه. وعندما انتهى منه ألقى نظرة سريعة على المكان. كان الشياطين يشتبكون في معركة، يبدو الانتصار فيها لهم.
بحث بعينيه في الأفق، فرأى «سهم» يقف هناك. نظر حوله. كان هناك حصان يقف تحت شجرة. أسرع إليه، وفي خفَّة، قفز في الهواء، فاستقرَّ فوق الحصان الذي أصابه الفزع، فأخذ يدور حول نفسه، حتى خشيَ «أحمد» أن يسقط، إلا أنَّه انحنى فوق رقبة الحصان والتصق به تمامًا. ظلَّ هكذا، حتى هدأ الحصان، فأخذ يربت عليه. ثم انطلق به إلى حيث يقف «سهم».
كان «أحمد» مُلتصِقًا بجسم الحصان، حتى لا يظهر لأحد. وكان الحصان يجري في سرعة مُذهِلة، وهو يَقفِز من فوق الأشجار الصغيرة التي تملأ المكان. رفع «أحمد» وجهه، ونظر في اتجاه «سهم»، الذي كان يقف، وقد رفع وجهه إلى السماء في كبرياء. كان يبدو جميلًا تمامًا، حتى إنَّ «أحمد» ابتسم. لقد كان يشعر بالسَّعادة، ها هو الحصان العربي سوف يعود إلى صاحبه. غير أنَّه فجأةً كاد يلقي بنفسه من فوق الحصان؛ فقد اندفع الحصان بقوة غريبة في اتجاه شجرة ضخمة، وفي لمح البصر، قفز «أحمد» قبل أن يصل الحصان إليها، وتعلَّق بأحد أغصانها، وفكر بسرعة: هل يكون هذا الحصان مُدربًا؟ إنَّ الحصان لم يصطدم بالشجرة؛ فقد مرَّ بجوارها، بما يكفي لأن يتحطم من يكون فوقه.
وفي حركة رشيقة، استقر «أحمد» فوق الغصن. ألقى نظرة سريعة في اتجاه «سهم»، الذي كان لا يزال يقف مكانه. في نفس الوقت الذي كان الحصان الآخر يتَّجه إليه ظلَّ «أحمد» يرقب اندفاع الحصان إلى «سهم»، وقال في نفسه: يبدو أنَّه حصان شرس، وقد يُصيب «سهم» إصابة تجعله يفقد قيمته. قفز من فوق الشجرة، لكنَّه فجأة رأى ما لم يَخطر له على بال؛ لقد كان الحصان الآخر يقود «سهم» في اتجاه النهر. كان المشهد غريبًا. وقال «أحمد» في نفسه: المؤكَّد أنَّه حصان مدرب على أعمال خاصة.
ظلَّ في مكانه يرقب حركة الحصانين. وعندما تحرَّك، كان الاثنان يقتربان منه. فجأةً لمح عن بُعدٍ حصانًا يقترب في سرعة. ركَّز نظرَه جيدًا، فرأى رجلًا فوق الحصان، يَركبه بطريقة تجعله لا يظهر جيدًا، فكَّر بسرعة: لا بد من اصطياده.
نظر حوله، كان «سهم» والحصان الآخر يقتربان أكثر، بينما كانت شجرة صغيرة تقف في المنتصف بينهما. قال في نفسه: لو أنَّ الحصانين استمرا في طريقهما، فإنَّ فرصتَنا تكون جيدة.
تقدم في اتجاه الشجرة، حتى وقف بجوارها. كانت تَرتفِع مساوية له تمامًا. حتى إنَّه يُمكِن أن يَختفي خلفها. تحفز في وقفته، لكن فجأة، غيَّر «سهم» طريقه، وانطلق يجري مُبتعِدًا، وكأنَّه يعرف أنَّ هناك من جاء له. نظر في اتجاه الرجل القادم. كان يجري بسرعة. قدَّر المسافة، وقدَّر اتجاه الرجل أيضًا، ثم انتظر. فكَّر: إنَّه بالتأكيد سوف يكون قريبًا مني، لكني مع ذلك، لا بد أن أحسب حساباتي.
اقترب الرجل أكثر. تحفز «أحمد»، وعندما كان الآخر يمرُّ بجواره منطلقًا بالحصان، كان «أحمد» يَقفز قفزة قوية، ليتعلق برقبة الرجل، ثم يأخذه ويسقطان معًا. وفي سرعة، كان «أحمد» قد قفز واقفًا. في نفس اللحظة التي كان فيها الآخر يُخرج مسدسه، قفز «أحمد» إليه، وسدد له ضربة قوية، جعلت المسدَّس يطير من يده في الهواء. نظر له الرجل في غضب، إلا أنَّ ضربة أخرى من «أحمد» أخذت طريقها إلى الرجل الذي تدحرج مبتعدًا، قبل أن تُصيبه ضربات «أحمد».
أسرع إليه «أحمد» قبل أن يستقر، ثم جذبه في قوة، وضربه ضربة جعلته يتراجع، ثم يسقط على الأرض. تابعه بمجموعة من القبضات السريعة، حتى إنَّ الرجل لم يَستطِع أن يفعل شيئًا. فرفع يدَيه مُستسلمًا. وفي لمح البصر، كان قد لوى ذراعَيه خلفه، ثم ربطهما في قوة.
ثم مدَّ الحبل إلى قدميه، فربطهما أيضًا، وعندما رقد الرجل على الأرض، كان حصانه يقف بعيدًا عن المكان، يرعى العشب.
اقترب «أحمد» منه ولاطفه، ثم أخذ يربت عليه، ويداعب شعره، ثم امتطاه في سهولة.
نظر حوله، كان الحصان الآخر قد قاد «سهم» في اتجاه النهار، واقترَبا منه. لكز الحصان بقدمه، فانطلق به. وعندما اقترب، كان الشياطين قد أنهوا معركتَهم. رفع «رشيد» يده مشيرًا إلى «أحمد»، الذي كان يتَّجه إلى «سهم».
في نفس اللحظة، كان صوت عدد من السيارات يَقترب. ألقى الشياطين نظرة في اتجاه الأصوات. وهمس «فهد»: إنَّها معركة أخرى في الطريق.
وبسرعة كان «فهد» يرسل رسالة إلى رقم «صفر». في نفس الوقت، كان «باسم» يراقب اتجاه «أحمد»، الذي كان قد اقترب تمامًا من «سهم». قفز «أحمد» من فوق الحصان، نظر له «سهم» نظرة مستقيمة، ثم ضرب الأرض بقدميه، وكأن هناك لغة مشتركة بينهما. ابتسم «أحمد»، لقد كان «سهم» جميلًا إلى الدرجة التي تأسر العين. مدَّ «أحمد» يده إليه، فمدَّ «سهم» رأسه إلى يد «أحمد»، وكأنَّه يبحث عن شيء فيها.
سمع «أحمد» صرخة مُدوية تنادي: «أحمد»!
نظر بسرعة في اتجاه الصوت، كان «رشيد» هو الذي يصرخ. في نفس اللحظة وقعت عيناه على رجل يسدد طلقة من بندقية، في مكان مرتفع. قفز «أحمد» في قوة، وهو يدفع «سهم» بعيدًا، فدوت الطلقة قريبة منهما، غير أنَّ طلقة أخرى كانت قد خرجت من مسدس «باسم» لتُسقط البندقية من يد الرجل. فجأة، تحول المكان إلى حصار كامل. لقد ظهر «كاجان». وقعت أعين الشياطين عليه، ومن حوله مجموعة كبيرة من الرجال المسلحين، وكأنَّه جيش في حالة حرب.
فكَّر «أحمد» بسرعة: إنَّ المهم الآن ألا يُصاب «سهم». نظر حوله بسرعة، كانت هناك مجموعة من الأشجار المتفرِّقة، لا تبعد كثيرًا. فكَّر فيها بسرعة … وفي حركة رشيقة، تعلَّق تحت بطن «سهم» وأمسك برقبته … ثم ربت على صدره، فأطاع الحصان، وكأنَّه يفهم ما يريده «أحمد».
ارتفع صوت «كاجان» يقول: استسلموا، بدلًا من أن نضطرَّ إلى الخلاص منكم!
لكنه قبل أن يضيف كلمة أخرى، كانت أصوات طائرات تتردَّد في الفضاء. رفع «أحمد» عينيه إلى السماء، وفكر: لا بد أنَّ الشياطين قد تصرَّفوا.
كان «سهم» قد وصل إلى شجرة ضخمة. نزل «أحمد» ثم أخذه، وقف به خلفها بعد أن أخرج مسدَّسه انتظارًا لأي حركة، يُمكن أن تؤذي «سهم».
تردد صوت في الفضاء: على السيد «كاجان» ألا يفعل شيئًا!
ولم تمض دقائق، حتى نزلت أربع طائرات هليوكوبتر في أرض المزرعة. وضع «أحمد» يده على رقبة «سهم» ثم قبَّله ومشى أمامه، فتبعه «سهم» في طاعة، في نفس اللحظة التي اقترب فيها الشياطين منهما. تحلَّقوا حول «سهم»، الذي كان يقف بينهم في هدوء، ومن بعيد شاهدوا «كاجان» والشرطة تقبض عليه، ومعه عصابته كلها. في نفس اللحظة التي جاءت فيها رسالة من رقم «صفر» تُهنئهم بنجاح المغامرة، وتتمنى لهم وقتًا طيبًا قبل العودة إلى المقر السري.