ما رأي علماء اللغات
ورأيت قبالتي بناء فخمًا خلته البرلمان فاتجهت نحوه، ودخلت بابًا كبيرًا من أبوابه، لكنني سرعان ما أدركت أنه لا يشبه أيًّا من البرلمانات التي رأيت في حياتي — وما أكثر ما رأيت منها — وأنه لا يمكن أن يكون متحفًا ولا كلية للحقوق أو لغير الحقوق، وسألت غير واحد ممن صادفتهم عن البرلمان؛ فإذا كلمة البرلمان لا تعني عندهم شيئًا، وإذا هم لا يفهمونني ولا أفهمهم، فأنا أخاطبهم بالفرنسية تارة وبالإنكليزية أخرى، وهم لا يعرفون الفرنسية ولا الإنجليزية، ولعلهم لا يعرفون غير الفنلندية، وهي لغة لا تشبه واحدة من اللغات التي تنسب أصولها إلى اللاتينية.
وعدت إلى ناحية الفندق وأنا ألعن الجهل، جهلي أناء وجهل أهل البلاد، وألفيت تحت الفندق كله — وهو كبير جدًّا — مشيرًا كتب عليه اسم (سوكدس) فأخذت أدخل أحد ابوابه لأخرج من باب آخر، ثم لا أجد أحدًا يفهمني على الإطلاق والباعة فيه — وكلهم بنات أو سيدات — لا يعرفون من الإنجليزية إلا ألفاظًا محدودة تعاونهم في تجارتهم، وأنا لا أريد أن أشتري شيئًا، ولا أزيد على أن ابتسم حين أرى إحدى البائعات تشير بأصابعها علامة المئتين أو الخمس مئة، تساعد بهذه الإشارة على فهم عبارتها صعبة الفهم، فلما يئست من أن أجد من يُعينني على ما ابتغي خرجت إلى الطريق مرة أخرى، ولم تمض دقائق حتى إذا السماء تظلم، وإذا المطر يهتن مدرارًا، فأسرع أريد أن أجد باب الفندق أحتمي به فلا أعثر عليه.
وأسأل المارة قائلًا (فاكونا) فلا يزيد السائر أو السائرة على أن يهز كتفه أو تهز كتفها للدلالة على أنها لا تفهم رطانتي، وأخيرًا فهمني أحدهم ودلني على باب الفندق فدلفت إليه، وصعدت توًّا إلى طابقه الأعلى حيث يوجد المطعم، فتناولت غذائي وأنا من هذا الفشل الذريع الذي صادفني في حيرة وضيق.
وذكرت ما حفظنا صغارًا من أن كل لسان إنسان، وأن كل لغة شعب وأمة، وتأسفت على أنني لا أعرف إلى جانب العربية غير الإنجليزية والفرنسية، ثم حمدت الله على أنني أعرف هاتين اللغتين، وإن لم تسعفاني في هذا اليوم الأول من أيامي بهلسنكى بأي طائل.