المسلمون في فنلندا
ومن عجائب ما في فنلندا أن بها عددًا من المسلمين قيل لي: إنهم يبلغون التسع مئة، يُقيم ثلاث مئة منهم بهلسنكى، ويتفرق الباقون في بلاد أخرى، وإنما زال عجبي حين ذكرت أن في روسيا وهي تجاور فنلنا، عددًا من المسلمين غير قليل، وأنني زرت في بلاد المجر من نحو عشرين سنة زاوية يقيم بها مسلمو المجر صلواتهم رغم تواضعها وضيقها.
والتقيت ببعض هؤلاء المسلمين الفنلنديين في حفلة أقامها الوفد العراقي بالمؤتمر، وذكر لي بعض إخواننا العرب أنهم زاروا المكان الذي يُقيم فيه هؤلاء المسلمون من أهل هلسنكى صلواتهم، فألفوه مكانا متواضعًا غاية التواضع، وتحدثنا في ذلك إلى زعيم هؤلاء المسلمين من أهل هلسنكى، وسألناه ما لهم لا يقيمون مسجدًا تُؤدى فيه الشعائر، فقال: إنهم فكروا في ذلك تفكيرًا جديًّا، وإنهم عرضوا أمره على الحكومة الفنلندية، وذكروا أنهم على استعداد لهدم المكان المتواضع الحالي وإقامة مسجد محترم مكانه، وأباحت لهم الحكومة الفنلندية أن يفعلوا، وذكرت أنها مستعدة لمعاونتهم بمبلغ خمسة آلاف من الجنيهات الإسترلينية، وأضاف السيد طاهر أنهم عرضوا الأمر على المهندسين فتبينوا أن إقامة المسجد تتكلف مئة ألف جنيه، وأن المسلمين المقيمين بهلسنكى، بل المسلمين المقيمين بفنلندا كلها، وعددهم لا يبلغ الألف، يضيقون بالاكتتاب في هذا المبلغ كله، خصوصًا أن كثيرين منهم ليسوا من ذوي اليسار، وإن كان بعضهم من التجار الموسرين، والسيد طاهر نفسه من كبار تجار الفراء بهلسنكى.
وكان السيد عبد الله بك اليافي، رئيس وزراء لبنان السابق، حاضرًا هذا الحديث فلما سمعه قال بالعربية لإخواننا الملتفين حولنا من أبناء العراق وسوريا والبلاد العربية المختلفة: ولم لا يتعاون المسلمون في بقاع الأرض على إقامة هذا المسجد، وأيدت أقواله هذه وأيدها سائر الحاضرين، واتفقنا على أن أشترك أنا مع السيد اليافي في دعوة العالم الإسلامي للاشتراك بمبلغ خمسين ألف جنيه يُفتح لها حساب خاص ببنك مصر لإقامة هذا المسجد بفنلندا، على أن يقوم المسلمون الفنلنديون بالاكتتاب بباقي المبلغ، وعرضنا هذه الفكرة على السيد طاهر، فاغتبط بها أشد الاغتياط، وقال: إنكم إذا اكتتبتم من العالم الإسلامي بمبلغ خمسين ألفا، ودفعت حكومة فنلندا خمسة آلاف سهل علينا أن نجمع من المسلمين الفنلنديين ما يكمل المئة ألف المطلوبة لإقامة المسجد، وأقمناه على نحو يسركم إذا جئتم إلينا هنا مرة أخرى.
وفي يقيني أن جمع مبلغ خمسين ألف جنيه تُرصد في حساب خاص ببنك مصر لهذا الغرض، والإشراف على إقامة المسجد من أيسر الأمور، وأني لأرجو متى عُدت إلى مصر أن أتفاهم مع دولة عبد الله بك اليافي على الطريقة التي ندعو بها العالم الإسلامي للاشتراك في هذا الاكتتاب، وللإشراف على إقامة المسجد.
وقد أدى بنا هذا الحديث إلى أن سألنا السيد طاهر وبعض إخوانه المسلمين الفنلنديين عن أصلهم، وكيف جاءوا إلى هذه البلاد، وكان جوابهم أنهم من أصل تركي، وأن أكثرهم يتكلم التركية إلى، الآن وإن انقطعت كل صلة بينهم وبين تركيا، وأنهم متمسكون كل التمسك بشعائر دينهم، وأن أحدًا من رجال الحكم لا يعترضهم في القيام بهذه الشعائر؛ لأن فنلندا بلد حر، حرية العقيدة وحرية الرأي وكل صور الحرية مكفولة فيها لأبنائها جميعًا على اختلاف مذاهبهم أو الجنس الذي انحدروا منه، وأنهم لذلك سعداء كل السعادة بحياتهم في هذه البلاد القاصية؛ لأن الحرية التي يتمتعون بها فيها تكفل لهم كل رعاية، وكل ما يطمع الإنسان فيه من سعادة.