صاحب سنوحا المصري
افتتح المؤتمر البرلماني أعماله صباح اليوم، ودعا رئيس الشعبة البرلمانية الفنلندية إلى حفلة استقبال بعد الظهر، وذهبتُ إلى هذه الحفلة فلقيني رجل في مثل سني وسألني إن كنت إيطاليًّا، قلت: بل أنا مصري، وتحدثنا بالفرنسية، وعرفت منه أنه فنلندي، وأنه أستاذ الدراسات اللاتينية بجامعة هلسنكى، قلت: ألا تستطيع يا سيدي أن تدلني على طريقة ألتقي بها مع كاتبكم الكبير (ميكا فالتري) مؤلف (سنوحا المصري)، فقد قرأت قصته هذه في ترجمتها الإنجليزية، وذلك قبل أن تترجم إلى العربية، وأعجبت بها غاية الإعجاب، وتمنيت لو أعرف كاتبها، فأنا كاتب كذلك، قال الرجل: لقد كان (فالتري) تلميذي، وهو الآن في نحو الخمسين من العمر، وسأجتهد في أن أصل بينك وبينه إذا كان قد جاء من مصيفه إلى هلسنكى، عند ذلك أعطيته بطاقتي وذكرت له أنني أنزل فندق (فاكونا).
وفي صبح الثلاثاء نزلت في الفندق أريد البرلمان، وسألت في الفندق عما إذا كانت لي رسائل عندهم، فأعطوني الرسائل وأعطوني كتابًا نظرت في عنوانه؛ فإذا هو الترجمة الإنجليزية لكتاب (فالتري) (الملاك الأسود)، وقدرت أن الشاب ابتاعه لي وتركه في الفندق، فلما بلغت البرلمان وقابلت الشاب شكرته على عنايته بشراء الكتاب، فقال: إنه لم يشتره، وأخذ النسخة من يدي وفتحها فإذا عليها إهداء بأسمي من (فالتري) نفسه، عند ذلك أيقنت أنه في هلسنكى، وأن أستاذ الدراسات اللاتينية أبلغه طلبي مقابلته، وأنه تفضل مشكورًا بهذا الإهداء الرقيق، وأن الواجب يقتضي أن أقابله لأشكره على رقته وعلى ظرفه.
وطلبت إلى الشاب الفنلندي أن يتصل به ويخبره أنني مسافر الغداة من هلسنكى، وأنني أريد مقابلته في اليوم نفسه، ورويت هذه القصة إلى صحيفة فنلندية تتقن الإنجليزية، وكانت تجالسني في مطعم البرلمان، وقامت الصحفية لفورها فاتصلت بمنزل الكاتب الكبير ثم عادت تقول: إنها اتصلت بزوجته فأخبرتها أن (ميكا) لا يسعفه وقته بمقابلتي اليوم لأعمال تشغله، وأنه يستطيع أن يقابلني بعد غد، فلما أخبرتها أنني مسافر الغداة، قالت لها: إنها تأسف لذلك وإن زوجها كان يود أن يرى هذا المصري الحريص على مقابلته.
ورأيت واجبًا أن أكتب لـ (ميكا فالتري) أشكره على إهدائه كتابه (الملاك الأسود) إياي، فكتبت له شاكرًا ظرفه ورقته، ولم يسعفني الوقت بعدُ لأقرأ هذا الكتاب الذي يتحدث عن فتح الأتراك القسطنطينية في سنة ١٤٥٣، وعن دخول الإسلام أوروبا.