الدستور المأكول وقلادات النيل
المعركة حول الدستور بين النمور، والعقل المصري مبتور، لم يبقَ إلا القوة الغاشمة تطرد أطياف الشعب، لم يبقَ إلا قِلَّة مُتنمِّرة تتصارع على قطعة اللحم.
السياسة هي هذا الوحل، لهذا قررت العودة إلى روايتي المؤجَّلة عن ذكرياتي منذ ستين عامًا، لا شيء يبقى في الذاكرة مثل الحب ما بين العاشرة والعشرين من العمر.
المرأة التونسية لا يخدعها الكلام الزئبقي عن عدم المساس بحقوقها في الدستور الجديد، تنبَّهت لكلمة «تكامُل» المُراوِغة، تنبأت المرأة التونسية بالمستقبل المُظلِم، خرجت في مظاهرات وقائية استباقية تُعلن: «لا تكامُل، بل المساواة التامَّة»، وعي المرأة التونسية يسبق وعي المرأة المصرية بنصف قرن، المرأة المصرية ملفوفة الرأس، عفيفة النفس، لا تتنبَّأ بالغيب، أصبح الله والغيب من أملاك أصحاب الحُكم.
يتم الآن وضع دستور مصري في غياب أطياف الشعب منهم النساء، لم تخرج المرأة المصرية في مظاهرة ولم يرتفع لها صوت، ولم يرتفع صوت الرجال الذين يؤلفون الكتب عن تحرير المرأة، ويحضرون المؤتمرات النسائية الدولية.
الرجال منهمكون في تقسيم غنائم الثورة، ووضع الدستور في غياب الحرائر والقوارير.
لم يُضَف إلى الدستور حتى الآن مادة واحدة تنص بوضوح على المساواة التامة بين الرجال والنساء في جميع الحقوق والواجبات العامة والخاصة، هذا هو الأساس الدستوري الأول لأي عدل وحرية وكرامة.
في تونس خرجت مظاهرات الرجال والنساء، هذا الوعي الشعبي في تونس يقف ضد أي تهديد لحقوق النساء، هذا الوعي لا ينتظر حدوث الرِّدة، بل يؤمن أن درهم وقاية خير من قنطار علاج.
الدستور المصري ينص على المساواة بين المواطنين في الدولة، هذا النص شديد العمومية، ويسمح بالتلاعُب، لذلك يجب النص في الدستور الجديد على المساواة بين المواطنين والمواطنات، وعلى المساواة التامة بين النساء والرجال في الدولة والأسرة، دون استثناءات تحت أي شريعة.
الدستور في الدول المدنية يعلو جميع الشرائع والمذاهب الدينية، وإلا فإن الكلام عن دولة مدنية مصرية ليس إلا مراوغة ودفنًا للرءوس في الرمال.
نجحت المرأة التونسية منذ عام ١٩٥٦م في اكتساب حقوق، منها تساوي الزوج والزوجة في حق الطلاق أمام القاضي، وتجريم تعدُّد الزوجات، هكذا تمت حماية المرأة والأسرة التونسية من آفات تنخر في عضد الأسرة المصرية حتى اليوم.
فشلت المرأة المصرية فيما نجحت فيه المرأة التونسية منذ عام ١٩٥٦م.
خرجت آلاف النساء والرجال في مظاهرات ضد حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس، التي تسعى إلى تمرير فصل من دستور تونس الجديد، يعتبر المرأة «مُكمِّلَة» للرجل، لغة الدستور يجب أن تكون واضحة دقيقة لا تحتمل التأويل.
طالبت المظاهرات بالوضوح في الدستور، وشطب كلمة «مُكمِّل»، والنص على المساواة التامة بين الجنسين، المساواة بين الرجل والمرأة تعني أن كلًّا منهما مكتمل في ذاته، أو مكتملة في ذاتها.
رغم مشاركة المرأة المصرية في الثورة بدمها وحياتها إلا أنها لم ينلها إلا الأذى، مثل الشباب الفقراء، قُتِلوا ودُفِنوا، أو فقدوا نور عيونهم، أو لا يزالون مفقودين لم يُعثَر على جُثثهم، أو قابعين في السجون العسكرية تحت التعذيب.
نتحدث هنا عن الآلاف من شباب مصر، دفعوا ثمن الثورة بدمائهم، ويعيش الذين قتلوهم في راحة ونعيم، أو في سجن خمس نجوم، أو تُكرِّمهم الدولة بقلادات النيل!