كرامة المرأة كرامة وطن

جاءتني فتاة حائرة، تقدم للزواج منها شاب من التيار السلفي يعتبر اسمها ووجهها عورة، لكنه يُدافع عن كرامة مصر، ويرفض المعونة الأجنبية، سألتني: هل تتزوجه لأنه يحترم كرامة الوطن أم ترفضه لأنه يُهدر كرامتها؟

لا يواجه الرجل مثل هذه الحيرة؛ لأن كرامة الوطن لا تتناقض مع كرامة الرجل في الفكر الديني السائد، ولأن اسم الرجل لا يكون عورة أو وجهه، فهذه إهانة له، فلماذا لا تكون إهانة للمرأة أيضًا، وهي إنسانة مثله لها كافة الحقوق الإنسانية؟ أين المساواة والعدالة والكرامة التي نادت بها الثورة المصرية؟

المفترض أن الكرامة لا تختلف من إنسان إلى إنسان آخر، الكرامة هي حق لجميع المواطنين بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو العرق أو الطبقة أو غيرها.

قلت لهذه الفتاة: «لو كنت مكانك، فلن أتزوج رجلًا يعتبر اسمي ووجهي عورة، وإن كان بطلًا وطنيًّا، إن كرامة المرأة لا تنفصل عن كرامة الوطن.»

تحيرت الفتاة، وقالت: «أريد أن أتزوج.»

قلت: «اختاري رجلًا يحترم كرامتك.»

قالت: «لم أجده.»

قلت: «لا تتزوجي لمجرد الزواج.»

قالت: «أخاف من كلمة عانس.»

قلت: «يمكنك حذفها من قاموسك.»

لماذا انخفضت كرامة المرأة المصرية مع تصاعُد التيارات السياسية الدينية؟

لماذا يمدحون رجلًا يتشدق بكرامة الوطن رغم أنه يدوس على كرامة النساء؟

ينسى الرجال كرامة النساء وحقوقهن في حلبة التنافسات على كراسي الرئاسة والمُزايدات السياسية والانتخابية.

من هي اللجنة التي ستضع الدستور الجديد أو العقد الاجتماعي الجديد؟

هل تمثل لجنة الدستور الشعب المصري بكل فئاته؟ والنساء نصف الشعب فهل يكون نصف أعضاء اللجنة من النساء؟

هل يمكن لمجلس ٩٩٪ من أعضائه رجال أن يمثل الشعب؟

إذا جاء أغلب أعضاء لجنة الدستور من التيارات التي لا تساوي بين كرامة المرأة وكرامة الرجل، فسوف يكون هذا الدستور غير عادل، وبالتالي غير دستوري؛ لأن الدستور إن لم يقم على العدالة والمساواة بين المواطنين جميعًا بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو الطبقة أو غيرها، فإنه يكون دستورًا أعرج، لا يستحق اسم دستور، ولا يستحق اسم عقد اجتماعي.

بعض النساء يقولون العدالة شيء، والتوافُق بين القوى السياسية والدينية السائدة شيء آخر، لذلك تضيع حقوق النساء تحت اسم التوافُق، تحت اسم التوافُق تتسرب الديكتاتورية والعنصرية والطبقية الأبوية إلى الدستور.

يقولون: «النساء أغلبية عددية، لكنهن أقلية من حيث القوة السياسية، والقوة هي التي تحكم وليس العدل.» إذًا لن تمثل لجنة الدستور الشعب المصري كله، ولن تنتج عقدًا اجتماعيًّا جديدًا أو دستورًا عادلًا، يساوي بين النساء والرجال.

•••

هل غيرت الثورة المصرية الثقافة القائمة على إهدار كرامة المرأة؟

في مقاله بجريدة الأهرام ١٣ فبراير ٢٠١٢م كتب د. محمد بديع، المرشد العام للإخوان المسلمين: «إننا نسعى لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة القائمة على أسس المواطنة ومبادئها وسيادة القانون والحرية والمساواة بين جميع أبناء الأمة بلا تمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين.»

لم يذكر مرشد الإخوان التمييز على أساس الجنس، لماذا؟ هل سقطت سهوًا؟ أم أنه يعتبر كلمة العرق تعني الجنس؟ أم أن مبدأ المساواة بين الرجال والنساء غائب في فكر الإخوان المسلمين؟

وفي جريدة الأهرام ١٢ فبراير ٢٠١٢م يكتب د. علي جمعة مفتي الجمهورية: «إن الإسلام قرر المساواة بين الناس جميعًا، أما الآية القرآنية التي تقول: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ (النساء: ٣٤)، فهي لا تتحدث عن جنس النساء وجنس الرجال، بل تتحدث عن الزوج وزوجته، حيث جاء فيها: فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ولا يصح لأي رجل أن يفعل ذلك إلا بزوجته.»

هذا كلام المفتي، ومعناه أن المساواة في الإسلام تكون بين الناس جميعًا نساءً ورجالًا، إلا في حالة الزوجة وزوجها، وهذه تفرقة كبيرة تُهدر فيها كرامة المرأة لمجرد أنها تزوجت.

وضع الزوجة المصرية في الواقع أدنى من وضع الماشية، ترتفع قيمة البقرة في الريف عن قيمة الزوجة، وثمن الخادمة قد يرتفع عن قيمة الزوجة، وقد يمتلك الرجل بقرة واحدة وأربع زوجات يشتغلن أكثر من البقرات.

يتسرب هذا المعنى إلى الثقافة العامة والتعليم في المدارس والتربية في البيوت، تصبح كرامة الزوجة مُهدرة، أو النساء بصفة عامة.

كثير من الصحفيين والكُتَّاب يتهكَّمون على المرأة، كنوع من التسلية، كان توفيق الحكيم يفخر بأنه عدو المرأة، أنيس منصر لم يكف عن إهدار كرامة النساء في عموده اليومي بجريدة الأهرام.

في جريدة الأهرام ١٨ فبراير ٢٠١٢م في دنيا الكاريكاتير، تحت عنوان «إقبال ضعيف جدًّا ﻓ انتخابات الشوى» يصور الكاريكاتير زوجة مرعبة الشكل، ضخمة الجسد كالفيل، شعرها أسود غزير منكوش، تمسك في يدها اليمنى أداة حديدية، وتمسك في اليد الأخرى زوجها الضئيل الجسد، أمامه حلل يغسلها وزوجته تكاد تسحله، وتقول له: «شورى إيه؟ الشورى هنا شورتي وبس.»

هذه الصورة تكذب على الناس؛ لأن الزوج في الواقع والقانون والشرع والعرف، هو الذي يحكم العائلة كلها بما فيها زوجته، ويضربها إن لزم الأمر، ويطلقها بإرادته المنفردة حين يشاء، ويتزوج امرأة ثانية وثالثة ورابعة إن أراد، فلماذا يصورون المرأة كأنما هي الطاغية في حين أن الرجل هو الطاغي؟

الثقافة السائدة قائمة على الأكاذيب وقلب الحقائق، وإهدار كرامة النساء، يكفي أن نمشي في الشارع، لنسمع من الصبيان سيل الشتائم تنهمر على رءوس الأمهات، وانتهاك حرمة أعضائهن الحميمة، ولنسمع الباعة الجائلين يقسمون كل لحظة بالطلاق بالثلاثة.

لكن الثورة قامت ورفعت شعارات: الكرامة والعدالة والحرية، والمفروض أن تسري هذه المبادئ على النساء نصف المجتمع، وأن تصبح هذه المبادئ هي أساس الدستور الجديد وكل القوانين الجديدة العامة والخاصة، بما فيها قانون الأحوال الشخصية، هذه هي الوسيلة الوحيدة لخلق مجتمع أفضل، وأسرة أقل تعاسة، وامرأة كرامتها لا تنفصل عن كرامة الوطن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤