ماذا يحدث للنساء باسم الإسلام؟
أجلس في مقعدي بالطائرة من مدينة كراكو «في بولندا» إلى مدينة ديترويت في ولاية ميشيجين بأمريكا الشمالية (مرورًا بمدينة وارسو وباريس)، حوالي خمس عشرة ساعة في الجو، أقرأ فيها صحف العالم، شمالًا وجنوبًا، أمامي رُزمة الجرائد بلُغات متعددة، منها العربية والفرنسية والإنجليزية والبولندية والألمانية، أرشف القهوة السوداء المُرَّة، مع الأخبار الأكثر مرارةً وسوادًا، القادمة من المنطقة التي يسمونها الشرق الأوسط، منذ الاستعمار البريطاني في القرن ١٩، حتى الاستعمار الأمريكي في القرن ٢١: مصر واليمن وتونس والعراق وسوريا ولبنان وإيران وباكستان وأفغانستان، وغيرها.
تبدو العناوين الرئيسية متشابهة رغم اختلاف الحروف الأبجدية، تعرَّفت على بعض الكلمات البولندية أثناء زيارتي الأخيرة لمدينة كراكو، حيث زُرت متحف شيندلر، ومحارق الغاز، في منطقة «أوشويدس» سيئة السُّمعة الشهيرة، منذ فيلم المخرج سبيلبرج، قُلت للمرشدة البولندية، ونحن داخل محارق الغاز، وأنفاسي تكاد تنقطع من انعدام الأوكسجين: هل تريدون خنقنا هنا في كراكو؟
ضحكت المرشدة البولندية وقالت: ربما هناك محاولة لتصوير بشاعة ما حدث من تعذيب لليهود، لكن الحقيقة يا سيدتي أن ضحايا هتلر والنازية في محارق الغاز، من سنة ١٩٣٩م حتى ١٩٤٥م كانوا بالآلاف، من شعوب ٤٣ دولة، داخل أوروبا وخارجها، نساء وأطفال ورجال، من غير القادرين على العمل، من مختلف العقائد والأديان، وليس فقط من اليهود، لكن الاستعمار البريطاني (والأوروبي) تعمَّد نشر الإشاعة أن اليهود فقط كانوا الضحايا، من أجل تبرير إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين عام ١٩٤٨م، وها هي دولة إسرائيل تفعل بالشعب الفلسطيني ما فعله هتلر بهم وأكثر.
كانت الأمطار تُبلِّل ملابسنا، فقد خدعتنا الشمس في الصباح بقوتها ودفئها، فتركنا المعاطف بالفندق والشماسي.
ضحكت المرشدة وقالت: الشمس تخدعنا مثل التاريخ الرسمي الأوروبي، نحن الشعب المسيحي في بولندا عانينا من عذاب النازية أكثر من اليهود. ثم سألتني: هل قرأت الأخبار السيئة الأخيرة ضد النساء في مصر وتونس وطالبان؟
لم يكن عندي الوقت لقراءة شيء إلا في اليوم التالي، وأنا بالطائرة أقرأ صحف العالم، ماذا يحدث للنساء والبنات باسم الإسلام؟ إطلاق الرصاص على الأطفال البنات تحت حكم طالبان، لمجرد سعيهن إلى العلم والمعرفة في المدرسة، والانقضاض على حقوق النساء التونسيات وكرامتهن تحت الحكم الإسلامي الجديد، حتى تاريخ المرأة التونسية يتم تشويهه.
هذه السطور من بيان لتحالف نساء تونس في ٢٠ أكتوبر ٢٠١٢م:
لم نتصور أن ثورة تونس الشعبية العظيمة سوف تتمخض عن هذا الحكم الذي يُهدر حقوق النساء وكرامتهن تحت اسم الإسلام، حتى الرائدات المناضلات يتم تشويه تاريخهن المشرِّف، منهن السيدة عائشة المنوبية التي ثارت ضد الظلم وضحَّت بالزواج من أجل العلم، ودعت (مثل رابعة العدوية) إلى جوهر الدين وليس الطقوس والقشور، وكانت تحمل الماء، وتطفئ به نار جهنم، أو تحمل شعلة تضيء بها الجنة، رمزًا إلى عمل الخير حبًّا في الخير، وليس طمعًا في الجنة أو خوفًا من الجحيم.
والبنات الأطفال المقتولات تحت حكم طالبان، منهن الطفلة «مالالا» التي صوَّبوا الرصاص إلى رأسها؛ لإصرارها على التعلُّم ورفض الحبس داخل جدران البيت، وأطفال بنات وفتيات تلميذات، حُرقت وجوههن بماء النار؛ لخروجهن إلى المدرسة، أو عدم ارتداء النقاب أو الحجاب.
في مصر تعمَّدت مُعلِّمة منتقبة إرهاب تلميذة طفلة، بقص شعرها بالقوة؛ لعدم ارتدائها النقاب.
أهذه هي نتيجة الثورة الشعبية المصرية العظيمة التي أطاحت برأس النظام السابق الفاسد؟
هل خرجنا إلى الشوارع والميادين منذ ٢٥ يناير ٢٠١١م لإخفاء وجوه البنات، أو من أجل تطبيق ما يسمونها «أحكام الشريعة»؟ نحن خرجنا وأُهدِرَت دماؤنا وفُقِئت عيوننا من أجل الحرية والعدالة والكرامة للجميع نساءً ورجالًا، فقراء وأغنياء.
من هو وزير التعليم الذي أصدر قرارًا بفرض الحجاب على تلميذات المدارس؟
ومن هو الوزير الذي سكت على هذا القرار ولم يعترض عليه بالاستقالة من منصبه؟
وماذا فعل وزير التعليم الحالي أو رئيس الوزراء أو رئيس الدولة لإبطال هذا القرار؟
وهل فرض الحجاب على البنت الطفلة هو الحرية الجديدة تحت الحكم الإسلامي؟
حين جاء باراك أوباما إلى القاهرة في يونيو ٢٠٠٨م، قال إن المرأة المصرية حرة في اختيارها الحجاب أو النقاب، أهذه هي الحرية والديمقراطية الأمريكية التي تتبعها الحكومات المصرية منذ السادات حتى اليوم؟
هل تذكرون الأب المصري الذي تعاون مع زوجته في ضرب طفلتهما حتى ماتت؛ لأنها خلعت الحجاب في يوم شديد الحرارة؟
•••
والسؤال الذي يهرب منه الكثيرون:
ما هي القوى السياسية والاقتصادية الخارجية والداخلية التي موَّلت وشجعت ودربت على السلاح هذه التيارات السياسية الإسلامية، على رأسها طالبان والجهاديون الإسلاميون، من أفغانستان إلى باكستان إلى الجزائر ومصر وتونس وسوريا والعراق وإيران والأردن واليمن وغيرها؟
أليست هي الحكومات العربية والإسلامية المتعاونة مع الاستعمار الأمريكي الأوروبي الإسرائيلي؟
لا يكون العلاج بوضع المراهم على الجروح، أو أن يُصدر وزير التعليم قرارًا بنقل المعلمة أو فصلها أو سحلها، فهي امرأة مُضلَّلة بالتعليم الهابط والإعلام والثقافة والسياسة الأكثر هبوطًا، مثل غيرها من أفراد الشعب المصري، العلاج هو باستئصال الأسباب التي أدت إلى تصاعُد قوة التيارات السياسية الإسلامية إلى هذا الحد، العلاج بكشف العلاقة بين الاستعمار الأمريكي الأوروبي الإسرائيلي والحكومات المصرية والعربية وغيرها من الدول الإسلامية، العلاج بثورات شعبية جديدة، لإسقاط الحكومات الدينية في كل الدول، ومنها الحكومة اليهودية في إسرائيل، والقوى المسيحية المسيطرة على السياسة والانتخابات والأسواق المالية والتجارية في أمريكا وأوروبا.
العلاج ليس فقط بإصدار قرار بمنع النقاب والحجاب في المدارس، سواء على التلميذات أو المعلِّمات، ولكن بفصل الدين عن التعليم والدستور والثقافة والفنون والقوانين العامة في الدولة، والقوانين الخاصة في الأسرة.
لا بد من إصدار قانون يُعاقب الأم أو الأب الذي يفرض الحجاب على ابنته في مرحلة الطفولة أو بعدها.
يجب تنقية الدستور من كل المواد والكلمات التي تُشير من قريب أو بعيد إلى أحكام دينية تتعلَّق بالدولة أو الأسرة أو الحقوق الشخصية والعامة للنساء والرجال.
هذا واجب كل فرد من شعب مصر العظيم الذي استطاع دائمًا أن يتخلَّص من كافة أنواع العبودية سياسية أو دينية أو غيرهما.