امرأة ليس لها رأس
نظرت إلى نفسها في المرآة، لم يكن رأسُها موجودًا، صرخت بالفزع دون أن يخرج صوتها.
رجلٌ صوتُه غريب يُناديها من الصالة، اسمه محفور فوق رُقعة نحاس على باب بيتها، وفوق بطاقتها الشخصية، وفوق جسدها في النوم، وفوق كراريس أطفالها، وفوق جبينها قبل أن تولد.
يُناديها الناس، في حياته وبعد موته، حرم السيد، اختفى اسمها مع رأسها.
أمسكت القلم وكتبت «الرأس»، أصبح للكلمة وجود مادي فوق الورق، خلقت بالكتابة شيئًا من اللاشيء، أحسَّت بالسعادة.
قالوا لها: «الخالق ليس له شريك، فما بال شريكة من الجنس الآخر؟»
أصبحت لعنتها مُضاعَفة (امرأة وكاتبة).
تتجوَّل بين البشر دون الدُّخول في مجال رؤيتهم، كُتلة رخوة سوداء، كيس مملوء بالقش أو بالقطن، إن هي دخلت مجال الرؤية ينتابُهم الرعب، تراهم من الثُّقبين في قمة الكُتلة السوداء، يهتز جسدها نشوةً لكل رجل لا يمكنه إبعاد عينيه عنها، ترجُّ النشوة بؤرة الرُّوح في جسدها مع الحنين الطاغي للحب.
تكتُب سرًّا في الليل:
«أنتم لا ترون إلا جسدي، إن رأيتم وجهي تقعون في حبي، يخلو جسدي في عيونكم من الجمال، لكن جمال رُوحي أبقى وأرقى.
الجسد أعلى مرتبةً من الرُّوح في نظر الرجال المادي، لكن الرجل الرُّوحاني يخترق جسدي إلى بؤرة رُوحي.»
في مكان العينين يوجد الثقبان، مُقلتان لونهما أسود من الليل، بياض العينين أصفر مُبقَّع بالدم، رموشُها مُرتعدة تُشبه رُموش السمك الميت، شعرها المجعَّد مثل فروة الخروف المذبوح في العيد.
تكتب:
«لا يغسل الدم إلا الدم، ولا يعالج الجروح إلا الجروح.»
الشَّعر ينمو في الظلمة فوق شفتها العُليا والصدغين والجبهة والأنف، البلولة من تحت الجلد تروي جذور الشعر، وقطرات تسقط من بين الجفون، ورخاوة المخ داخل الجمجمة، لحيتها تنمو وشاربها. يزيد قُبح المرأة بازدياد شعرها، يقولون إنها الشيطان، الرجل يزيدُه الشَّعر شبهًا بالفلاسفة والأنبياء.
جلدُها مَلمَسُه خشن، جذور الشعر المنزوع بالقوة تركت فوق الجلد ثقوبًا واضحةً مثل الدمامل والبثور، تُشبه جلود الأسماك المنزوعة القشرة، تتناول حبوبًا تُعالج هشاشة العظام، اللحم المتراكم ينحشر داخل قميصها الداخلي، جسدُها يتدلَّى رخوًا داخل جلبابها الواسع الطويل، هل يقع أحد في حُب هذا الجسد مهما بلغت الرُّوح من الجمال؟
عندما تزوجت السيد كانت صغيرة، كان عجوزًا أحدب، متعدد الزوجات، له أحفاد من عمرها.
قالوا: «جسدُه قبيح، لكن رُوحه جميلة.»
صرخ الأطفال حين رأوه: «بشع!»
رأسها تحت الكُتلة الصمَّاء بعيدًا عن الشمس والهواء، تحمل عيناها رعب العالم فوق بياضها المبقَّع بالدم، وسوادها الباهت المسحوق بلون الرماد.
قال الطبيب: «اكشفي رأسك للشمس.»
قالت له: «كشفُ جسدي معصيةُ صُغرى، كشفُ رأسي معصيةٌ كُبرى.»
سألها الطبيب: «إذا كان للحب الرُّوحي بؤرة في جسدك، فأين تكون؟»
أصبحت أرملةً شابةً تبحث عن رزقها، قرأت إعلانًا: «مُخرج يبحث عن امرأة مُنتقبة»، فكرة الظهور على الشاشة أصابتها بالنشوة.
قال المخرج: «لا نُخرج أفلام الرعب.»
قالت: «طلبتم امرأة مُنتقبة، أليس كذلك؟»
قال: «هناك نقاب يُثير الخيال الحِسِّي أكثر من العُري الكامل.»
قالت: «الجمال إحساس داخلي ينبع من الرُّوح.»
قال: «لا نُريد رُوحك، ويمكن بالماكياج عمل نقاب لك مُثير لغرائز الرجال.»
قالت: «نعم ما دُمت لا أكشف رأسي.»